ولد الشهيد السيد مجتبى الهاشمي في عام 1319هــ.ش في أحد أحياء طهران. كان الولد الثالث لأسرة متدينة ومتوسطة مادياً يغمرها حب أهل البيت وعلماء الدين.

 

بعد أن انتهى من دراسته المتوسطة التحق بالجيش، ولتمتعه بجسم رياضي وقدرة بدنية عالية أصبح عضواً في قوات القبعات الخضر الخاصة، إلا أنه بعد مدة لاحظ الأجواء التي كان يعيشها الجيش واطلع على طبيعة نظام الطاغوت أكثر، فخرج من الجيش ليتخذ له عملاً حراً. وفي انتفاضة 15 خرداد عام 42 التحق هو ومجموعة من أصدقائه بالجماهير فأحرقوا سيارة عسكرية وهاجموا أزلام النظام. ولأجل ذلك اضطر إلى التواري مدة ثلاثة أشهر إثر قمع الانتفاضة، حيث كان من بعدها ملاحقاً من قبل رجال النظام البهلوي الذين كانوا يقتحمون داره لأبسط عذر ويقومون بتفتيشها. ولكن السيد مجتبى لم يكن يعبأ بتهديداتهم المتواصلة وكان يقوم بإعداد وتوزيع بيانات الإمام الخميني وأشرطة خطبه وصوره، ويواصل بطرق مختلفة نشاطه في شتى مدن محافظة طهران، بل وحتى في المحافظات المجاورة.

 

كان الحضور المليوني للجماهير في عام 57 قد فتح الأبواب لعودة الإمام ليضع قدمه المباركة على أرض البلاد في 12 بهمن. وكان السيد مجتبى أحد أعضاء لجنة استقبال الإمام(ره) وممن ساهم في ذلك الاستقبال التاريخي. وخلال أيام عشرة الفجر أبدل محله الذي كان يبيع فيه الملابس إلى محل بيع البضائع والحاجيات التي قل تواجدها في السوق آنذاك بسبب التظاهرات والإضرابات، وبقيمة أقل من قيمتها الواقعية بكثير. هذا إلى جانب حضوره هو نفسه في مواجهة بقايا النظام البهلوي البائد وتكريسه كل قواه في سبيل انتصار الثورة الإسلامية. وبعد انتصار الثورة في 22 بهمن قام سريعاً بتنظيم القوى الثورية في المنطقة (9) ليقوم بتشكيل لجنة الثورة الإسلامية في تلك المنطقة.

 

يقول أحد رفاق الشهيد: "كان الشباب في تلك المنطقة ليسوا ممن يمكن السيطرة عليه بسهولة، وكان يبدو تنظيمهم غير ميسور، كان كل منهم يرى لنفسه شيئاً، كما أن حالة هيجان الثورة في حينها لم تكن تسمح بوجود قوة تدعهم يستجيبون للتشكل والتنظيم، ولكن السيد مجتبى استطاع بروحة الرفيعة ومكانته بين الجميع في تلك المحلة أن يجمع بكل سرعة ونجاح أولئك الشباب، فكانوا جميعاً يستمعون له ويطيعون، وبذلك أوجد إحدى أقوى لجان الثورة في طهران، واستطاع من خلال اعتقال العديد من الفارين ومعاقبتهم وإيجاد حالة من النظام في تلك المنطقة المتشنجة أن يقدم خدمة كبيرة للثورة".

 

ومع بداية الاضطرابات في كردستان، توجه الشهيد الهاشمي مع مجموعة من أفراد لجنة المنطقة (9) إلى غرب البلاد على أثر أمر سماحة الإمام بالتعبئة العامة لكي يساهم في تطهير وتحرير تلك المنطقة. ولم تكن قد مرت أيام على العدوان العراقي على إيران الإسلام حتى قام السيد مجتبى مع عدة من أصدقائه ورفاقه بالتوجه إلى جنوب البلاد متطوعين مستقلين ليستقروا في مدرسة "فدائيي الإسلام" في مدينة آبادان ولتتشكل بذلك أول قوة مليشيا لمواجهة البعثيين في آبادان وخرمشهر عرفت بمجموعة فدائيي الإسلام.

 

تقول زوجة الشهيد في هذا الصدد:

 

"عندما قُصف مطار مهرآباد، أخذ السيد حقيبة وتوجه إلى الجنوب، ولم نعرف عنه شيئاً لمدة تسعة أشهر، وبعد تسعة أشهر عاد إلى البيت بيد مجروحة ولحية وشعر أشعث طويل".

 

في تلك الأيام استطاع الشهيد الهاشمي بأدنى حد من الإمكانات المتاحة وبقوات قليلة التجربة والتدريب أن يقاوم المتجاوزين بكل بسالة على الرغم من المعوقات التي كانت تضعها الحكومة آنذاك وعدم دعمها المناسب! وبعد مدة نقل الشهيد موضع قيادة "فدائيي الإسلام" إلى فندق آبادان وظل هذا الفندق إلى مدة هو المقر الوحيد للتوجه إلى الخطوط الأولى وتلقي التدريبات الأولية. في تلك الأيام كان حتى رشاش "برنو" أو "أم ــ واحد" ذات ثمن باهض بالنسبة إلى المدافعين عن مدينة آبادان. ولذلك أخذ السيد مجتبى يتصل ببعض المسؤولين كآية الله الخلخالي وقائد الجمهورية واستطاع عن طريقهم تهيئة الأسلحة والمعدات اللازمة، وكان غالباً ما يوفر الطعام والمؤن من أمواله الشخصية ويتوجه بها إلى ميادين القتال.

 

تقول زوجة الشهيد حول ذلك:

 

"كانت أصعب أيام حياتنا قد بدأت في الحقيقة بعد الثورة واندلاع الحرب؛ كان السيد قد ذهب، وبقيت أنا وخمسة أطفال بين صغير وكبير. كنت أذهب كل يوم لأرفع بوابة الدكان بنفسي وأعمل هناك. وكان السيد من ناحيتي مرتاح البال، وعندما كان يأتي إلى طهران كان يسارع هنا وهناك لتهيئة السلاح أو إرسال الطعام لقواته أو لزيارة عوائل الشهداء ومساعدتهم مالياً. وعندما استشهد عرفنا كم كان مديناً بسبب شراء البضائع للجبهة، عدة ملايين من التومانات، حتى اضطررت لبيع الدار! لاحظوا أننا كنا نملك من الدور ثلاثاً وكان وضعنا المادي جيداً بحمد الله، ولكن السيد أنفق ذلك كله في الحرب، حياته أصبحت الحرب، حتى أنه لم يشهد نمو أولاده وترعرعهم".

 

ونسمع ذكريات أخرى عن هذا الرجل:

 

"لا يمكنكم أن تتصوروا الوضع الذي كانت تعيشه الجبهات في الأيام الأولى للحرب، وبعد ذلك غدت الحرب أسهل بكثير لأنه على الأقل أخذ السلاح الفردي بالتوافر، إلا أنه كانت أكبر مشكلة لنا في حينها هي السلاح الفردي، فإنه كان يلتحق بنا فرد واحد بمسدس كان كأنما أعطانا الدنيا. ومن ناحية المؤن واجهتنا مشاكل عدة مرات؛ كان يصل بنا الجوع أحياناً إلى حد كنا لا نستطيع معه السير. عندها كان السيد مجتبى ــ وهو نفسه يضع حجراً على بطنه من شدة الجوع ــ يقوم ويتحدث إلى الشباب ليستلهم الشباب من نشاطه وفاعليته الروحية وتتجدد القوى.

 

كان للسيد تكتيكات خاصة، ولاسيما في الحرب النفسية، كان يذهب إلى المدينة ليجمع عشرة إلى عشرين برميلاً فارغاً ويأتي بها إلى الخطوط الأولى. وفي الليل يعطي للشباب أعواداً لنأخذ بالطرق على تلك البراميل. لا تدرون ما الذي يحصل في ظلمة وهدوء الليل ذاك، كان الجنود العراقيون يُجنَون ويردّون عشوائياً بكافة أسلحتهم، أو في الليل يدفع بإطارات الشاحنات مصحوبة بضوضاء باتجاه الساتر العراقي ليشغلهم مدة ساعات. لم يكونوا يعلمون ما هذه الأشياء الكبيرة السوداء التي تتجه نحوهم فيوجهون الكثير من نيرانهم وقواهم صوب إطارات خالية. في إحدى المرات جاء بهيكل هدف من ملعب المدينة ووضعه بصعوبة كبيرة بيننا وبين العراقيين، ثم أخذ سماعة بيده وبدأ يتحدث إليهم قائلاً: أنتم إذ لا تحسنون الحرب تعالوا على الأقل نلعب كرة القدم، وهم على عادتهم أخذوا يضربون بلا علم ذلك الهدف حتى دمروه، ونحن في هذا الجانب من الساتر تقطعت أمعاؤنا من الضحك! وهذه غير الهجومات الليلية التي كنّا نشنّها ضدهم، حيث أرجعنا العراقيين عدة كيلومترات وأسَرنا منهم العشرات، فدار صدى ما قام به الشهيد الهاشمي وفدائيي الإسلام في كل مكان ووصل أخيراً إلى أسماع الدكتور شمران، فقام هو وجاء إلى محورنا في منطقة (ذو الفقاري). سُرّ كثيراً بالشهيد الهاشمي، وابتهج للغاية برؤيته لبعض الأعمال التي قام بها، كالقناة التي حفرناها بأمره للاقتراب من ساتر العدو، وقبل وجه السيد ورأسه. كانا يتحدثان بحب ويبدي أحدهما ودّه للآخر كأنهما يعرفان بعضهما منذ أمد بعيد".

 

ومن ناحية أخرى كان المنافقون يسعون من خلال إيذاء أسرة الشهيد وتهديده إلى زعزعة عزمه في حضور الجبهات ودعمها، ولكنهم لم ينالوا ما يريدون، فلما عجزوا عن ذلك، قاموا في عام 64 على أعتاب شهر رمضان المبارك بتوجيه رصاصهم من الخلف إليه وهو صائم في محله الذي يبيع فيه الأقمشة لينال الشهادة على أيديهم، ويُطوى بذلك سجل حياة رجل لم يتوان لحظة عن تقديم الخدمات للإسلام والجهاد في سبيل رفع كلمة الله، حتى ضحى بنفسه في سبيل هدفه، ليراق دمه بيد أشقى الناس ويصب في بحر دم أجداده الطاهرين.

 

طيب الله روحه.  

 

وصية الشهيد

 

باسمه تعالى

 

آمل أن يغفر الله لي ذنوبي.

 

أستغفر لكل من أنا مدين له بشكل من الأشكال، أرجو منكم أن تعفوا عني لكي يعفو الله برحمته عنكم.

 

كل من لي عليه دين فإنه بريء الذمة, أرجو من الله القدير المتعال أن يغفر لهم جميعاً. أرجو من أمي وأبي العزيزين أن يسامحاني، وإني أودعكما زوجتي وأولادي على أمل أن توجّهوهم إلى الإسلام الحنيف بقيادة الإمام الخميني.

 

أرجو من زوجتي وأولادي أن يعفوا عني حيث لم استطع توفير وسائل رفاههم أكثر من هذا.

 

أرجو من أخواتي وإخواني العفو.

 

أعتذر إلى المعارف والأصدقاء.

 

وصيتي إليكم أيها الأعزاء هي أن لا تنسوا الله.

 

 السيد مجتبى الهاشمي