رقم القيد: 12/56

 

الوضع العائلي: عازب

 

محل وتاريخ الولادة: خربة سلم 20/11/1987

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: العديسة 7ـ 8 ـ 2006‏

 

لم يخطر في بال أحدٍ أنَّ الأيام القليلة التي أحبّ حسين أن يقضيها في قرية صديقه « العديسة»، التي يزورها للمرَّة الأولى، ستتحوَّل إلى صفحاتٍ من البطولة والبسالة في تاريخِ حربٍ وعدَ فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله العدو بالعديد من المفاجآت فكان من أبرز المفاجآت أولئك الفتية والشبّان الذين عقدوا العزم على القتال، فنازلوا عدواً من أقوى الجيوش وأعتاها.‏

 

* في أرض الشهادة‏

 

وكان حسين شري أحد أولئك الفتية، فبعد نجاحه في الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية، بدأ بتحضير أوراقه للالتحاق بالجامعة، ولكنه أراد أن يمضي ثلاثة أو أربعة أيام في مكانٍ يرتاحُ فيه بعيداً عن الصخب، وعن المتابعات التي لا بد من ملاحقتها، قبل أن تبدأ الدراسة.. فكان فرحاً جداً وهو يهيئ حقيبته لينطلق إلى قرية العديسة المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة.. عطلة تحوَّلت إلى ساحة قتل فيها حسين أكثر من اثني عشر جندياً إسرائيلياً كانوا بكامل عتادهم العسكري المتطور معزَّزين بالقوى المؤللة، وبالطيران، فيما هو يحمل رشاشاً وقلباً لا يخافُ إلا من الله العزيز القدير..‏

 

لم تكن أيام الحرب أمراً واقعاً وجد حسين نفسه فيه، ولكن أسلوب التربية الذي انتهجه لنفسه كان لا بدّ له من أن يوصله إلى خيار القتال مع المجاهدين كتفاً إلى كتف في ظروف صعبة، حتى نال الشهادة.‏

 

* التزام ومسؤولية‏

 

وصحيح أنَّ حسين قد ولد ونشأ في بيت ملتزم ومتدين، وأنه كان يعرفُ الأحكام الشرعية منذ نعومة أظافره، ولكنه لم يكتف بتلقف ما يُعرض عليه، فهو بادر للبحث والاستقصاء والسؤال، وكان للمسجد دور بارز في صقل شخصيته باكراً ما فتح أمامه العديد من الأبواب، وعرّفه إلى الكثير من الأخوة الذين كان يستقي منهم ما يفيده في سلوكه للآخرة. وكثيراً ما لفت من حوله بدقَّته وعدم استهتاره بصغائر الأمور، فهو مثلاً قد شكّ يوماً بأنَّه أفطر عن عمد، فسأل أباه عن كفارة ذلك، فأخبره أنها صيام شهرين متتالين أو دفع مبلغٍ، ثم عرض على ابنه أن يدفعها له، فرفض حسين ذلك مصراً على الصيام ليعود نفسه على الطاعة، وقد صام من الشهرين شهراً وثلاثة أيَّام في أيَّام الصّيف الطويلة والشّديدة الحرّ، وكتب في وصيّته التي دوّنها في الحرب عدد الأيام المتبقِّية عليه.‏

 

كان حسين مدلّل العائلة منذ الصغر، وكانت أمه كلما استفتحت بالقرآن الكريم فيُفتح على سورة مريم. لكن الدلال لم يفسد حسيناً، بل وطد الثقة بنفسه، حتى إذا ما شبّ قليلاً صار يتعامل مع الأمور بمسؤولية ووعي ميّزاه عن أقرانه الذين رأوا فيه قدوةً ومثالاً، وبعد التحاقه بالتعبئة العامة زاد عنده حسّ المسؤولية.‏

 

تعلّم حسين قيادة السيارة لوحده، واستصدر دفتراً رسمياً بذلك. وفي يوم عرّض سيارة والده لحادثة، فما كان منه إلا أن جلس مع أبيه وصارحه بالأمر واتفق معه على كيفية إصلاحها، فأبدى أبوه إعجابه الشديد بالطريقة التي طرح فيها ولده الأمر، ووضعه لنفسه في مصاف المسؤولية. وإذا ما كان أبوه يعامله على أنه شاب وواعٍ يثق به كثيراً، فقد حرص حسين جداً على أن يكون على قدر هذه الثقة. أمَّا مع إخوته فكان شديد الحرص على حسن تصرفاتهم، فيلفت نظرهم إلى أدقّ الأمور. كان يتفقدهم وهم نيام، يدثرهم ويهتم بهم. لم يعنِ له أبداً اقتناء الأشياء شيئاً فإذا امتلك شيئاً وأعجب غيره تنازل له عنه مباشرة، وكان ذلك دأبه منذ الصغر.‏

 

* دعاء وصية.. وشهادة‏

 

كان حسين يدوّن لرفاقه الأحاديث الشريفة التي يقرأها، ويتَّفق معهم على وضع برنامج عبادي خاص بكلِّ واحد منهم لمدة شهرين يتعاهدون على تنفيذه، وفي الأشهر الأخيرة، اكتشفت أمه صدفةً أنه يصلّي صلاة الليل، وعلمت لاحقاً أنه لم يقطعها أبداً خلال الحرب.‏

 

قبل الحرب بشهرين، سافر صديقه إلى الجمهورية الإسلامية، فأوصاه حسين أن يصلي له في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) وأن يدعو له بالشهادة.‏

 

وفي الحرب التي أبى حسين إلا أن يكون مشاركاً فيها، رأى المجاهدون نموذجاً متميزاً عن الشاب الحامل للتدين الأصيل والقلب النقي والفكر الجلي، فكان يتنقل بين الإخوة يخدمهم وإذا لم يكن دوره في الحراسة كان يستغل ذلك ليتفقَّد الجميع ويؤمِّن لهم الطعام، ولم يغفل عن كتابة وصيته، فكتب وصية لأهله قبل أربعة أيَّام من استشهاده.‏

 

قبل استشهاده بيوم، وعند صلاة الفجر، لاحظ حسين وجود جندي إسرائيلي يبعد عنه عشرة أمتار، فأخبر رفاقه على الفور، عندها طلب الأخ المسؤول من الجميع الانتشار، وكان على حسين ومن معه التوجه إلى البساتين، فتوجّه الجميع وقد تأخّر حسين عنهم لأنَّه كان يساعد مجاهداً جريحاً سابقاً في المقاومة، وأثناء ذلك لاحظ وجود فرقة من العدو الإسرائيلي في ساحة البلدة، فطلب إلى الأخ إكمال الطريق ليؤمن له التغطية، عندها فتح حسين نار رشاشه على الجنود فأوقع فيهم القتلى والجرحى، ثمَّ انتقل إلى الجهة الغربية للبلدة لاحتماله أنَّ ثمة فرقة أخرى ستدخل من هناك، وبالفعل اشتبك مع القوَّة ومن ثمَّ انسحب مباشرة ليحتمي في مكانٍ آخر لأنَّه أدرك أنَّ الطيران الإسرائيلي سيغير على المكان، وبالفعل ما هي إلا لحظات وأغار الطيران.. في اليوم التالي تجددت الاشتباكات مع العدو وسقط حسين شهيداً بعد أن قتل أكثر من اثني عشر جندياً إسرائيليا، وبقي جثمانه الطاهر حيث هو حتى نهاية الحرب.‏

 

إنه ابن قرية خربة سلم.. ولكنّ اسمه حفر على صخور وجدران بيوت قرية العديسة. وفعله رسخ في ذهن العدو الذي وإن طوّر أقوى الأسلحة، فإنه سيظلّ عاجزاً أمام شباب مثل حسين رومل شري..‏