المولد والنشأة والدراسة:

أنا محمد حسيني بهشتي، ويقال لي بعض الأحيان خطأً محمد حسين بهشتي.. إنّ اسمي محمد ولقبي حسيني بهشتي وهو لقب مركّب من حسيني وبهشتي.

ولدت في (24/10/1928) في وسط عائلة دينية في مدينة أصفهان في محلة لومبان، وهي من المحلات القديمة جداً في أصفهان، كان والدي من رجال الدين ويعمل في المدينة لتدبير معاشه عدة أيام من الأسبوع فقط ويتوجه إلى إحدى القرى القريبة من أصفهان ليلة في كل أسبوع لإقامة صلاة الجماعة فيها والإجابة على أسئلة أهاليها وتسيير أمورهم.

بدأت التعلم في إحدى الكتاتيب منذ سن الرابعة وتعلمت القراءة والكتابة بسرعة فائقة خاصة قراءة القرآن الكريم واشتهرت بين عائلتي بالذكاء، ولعلي حصلت على هذه الصفة بسبب سرعة تعلمي القراءة والكتابة.. ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية الحكومية في مدرسة أن أواصل دراستي فيه، وأسفرت نتيجة الامتحان عن أهليتي لمواصلة دراستي في الصف السادس، ولكن بسبب صغر سني لم استطع دخول الصف السادس وقبلت في الصف الرابع الابتدائي.. أنهيت المرحلة الابتدائيّة فيها محرزاً المرتبة الثانية في امتحانات السادس الابتدائي في أصفهان. بعدها سجّلت في متوسطة سعدي وأنهيت العام الأول والثاني فيها.. شهدت أحداث عام 1941م التي أوجدت الرغبة والشغف في قلوب الشباب لدراسة المعارف الإسلاميّة..

 

ـ مرحلة دراسة العلوم الدينية:

لقد أوجدت هذه الأحداث في نفسي شوقاً كبيراً لترك الدراسة الحكومية والالتحاق بالمدارس الدينيّة والدخول في سلك رجال الدين، وعليه تركت دراستي المتوسطة عام (1942م) وانخرطت مع طلاب العلوم الدينيّة في مدرسة الصدر بأصفهان.. درست الأدب العربي والمنطق والفقه والأصول خلال الفترة من عام 1942 إلى عام 1946. أنهيت هذه الدروس بسرعة فائقة بسبب حصولي على الأرضية الكافية قبل بدء دراستها. وقد كان سرعة تعلمي لهذه الدروس السبب في اعتناء ولطف الحوزة العلمية في مدرسة الصدر بي.. ونظراً إلى أن جدي (من أمي) المرحوم حاج مير محمد صادق المدرّس خاتون آبادي قد كان من العلماء اللامعين.. وتوفى حين كنت في العام الأول من العمر فقد اعتبرني الأساتذة الذين درسوا على يد جدي المرحوم ذكرى لأستاذهم..

مارست التعليم خلال فترة دراستي العلوم الدينية أيضاً.. في عام 1944 طلبت من والديَّ الإذن كي يسمحا لي أن أسكن في مدرسة الصدر لأتفرغ بشكل تام للدراسة وأتخلص من ضياع الوقت في ذهابي وإيابي من المدرسة إلى البيت وبالعكس حيث كان منزلنا يبعد (4 ـ 5) كيلومترات عن المدرسة فقضيت حياتي ما بين عامي 1944 و 1945 م في مدرسة الصدر بأصفهان وكنت في نهاية مرحلة دراستي للفقه فقررت الذهاب إلى مدينة قم لمواصلة الدراسة. والجدير بالذكر أنّ دراستنا في المرحلة المتوسطة كانت تتضمن تعلم اللغة الفرنسية، لكن اللغة الانجليزية كانت أكثر رواجاً في المجتمع فعليه قررت تعلم اللغة الانجليزية في العام الأخير من دراستي في مدينة أصفهان، وبهذا تعلمت مقدمات هذه اللغة بمساعدة أحد أقاربي الذي كان يتقنها جيداً.

 

ـ الهجرة مدينة قم:

دخلت مدينة قم عام 1946م وأكملت دراسة المرحلة الأولى من الفقه فيها خلال الستة أشهر الأولى إضافة إلى كتابي المكاسب والكفاية، ومنذ بداية عام 1947 واصلت دراسة الفقه والأصول (المرحلة الثانية) على يد الأستاذ العزيز المرحوم آية الله المحقق الداماد وكذلك على يد قائدنا العظيم الإمام الخميني، وبعدها درست على يد المرحوم آية الله البروجردي وكذلك المرحوم آية الله الخونساري وتعلمت بعض العلوم من المرحوم آية الله حجت الكوه كمري، كما تعلمت الكفاية عندما كنت أدرس الفقه على يد آية الله الشيخ مرتضى الحائري اليزدي.. وكنت قد درست المنظومة والمنطق والكلام في اصفهان، ولكن نظراً إلى قلة أساتذة الفلسفة في قم توقفت عن مواصلة هذه الدروس آنذاك وأوليت اهتمامي بمطالعة كتب الفقه والأصول والمواضيع المختلفة الأخرى.. عملت في مهنة التدريس في الحوزة العلمية بقم فترة دراسة فيها مثلما كنت في أصفهان.

دخلت مدرسة الحجتية عندما هاجرة إلى مدينة قم، حيث كانت مدرسة جديدة أسسها المرحوم آية الله حجت. كما كنت متواجداً في قم عندما دخلها أستاذنا آية الله الطباطبائي تاركاً مدينة تبريز.

في عام 1947م قررت مواصلة الدراسة الحديثة. فحصلت على شهادة الإعدادية ودخلت كلية المعقول والمنقول (الإلهيات والمعارف الإسلامية حالياً) وأكملت دراستي وحصلت على درجة البكالوريوس هناك.. تعلمت اللغة الانجليزية بصورة جيدة عندما كنت أواصل دراستي في كلية الإلهيات بطهران وذلك بمساعدة أحد الأساتذة الأجانب وعملت في مهنة التدريس خلال عامي 1950 و1951 م في طهران وذلك لتدبير أمور المعاش وكنت دائماً اعتمد على نفسي في دراستي العليا.

عدت إلى مدينة قم لمواصلة الدراسات الدينية وعملت معلماً للّغة الانجليزية في مدرسة (حكيم نظامي) بهذه المدينة. واكتفيت بالتدريس ثلاث ساعات يومياً فقط حيث، جندت بقية الساعات لمواصلة الدراسة الحوزويّة.. أوليت اهتماماً بالفلسفة خلال الأعوام من 1951 إلى 1956م.

 

ـ بداية العمل في التبليغ الإسلامي:

كنت اجتمع بعدد من الأخوة في ليالي الخميس والجمعة في مدينة قم وعلى رأسهم كل من المرحوم الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري وآية الله منتظري وعدد آخر من السادة العلماء، وكنا نتباحث بشوق ونصل إلى نتائج مثمرة وطيبة خلال البحث.. وبعد أعوام استطعنا جمع ما بحثناه في كتاب تحت عنوان (الواقعية) (رئاليسم) ونشره في الأسواق.

وكما عملنا في التبليغ الإسلامي خلال هذه الأعوام أيضاً، ففي عام 1947م ـ أي بعد عام من دخولي مدينة قم ـ.استطعنا وبالتعاون مع المرحوم الشهيد مطهري وآية الله منتظري وعدد من الأخوة ـ 18 شخصاً ـ تنظيم برامج للتبليغ الإسلامي في القرى النائية.. وعملنا على ذلك خلال عامين كاملين، وركزّنا عملنا خلال شهر رمضان المبارك وتحملنا نفقات العمل بأنفسنا مع أنّا لم نكن نملك المال ولكن ما كنا نحصل عليه من المرحوم آية الله البروجردي وبواسطة الإمام الخميني كان يساعدنا على أداء واجبنا هذا، إذ كان المبلغ 1000 ريال عام 1947م و1500 ريال في عام 1948م، وسعينا خلال بقاءنا في القرى النائية أن لا نحلّ ضيوفاً على الآخرين بل نتحمل النفقات بأنفسنا.. كما كانت لنا نشاطات كبيرة في الحوزة العلمية لا مجال لذكرها هنا.

 

ـ المساهمة في النهضة الوطنية:

خلال عامي 1950 ـ 1951م وأثناء تواجدي في طهران، أي عندما بلغت المقاومة الوطنية بزعامة المرحوم آية الله الكاشاني والدكتور محمد مصدق ذروتها كنت شاباً وذو شوق شديد للمشاركة في التظاهرات والاجتماعات الوطنية المعارضة للسلطة. وفي عام 1952م وفي أحداث 30 تير كنت في أصفهان وشاركت في الاعتصام الذي أقيم هناك (26 ـ 30) تير حيث كنت أول من ألقى كلمة ثورية في المعتصمين في مبنى البريد والبرق، وعلى ما أتذكر كانت كلمتي تدور حول القياس بين ما قام به الشعب المصري في قضية قناة السويس وموقفهم حيال التدخل البريطاني والفرنسي في بلادهم، وكان الخطاب بمثابة إنذار شديد لقوام السلطنة والشاه المقبور، وأكدت في الخطاب بأنّ الشعب الإيراني لا يستطيع تحمل المطامع الاستعمارية التي تستهدف نهب ثروات بلاده.

بعد مؤامرة 28 مرداد أدركنا بأنّنا نفتقد الكوادر الثورية في نهضتنا آنذاك لذا قررنا أن نوجد حركة ثقافية في المجتمع لكي يتسنى لنا إعداد الكوادر اللازمة، كما قررنا أن تكون هذه الحركة الثقافية حركة إسلامية أصيلة بحتة تبنى ركائزها على المباني التقدمية التي تؤدي إلى إيجاد الأرضية الكافية لإعداد شبابنا المسلم للثورة.

 

ـ إنشاء متوسطة الدين والعلم:

ومن هذا المنطلق أسسنا مدرسة باسم (الدين والعلم) في مدينة قم وذلك بالتعاون مع الزملاء.. والتزمت مسؤولية ادارة هذه المدرسة وكان في الأعوام 1954م حتى 1963م، كما كنت مشتغلاً بالتدريس في الحوزة العلمية.

عملت على إيجاد حركة ثورية ثقافية جديدة وأوجدت رابطة بين طلاب الحوزة والشباب الجامعي، حيث لمست البركة في تضامن طلاب العلوم الدينية وطلاب الجامعة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة وكنت أعتقد بأنهما يستطيعان العمل في تكاتف وتضامن تام وفقاً للأسس الإسلاميّة الأصيلة البحتة.. وهذا ما كنت أراه من الأمور الضرورية.. كما كانت الحوزة العلمية في قم قد بدأت التحرك لتأليف الكتب الدينية الإسلامية بلغة حديثة تلائم طبائع الجبل الجديد ومنها وفقاً للأسس الإسلاميّة الأصيلة البحتة (العقيدة الإسلاميّة).

في عام 1956 ـ 1959م أكملت مرحلة الدكتوراه في الفلسفة في كلية الإلهيات والمعارف الإسلاميّة.. وبدأنا في نفس العام الاشتراك في مجالس البحث بطهران. وكنا نهدف منها ترويج الرؤى الإسلامية بين أوساط الشباب. كانت جلسات دورية تعقد شهرياً في محلة قائم بطهران وفي احدى المنازل الكبيرة حيث كان أحدنا يعد موضوعاً شهرياً للحديث في الجلسة وكنا نسجل وقائع جلساتنا على أشرطة كاسيت ثم نفرغها على أوراق لتصبح كتيبات جاهزة للنشر، حيث أعدّ ثلاث مجلدات منها تحت عنوان (حديث الشهر) ومجلد آخر تحت عنوان (حديث عاشوراء). وكان كل من المرحوم آية الله مرتضى مطهري والمرحوم آية الله محمود الطالقاني وعدد آخر من السادة الأفاضل يشاركوننا في البرنامج.. لقد كانت هذه الجلسات قاعدة جيدة وفي الحقيقة كانت خطوة فعالة لما عملناه بعد ذلك في (حسينية إرشاد) وكانت اللبنة الأولى لما أعددناه للثورة.

 

ـ تنظيم الحوزة العلمية في قم:

في 1960م شكّل أساتذتها في الحوزة العلمية بقم عدة جلسات لتنظيم برامج الحوزة شاركت في جلستين منها، كما شارك السيد رباني شيرازي والمرحوم الشهيد سعيدي وثلة أخرى من زملائنا في هذه الجلسات. حيث وصلنا إلى نتائج جيدة واستطعنا بتعاون مع الأخ آية الله مشكيني وعدد آخر من الأخوة إعداد برنامج خاص لدراسة العلوم الإسلامية في الحوزة العلمية، وأسفرت أعمالنا هذه عن تأسيس مدارس نموذجية كمدرسة (الحقانيّة) أو (المنتظرية) نسبة إلى المهدي المنتظر(عج)، وجاء اسم الحقانية تكريماً لمؤسس هذه المدرسة السيد حقاني الذي كان من عشاق العلم والذي جنّد كل ما يملك لتأسيسها.

 

ـ انطلاقة الثورة الإسلاميّة:

لقد كانت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني وعلماء الدين عام 1962م منعطفاً تاريخياً في ثورة الشعب المسلم في إيران. لقد شاركت في هذه الثورة.. وأسسنا جمعية طلبة المدارس في مدينة قم بمناسبة تلاحم وتضامن طلاب العلوم الدينية والمدارس والجامعات، والتزم زميلي الوفي والعزيز المرحوم الشهيد دكتر مفتح مسؤولية الجمعية وكنا نعقد اجتماعات شيقة يلقي كل واحد منا كلمة كل أسبوع، وكنا نستقبل أخوتنا الوافدين من طهران، فيجتمع طلاب الحوزة وطلاب الجامعات سوية في إحدى الجوامع ومعهم المعلمين والمدرسين وكانت هذه الجلسات والاجتماعات تجسّد مدى تلاحم الطلاب بمختلف فئاتهم وبهذا عززنا النضال الإسلامي بتعزيز الثقافة الإسلاميّة ممّا أدى إلى قلق السلطة، فأصدرت الحكومة البهلوية قراراً بإبعادي عن مدينة قم والبقاء في طهران وذلك عام 1962م ولكني واصلت العمل في طهران باتصالي مع المجموعات المناضلة ضد النظام البهلوي.

 

ـ المشاركة في الهيئات المؤتلفة:

لقد ساهمت في جمعية (الهيئات المؤتلفة) وكنت على اتصال فعّال ومنظّم معها. وعندما اقترحت اللجنة المركزية لهذه الجمعية أن يعين الإمام الخميني شورى للفقهاء فيها تضم أربعة فقهاء يلتزمون بالشؤون السياسية تم تعيين كل من المرحوم مطهري والأخ أنواري والأخ مولائي وأنا أعضاء في الشورى. فكرنا في حينها على تغيير بعض البرامج والمواد الدراسية التي يمكن تغييرها خاصة الكتب الدينية التي تدرّس في المدارس الإيرانية وحاولنا إبعاد يد النظام الجائر عنا، واستطعنا خلال عدة اجتماعات أن نضع اللبنة الأولى لهذا المشروع، ووضعنا البرامج التي استهدفناها بالتعاون مع الدكتور باهنر، والدكتور غفوري والسيد برقعي وعدد آخر من الأخوة منهم السيد رضي الشيرازي والمرحوم السيد روزبه الذي لعب دوراً كبيراً في هذا المجال.

في عام 1963م طلاب جامعة طهران احتفالاً دينياً كبيراً بمناسبة يوم المبعث في صالة تناول الطعام في منطقة أميرآباد ووجهت دعوة لي لإلقاء كلمة في الحفل.. تركزت كلمتي حول أهداف البعثة النبوية وخاصة محاربة التحريف، عرضت على الحاضرين نموذجاً من أعمالنا والتحقيقات التي قمنا بها في الإسلام، علماً بأن خطابي قد طبع بعد ذلك ضمن كتاب (عقيدة الشيعة).

وفي خريف عام 1963م بدأنا البحوث والتحقيقات الإسلاميّة في مجال الحكومة الإسلامية (الحكومة في الإسلام) وكانت لدينا رغبة شديدة لتنوير الأفكار العامة من أجل تحقيق الحكومة الإسلاميّة وبدأنا ذلك بصورة بحوث وتحقيقات علمية.. وعلى الرغم من إجبارنا على البقاء في طهران لكن استمر تعاوني مع زملائي في قم.. وبعد أن خف ضغط السلطة عليّ استطعت الذهاب إلى مدينة قم ومواصلة التحقيق حول الحكومة الإسلامية في المدرسة المنتظرية.. ولكن ومع الأسف استولى السافاك على ما عملنا ومزق ما كتبه الأخوة الزملاء.

 

ـ إدارة المركز الإسلامي في هامبورغ (ألمانيا):

كنت عام 1964م في طهران مشغولاً بإعداد البرامج الإسلاميّة المتنوعة ومساهماً في النشاطات السياسية الإسلاميّة وآنذاك كان المسلمون في هامبورغ ـ وخاصة بعد إنشاء جامع هامبورغ على يد المرحوم آية الله البروجردي وبتعاون علماء الدين الأفاضل ـ يطالبون الحوزة العلمية بإرسال أحد العلماء إلى ألمانيا لإدارة هذا الجامع، وبعد عودة المرحوم محققي إلى إيران تاركاً هامبورغ طلب مني كل من آية الله الميلاني وآية الله الخونساري وآية الله الحائري، وأصر عليّ آية الله الميلاني بالتوجه إلى ألمانيا لإدارة جامع هامبورغ..

قرر الجناح العسكري لجمعية الهيئات المؤتلفة إعدام (منصور) رئيس وزراء الشاه ونُفّذ الحكم بحق منصور، فكانت الحكومة تتابع الملف لإلقاء القبض على معارضيها الذين أعدموا أحد رجالاتها وبما أنّ اسمي كان في قائمة المتهمين الملاحقين من قبل الحكومة، فقد فكر السادة العلماء بأنّ الخروج من إيران سوف يخلّصني من الملاحقة ويتسنى لي العمل خارج البلاد، وجد الزملاء طريقاً ومفراً لخروجي من إيران ـ طبعاً كنت أفضل البقاء في إيران وأتحمل كل ما يحصل ـ ولكن الأخوة كانوا يرون الصلاح في مغادرتي البلاد وكانت المشكلة في الحصول على جواز السفر، لكن تم الحصول عليه بواسطة آية الله الخونساري وتوجهت إلى هامبورغ.

كانت مشكلتي في هامبورغ هي بعدي عما يحدث في إيران والابتعاد عن نشاطات الأخوة.. وكان من المقرر أن أمكث مدة محدودة قصيرة هناك ثم أعود إلى إيران بعد تنظيم أمور جامع هامبورغ، ولكني شعرت بأنّ طلاب الجامعة في هامبورغ بحاجة ماسة إلى تنظيم إسلامي، خاصة وأنّ الشباب الإيرانيين الأعزاء كانوا يدخلون هامبورغ مسلمين يحملون المحبة والعشق والرغبة بالإسلام ولكنهم ينحرفون على يد المنظمات الملحدة اليساريّة واليمينيّة هناك، وكان الاتحاد الإسلامي للطلبة المسلمين في أوروبا يضم الأخوة المسلمين العرب والباكستانيين والهنود والافريقيين وغيرهم إلى جانب الإيرانيين، فأسسنا اتحاداً للجمعيات الإسلاميّة للطلبة الإيرانيين في هامبورغ، وبهذا أصبح المركز الإسلامي في هامبورغ يضم مجموعة نشطة، وبدأنا عملنا على نشر الإسلام في أوروبا وبالذاتً على نشر الإسلام الثوري بين الشباب..

لم تنحصر نشاطات مركز هامبورغ في هامبورغ فقط بل شملت ألمانيا وسويسرا وبريطانيا والنمسا وكنا على اتصال مع جميع الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وكنت على تعاون مع الجمعيات الإسلاميّة دون أن أكون عضواً فيها ولكن مساعداتي لها لم تنقطع مطلقاً سواء المالية منها أو المعنوية، وكنت أقدم لهم الاستشارات وأنظم لهم الندوات الخاصة والعامة خاصة في جامع هامبورغ حيث نشرت كتيبات عن تلك الندوات.

بقيت في هامبورغ مدة 5 أعوام زرت خلالها بيت الله الحرام، وسافرت إلى سوريا ولبنان أيضاً وتفقدت النشاطات الإسلاميّة في تركيا.. وكما اتصلت بالأخ العزيز السيد موسى الصدر وجددت العهد مع سماحته، راجياً العلي القدير أن يتغمده برحمته أينما كان ـ وكما سافرت إلى العراق وزرت مرقد الإمام علي(ع) في النجف عام 1969.. وعلى أي حال وفّقت لتنظيم الأمور في هامبورغ.

 

ـ العودة إلى إيران:

عدت إلى إيران عام 1970م، وكنت على اطمئنان بأن عودتي إلى هامبورغ صعبة للغاية ولكن الضرورة أجبرتني على العودة لإيران، وعندما حاولت السفر لألمانيا منتعني السلطة الجائرة عن ذلك كما توقعت.. لذا اشتغلت مدة في الأعمال الحرة ثم عدت إلى إعداد وتهيئة الكتب، وهكذا واصلت هذا العمل إضافة إلى النشاطات العلمية في مجال البحوث والتحقيقات الموسعّة متعاوناً مع المدرسة الحقانيّة في قم وكنت في تعاون تام مع الأخ مهدوي كني والمرحوم الشهيد مفتح والسيد موسوي أردبيلي وعدد آخر من الأخوة.

 

ـ تشكيل رابطة علماء الدين المجاهدين:

بعد تشكيل جمعية العلماء المجاهدين والتعاون مع المناضلين انشغلت بكامل وقتي في ذلك حتى ظهرت نوات النشاطات التنظيمية عام 1976م ثم تشكلت رابطة العلماء المجاهدين بشكلها الحقيقي عام 77 ـ 1978م، فكرنا في حينها في تأسيس منظمة أو حزب سري أو نصف علني للعمل السياسي، وعندما تصاعدت النضالات ضد السلطة عام 1977م ووصلت إلى أوجها ركزنا جميع قدرتنا وقوانا وعملنا على تنشيط التظاهرات والنشاطات السياسيّة الأخرى حتى أن حقق الله عزّ وجلّ النصر لنا.

بدأت بتشكيل جلسة لتفسير القرآن الكريم عام 1971م وكانت هذه الجلسات تعقد أيام السبت وبحضور 400 إلى 500 من الأخوة المؤمنين الملتزمين حيث كانت جلسات مفيدة ومثمرة. ألقى السافاك القبض عليّ عام 1975م بسبب عقد هذه الجلسات ولكني استطعت الخلاص من قبضة السافاك بمهارة حيث خططنا سابقاً لكي لا نترك أي وثائق ضدنا لديهم، على أي حال أطلق سراحي بعد أن لم يثبت عليّ شيء.. كما أنّ السافاك قد طلبني مرات عديدة قبل سفري لألمانيا وبعد العودة إلى إيران وكان اعتقالي في حينها لا يطول أكثر من عدة ساعات، ولكن هذه المرة أعتقلت لعدة أيام وبهذا عطلنا الجلسات لعدم إمكان عقدها.. كما ألقي القبض عليّ لعدة أيام عام 1978م وذلك خلال تظاهرات عاشوراء وبقيت عدة أيام في سجن (اوين) ثم أطلق سراحي.

 

ـ اللقاء بالإمام في باريس وتشكيل مجلس قيادة الثورة:

واصلت نشاطاتي السياسية حتى دخل الإمام الخميني مدينة باريس فغادرت إيران وتوجهت لخدمة الإمام عدة أيام في باريس، وهناك وضعت اللبنة الأولى لمجلس قيادة الثورة الإسلاميّة وشكّل الإمام المجلس بعضوية الشهيد مرتضى مطهري، والأخ هاشمي رفسنجاني والسيد موسوي أردبيلي والأخ باهنر وأنا في البداية، ومن ثم التحق بمجلس قيادة الثورة كل من الشيخ مهدوي كني والمرحوم آية الله الطالقاني ومهدي بازركان والدكتور سحابي وعدد آخر إلى أن عاد الإمام إلى إيران.

عائلتي تتشكل من والدي ووالدتي وأنا وأختين لي هما حالياً على قيد الحياة أمّا والدي فقد توفي عام 1962م، وأمّا والدتي فلازالت على قيد الحياة، فوفاة والدي لم تؤثر عليّ سوى بنوع من التأثير العاطفي وتحمل مسؤولية العائلة وكنت عندما توفى والدي متزوجاً ولي طفل أيضاً.. تزوجت عام 1952م من إحدى قريباتي وهي من عائلة دينية والتي شاركتني جميع مصاعبي في الـ 29 عاماً من حياتنا الزوجية حتى اليوم ورزقنا الله أربعة أولاد اثنين ذكور واثنين إناث.

كان لي دور مباشر في تأليف الكتب المدرسية والإعداد والتخطيط، ولكني لم أضع اسمي عليها لأنّ صورة الشاه كانت تطبع فيها وهذا ما كنت لا استطيع تحمله مطلقاً أن أضع اسمي في كتاب فيه صورة للشاه المقبور ولكني وضعت اسمي على الكتب التي نشرت بعد انتصار الثورة الإسلاميّة خاصة كتاب (معرفة الدين).