كانت طلعته البريئة الجادة قد شدت أعضاء أسرته إليه منذ الطفولة، من حينها كانت التضحية والاستقامة والجدية مشهودة فيه.

 

"جاء يوماً من المدرسة وقد أثلج البرد وجنتيه وأطراف يديه، فقرر أبوه في ليلتها أن يشتري له معطفاًً. وبعد يومين ذهب إلى المدرسة بمعطف جديد جميل. وفي المساء عندما عاد من المدرسة ألقى المعطف بقوة واستياء في جانب الغرفة. فالتفت إليه أعضاء الأسرة متعجبين، فقال لهم مهدي والدموع تجري من عينيه: كيف ترضون أن ألبس المعطف وصديقي الذي بجانبي يرتجف من البرد"!

 

كان ذلك مطلع شمس لاحت من وراء الأفق في أول النهار لتملأ الأرض بنورها عندما ترتفع بعد حين.

 

كان غرسة تحكي عن شجرة مستقبلية تؤتي أكلها كل حين وتضفي بظلالها على الناس.  

 

كان غصناً ملؤه البراعم، سيتفتح غداً عن بستان يفوح عطره ويُسر منظره.

 

وللأسف لا بد لصحراء الدنيا المترامية هذه من أن تُسقى منها آلاف وآلاف السهول كي نظفر بباقة ورد كهذه تجعل الصحراء بستاناً بعطرها، بستاناً جميلاً يزخر بالحياة.

 

باقة الورد هذه هي شخصيات عظيمة لم يعرفها أحد على حقيقتها، كانت تعيش بيننا، تغدو وتروح، تتحدث وتعمل، حتى إذا ذهبت أفَقْنا على ذهابها بأنها من كانت وكيف، ومن نحن وكيف؟!

 

الشهيد باكري هو أحد الرجال الذين كانوا بيننا، جاء وذهب، حتى إذا ذهب بقينا نحن وذكرياته وآثاره، عسى أن نعرفه بالآثار فنقتفي شيئاً منها.  

 

لمحة

 

ولد الشهيد مهدي باكري عام 1933 في بلدة "مياندوآب" في أسرة مؤمنة، فقد أمه في طفولته، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في أرومية.

 

كان في السنة الأخيرة من الإعدادية عندما استشهد أخوه "علي" على يد الساواك ليدخل هو على أثر ذلك ميدان السياسة. وعلى الرغم من آلامه لفقد أخيه واصل دراسته الجامعية في فرع الهندسة الميكانيكية.

 

وإلى جانب دراسته، بدأ جهاده السياسي في تبريز داعياً أخاه حميد إلى هذا الميدان أيضاً. بعد مده أرسل حميداً إلى خارج البلاد ليتصل بسائر المجاهدين؛ كان حميد يرسل السلاح إلى المجاهدين.

 

ترك مهدي الجيش استجابة لأمر الأمام الخميني لتبدأ مرحلة الاختفاء من حياته. وبعد انتصار الثورة وتشكيل حرس الثورة دخل الحرس في مدينة أرومية. وكان له دور فاعل في بناء التشكيلات الأولى للحرس. وقد عمل فترة نائباً عاماً لمحكمة الثورة، كما كان إلى جانب عمله في الحرس يتحمل مسؤولية بلدية أرومية.

 

تزوج الشهيد باكري مع بداية الحرب المفروضة ليذهب في اليوم التالي من عقده إلى الجبهة؛ فكان يعمل ليل نهار على تطهير المنطقة من عملاء الشرق والغرب.

 

فقاتل برتبة معاون آمر لواء النجف الأشرف في عمليات الفتح المبين في منطقة الرقابية وجرح في جانب عينه. وبعد أقل من شهر شارك في عمليات بيت المقدس بتلك الرتبة ليشهد في حينها انتصار جند الإسلام على جنود الكفر.

 

وفي المرحة الثانية من عمليات بيت المقدس أصيب بجرح في ظهره، وفي المرحلة الثالثة كان يقود قوات التعبئة على الرغم من جرحه.

 

في عمليات رمضان كان آمر لواء عاشوراء، وقد قاتل حكومة البعث في داخل العراق حتى أصيب في هذه العمليات مرة أخرى، ولكنه كان في كل مرة يعود إلى الجبهة بعزيمة أكبر.

 

شارك الشهيد باكري في عمليات مسلم بن عقيل آمراً لفرقة عاشوراء حيث تحررت في هذه العمليات منطقة كبيرة من أرض إيران الإسلامية واستردت بعض المناطق الستراتيجية المهمة من العدو البعثي بتلك القيادة الحكيمة والقوات الشجاعة. كما واصل طريق الحسين (ع) في عمليات والفجر التمهيدية والفجر واحد إلى أربعة آمراً لفرقة عاشوراء إلى جانب إخوانه من قوات التعبئة.

 

وفي عمليات خيبر ــ التي كان يقود فيها قوات الإسلام المظفرة أيضاً ــ استشهد أخوه حميد. فكان مهدي يرى أن شهادة حميد نتيجة لطف وعناية من الله به.

 

وقبل خمسة عشر يوماً من عمليات بدر، ذهب للقاء السيد الإمام (ره) وسماحة آية الله الخامنئي (دام ظله) حيث طلب باكياً من السيد الإمام وآية لله الخامنئي أن يدعوا له بالشهادة. وأخيراً في عمليات بدر في أسفند 63، عندما كان يقود فرقة عاشوراء، ذاق شهد الشهادة وحلّقت روحه الطاهرة إلى الملكوت الأعلى.

 

... التظاهرات والمسيرات وكل العوامل التي أدت إلى انتصار الثورة هي جزء من الحرب التي كانت منذ تلك الأيام توجهها علينا أمريكا، حيث انتهى الأمر فيها إلى انتصارنا، واستمراراً لها كانت كل المؤامرات التي حاولتها الزمر المتظاهرة بالإسلام: الشيوعيون، المنافقون، بني صدر، وكل المحاولات التي جرت و تحملها شعبنا، ولاحظتم كيف أنها خرجت جميعاً من رداء أمريكا، أي أن الأمر كله ينتهي إلى أمريكا...

 

فانتهى العدو إلى عدم إمكان الوقوف بوجه الثورة بهذه الأمور ولا بد من عمل جاد، فكانت بذلك الحرب العراقية الإيرانية.