قائد حرس الثورة الإسلامية في مدينة خرمشهر

 

الولادة والنشأة

 

ولد الشهيد محمد علي جهان آرا عام 1954م بمدينة خرمشهر من عائلة مستضعفة كادحة ملتزمة. ترعرع في كنف أبويه ونشأ منذ صغره على حبّ الله وأهل بيت النبوة. وبدأ أبوه بتعليمه القرآن.  

 

النشاطات الدينية والسياسية

 

بدأ الشهيد جهان آرا نشاطه الديني والسياسي منذ حضوره جلسات مسجد الإمام الصادق (ع) بمدينة خرمشهر. ونظراً إلى الالتزام العائلي، فقد تأثر الشهيد منذ عام 1969م بالحركة الإسلامية بزعامة الإمام الخميني (رض)، وخاض النشاط السياسي بمعية عدد من زملائه في المسجد ولما يبلغ السادسة عشر من عمره. فبدأ بإقامة دروس في تعليم وتفسير القرآن الكريم في المسجد، كما كان له حضور فاعل في نشاط الجمعيات الإسلامية لطلبة المدارس.

 

انضم برفقه أبيه عام 1970 إلى تنظيم حزب الله السرّي في مدينة خرمشهر. وتعاهد أعضاء هذا التنظيم فيما بينهم على بذل الأموال والأنفس للإطاحة بنظام الشاه وذلك تحت زعامة الإمام الخميني (رض)، ووضعوا لأنفسهم برنامج عمل منظم سواء على المستوى الروحي من صيام والتزام بالعبادات أو على المستوى الجسمي من رياضات شرعية استعداداً لخوض النضال ضد النظام الملكي. إلا أن هذا التنظيم قد كشف عام 1972م واعتقل جميع أعضاءه ومن بينهم الشهيد جهان آرا. ورغم تعرضه إلى تعذيب شديد للاعتراف بأسرار التنظيم إلاّ أنه لم يُبح لهم بأية كلمة. ونظراً إلى خلقه الحسن في التعامل مع سائر السجناء، فقد استطاع إرشاد عدد منهم إلى العمل السياسي والنضالي.

 

وخرج الشهيد من السجن وهو أشد عزيمة على مواصلة نضاله وأكثر سعياً ونشاطاً، فما كان من الساواك إلاّ أن استدعاه وهدده بترك النشاط الإسلامي والسياسي. إلاّ أن هذا التهديد لم يفتّ من عزمه، بل لجأ هذه المرة إلى العمل شبه السري.

 

بعد إنهائه الدراسة الثانوية عام 1975م هاجر إلى تبريز من أجل مواصلة دراسته في المعهد العالي للتجارة. وهناك سعى جاهداً لتأسيس جمعية إسلامية في هذا المعهد. وخلال هذه الفترة أيضاً مارس نشاطات أخرى من قبيل استنساخ بيانات الإمام الخميني (رض) وتوزيعها، وكذا نشر الكراسات والبيانات التي تفضح سياسات النظام الملكي وممارساتها القمعية.

 

انضم عام 1976م إلى جماعة "منصورون" وذلك لشعوره باستمرار الجهاد وبضرورة العمل الإسلامي المسلح، ولجأ منذ ذلك الحين إلى الحياة السرية.

 

وفي عام 1977م أوكلت إليه مهمة نقل أسلحة من طهران إلى الأهواز. وعلى الرغم من علم الساواك بوجود مثل هذه المهمة بواسطة أحد عناصره المتسللة في أوساط التنظيم والمراقبة المتشددة للمنافذ الرئيسية بين طريق طهران ــ قم من قبل قوى لجنة مكافحة التهريب، إلاّ أن الشهيد استطاع بمهارة خاصة العبور من كمائن الساواك وإيصال الأسلحة بسلام إلى الأهواز. وعلى أثره قام برفقة زملائه بسلسلة من العمليات المسلحة تزامناً مع إضراب عمال شركة النفط في الأهواز عن العمل.  

 

نشاطات مرحلة الثورة

 

في ربيع عام 1978م قرر الشهيد مع عدد من زملائه الذهاب إلى سورية والالتحاق بمخيمات المقاومة الفلسطينية وذلك لكسب المزيد من التجارب العسكرية ودخول دورات عسكرية. وكان الشهيد السيد علي اندرزگو مشرفاً على هذه المهمة. وبعد إرسال أول دفعة منهم، وقبل أن يتوجه الشهيد إلى سورية وقعت مذبحة الجمعة السوداء والدامية بطهران، فانصرف الشهيد محمد عن قراره بالذهاب إلى سورية، وقرر البقاء في إيران لمواصلة النضال في تلك الظروف الصعبة.

 

في خريف عام 1978م نزل الجيش الإيراني بدباباته إلى شوارع مدينة الأهواز وقمع بكل وحشية التظاهرات الشعبية، فقرر الشهيد وزملائه مواجهة هذا القمع، فدخلوا في اشتباك عنيف مع قوات الجيش جرحوا خلاله ثلاثين منهم ورجعوا سالمين إلى معاقلهم السرية.

 

واثر انتصار الثورة الإسلامية عام 1978 عاد الشهيد محمد علي جهان آرا إلى مدينة خرمشهر منهياً بذلك سنتين ونصف من الحياة السرية.  

 

تأسيس المركز الثقافي العسكري في مدينة خرمشهر

 

ومن أجل صيانة المكتسبات الثقافية والسياسية للثورة الإسلامية والتصدي للزمر الخائنة والعميلة للاستكبار الذي رفعت شعار القومية والوطنية لبث الفرقة في صفوف الجماهير الثورية، أسس الشهيد جهان آرا وعدد من زملائه المركز الثقافي العسكري للثوار في مدينة خرمشهر بهدف تنظيم الشباب الثوري للدفاع عن هذه المكتسبات. وأوكلت مسؤولية الجناح العسكري لهذا المركز إلى الشهيد، فلم يأل جهداً في خدمة إخوته وتنظيمهم. ونظراً إلى تجاربه القيّمة في حرب العصابات والمدن، بدأ الشهيد بخطة تقسيم المدينة إلى مناطق وسلّم كل منطقة إلى فريق عسكري خاص، وكان الجناح العسكري يعمل كذراع عسكري لمحكمة الثورة. وقد نجح هذا المركز وبدعم من محكمة الثورة إلى اعتقال ومحاكمة عدد من عملاء النظام البائد وعدد من أصحاب رؤوس الأموال الكبار الذين كانوا يدعمون هؤلاء العملاء.  

 

تأسيس حرس خرمشهر والتصدي للمؤامرات

 

لعب الشهيد جهان آرا دوراً فاعلاً وأساساً في تأسيس حرس الثورة الإسلامية في مدينة خرمشهر، وتسنم مسؤولية وحدة العمليات فيه مدة من الزمن.

 

ونظراً إلى سوء إدارة الحكومة المؤقتة في توفير مستلزمات الحياة الطبيعية للمحرومين في المنطقة، فقد سعت الجماعات اليسارية إلى استغلال هذا الأمر للتشكيك في النظام الإسلامي وبث اليأس في قلوب الناس إزاء الثورة وقائدها، ومن هذه الجماعات "حزب الشعب العربي" العميل الذي ظهر في المنطقة وأعلن عن وجود بهدف تحقيق الأهداف الاستكبارية والمدعوم من حزب البعث العراقي.

 

وقد بدأ هذا الحزب ببث الفرقة بين الشيعة والسنة والعرب والعجم وتقسيم محافظة خوزستان ومواجهة نظام الجمهورية الإسلامية. في مثل هذه الظروف عُيّن الشهيد جهان آرا قائداً لحرس الثورة الإسلامية في مدينة خرمشهر، فاستطاع بالاستعانة بالعناصر الثورية ودعم الشعب إخماد هذه الفتنة والتصدي للانتهازيين والقضاء عليهم كلياً.

 

ومن جملة أعمال الشهيد المهمة والقيّمة في تلك الأوضاع هو تأسيس وحدة للبناء والإعمار في حرس الثورة الإسلامية، إذ لم يؤسس جهاد البناء بعد في هذه المدينة. فدعا الإخوة في الحرس إلى صيانة مكتسبات الثورة والصمود بوجه مؤامرات الأجانب عبر خدمة وإغاثة أهالي القرى والعرب القاطنين على الحدود المعرضين لهجوم عملاء الأجانب، وتحصينهم أمام نفوذ العدو عبر القيام بمشاريع عمرانية وثقافية، لأنه كان يعتقد أن الفقر والجهل هما عاملان أساسيان لنفوذ العناصر المناهضة الثورة ونشاطها، ورأى ضرورة القيام بالعمل الثقافي وتوفير المستلزمات المعيشية للناس.  

 

دور الشهيد في إفشال انقلاب نوجه

 

كما لعب الشهيد جهان آرا دوراً فاعلاً في إفشال انقلاب (نوجه)، إذ عين في منصب قيادة مقر القيادة البحرية الثالثة في خرمشهر للتصدي لأي عمل أو حركة ضد الثورة، فاستطاع بدعم من القوى الثورية والمؤمنة في القوة البحرية من تثبيت الأوضاع وكشف جزء من شبكة والانقلاب وسط عناصر القوة البحرية. وعمل بحنكة ودراية تامة على إفشال هذه المؤامرة، وكان محبوباً ومقبولاً في أوساط عناصر القوة البحرية والجميع انجذبوا إلى أخلاقه وتعامله الأصولي والثوري.  

 

ملحمة مدينة الدم

 

في غروب يوم 3 شهريور 1359هــ ش (1980م) صبّ الجيش العراقي حمم نيرانه على مدينة خرمشهر متصوراً أن بإمكانه احتلال المدينة بفوجين خلال 24 ساعة، ومن ثم التوجه نحو مدينة آبادان وبعدها الأهواز وبالتالي اقتطاع محافظة خوزستان من الجمهورية الإسلامية. إلاّ أن أحلامهم ذهبت أدراج الرياح إذ جوبه هذا الجيش المدجج بكل أنواع الأسلحة بمقاومة بطولية من أهالي خرمشهر، فأجير على إرسال فرقتين إلى هذه المنطقة والتأخر 45 يوماً عن احتلال المدينة.

 

يقول الشهيد جهان آرا في أحد مواقع هذه الملحمة العاشورائية:

 

"لم يكن لدينا أمل بالبقاء أحياء، رأينا الموت بأم أعيننا. والأخوة يتشهدون الواحد تلو الآخر. يريد الشباب أن يطلقوا الرصاص، فقلت لهم: بما أننا ذاهبون، فدعونا نقتل عدداً منهم على أقل تقدير ثم نموت. كانت الدبابات تقصف كل شيء. وعندما اقتربت منّا أمرت بإطلاق النار. كانت لدينا 4 قاذفات (آر.بي.جي). أصبنا الدبابة الأولى، فلاذت الثانية بالفرار وارتطمت بحائط منزل، كما لاذت سيارة القيادة بالفرار أيضاً. فوقفت وهتفت بصوت عال: الله أكبر، الله أكبر، اهجموا فقد لاذ العدو بالفرار".

 

واستطاع الشهيد قيادة مجموعة صغيرة من المجاهدين ومقاومة الجيش العراقي حتى نفذ كل ما عندهم من العتاد، واشتد الحصار عليهم يوماً بعد آخر، وسقط المجاهدين الواحد تلو الآخر شهداء مضرجين بدمائهم بعدما سطّروا أروع أنواع البطولة والمقاومة والملحمة.  

 

السجايا الأخلاقية

 

كان الشهيد محمد جهان آرا إلى جانب النشاط العسكري الواسع، يولي تهذيب النفس وبناء الذات اهتماماً خاصاً، فكان أنيساً للقرآن دائم الذكر والدعاء، كما كان ذا اهتمام بالشؤون الاجتماعية السياسية وذا قدرة عالية على تحليل القضايا.

 

الخلق الحسن، والحزم، والإخلاص، والتقوى، والتوكل على الله، والصبر، والصمود والتضحية، والارتباط الوثيق بولاية الفقيه وسماحة الإمام (رض) وعدم الكلل من سماته البارزة.

 

لم ينحرف عن جادة الحق في نضاله أبداً، وثيق الارتباط بالعلماء، شديد الحب لسماحة الإمام (قده)، يردد دوماً: إنني مخلص وخادم للإمام. ومن جملة ما كان يردده: ما دمنا متكلين على الله وقائدنا الإمام فلا يراودنا الحزن".

 

يتمتع بحالة عرفانية، كثيراً ما يشاهد في حالة دعاء وابتهال وتضرع، لم يغفل عن صلاة الليل حتى عندما كان في السجن، متواضعاً فرغم أنه كان قائداً للحرس في خرمشهر إلاّ أنه كان يعتبر نفسه تعبوياً، ورغم حزمه في القيادة إلاّ أنه حافظ علاقته وروابطه الأخوية بالعناصر التي تحت إمرته.

 

يولي أمر بناء الكوادر الكفوءة والرفع من مستوى القوى التعبوية فكرياً وثقافياً اهتماماً خاصاً.  

 

كيفية الاستشهاد

 

في الساعة 7،30 مساءً من يوم الثلاثاء 7/7/1360هــ.ش (1981م) وبينما كانت طائرة من نوع سي ــ 130 متوجة من الأهواز إلى طهران لنقل أجساد شهداء عمليات ثامن الأئمة وعوائلهم وكذا جمع من الجرحى إلى المستشفيات، فتعرضت لحادثة وسقطت في منطقة كهريزك أطراف طهران، واستشهد جميع ركاب الطائرة وبضمنهم اللواء ولي الله فلاحي نائب رئيس اللجنة المشتركة للقوات المسلحة، والعميد موسى نامجو وزير الدفاع، واللواء الطيار جوادي فكوري مستشار نائب رئيس اللجنة المشتركة للقوات المسلحة، والفريق يوسف كلاهدوز نائب قيادة حرس الثورة الإسلامية، والفريق السيد محمد علي جهان آرا قائد حرس الثورة الإسلامية في مدينة خرمشهر.

 

وبذا نال الشهيد جهان آرا شرف الشهادة بعد سنين من الجهاد والتضحية. فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.