«تقديم»

 عندما امسكت القلم لأكتب عن شهيدنا (المُدَيفع) انتابتني الحيرة والدهشة وسيطر عليّ جوّ من هيبة الشهيد وقدسيته، تحيرت كيف أكتب ومن أين أبدأ وماذا أقول؟ إذ انا أقف أمام من أفنى نفسه في ذات الله وجاد بكل وجوده في سبيل الله، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، انه الشهيد القدّيس (الشيخ علي المُدَيفع) الذي لم يعط للدنيا أي اعتبار ولم يحفل منها بأكثر من سد الرمق وستر البدن، انّى لنا والكتابة عن مثل هكذا انسان؟

 لقد تزاحمت أمامي الافكار وكدت أتيه في ذهول وأوشكت الأبواب تؤصد أمامي لكن لم يكن بد من إجابة الطلب وأداء الواجب فجائت هذه الاسطر المحدودة تلتمس العذر بخجل وحياء من روح الشهيد الطاهرة ومن القراء الكرام.

 نسأل الله تعالى ان لا يحرمنا شرف الشهادة وشفاعة الشهداء، كما نسأله العزة والنصر للإسلام والمسلمين.

«المولد المبارك»

 والد الشهيد ووالدته كانا أفضل مثال للأبوين الصالحين ومن يرى والد الشهيد الحاج عيسى المديفع يلمس فيه لأول وهلة التدين والصلاح، ومع انه انسان بسيط ضعيف الحال الا ان الطيب والصفاء والهدوء والوقار صفات متميزة فيه، وأما أخواه صادق ومحمد فلم يعدوا سمة العائلة في التدين وحسن السيرة بل كان لهما وجود مؤشر وملموس في صفوف الشباب الملتزم، هذه هي عائلة الشهيد وها هم ذوه الأماجد... وفي هذا البيت الطاهر وفي أحضان هذه العائلة الشريفة جاء الموولد المبارك (الشيخ علي المُدَيفِع) وكان ذلك في قرية (الدَّبَّيبية) بالقطيف سنة 1380ﻫ، وفي تلك القرية تربى الشهيد المديفع في كنف عائلة فقيرة لكنها غنية بالايمان معروفة بالعفاف وحسن الخلق.

«انفجار النور»

 كان عمر الشهيد 19 عاما وكان قد أنهى شطراً من المراحل المدرسية حينها كان يعمل في (البحرية) كوظيفة عادية للتكسب، والناس عرفوه منذ صغره ملتزماً متعبداً هادئ الطبع دمث الأخلاق، في هذه الظروف وبتاريخ 14 ربيع الأول 1399ﻫ حقق الله النصر المؤزر لروح الله وانفجر النور العظيم في ايران وحدث الزلزال في كل أنحاء العالم، انه انتصار الثورة الإسلامية المباركة وقيام الجمهورية الإسلامية الوحيدة في دولة إيران على يد المجدد الأعظم سيد العلماء وإمام العظماء الإمام روح الله الموسوي الخميني سلام الله عليه.

 والشهيد المديفع كغيره من آلاف الشباب الملتزم سارع إلى التأييد المطلق للثورة الإسلامية واندفع متحمساً للدفاع عنها ومساندتها وخلال ست سنوات بعد الانتصار كان له دور كبير في توعية الشباب وربطهم بالإسلام المحمدي الخالص والالتزام بخط الولاية المقدس للإمام الخميني العظيم، يشهد له بذلك مسجد المزار في بلدة الدّبيبية بالقطيف كما يشهد له إقرانه من الشباب الذين عايشوه واستمد وا منه الروح العالية واستفادوا من مجالسه وندواته.

 يقول عنه بعض أصحابه: (وكان طيب الفكاهة كثير الفائدة، لا يستحي ان يقول لا أعلم، لا يتدخل في ما لا يعنيه، خفيف الظل تشتاق إلى مجالسته، يدعوك إلى الكتاب ويوثق العرى بينك وبينه، لا يبخل بعلمه ويتمنى ان يفوته الناس في المعرفة... أعاد إلى المساجد رونقها والهدف منها بالمباحثة النافعة والاستذكار الطويل، حتى اننا إذا أردنا الاجتماع به لم نبحث عنه لانا نعلم انه في «مسجد المزار بقرية الدّبابية» بالقطيف الحبيبة، ينهل من العلم بالمطالعة لا ينقطع عن ذلك ولا يفتر).

«الهجرة الميمونة»

 من شدة شوق الشهيد (المُدَيفِع) إلى المعرفة وشدة ولعه بالجمهورية الإسلامية لم يستطع البقاء في بلده وصمم على الهجرة إلى إيران، وفي أوائل سنة 1405ﻫ وصل الشهيد الى مدينة قم المقدسة وانشغل فور وصوله بالدروس الحوزوية، وكانت له المكانة المتميزة في قم بين كل من عرفه من الطلبة كما كانت مكانته بين أبناء بلده (القطيف)، وقضى في الحوزة العلمية قرابة سنة كاملة عُرف خلالها بالجد والالتزام وحسن السيرة ودماثة الاخلاق، ولم يشاهد منه احد خلة أو زلة على الإطلاق.

«نحو جبهات الحق»

 في منتصف عام 1406ﻫ تاقت نفس الشهيد الى التطبيق العملي لمقارعة الطاغوت ولم يسعه البقاء في قم وهو يرى أفواج المجاهدين على جبهات القتال فصمم على الالتحاق بركب انصار الحسين (عليه السلام) وعشاق روح الله، وفعلاً تحققت امنية الشهيد وإذا به في سوح القتال يقارع احفاد بني امية وأعوان صدام الكفار، وقضى له في الجبهة سنة كاملة، أو تزيد كان يتردد خلالها على قم بين الفينة والاخرى، وكان له في الجبهة مواقف مشرفة ومشاهد رائعة كانت موضع إكبار واجلال لدى كل من عرفه من رفقائه في الجهاد....وفي آخر مرة عاد فيها الشهيد الى قم قادماً من الجبهة في إجازة معتادة التقيته في أحد الازقة ـ وكان اللقاء الاخير ـ وتعانقت معه بحرارة وكان مبتسماً مسروراً كأنه قادم من زفاف ولمست فيه نورانية وروحانية لا تكاد توصف، ومما قال لي في حديثه: (اني اشعر بالاستياء والوحشة جداً عندما افارق جبهة القتال واحس كأني فارقت حبيباً وفياً طالما ألفته وأنستُ به).

 ولا غرو ان يحمل الشهيد هذه الروح العالية وذلك العشق المتمز «ان الجهاد باب من ابواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه»، ولا شك ان الشهيد (المُدَيفِع) من اولئك الابدال الذين اختصهم الله بألطافه وغمدهم برحمته.

«شرف الشهادة»

 جاء في الحديث الشريف: «فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر» وهكذا تكاملت روح الشهيد (المُدَيفِع) وسمت وارتفعت حتى اقتربت من الملكوت الأعلى وأصبح أهلاً للشهادة ولائقاً بها، كان الشهر شهر الله شهر رمضان المبارك وأولياء الله جميعاً في ضيافة الله والشهيد كان على الجبهة الغربية للجمهورية الاسلامية مشغولاً بالكفاح المسلح كما هو مشغول بالدعاء والعبادة، وفي اليوم الثامن عشر من الشهر الشريف كان على بعض المجاهدين ـ ومنهم الشيخ (المديفع) ـ ان يعودوا الى الخطوط الخلفية للجبهة لبعض الوقت ثم يكروا راجعين الى مواقعهم لمواصلة الجهاد، وفي طريقهم الى مؤخرة الجبة وهم مستقلون حاملة جنود عسكرية جنَّ عليهم الليل فداهمهم أعداء الثورة من منافقي (كردستان) ووقعت الملحمة الكبرى بين الطرفين حيث رفض أنصار الامام الذل والاستسلام وبعد معركة دامية استشهد سائق الناقلة العسكرية وعرجت روحه الى السماء، وكان الشيخ (المدَيفِع) مشغولاً بتلاوة القرآن مستغلاً ليلة القدر وأيام الشهر المبارك ولم يكن يعبأ بكثافة النيران واحتدام المعركة، وفي هذه الحال آن الأوان للقاء الشهيد بربه فأصابته رصاصة في صدره وأُصيب بضربة قاتلة في رأسه فخرّ إلى الأرض مزملاً بدمائه شاكياً إلى الله ظلم أعدائه فرحاً مستبشراً بلقاء ربه «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين»وهكذا عرجت روح الشهيد (الشيخ علي المدَيفِع) إلى بارئها راضية مرضية ونال (المديفع) أسمى وسام وفاز بأفضل كرامة ولحق بركب الشهداء والصديقين فهنيئاً له بالشهادة والسلام عليه يوم ولد ويوم هاجر إلى أرض الثورة والجهاد ويوم قارع الطاغوت على جبهات الحق ويوم سقط مضرجا بدمه شهيداً في سبيل الله.

«من خصائص الشهيد»

 امتازت شخصية الشهيد وسيرته بمميزات كثيرة قلّ ان توجد في سواه وقد سبقت الإشارة إلى بعضها في ما مضى، والذي أريد ذكره الآن بعض خصائصه كشهيد فقط، انه قل من الشهداء من يحصل على تلك الألطاف والعناية الإلهية التي حصل عليها شهيدنا (المديفع)، لقد اختاره الله إليه ورزقه الشهادة في ظروف ومناسبات توحي بماله من المكانة السامية والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى وأُلَخِّص تلك الميّزات في التالي:

 1 ـ أصيب الشهيد (الشيخ علي المُدَيفِع) في أول ليالي القدر المباركة ليلة التاسع عشر وهي الليلة التي أصيب فيها إمامة علي (عليه السلام).

 2 ـ عمر الشهيد حين استشهاده 27 عاماً حيث ولد سنة 1380ﻫ واستشهد 1407ﻫ، وهو مطابق لعمر شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول شهداء الهاشميين في كربلاء علي الأكبر بن الإمام الحسين (عليه السلام).

 3 ـ بعد ان نقل جثمان الشهيد الطاهر إلى قم المقدّسة تم له تشييع عظيم حافل شارك فيه جموع من المؤمنين وأهل العلم ثم أولحد في قبره الشريف في مقبرة الشهداء مقبرة علي بن جعفر في قم المقدسة وكان ذلك ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك وهي أفضل ليالي القدر وأشرفها.

 ولا أنسى هنا أني حين جئت لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الشهيد مع جملة من أصحابه ومحبيه كشفنا عن وجهه فلم نشعر انه ميت بل رأيناه كالنائم في سبات عميق هادئ البال مطمئن النفس وبشائر السرور والارتياح بادية على محياه بشكلك لمسه الجميع بل ان البعض أهوى عليه يقبله ويعانقه كما يعانق الحي الفرح المستبشر.

 فهنيئاً لشهيدنا (المديفع) على ما ناله من درجات عالية وهنيئاً لمن سبقه ولحقه من الشهداء الأبرار، ربنا ارزقنا ما رزقتهم وأعطنا كما أعطيتهم واحشرنا في زمرتهم وارزقنا شفاعتهم.

 والسلام عليهم جميعا وعلى أولياء الله الصالحين

«وصية الشهيد»

بسمه تعالى

 وصيتي إلى المسلمين والمستضعفين في العالم

 ايها المسلمون المستضعفون في العالم عليكم ان تنتبهوا لما يدور حولكم دائماً فانكم لو انتبهتم الى ذلك لرأيتم كيف ان الكفر والنفاق والاستكبار كله قد برز للقضاء عليكم ولا يكفي ان نعرف هذا بل ان الاهم من ذلك هو التخطيط والعمل الجدي مع التحلّي بالايمان والصبر والاستمرارية الى نهاية المخطط السليم الذي يرسمه لنا العقل السليم. ولا أعتقد ان إنسانا يملك عقلا سليما وهو يتبع قائداً غير الامام روح الله الموسوي الخميني روحي له الفداء فإن هذا الامام قد جسّد صفات الانبياء والاوصياء وهو القائم مقام صاحب الزمان في زماننا الحاضر فيا مسلمي العالم ويا مستضعفي العالم ان تمسككم بالامام وتنفيدكم لأوامره يعني انكم تسيرون على الخط الصحيح المستقيم فاستغلوا فرصة وجود الإمام فإن الحق معه أينما كان

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 ابنكم الفقير إلى الله

 علي عيسى المديفع