Skip to main content

الامام الخميني أصدق أتباع رسول الله (ص)

التاريخ: 06-10-2007

الامام الخميني أصدق أتباع رسول الله (ص)

الامام الخميني أصدق أتباع رسول الله (ص)   الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على جميع أنبيائه ورسله وعلى سيدنا ومولانا خاتم النبيين أبي القاسم محمد (ص) وعلى ابن عمه ووصيه من بعده مولانا علي أميرالمؤمنين وعلى الأئمة الهداة من أهل بيته والخيرة من آله وصحبه والسلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين

الامام الخميني أصدق أتباع رسول الله (ص)

 

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على جميع أنبيائه ورسله وعلى سيدنا ومولانا خاتم النبيين أبي القاسم محمد (ص) وعلى ابن عمه ووصيه من بعده مولانا علي أميرالمؤمنين وعلى الأئمة الهداة من أهل بيته والخيرة من آله وصحبه والسلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

السلام على النبي الأكرم (ص) وآله الميامين الذين علّموا عشّاق الحقيقة دروس الحياة عن طريق الشهادة، والسلام على الذين ينهلون العلم ويعدّون النفس إذ أدركوا المعنى الجميل والسامي لبقاء الشهيد حيّاً، فخفّوا لاستقبال الموت الأحمر الذي يُسجّل لهم المفاخر، وعلى المجاهدين الأبطال المؤمنين الذين يضيفون كل يوم صفحة جديدة من الصفحات الحمراء الناصعة إلى سفر الشهادة الثمين والعزيز على اُمتنا، والسلام عليكم أيّها الاُخوة والأخوات من أهالي مشهد وعلى جميع اُخوتي وأخواتي في الإيمان ممّن غمرني بحبه وعطفه منذ دخولي مشهد وحتى الآن.

موضوع حديثي هو: (الإمام تابع صادق لمحمد (ص))؛ إذ يتفق أحياناً طوال تاريخ اُمةٍ من الاُمم أن تتكرر وقائع متشابهة وقريبة جدّاً من بعضها وتبرز شخصية يُتأسى بها من بين معلم ساطعٍ آخر.

* مكّة معبد إبراهيم وموضع آيات اللّه البينات :

بدأ الإسلام بدعوة النبي في بلد كان مركزاً وقلباً لشعائر الدين الإبراهيمي، وكما يذكر القرآن عن هذا البلد: {إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً}.

فقد بدأ النبي (ص) دعوته في بلد ضمّ الشعائر والآيات الإلهيّة الوضّاءة والعريقة، فجاهد الطاغوت والشرك في هذا البلد لعدة سنوات وحصل في هذه المجاهدة على الأنصار البررة، وبعد أن حصل على أنصاره المضحّين والمؤمنين عمد على توسيع نطاق الدعوة الإسلاميّة، فتلا آيات القرآن العذبة على أسماع الناس، فاستجاب لها بعض ورفضها بعض آخر.

فمكث هناك عدة سنوات حتى اضطرّ إلى الهجرة، فهاجر أنصاره على دفعتين، ومن ثم كانت هجرته (ص) إلى الطائف وهي هجرة لم تؤدِ إلى نتائج إيجابية إلاّ أنّها صارت مقدمة إلى هجرته المباركة إلى المدينة، التي تربطه بها أواصر القرابة مع بني النجّار عن طريق اُمّه. ولكن المدينة هذهِ المرة لم تستقبل شخصاً ينحدر من سلالة بني النجّار وإنّما استقبلت نبياً ورسولاً وقائداً.

* المجتمع الإسلامي وقيادة النبي (ص) وحكومته في المدينة:

عندما هاجر النبي إلى المدينة تحوّل الإسلام ـ الذي كان حتى فترة قصيرة إسلام أفراد مؤمنين مشتّتين أو على أحسن تقدير إسلام مجموعة مؤمنة متلاحمة ـ إلى إسلام أرسى دعائم مجتمع شامخ جديد، حوّل يثرب التي كانت مدينة للأوس والخزرج وطوائف من اليهود إلى مدينة النبي وأقام مجتمعاً يحمل هوية الاُمة الإسلاميّة.

وبعد أن استقر النبي في المدينة بدأ المجتمع الإسلامي حياته بقيادة النبي وحكومته. ولكن هل انتهت مشاكل النبي؟ وهل انتهى العناء الذي كابده في مكة؟ طبعاً إنّ تلك العقبات كانت قد طويت ولكن حلّ محلها عقبات من نوعٍ جديد، أجل فإنّ أتباع طريق اللّه في ألم مستمر وجهاد دائم، فعليهم دوماً أن يكابدوا ويحاربوا، فيوماً مع المشركين والأعداء الذين يجهرون بمخالفتهم ورفضهم للدعوة، ويوماً آخر مع الذين لا يريدون أو لا يمكنهم مجابهة الدعوة صراحة وعلانيّة، إلاّ أنّهم يقومون بذلك خفية، وبذلك استمر جهاد النبي على شكل صراع بين الحق والباطل إلى آخر لحظة من حياته الشريفة.

هذه لمحة سريعة عن دعوة النبي (ص) إلى الإسلام قبل الهجرة وبعدها وفي مكة والمدينة.

* الإمام مع مؤسس الحوزة العلمية في قم:

كذلك الإمام فقد بدأ ثورته ودعوته الربانيّة والإسلاميّة في مدينة قم، أي المدينة التي تحتفظ لنفسها بمعالم عريقة تربطها بالإسلام. كما أنّ له في قم قبل الإعلان عن ثورته مرحلة طويلة من طلب العلم والتدريس.

وحينما جاء أهالي قم إلى جمران لزيارة الإمام، التقاهم الإمام وكأنّهم أبناء بلدته، فسألته بعد عدة أيام حينما التقيت به:

سيدي هل أنت من أهالي قم أم من أهالي خمين؟ فأجابني: إنّ قم هي بلدتي حقاً وإني أكنُّ لأهلها حباً عميقاً. وهذا يعود إلى أنّ الإمام كان شاباً له من العمر حوالي عشرين سنة حينما جاء إلى قم من حوزة آراك بمعية المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري وأمضى عشرات الأعوام من عمره في قم. فمسقط رأسه في مدينة خمين، إلاّ أنّه قضى زهرة حياته في قم. فقد دخل قم عام 1340هـ ق وبقي فيها سنوات الدراسة والتدريس وتهذيب النفس.

كما أنَّ النبي الأكرم أيضاً قضى أربعين عاماً من عمره الشريف في مكة في إعداد نفسه وتزكيتها. وهنا يجدر أن أذكر هذا التشابه أيضاً. فكما تعلمون أنَّ النبي الأكرم (ص) فقد أباه قبل أن يُبصر النور، كما أنّه أفتقد اُمه بعد ولادته بفترة قصيرة. وفي هذا المجال كان الإمام أيضاً حديث السن حينما استشهد والده المرحوم آية اللّه الحاج السيد مصطفى ـ إذ قد سُمي ابن الإمام الأكبر باسمه ـ على يد أزلام الاقطاعيين.

إذن فهو شاب فقد أباه فسلك طريق تزكية النفس في مدينة قم مركز الإيمان والعلم ملازماً لاُستاذٍ ومربٍّ جدير مثل المرحوم الحاج الشيخ الحائري لعدة سنوات، وهي سنوات تربوية، فقد أقام فيها (رضا خان) دعائم قدرته الشيطانية في أرض إيران الطاهرة وأخذ يعززها، وفي هذه المدة تماماً عمد المرحوم الحاج الشيخ عبدالكريم بهذه المجموعة من الطلاب اليافعين والمتلهفين على إقامة صرح الحوزة العلمية في قم.

* الإمام يرعى إعداد براعم علماء الدين المخلصين والواعين:

كان الإمام بوصفه طالباً شاباً متحمساً وواعياً، مدركاً للكثير من الأخطاء التي تسود الحياة الاجتماعية ونظام سلطة الملاكين، ولا أدري ما إذا سمعتم الإمام يتحدث في كلمةٍ له ويقول: عندما كنت صغيراً في مدينة (خمين) هجم الناس هناك على اقطاعي وسحبوه من بيته وكنت أنظر إلى هذا المشهد من خلال فتحة الباب.

من هنا يتضح أنّ الإمام كان منذ نعومة أظفاره طفلاً مقارعاً للظلم إذ كان يريد التعرف على كيفية القضاء على هؤلاء الظلمة والطواغيت وإنزالهم من عروشهم.

مثل هذا الشاب تمحور برفقة مجموعة من الطلاب الشباب حول شخصية علمية فاضلة تقيّة، فأقاموا في قم صرح الحوزة العلمية، وكأنّه من المقرر أن يعاد زرع براعم علماء الدين المخلصين والواعين والمجاهدين في قم على أيديهم وكان الإمام وبقية الطلاب الشباب الآخرين يراقبون الأحداث.

* استفادة الإمام من أساليب العلماء في مواجهة رضاخان:

وفي عام 1307 هـ ش [1348 هـ ق] أي بعد حوالي سبع سنوات من مجيء المرحوم الحاج الشيخ (الحائري) وهؤلاء الطلاب الشباب إلى قم ظهرت موجة صراع بين علماء الدين ورضاخان المتجبّر، كان مركزه مدينة قم، وذلك من خلال هجرة عدد من العلماء البارزين من مختلف مدن إيران إلى قم وإقامتهم حشداً هائلاً من علماء الدين البارزين من مختلف المدن الكبيرة اعتراضاً على قرارات (رضاخان) واستبداده ونزواته، فتسنّى للإمام في هذه الظروف بوصفه طالباً شاباً واعياً متحمساً فرصة الاطلاع على أساليب مواجهة الطواغيت لعلماء الدين المخلصين والمجاهدين الأوائل عن كثب، وفي المقابل يشاهد أيضاً أساليب مواجهة علماء الدين ضد المتجبرين آنذاك.

تسنّت للإمام فرص مختلفة لبناء شخصيته، ولذا جاء إلى قم مع عالم عارف خبير، فتعلم الإمام تحت رعاية هذا العالم العارف، العرفان الإسلامي المتعالي سواء من الناحية النظرية أو العمليّة.

* أوجه الشبه بين حياة الإمام وحياة النبي الأكرم (ص):

وتبعاً لهذه المرحلة فإنَّ للإمام مرحلة من بناء النفس تختص بالعرفان والأخلاق عادت عليه وعلى طلابه والحوزة العلمية في قم بكثير من البركات، إذ لم يمضِ كثير من الوقت حتى شرع هذا المدرس الفاضل والكفوء والشجاع في الحوزة كنموذج للتأسي به في الأخلاق تدريساً وتعليماً، وهذهِ السنوات من حياة الإمام تشابه سنوات حياة النبي الأكرم (ص) إلى ما قبل البعثة تقريباً.

* حثّ الإمام الصريح لقم (مركز العلم والإيمان) على الجهاد:

إنّ للنبي في تلك السنوات مراحل من بناء النفس قضاها بالعبادات والانقطاع في الجبال والمكث في الكهوف والتنسك، فلم يبدأ دعوته إلى الدين الإسلامي الحنيف بوصفه المجدد لحياه (مكة إبراهيم) إلاّ حينما بلغ الأربعين من عمره.

كما أنّ الإمام أيضاً في فرصة ذهبية من تاريخ اُمتنا بدأ في قم دعوته الصريحة والقيمة لمكافحة طواغيت العصر والانحرافات التي دخلت على الإسلام وكانت موجودة بين علماء الدين.

وقد وجد الإمام خلّص أنصاره من بين الذين أمضوا معه السنوات الطويلة في مرحلة بناء النفس وصقلها والذين تربّوا على أفكاره العرفانيّة ورؤاه والأشخاص الآخرين الذين اتبعوه في هذه المسيرة. فدعوة الإمام هذه في مدينة قم ـ مركز العلم والإيمان والتي تحتوي على الآيات البيّنات المختلفة ـ تشبه دعوة النبي في مكة مركز الإيمان والتوحيد في تاريخنا.

وهناك أيضاً بعض الفوارق، بمعنى أنّ النبي حينما بدأ دعوته إلى الإسلام كان عدد الذين لبّوا دعوته قليلين. إلاّ أنّ الإمام وفقاً لمشيئة اللّه وفّق إلى أن يصدع بدعوته في مكان وزمان كثر فيه الملبّون لدعوته، فإنّ الشباب منكم إمّا لم يولدوا آنذاك أو كانوا صغاراً جدّاً. ففي مستهل دعوة الإمام في مدينة قم لبّى العلماء الشباب في حوزة قم والكثير من علمائها والكثير من أهالي خرمشهر دعوة الإمام أكثر من غيرهم، وقد كنت مطلعاً على التحول العظيم في مدينة قم؛ إذ دخلت قم عام 1335 هـ ق وكنت طالباً شاباً لي من العمر ثمانية عشر سنة، وأذكر جيداً آنذاك أنّ شباب قم أي الذين يدرسون في المدارس والمعلمين وأصحاب الشهادات الإعداديّة وقليل من ذوي الشهادات العليا لم يكن لهم ارتباط وثيق وحيوي بعلماء الدين والنشاط الإسلامي، وكان الشباب آنذاك أكثر من غيرهم عرضة لليسار واليساريين، فلا تتوهموا أنّ اليسارية شيء جديد في مجتمعنا، فإنّ اليسار قد استهدف مجتمعنا مراراً وقد استهدفكم أنتم أيّها الشباب على الخصوص بغية ابتلاعكم.

ولكن ببركة نور الإسلام وتماسك الدين الرباني الحنيف وببركة تصدي بعض الشخصيات من العلماء وغيرهم وسلوكهم صراط الإسلام المستقيم منيت هجمات اليسار بالفشل.

وهنا اُعلن لكم أيّها الاُخوة والأخوات، خاصة الشباب واليافعين والدارسين الأعزاء الذين هم ذخائر ثمينة لهذه الاُمة، اُعلن لكم أنّ هجمات اليسار وأشباههم والدخلاء ضد اُمتنا وثورتنا وشبابنا محكومة بالفشل ما دام الإسلام موجوداً. وأقول أيضاً إنّ المراد من الفشل هو الفشل في الرؤى والأساليب والأفكار والأخلاق والعمل، ولا تتصوروا أنّنا سنُفشل هجماتهم بالعنف واستخدام الهراوات، كلا أبداً، فإننا نمتلك الهراوات إلاّ أننا ننهال بها على أمريكا فقط.

* ماهية ارتباطنا بالشباب واليافعين:

أمّا بشأن إقامة ارتباط مع شبابنا الأعزاء فهناك بُعدان نحاول من خلالهما أن نُقيم ارتباطاً واضحاً وبنّاءً. هنا يجدر أن أذكر هذا الشيء وهو أنّي إذ اُؤكد على الشباب فلأني أمضيت شطراً كبيراً من حياتي مرتبطاً بهذا الجيل، وقد تحرّقت من أجله، وآمل أن أكون قد وفّقت إلى تربية الكثير منهم. ففيما يخصّ الجيل الشاب الذي يتمتع في الغالب بقلب أبيض وعقل مستعد وضمير واعٍ وباحث، لا يمكن إقامة الارتباط معه إلاّ عن طريقين بنّاءين:

1 ـ الفكر الطاهر والخالص المنبثق عن الفطرة الإسلاميّة.

2 ـ الصدق والصراحة والسلوك المفعم بالنور الإلهي والإيمان باللّه ودينه وصراطه.

وإذا وجدتم أنّنا نتقيّد دائماً في بحوثنا وخطبنا وكتاباتنا بهذين البعدين لإقامة الارتباط بالجيل الشاب فما ذلك إلاّ لأنّ الإسلام قد سلك هذين الاُسلوبين في دعوة القلوب الطاهرة والفطرة السليمة: {فذكّر إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر إلاّ من تولّى وكفر فيعذّبه اللّه العذاب الأكبر}.

فقد كان النبي الأكرم (ص) يتلو الآيات البينات على القلوب المستعدة. أمّا الذين نسوا أنفسهم فكان يُذكّرهم بأنفسهم وبربّهم. ولم يكن النبي مسيطراً عليهم فلم يكن يلجأ إلى وسائل العنف بغية إرشادهم وإنّما كان يجابههم بالحكمة. نعم كان النبي الأكرم (ص) مسيطراً ويمتلك القدرة ولكن ضد من تولّى وكفر وضد المعاندين للحق والحقيقة والذين يسلكون طريق الكفر باللّه وبالحقائق الربانيّة فإنّ اللّه سيعذبه العذاب الأكبر.

* 15 خرداد أروع مشهد لجهاد المسلمين الوالهين:

وفي سنة 1325 هـ ش كنت اُشاهد في قم شرخاً واسعاً بين جيل الشباب وبين علماء الدين، فكانت تسود بينهم حالة من الفرقة وعدم الاتفاق. ولكن في سنة 1341 أي بعد ستة عشر سنة حينما بدأ الإمام دعوته في قم ظهر أول تحرك ثوري من مدينة قم. وفي الخامس عشر من خرداد عام 1342هـ ش حدثت أروع وأجمل الوقائع الجهاديّة للمسلمين نساءً ورجالاً في قم ضد الطاغوت، وأذكر كيف أنّ النساء المحجبّات من الطبقة الفقيرة حملن العصي وتوجهن إلى ساحات الجهاد بين الحق والباطل، وعندها قلت لإخوتي: هنيئاً لكم فإنّ ما كنا نقرأه ونسمعه من التاريخ عن أحداث الجزائر وكيف أنَّ النسوة المحجبات كنّ يحملن السلاح ويقارعن عملاء الاستعمار والاستكبار في الجزائر، فإنّنا اليوم أيضاً بفضل انتفاضة هذه المدينة نرى المحجبات من الناس يحملن عصيهن ويحاربن الاستكبار وعميله الإيراني.

أجل يختلف الإمام عن النبي في هذا المورد فقد صدع الإمام بدعوته في مدينة العلم والدين والإيمان، وقد كانت نداءات التلبية التي سمعها كثيرة، وقد نهض الجزء الأعظم من الحوزة العلميّة، والآن اُشاهد وجوه الاُخوة الأعزاء الذين كانوا آنذاك من الطلاب الشباب المتحمسين في الحوزة وكيف أنهم كانوا يتنقلون عبر مختلف مناطق البلاد كرسل للثورة فحضيت دعوة الإمام بالاستقبال في قم وجميع أنحاء إيران.

* وجه التشابه بين دعوة الإمام ودعوة النبي (ص):

كان الإمام يشترك مع النبي (ص) في هذه النقطة وهي أنه إلى حين هجرته ونفيه من إيران إلى تركيا وإقامته القسرية في العراق لم يتمكّن من أن يشهد الانتصار النهائي للثورة، كانت مدة دعوة النبي (ص) قبل الانتصار النهائي لثورته ثلاث عشرة سنة، وكانت مدة دعوة الإمام قبل الانتصار ست عشرة سنة أو ما يقرب من ذلك، مع هذا الاختلاف وهو أنّ النبي أمضى تقريباً كل هذه السنوات في مكة، إلاّ أنّ طاغوت العصر لم يسمح للإمام بقضاء هذه السنوات الستة عشرة في قم مهد الدعوة، فقد قضى الجزء الأكبر من هذه السنوات أي ثلاث عشرة سنة كاملة منها في المنفى وبلاد الغربة.

والآن قد يسألني أحدكم ويقول: وهل كان الإمام غريباً في النجف؟ والجواب: نعم كانت النجف دار غربة بالنسبة إلى الإمام، فقد كان يصرخ هنا: أيتها النجف لماذا أنت ساكتة؟! كان يجيب الثوريين الإيرانيين المقيمين في العراق أو الثوريين العراقيين حينما يسألونه: لماذا لا تصدع بالثورة هنا؟ كان جوابه: أنا هنا مجرد ضيف. فكان الإمام طيلة هذه السنوات يرى أن إيران هي الموطن الأساسي للثورة الإسلاميّة.

* جماهير إيران ـ نساءً ورجالاً ـ اُسوة لكل الاُمم الإسلاميّة:

أيّها الاُخوة والأخوات افتخروا من صميم وجودكم بهذا المجد، فقد برزت جماهير إيران المؤمنة المجاهدة المقارعة للظلم والكفر رجالاً ونساءً كنموذج بارز وشامخ بين جميع الاُمم الإسلاميّة. وهذا هو الحق فإنّ هذه الأرض كَمُنت فيها الطاقات وبقيت مجهولة آنذاك ولم تعرف بالمستوى المطلوب، فقد ابتعد الإمام بشكل قسري عن مركز دعوته مدة ثلاث عشرة سنة، وقد أمضى في المدة الأخيرة عدة أشهر في فرنسا في حي صغير في ضواحي باريس.

طيلة هذه الفترة كان أتباع الإسلام والثورة الإسلاميّة يواجهون نفس الصعاب والمحن التي واجهها أتباع محمد (ص) في مكة، فهنا أيضاً كان الكثير من أمثال ياسر وزوجته سميّة وسائر المضطهدين تحت السياط اللاذعة التي ينهال بها عليهم أعداء الإسلام وأعداء اللّه وخلقه، فما أكثر الذين سجنوا في تلك السنوات الحالكة بتهمة ذكر اسم الإمام أو حيازة رسالته العملية أو طبعها وتوزيعها، فسُجنوا وعُذّبوا وقُتلوا، سواء من علماء الدين أو الطلاب والشباب والجامعيين أو من العمال وأصحاب الحرف، وما أكثر الذين اُجبروا آنذاك على ترك بيوتهم ومساكنهم. فمن هذه الناحية كانت سنوات الإمام تلك (من أواخر عام 4312 هـ ش إلى أواخر عام 3157هـ ش) تشبه تماماً السنوات التي قضاها النبي (ص) في المحن والمآسي والآلام في مكة، وقد اجتاز الإمام تلك السنوات بنفس الصبر والأمل الكبير والإيمان الراسخ ورباطة الجأش التي اجتاز بها النبي تلك السنوات العصيبة.

لا تتصوروا أنّ الكلمة التي قالها المرحوم المجاهد آية اللّه الطالقاني (رضوان اللّه عليه) بشأن الإمام بعد الانتصار حينما قال: “كلما أصابني القلق والاضطراب من الحوادث الجسيمة بعد انتصار الثورة كنت أذهب إلى الإمام وأتحدث إليه ساعة من الزمن فينشرح صدري وتشتد عزيمتي فأعود إلى طهران”، لا تتصوروا أنّ هذا يختص بمرحلة ما بعد انتصار الثورة، كلا فقد كان الأمر كذلك حتى في تلك الخمس عشرة سنة، فكل مَن ذهب من إيران إلى النجف والتقى بالإمام رآه وهو يتكلم من القوة والثبات والإيمان ووضوح الرؤيّة تجاه مستقبل الثورة وحياة الشعب الإيراني بحيث حينما يعود إلى إيران يستمر في جهاده وهو أكثر تفاؤلاً وأربط جأشاً.

هذا هو وجه الشبه بين بعث الإمام وبعث النبي (ص)، الإمام قد قام ببعث القدرة في نفوس المجاهدين الصادقين وشدِّ عزيمتهم وتقوية إيمانهم طيلة هذه المدة، وهو ما قام به النبي الأكرم (ص) تماماً، فكما تعلمون أنّ النبي قد أمضى ثلاث سنوات مع أكثر قرابته في شعب أبي طالب، وكان النبي في سنوات العشرة تلك هو المسكّن لأوجاع المسلمين القلائل الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الضغوط في مكة. يقول الإمام علي (ع): “كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول اللّه”. فقد كان اللقاء بالرسول وكلامه وسلوكه يبعث الأمل والطمأنينة.

كما أنّ كلام الإمام وقلمه ووجهه كان يبعث الأمل في جميع الذين كانوا يكابتونه أو يلتقون به في تلك السنوات الطويلة والعصيبة . وقد وفّقت في عام 1348 هـ.ش إلى لقاء الإمام في النجف، ولم يكن الذهاب إلى بيت الإمام ليخفى عن أعين الساواك الدقيقة في تلك السنوات، لذا فقد كان عدد الذين يترددون على الإمام قليلاً.

لا تلاحظ الوضع الراهن الذي يخفُّ فيه ملايين العشّاق والمحبين إلى رؤية وجه الإمام النوراني بمجرد ظهوره، فقد كان الإمام آنذاك يسكن في بيت بسيط جداً في النجف مع عدد من أصدقائه وعائلته المحترمة.

وحينما دخلت لم يكن عنده سوى أربعة أشخاص أو خمسة جاءوا لزيارته رغم أنّ الأيام صادفت أعياد النوروز وكان عدد المسافرين الإيرانيين إلى العراق كبير نسبياً. ففي تلك السنوات التي كان فيها الطاغوت يقيم احتفالات التتويج وذكرى مرور ألفين وخمسمائة سنة على الملكية في إيران كتعبير عن قوة وسيطرة الحكم الطاغوتي في إيران، أو أنّهم كانوا يعدّون العدّة لهذه الاحتفالات، تتصورون عن أي شيء كانت تعبّر قسمات وجه الامام آنذاك؟ كان الإمام يتحدث باطمئنان وهدوء ويتعامل مع الاُمور بحيث كل من التقى به أو رآه ازداد تفاؤلاً بالمستقبل. إنّ الإمام هو المقتفي الصادق لمحمد (ص).

أيّها الاُخوة والأخوات إنّ المسألة الأساسية في هذه البرهة الزمنية بالنسبة لاُمتنا الإسلاميّة وشيوخنا وشبابنا ونسائنا ورجالنا هي التعامل في ظل هذه التجربة الثانية لثورة الإسلام الأصيلة في التاريخ بوعي وذكاء ومن خلال الشعور بالمسؤولية واتباع الإمام بدقّة، ففي الوقت الذي هو قائدنا هو أيضاً متبع صادق لنبي الإسلام العظيم.

 وبعون اللّه سوف يكون سلوكنا هذهِ المرة بشكل يطول عمر ثورتنا الإسلاميّة العظيمة والمباركة على الصراط المستقيم أكثر من عمر انتصار الثورة الإسلاميّة الاُولى في عصر النبي الأكرم (ص)، وهذا لا يكون إلاّ من خلال همَّة الجميع، فلنبدأ من الآن بغلق الأبواب بوجه كل أنواع التحريف والانحراف عن الإسلام الطاهر الأصيل الخالص وعن الاسلام اللاشرقي واللاغربي، فإنّ الإسلام بعد انتصاره العظيم قد واجه الخطر والتهديد من هذه الناحية فلم يطل عمر الحكومة الإسلامية الأصيلة على المجتمع البشري.

والسلام عليكم ورحمة وبركاته

احدث الاخبار

الاكثر قراءة