الامام الخميني (قده) .. ملامح من القيادة الحكيمة
التاريخ: 06-10-2007
الامام الخميني (قده)
الامام الخميني (قده) .. ملامح من القيادة الحكيمة
تحتل الثورة الإسلامية في ايران مكانة مهمة جداً بين حوادث القرن العشرين. فهذه الثورة وقعت في ظروف كان العالم خاضعاً لسلطة القطبين الرأسمالي والاشتراكي، بحيث لم يوجد بلد يمكنه التحرك دون دعم ومساندة احد هذين القطبين.
وقد استقطبت الثورة الاسلامية انظار المحللين والسياسيين والمسلمين والكثير من شعوب العالم، وطرحت هذا السؤال في اذهانهم وهي كيف استطاعت هذه الثورة دون اعتماد على قوة خارجية من اسقاط خامس أعتى جيوش العالم، وتشكيل حكومة أساسها الاستقلال ونفي كل انواع التسلط الاجنبي؟
لاشك ان الدور الأكبر في انتصار الثورة الاسلامية يرجع الى شخصية الامام الخميني (قده) وقيادته الحكيمة لدفة الثورة. الامام الخميني بشخصيته الاستنثائية استطاع بفطنته وذكائه قراراته الصائبة والحازمة مع ثلة من أنصاره المخلصين، في العبور من أحلك الظروف وأشد الازمات وايصال الثورة الى ساحل الانتصار.
آية اللّه هاشمي الرفسنجاني الرجل الذي كان له الدور المؤثر والمحوري سواء قبل انتصار الثورة الاسلامية أو بعده .. كان من جملة الأوائل الملتحقين بركب النهضة الاسلامية، ولم يتوان لحظة واحدة من التخلف عنها.. كان في صلب احداث النهضة، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بقيادتها.. عاش في صلب القرارات المهمة والمصيرية.
يعتبر في الظرف الراهن احد اكثر رواة تاريخ الثورة الإسلامية وثاقة. تحدث في حوار متلفز اجرى معه الدكتور السيد محمود جواد اللاريجاني حول بعض جوانب وابعاد شخصية الامام الخميني القيادية.
السيد اللاريجاني: يجب القول ان الغرض هو بحث شخصية الامام، وتدابيره وسلوكه؛ فهذه الشخصية الفريدة جديرة بالاهتمام من أبعاد شتّى.
نحاول في هذا البحث إلقاء نظرة على شخصية الامام الخميني في بعدها الجماهيري لنرى ما تركه سلوكه وكلامه من تأثير على الناس، لا سيما في فترات معيّنة من حقبة ما قبل الثورة، فربّما في مرحلة ما بعد الثورة كانت لدى أبناء الشعب هواجس أو شكوك في فترات معيّنة، فكانت مواقف الامام وكلماته تشيع السكينة في النفوس.
لا بأس بأن يسمع الناس عن لسانكم شيئاً عن المنعطفات المهمة لما قبل الثورة، حيث كان الامام حينها مرجع تقليد، وكان قبل كل شيء عالماً مبرّزاً، وقد أرسى في أجواء علماء الدين اسس بناء جديد؛ اذ كانت مسألة الحكومة الاسلامية ومقارعة الطاغوت تعني أساساً الدخول في مضمار السياسة. فما هي في رأيكم الخصائص التي كان يجسّدها سلوك الامام الخميني في نظر الجماهير؟
* الشيخ الرفسنجاني: بسم اللّه الرحمن الرحيم. استشف من سؤالكم هذا اننا يجب ان نركز على البعد القيادي في شخصية الامام أكثر من أيّ بعد آخر؛ ففي هذه الشخصية يمكن العثور على أبعاد جديرة بالاهتمام، من حيث كونه مرجع تقليد، او باعتباره فيلسوفاً، وبصفته عارفاً، وما الى ذلك. وهذه الابعاد لها في شخصيته دعائم علمية وأخلاقية وما شابه ذلك.
أستطيع القول بشكل عام انني رأيت في شخصية الامام منذ اليوم الذي عرفته جميع الصفات التي يجب ان يتحلّى بها القائد الناجح لقيادة الجماهير سياسياً واجتماعياً، وهذا ما شهدناه في المواقف والمنعطفات المهمة. أمّا اذا أراد المرء ان يكتب ويحلل فيمكنه ان يواكب حركة التاريخ يوماً بعد آخر، ولكننا نستطيع تشخيص عدّة نقاط مهمّة يمكننا اعتبارها ذات تأثير بالغ على نجاحه في زعامة الجماهير.
أمّا سؤالكم حول مرحلة ما قبل الثورة ـ السيد اللاريجاني: نعم، ينبغي أن يعرف الجيل الشاب عن مرحلة ما قبل الثورة ـ فطوال ما كان السيد البروجردي حيّاً فمعنى ذلك ان الحوزة العلمية كانت لها زعامتها، وكان الامام الخميني حينها معروفاً كمرجع من مراجع التقليد، وكانت لديه صلاحيات كثيرة باعتباره مدرساً ناجحاً وبارعاً في التدريس، ولقوة دروسه التف حوله عدد كبير من الطلبة الجيّدين، ولعل الطلبة الذين التفوا حوله هم أكثر الطلبة مثابرة في حوزة قم العلمية. ولم يكن هناك ما هو اكثر من ذلك في تلك الاثناء.
وبعد وفاة آية الله البروجردي بدت الحوزة العلمية وكأنها خالية من الزعامة، ولم يكن الامام حينها قد كتب رسالة عملية بعد، لكنه اضطر تحت ضغط الآخرين الى كتابة وإصدار رسالة عملية، ولم يكن احد شاكاً في علمه وتقواه، فبدأت مرجعيته تأخذ حيّزها شيئاً فشيئاً. وقد سارع الى انتهاز الفرص التي أتاحتها بعض الحوادث التي وقعت حينذاك، وأثبت من خلال ذلك مقدرته على قيادة العالم الشيعي ومن بعده العالم الاسلامي.
نحن نرى أنه كان ينتظر الفرصة المناسبة، وكان النظام الحاكم في ايران يومذاك يتحيّن الفرصة من بعد رحيل السيد البروجردي لغرض إضعاف الحوزة العلمية؛ لأن وجود حوزة علمية قويّة كان بمثابة حجر عثرة أمام النظام يحول بينه وبين تطبيق سياسته الهمجية.
وعلى الجانب الآخر كانت انظار العلماء متوجهة إلى شخص الامام للحيلولة دون إضعاف الحوزة العلمية، لكي لا يكون النظام مرتاح البال من جانب القوى الجماهيرية.
كان أوّل عمل مهم أقدم عليه الامام الخميني في أول يوم هو أنه أدخل الحوزة العلمية الى ميدان السياسة في أول فرصة سنحت، حيث أخذ يركز على قضايا الحكومة والقضايا الجماهيرية من خلال البعد السياسي والديني.
لم يكن رجال الحوزة العلمية متحمّسين كثيراً للدخول في هذا المجال وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث انطووا من بعد واقعة المشروطة [ثورة الدستور] على أنفسهم، وتعرضوا بعد ذلك للقمع والتنكيل على يد رضا خان، إلاّ ان الامام الخميني بادر الى تحطيم ذلك الطلسم، وجاءت مبادرته تلك في وقتها تماماً، لأن الحوزة كانت على استعداد للقيام بهذا الدور، وكان لديه أنصار كثيرون، وكانت الظروف السياسية مؤاتية تماماً.
كان أول عمل قام به الامام هو أنه أدخل الحوزة العلمية في مضمار السياسة، وكان ذلك عند المصادقة على ما يسمى بقوانين الاقاليم والولايات، وهو ذلك المشروع الذي مُني بالفشل؛ حيث واصل الامام والعلماء الآخرون تصدّيهم لذلك المشروع على مدى ثلاثة اشهر ممّا اضطر السلطات للتراجع عن موقفها. نحن شعرنا ان الحكومة بعد هزيمتها أحسّت أن شخصاً أقوى منها يجب ان ينزل الى ساحة المواجهة، ولهذا دخل الشاه بنفسه الى الساحة وأخذ على عاتقه مهمّة مواجهة الامام.
وفي قضية ما يُسمّى بالثورة البيضاء تصدّى الشاه بنفسه لزمام الأمور في الساحة السياسية؛ ولم تكن مقارعة الشاه في ذلك الوقت عملاً سهلاً، وكان الاشخاص الذين يأخذون بزمام مجابهة السلطة في تلك الفترة لا يتجاوزون رجال الطبقة الثالثة في الدولة، وإن كانوا أحياناً يصعّدون درجة المجابهة الى حدّ التعرّض للحكومة، بيد ان الامام الخميني تصدى لشخص الشاه وفي الموقع الذي اختار فيه الشاه النزول الى الساحة. ولو لم يكن الشاه قد نزل بنفسه الى الساحة، فلعلنا لم نكن نتمكن من الوصول الى مجابهته بهذه السرعة؛ وهذه هي القضية الثانية التي يجب إدخالها ضمن المنعطفات المهمة في حياة الامام.
وهكذا بدأت المجابهة، وكان هدفها الاول محاربة استبداد الشاه، وكانت القضية المهمّة في هذا المجال هي ان الامام الخميني أضفى على تلك المجابهة طابعاً دينيّاً.
كان من الممكن حينذاك التمسّك ببعض القضايا التي كانت مطروحة على صعيد العالم الاسلامي كالقضية الفلسطينية مثلاً أو ما شابه ذلك من القضايا التي كانت ومازالت مطروحة على بساط البحث في داخل البلاد، إلاّ ان الامام اختار لصراعه بعداً دينياً وطرح فيه واجب العلماء، وركّز على نقاط الضعف التي كان يعاني منها النظام من الناحية الدينية.
السيد اللاريجاني: ولكن من أين كان يستمدّ الامام شرعيّته في ذلك الصراع؟
* الشيخ الرفسنجاني: لقد دخل الامام الى الساحة السياسية بصفته مرجع تقليد تقع عليه مهمة حفظ الاسلام والقرآن والقيم السماوية التي يؤمن بها الشعب، وكان يجعل للبعد الديني مركز الصدارة في جميع القضايا السياسية التي كان يطرحها.
أمّا القضية الثالثة فهي ان الامام أعطى لذلك الصراع بُعداً جماهيرياً، وركز اهتمامه على نزول الشعب الى الساحة السياسية، اذ كانت عساكره هي جماهير الشعب، فهو لم يهتم كثيراً بالأحزاب والتيارات والشخصيات الاجتماعية البارزة في حياة البلد ذلك الوقت، وإنّما كان همّه يتركز على وضع النظام في موضع المجابهة مع الشعب، وقد نجح في مسعاه ذاك الى أبعد الحدود. وتطورت الأمور على نحو سريع الى ان جاء تاريخ الخامس عشر من خرداد في أعقاب عدّة وقائع مثل مجزرة المدرسة الفيضية، وسَوْق طلبة العلوم الدينية الى الخدمة العسكرية، وما شابه ذلك من الممارسات التي لجأ اليها النظام ضد حركة الامام.
واستفاد الامام من فرصة شهر محرم، وهذه واحدة من خصائص الامام الخميني، وهي انه كان يحسن استثمار الفرص التاريخية الى أبعد الحدود، حيث استغلّ فرصة غليان الدماء في قلوب الناس بمناسبة شهر محرّم لطرح بعض القضايا المهمّة. وكان اعتقاله سبباً لأن يكون في مجابهة مع الشاه وجهاً لوجه، وقد توجّه في خطابه الذي ألقاه في المدرسة الفيضية بالهجوم على الشاه مباشرة، وهو الخطاب الذي هاجم فيه ظاهرة تقديس الشاه.
كان من الواضح أن الشاه لم يعد قادراً على التحمّل أكثر من ذلك، فاعتُقل الامام ونزلت جماهير الشعب الى الساحة، وكان معنى ذلك ان الامام اذا أراد النزول الى الساحة، فان النظام سيكون في مواجهة مع الشعب.
وقعت حادثة الخامس عشر من خرداد في وقت كان الامام الخميني في السجن، ثم جاءت ظروف دعت العلماء الى الهجرة الى طهران، وهكذا تمّت تعبئة جميع الامكانيات، الى ان أطلق سراح الامام إلاّ انه بقي تحت المراقبة. والهدوء الظاهري الذي شوهد بعد ذلك في البلد يعزى الى أسلوب القمع الذي مارسه النظام.
وبعد ان اطمأنت خواطرهم الى استقرار الاوضاع نقلوا الامام الى قم، وتوفّرت عند ذاك فرصة جديدة وهي ان الامام أخذ يتطرق الى قضية مهمّة كانت موجودة في البلد، وهي قضية الاستعمار وخاصّة التسلط الأمريكي.
كنّا الى حين تلك اللحظة في حالة مجابهة مع الاستبداد الداخلي. وكانت هناك ايضاً توجّهات معادية للاستعمار، بيد أن حدّ السيف كان موجّهاً نحو الداخل. ثم ان هذه الفرصة تبلورت أكثر حين اتضح ان النظام كان أثناء أحداث الخامس عشر من خرداد وما سبقها وما تلاها بحاجة الى الدعم الامريكي؛ فحينما نزل الشعب الى الساحة، كان على حماة الشاه ان ينزلوا الى الساحة ايضاً، وكان لابد ان يظهر كل شيء علانية، وكانت هذه هي رغبتهم، حيث كثر وجود المستشارين الامريكيين في الجيش، وفي قطاع النفط، وفي جهاز السافاك، وفي القطاعات الفنية الاخرى.
السيد اللاريجاني: وحتى في الاجهزة السياسية للدولة؟
* الشيخ الرفسنجاني: نعم، كانوا يستشيرونهم في شؤون الميزانية وما شابه ذلك. ولم يكن الامريكيون يرغبون بتقديم العون بدون ان يكون لهم حضور في البلاد، وأخذوا يفكرون بترتيب الاوضاع في ايران بالشكل الذي يمهّد لحضورهم، فطرحوا على اثر ذلك ما يسمى بقانون الحصانة (الكابتالاسيون).
ونتيجة لتلك الظروف استجدت فرصة أخرى للامام الخميني. أُذيع خبر مصادقة المجلس على ذلك المشروع على نحو غامض، وجئت حينها الى طهران وبقيت فيها ـ كما أمرني الامام ـ ثلاثة أيام، وحصلت عن طريق السيد فلسفي والسيد طليعت والسيد البهبهاني على معلومات مهمّة حول تصويت المجلس على ذلك المشروع وطبيعة النقاشات التي حصلت؛ لأن المعارضين للمشروع طرحوا آراء مثيرة حول الموضوع، وجمعت كل تلك المعلومات وقدّمتها للامام.
قال الامام الخميني حينذاك اننا سنفضح أمريكا أمام الملأ، ونتصدى لها. وهكذا بدأت حملة مجابهة قانون الحصانة (الكابتالاسيون)، وشرعت أول الأمر بالخطابات والكلمات؛ وكان لدى الامام خطبة شاملة لهذه الغاية، إلاّ ان النظام اطلع عليها على ما اعتقد، فسارع الى نفيه.
كانت خطّة الامام هي انه كتب رسائل وبعث بها الى علماء البلاد طلب فيها ان يتجمهر الناس في كل أرجاء البلاد ويبدأوا بكتابة الطوامير لكي يبدأ التحرّك الجماهيري المنسق من جميع أرجاء البلاد ضد الشاه وضد امريكا، بدلاً من ان يكون الاعتراض موجهاً من قم الى طهران، على ان يكون محور المجابهة هو محاربة قانون الحصانة.
بدأ الامام بتنفيذ تلك الخطة، وبعث تلك الرسائل، إلاّ ان السلطات علمت بمجاري الأمور وسارعت الى اعتقال الامام. غير ان هذا الاعتقال نفسه ساعد الامام على إيجاد تيار لمحاربة أمريكا على المدى البعيد، لأن أمريكا هي التي كانت مسؤولة منذ ذلك التاريخ فصاعداً عن نفي الامام، وبخاصّة أنّه نُفي الى تركيا، ومن الواضح ان تركيا لم تكن توافق على استضافة الامام على أراضيها لولا وجود أوامر من أمريكا.
أمّا الشيء المهم الذي حصل خلال تلك الفترة القصيرة التي لم تستمر سوى بضعة أيّام، فهو ان حلقة مكافحة الاستبداد قد اكتملت من خلال اضافة مكافحة الاستعمار والتسلّط الأجنبي إليها، حتى تحوّلت تلك المجابهة في ذروتها الى خليط من القضايا الداخلية والخارجية والدولية.
من الواضح ان فكرة نقل المجابهة من الصعيد المحلي الى الصعيد الدولي كانت مختمرة في ذهن الامام، حيث كان يصرّح ان هذه القضية تتعلق بالعالم الاسلامي بأسره، ومن هنا فهي ذات صلة بجميع القضايا الاخرى. وهذا ايضاً بُعد آخر من المواقف التي اتخذها الامام في المنعطفات المهمّة، ويمكن اعتباره من جملة معالم ذكائه وفطنته.
خرج الامام من ساحة المجابهة الداخلية بعد أن نُفي إلى مدينة غرب تركيا اسمها بورسا، ولم تكن لديه أيّة وسيلة للاتصال بنا. كان يزوره بين الفينة والاخرى بعض الاشخاص لأجل التحية، ولكن تحت رقابة صارمة من رجال السافاك. كانوا يستهدفون قطع علاقة الامام مع القوى الثورية ونجحوا عملياً في تحقيق تلك الغاية الى حدٍّ ما. حيث كانت هناك فترة فراغ ملحوظة في بروز الامام الى ان شرع بتأجيج المجابهة من جديد من منفاه في النجف وفي باريس.
السيد اللاريجاني: أشرتم الى حسن استثمار الامام الخميني للفرص، وهذا ينمّ عن الحسابات الدقيقة للشخص فضلاً عمّا يمثله من حنكة ودهاء. وقبل الانتقال من مرحلة ما قبل الثورة، رأيت أنكم لو تحدثونا عن موضوعين: الأول هو هجرة الامام الى باريس؛ اذ يبدو لي ان هذا القرار يعني أشياء كثيرة، أي ان أمام عالم الدين ومرجع التقليد أماكن كثيرة يستطيع الذهاب اليها، فلماذا وقع اختياره على باريس بالذات؟! وما هو السبب الذي جعله يعير الاهمية لباريس؟ حيث اتضح لاحقاً؛ أي من بعد ذهابه الى باريس ان خياره بالذهاب الى هناك كان دقيقاً ومن صالح الثورة. ومن جهة أخرى كانت جماهير الشعب في ايران في حالة غليان ثوري، ووجوده في باريس يتيح وصول أوامره وتعليماته الى الجماهير والى انصاره بكل سهولة. وفي خضم تلك الاحداث يتخذ الامام قراره بالتوجّه الى ايران. ولعل الكثير من الشخصيات الكبيرة وأنصار الامام راودتهم الهواجس عن سبب مثل هذه المجازفة في تلك الظروف الخطيرة، وربما ساورتهم الشكوك في صحّة وصواب مثل هذا القرار. إلاّ ان التاريخ أثبت أيضاً صحّة ذلك القرار؛ فذلك القرار وان كان يعبّر عن شجاعته، إلاّ انه أدّى من جهة أخرى الى إدخال الثورة في طور مرحلتها النهائية. فما هو رأيكم في هذا التحليل، وهل لديكم رأي خاص في هذا المجال؟
* الشيخ الرفسنجاني: لقد كنت حينها في السجن، ولم أستطع ان أصدّق ما كان يجري؛ كانت الاخبار خلال تلك الفترة تصلني بواسطة الاشخاص الذين كانوا يأتون لمقابلتي في السجن، وكنّا نعلم على نحو الاجمال أن الثورة بلغت ذروتها في أعقاب استشهاد السيد مصطفى الخميني في النجف الاشرف، وأن رسائل الامام أخذت تتواصل من النجف، وأن سماحته قد كسر حالة الفتور وتحرك بشكل واسع وفاعل.
في تلك الفترة اتفق النظامان الايراني والعراقي على عدم بقاء الامام في النجف، فكان على الامام ان يأتي الى ايران، وكان النظام يخشى قدوم الامام إليها، على اعتبار ان مجيء الامام سيؤدي الى خلق مشكلة في ايران التي كانت تعيش آنذاك أجواءً سياسية منفتحة. فكانوا يتصورون ان الامام اذا أراد الهجرة، فليس أمامه إلاّ الهجرة الى أحد البلدان العربية او الاسلامية كتركيا مثلاً، وكان ذلك كله هيّناً على النظام.
لم أكن حينها على علم بمجريات الأمور، لكنني اطلعت عليها لاحقاً. كان الامام يرى انه اذا أخرج من العراق ولم تسمح له ايران بدخول أراضيها فانه سيتجه نحو الكويت المحايدة للعراق، إلاّ ان الكويتيين خافوا ولم يسمحوا للامام بدخول الكويت مع انه كان قد وصل الى الحدود.
في أثناء عودة الامام من الحدود الكويتية، عرضت فكرة الذهاب الى باريس. هذا هو ظاهر الأمور، أمّا باطنها فيجب النظر اليه على نحو آخر. وعلى كل حال فقد هاجر الامام الى باريس، وكان اختياره لها صائباً. وهذه هي النقاط التي نبحث عنها باعتبارها تمثل واحدة من خصائص القائد.
لم يكن الامام في الفترة التي ذهب فيها الى باريس قائداً سياسياً، وإنّما كان مرجع تقليد؛ وكان من الممكن ان يجلب عليه ذهابه الى باريس مكائد اعلامية ماكرة؛ فكان من الممكن ان يقال من أجل خداع الناس البسطاء: لماذا ذهب الى باريس ولم يذهب الى سوريا مثلاً ليكون الى جوار ضريح السيّدة زينب (ع)؟ أو لماذا لم يذهب الى مكة أو الى المدينة؟ وكان من الممكن ان تثار هذه المؤاخذات ضدّ أي موضع آخر يذهب إليه.
وعلى كل الاحوال فقد تصرف الامام على نحو بيّن فيه للجميع انه أراد الذهاب الــى الكويت ولكن لـم يفسـحوا له المجال، ولم يكن أمامه من سبيل سوى التوجّه إلى باريس. ثم إنه في باريس انتهج أفضل السبل، ولا داعي للدخول في التفاصيل الجزئية لأمثال هذه القضايا، لأن اللقاءات والمباحثات مدوّنة في الوثائق والنصــوص التاريخية، ويمكن لمن يريد، الاطلاع عليها في مظانّها.
السيد اللاريجاني: لقد تجلّى منذ ذلك الحين فصاعداً بعد آخر من أبعاد شخصيته، وهو البعد القيادي الذي أخذ يتجلّى بسرعة.
* الشيخ الرفسنجاني: لقد اتخذت التظاهرات والمجابهة السياسية في ايران بُعداً جماهيرياً في ذلك الوقت؛ ممّا أثار حفيظة الاوساط الاستعمارية وخاصّة أمريكا وبريطانيا من التطورات الجادّة التي كانت تجري في ايران، وأخذت وسائل الاعلام العالمية تركّز على مجريات الاحداث بكل اهتمام. لقد كانت مجابهة حادّة بين الشرق والغرب؛ كان للشيوعيين وللتيارات السياسية الاخرى نفوذ فاعل في أجهزة الاعلام، وكانت الأدبيات الماركسية الثورية تهيمن على معظم الاجهزة الاعلامية، ولم يكن وجود الامام يسمح بإخفاء الأمور عن الرأي العام، لأنه استغل فرصة وجوده القصيرة هناك وأعلن للعالم كل ما لديه من آراء.
السيد اللاريجاني: يعني شكل الحكومة .. الديمقراطية .. الحرية .. كل ذلك؟
* الشيخ الرفسنجاني: من جملة الاشكالات المثارة ضد نظام الشاه هي سعة الهيمنة الامريكية على الشؤون الايرانية، حتى ان الغربيين يصفون تلك الهيمنة على نحو لا يدع مجالاً للشك في حقيقتها.
لقد وجّه الامام ضغوطاً شديدة للمصالح الغربية، حتى انني حينما أقرأ في الوقت الحاضر بعض تصريحاته أؤيدها من كل قلبي؛ لأن ظروف ذلك الوقت كانت تستلزم وجود مثل هذه القيادة التي تستطيع ان توصل كلامنا من باريس الى العالم؛ فقد اطّلع العالم من هناك على الافكار الاسلامية وعلى النقاط البارزة في فكر الامام. ومن المثير أنّه كان يؤكد في كلامه على الدوام بأنه يريد الذهاب الى ايران لكن السلطات لا تأذن له بدخول ايران، ولم يشر في كلامه ذاك الى المخاطر التي تهدد حياته أو الى الضمانات الأمنية لسلامته! وكان يردد بين الفينة والأخرى أنه سيكون بين أبناء الشعب متى ما سمح له النظام بدخول ايران.
سادت في ايران فترة من الهدوء في المجابهة المسلحة، بدأت منذ عام 6431 [7691م] فصاعداً. ولم يفكر الامام الخميني قطّ في مجابهة مسلّحة تفتقد الى العنصر الجماهيري، بل كان أكثر ما يركز على المجابهة الشعبية.
السيد اللاريجاني: يعني هذا انه كان لديه استراتيجية خاصّة.
* الشيخ الرفسنجاني: أجل، هذا واحد من أبعاد شخصية الامام. كان يقول ان المجاميع المؤلّفة من مئة أو مئتين أو خمسائة شخص لا يمكنها اسقاط النظام، أمّا اذا أراد الشعب فانَّ بإمكانه ان يفعل ما يشاء. وبما انه سار على تلك الستراتيجيّة فحتى ان مجيئه الى طهران كان يحسب فيه حساب الجماهير.
قد لا يصدق المرء أن تصريحات الامام برغبته في العودة الى ايران كان جادّة؛ لأن زمام الحكم كان لايزال بيد النظام البهلوي، وكان الجيش موالياً لذلك النظام على الظاهر، وكذلك الشرطة. ونحن في الداخل لم تكن لدينا إمكانيات أمنية كفيلة بتوفير الحماية للامام، وكان من الواضح ان وضع الثورة مرتبط الى حدّ بعيد بوجوده، حتى ان الاشخاص الذين كانوا يتصورون أنفسهم عقلاء كانوا يقولون ان الامام يجب ان لا يأتي في مثل هذه الظروف؛ فهو حالياً يوجّه مسير الثورة من الخارج ويجب عليه ان يصبر لحين سقوط النظام، ليتسنى له عند ذلك العودة الى البلاد وتوجيه الثورة من الداخل. وهذا الجانب الذي نتحدث عنه كان من الممكن ان يؤدي الى إيجاد شكوك في قلوب الناس؛ اذ كيف يمكن لمن يدّعي حبّ الشعب والعمل في سبيلهم ان يمتنع عن الحضور بين صفوفهم فيما اذا وافق النظام يوماً على مجيئه. من المؤكد ان تساولاً جادّاً كان سيُثار حول الموضوع فيما لو كان الامام قد امتنع عن المجيء، إلاّ انه لم يترك لمثل هذا التساؤل ان يثار. والحقيقة هي ان قلوبنا كانت تخفق جميعاً حينما كانت الطائرة تقلّ الامام متوجهة به الى طهران؛ لقد كان مسير الطائرة محفوفاً بالمخاطر حيث توجد على هذا المسير اسرائيل ودول مناهضة أخرى تعتبر من أصدقاء الشاه، وفي المطار عندما حطّت الطائرة لم نتسلّمه نحن وإنّما تسلّمه مسؤولو المطار؛ وكانت هناك أشياء أخرى كثيرة كان من المحتمل لها ان تقع. وهكذا ثبت توكّله وحزمه الجاد؛ فهو كان يقول لي على الدوام انه لا يريد الانقطاع عن الشعب لحظة واحدة.
الحقيقة هي ان عودة الامام الى ايران بعثت الرعب في قلوب الاميريكيين والغربيين ونظام الشاه، إذ إنّها تنمّ عن اعتماد وثقة بالمساندة الشعبية؛ فالامام كان يعوّل على الله وعلى الشعب. أمّا الاعداء فلا أدري كيف كانوا يفكّرون، ولكن الواقع هو انهم خافوا كثيراً. وفي تلك الفترة كانت هناك مفاوضات وشيكة؛ كان بختيار وأعوانه كاللواء مدني وأمير انتظام وغيرهما يجرون معه مفاوضات مستمّرة، وفهمنا ما كان يعتمل في نفوسهم. ومن بعدهم بازركان وحركة الحرية.
كان أعوان بختيار على درجة عالية من السذاجة ولم يستطيعوا إخفاء الاخبار الداخلية؛ ومعنى هذا ان قرار الامام بالعودة الى ايران كان قراراً مصيرياً بعث الرعب في قلوب الاعداء من جهة، وشدَّ من عزيمة القوى الثائرة في الداخل من جهة أخرى. والنقطة الاخرى هي ان الامام أعلن في بهشت زهراء [جنّة الزهراء] قبل اعلان الاحكام العرفية انه هو الذي سيعيّن الحكومة! وكان هذا أول خطاب له مع انه دخل الى ايران بموافقة الحكومة التي لازالت مسيطرة على مقاليد الأمور.
من الطبيعي ان الشعب كان موجوداً في الساحة السياسية؛ وكان في اعلان الامام عن عزمه على تشكيل الحكومة نقطتان في غاية الأهمية، هما: انه لم يكن يكتفي بدوره كمرجع تقليد وعالم دين، بحيث يقول للناس من بعد انتصار الثورة ان يشكلوا الحكومة بأنفسهم، بل قال انه هو الذي يعيّن الحكومة. وقد تبلور لاحقاً مراده من هذا الكلام العادي من خلال إجراء الاستفتاء العام وتشكيل الجمهورية الاسلامية. والنقطة الثانية هي ان الحكومة التي جاء الامام بإذن منها كانت تتصور انه لن يتدخل في شيء من الأمور.
لقد أحسن الامام استثمار فرصة الخطاب الذي كان العالم كله يستمع إليه، ووضع نصب عينيه فيه كل ما يحتمل ان يدور في خلد الناس. ثم توجه الى مدرسة [الرفاه] ليختار من بعد ذلك الموضع المناسب لإقامته.
أرسل لنا من باريس خبراً يريد فيه ان نختار له مكاناً للإقامة يكون الى جنوب شارع (شاه رضا) الذي سُمّي في ما بعد بشارع الثورة، ولم يكن من السهولة ان نجد له في ذلك الوقت مكاناً آمناً في جنوب المدينة. وكانت لدينا مدرسة الرفاه أو مدرسة علوي التي تتكون من بناية عادية تكفي قذيفة واحدة لهدمها. ولكننا مع ذلك أخذنا البعد الجهاهيري بنظر الاعتبار.
السيد اللاريجاني: أذاع النظام البائد في يوم الحادي والعشرين من بهمن [9791م] حينما كان على حافّة الانهيار انه سيعلن الاحكام العرفية. وكان لقرار الامام تأثير بالغ في الهواجس التي كانت تساور كبار القوم.
قرأت قبل بضعة أشهر مقالة لكاتب جزائري يحلل فيها أسباب عدم انتصار حركتهم، ويعزو أحد تلك الاسباب الى عدم وجود قائد لديهم كالامام الخميني، مقارناً بين هذا اليوم الذي فاز فيه الاسلاميون في الجزائر بالانتخابات، فأعلنت على أثر ذلك الاحكام العرفية فيها، وأعلن العسكر ان الاهالي يجب ان لا يخرجوا الى الشوارع لأن هناك مجازر دموية على وشك الحدوث. وقد قتل هناك حتّى الآن ثلاثون ألف شخص، ولازالت الاضطرابات سائدة الى يومنا هذا. أمّا القرار الذي اتخذه الامام فقد كان قراراً صائباً وقد أدّى الى تحطيم آخر الحصون. ولعلنا نستطيع اضافة هذا القرار الى جملة القرارات الحاسمة للإمام الخميني. فهل لديكم تعليق على هذا الكلام؟
* الشيخ الرفسنجاني: نعم، فأنا أعتقد ان تلك القرارات كانت مصيرية ومهمة، وكنّا أمام خياري الموت والحياة فاختار لنا الحياة. فحينما كنّا على مشارف الثاني والعشرين من بهمن كانت لدينا مفاوضات مع ممثلين عن الحكومة، حيث كان الامام يؤكد وجوب استقالة الحكومة، وأن ينهض هو بمهمة تشكيل حكومة جديدة، بينما كان ممثلو الحكومة يؤكدون ان حكومتهم قانونية وان الامام يجب ان يقدّم ما لديه من مطاليب ليتمّ تنفيذها.
وحينما كانت الاوضاع تجري على هذا المنوال، أخذت قطعات من القوات المسلحة تنضم الى الامام شيئاً فشيئاً وكان من جملتها مجاميع كبيرة من القوة الجوية، وأفراد كثيرين من القوات الاخرى على نحو متفّرق. وعندها أدركت الحكومة ان الحالة اذا استمرت على هذه الشاكلة طويلاً فإن الاوضاع ستنهار.
وفضلاً عن كل ذلك، أخذت الوزارات تمنع الوزراء من الدخول اليها، وأصبحت الوزارات بلا وزراء، وربّما كان الشخص الموجود فيها يأتمر بأمر الامام، وبدأ بعض المدراء بتقديم استقالاتهم. ومعنى هذا ان النظام كان يسير نحو الانهيار. وهكذا وجدت الحكومة نفسها في وضع حرج وكان عليها اتخاذ القرار النهائي.
أمّا بالنسبة الى الامام فقد كان لديه متّسع من الوقت؛ وبدا لنا ان الاوضاع اذا استمرت على هذه الشاكلة فلن يتبقّى للنظام شيء. ولو انّ الحكومة لم تعلن الاحكام العرفية لما أقدم الامام على اتخاذ إجراء حاسم. لا أدري تماماً، ولكنني أقول لعله لم يكن ليقدم على اتخاذ إجراء حاسم.
كانت هناك قضية جادّة مطروحة على بساط البحث في اوساط النظام حيث كان بعض دعاة العنف يقولون انه من الافضل لنا ان نقوم بمذبحة واسعة لنكون بعدها مرتاحي البال مدّة طويلة. بل كان البعض يقولون وهل هناك ضرر في ان نخّرب طهران برّمتها، ثم نبني طهران جديدة أفضل منها؛ حتى ان البعض منهم كان يتحدث عن قصف واسع وعن مجزرة عامّة لأهالي طهران في الشوارع، وما شابه ذلك، إلاّ انهم لم ينجحوا عادة في اتخاذ مثل هذا القرار.
وخلاصة القول هي ان الحكومة لما رأت أسسها آيلة الى الانهيار، وبعد تغلّب الفكرة الداعية الى استخدام أسلوب العنف، قررت انتهاج هذا الاسلوب. ولأجل تنفيذ ذلك، كان لابد لهم من اعلان الاحكام العرفية وإنزال قواتهم الى الشوارع والبدء بضرب مراكز القوّة الجماهيرية. وبعد أن تأكّدت صحّة ذلك الخبر اتخذ الامام والشخصيات البارزة في الثورة قرارهم في الوقت المناسب. ولكن من أين بدأوا؟
بدأوا بإصدار بيان أعلنوا فيه دعمهم للقوى العسكرية التي انحازت الى جانب الثورة، مع إدانة لهجوم الحرس الشاهنشاهي على بعض قوات الجيش، اضافة الى ذكر بعض القضايا، وأبلغوا الشعب بعدم الانصياع للأحكام العرفية.
وأعتقد ان السطر الأخير الذي ورد في البيان يعكس مدى صلابة وثقة القائد بنفسه بحيث انه يعلن للشعب بسطر واحد وبأسلوب هادئ ان لا يذهبوا الى منازلهم. ثم انه ماذا سيفعل لهم لو انهم ذهبوا الى منازلهم؟
لقد كان ذلك القرار قراراً مهمّاً، ولو ان الناس لم يمتثلوا لأمر الامام لامتلأت الشوارع بالدبابات والاسلحة الاخرى. وأعتقد ان الاسرائيليين والاميركيين وغيرهم هم الذين كانوا يمتثلون للأوامر في تلك البرهة، لأنه كان من المستبعد جداً ان ينفذ أفراد الجيش والشرطة الاوامر القاضية باستخدام العنف ضد الشعب، وإنّما كان على الحكومة ان تأتي بأشخاص من أماكن أخرى لتنفيذ تلك الأوامر. ومع انهم أعلنوا الاحكام العرفية، ولكن لم يكن من المؤكد انهم سينجحون في إجراءاتهم تلك، لأنهم سبق وان أعلنوا الاحكام العرفية مّرات عديدة ولم ينجحوا فيها، إلاّ ان يكونوا عززوا قرارهم هذه المرّة بالعزم على ارتكاب المذابح.
وفضلاً عن كل ذلك فان الامام كان حينها في باريس، ولو انهم طبّقوا الاحكام العرفية لما استطاعوا إلحاق أيّ ضرر به. كان بإمكانهم هذه المرّة إخماد مركز الثورة على وجه السرعة. كان وضع الحكومة العسكرية خطيراً للغاية، وكان إفشالها مدعاة لزرع اليأس في قلب النظام من الاستمرار في الحياة، لأنها تمثل حربته الاخيرة ولم يكن لديه أيّ سلاح آخر بعدها. هذا اضافة الى ما كان يشعر به الموجودون في الداخل من قلق وانهيار، فجاء قرار الامام ليثّبت قلوبهم، وقد التقينا بالكثيرين منهم ولاحظنا انهم تغّيروا كثيراً بين ليلة وضحاها. وعلى كل حال فإننا نعتبر هذا القرار قراراً هامّاً اتخذه الامام في أحرج مراحل هذه الحركة.
السيد اللاريجاني: لا أعتقد ان الحوار معكم ـ بصفتكم تمثلون تاريخ الثورة الحي ـ يتوقف عند حدّ الموضوعات التي تحدثتم فيها، ولكن نظراً لضيق الوقت نطلب الإذن منكم للتحدث عن مرحلة ما بعد انتصار الثورة.
لقد كانت الثورة حادثة تاريخية عظيمة تمخّضت عنها نتائج كثيرة، أشير في ما يلي الى اثنين منها وهما: الاولى إرساء أسس نظام في ايران يقوم على أساس الفقه الاسلامي باسم الجمهورية الاسلامية، حيث كان الامام يؤكد كثيراً هذه التسمية ولم يوافق على زيادة او نقصان كلمة واحدة فيها. وهذا ينّم عن وجود رأي خاص للامام في هذا الموضوع. أمّا الثانية فهي ان نهضة إحياء الاسلام التي وقعت في ايران لم تعد محصورة على نطاق ايران وإنّما اصبحت تشمل العالم الاسلامي كله. وقد أدركت الأمة الاسلامية حيثما كانت فحوى هذه الرسالة واستلهمت معناها حتى في الغرب وفي أمريكا وفي البلدان التي عاشت فترة طويلة في ظل محاولات القضاء على الاسلام.
ونحن نلاحظ اليوم هاتين الظاهرتين تسيران الى جانب بعضهما نحو التقدم والازدهار. ولو سمحتم بالتحدث الآن عن كيفية رؤية الامام لهاتين القضيّتين.
لقد طرحت قضية “الجمهورية الاسلامية” في أجواء مضطربة وغير مستقرة؛ فمن جهة كانت هناك التكتلات السياسية ذات المشارب والصفات المتباينة، فكان الامام يواجه فئة ترفض لسبب او آخر الماهية الاسلامية للنظام، او تعارض الاسلام أساساً بدعوى انه نظام قديم ويعود الى أربعة عشر قرناً مضت، وكان هناك ايضاًً مسلمون متدّينون ولكنهم يرفضون نظرية الحكومة الاسلامية معتبرين الاسلام مجّرد عبادات وطقوس فردية.
عندما كان الامام يتحدّث عن إقامة حكومة اسلامية فإنه كان يطرح هذا الموضوع بجدّ، في وقت كان الكثير من المتدّينين يرون ان الحكومة الاسلامية لا يجب ان تكون جمهورية بالضرورة، بيد ان الامام كان يؤكد هذا المعنى. والأهم من ذلك هو انه كان يطمح الى وضع دستور وتكوين مؤسسات دستورية.
وقد لاحظت من جملة النقاشات التي احتدمت في بداية انتصار الثورة حول الدستور ان شخصية كبيرة كالشهيد آية الله محمد باقر الصدر بعث الى الامام رسالة كتب فيها ياحبّذا لو انكم تختارون جماعة من العقلاء كأن يكون عددهم عشرة أو خمسة عشر شخصاً لينهضوا بمهمة بناء البلد الى أمدٍ ما، ثم تبدأون بعد ذلك بتدوين الدستور تدريجياً.
حسناً، لقد كانت هذه هي غاية الامام منذ اليوم الاول. وكانت فكرة الجمهورية الاسلامية وفكرة تقنين النظام ومؤسسات من بنات أفكار الامام. فاذا كان لديكم رأي آخر في هذا الصدد فياحبّذا لو تبيّنوه لنا.
* الشيخ الرفسنجاني: نعم، بيّنتُ سابقاً عند حديثي حول منعطفات بداية الثورة ان الامام الخميني طرح مبدأه في المجابهة على أسس دينية، ولم يتحدث كسياسي يعنى بالشؤون الدنيوية، وإنّما كان يتحدث في اطار الادبيات والقيم والاخلاق الاسلامية. وكانت هذه سمة مهمّة في منهجه. والنقطة الثانية هي ان جماهير الشعب كانت تواكب هذا المسار على كلا المستويين.
وبعد انتصار الثورة أخذت المبادئ التي طرحناها تتضح شيئاً فشيئاً حيث أخذ يتضح مدى التزامنا بمبدأ “الجمهور” من جهة، ومدى وفائنا لشعارنا في النظر الى الامور من زاوية اسلامية من جهة أخرى. وهل يمكن التوفيق بين هذين المبدأين أو لا؟
لم تكن هذه القضية حديثة العهد كلّياً؛ فلو اننا نظرنا الى الكتب والمؤلفات والمذكرات التي كتبت في السنوات الاخيرة التي سبقت الثورة لوجدنا ان موضوع الحكومة الاسلامية في زمن الغيبة كان مطروحاً للبحث على نطاق واسع، وهل هذه الحكومة ممكنة أو غير ممكنة؟ هذا أولاً، وثانياً هل من الصلاح اقامة هذه الحكومة أو لا؟ وهل أشار البعض أساساً الى وجود مثل هذه الحكومة قبل ظهور امام الزمان (عج) أو لا؟
كان البعض يرى عدم امكانية قيام حكومة اسلامية من بعد حكومة الامام علي (ع) وصلح الامام الحسن (ع) الى حين ظهور امام الزمان (عج)، وانسحب موضوع البحوث الى ثورة الامام الحسين (ع) حيث صدر في ذلك الوقت كتاب ألّفه أحد علماء قم وهو السيد صالحي تحت عنوان “شهيد جاويد” [الشهيد الخالد] وكأنه أراد ان يقول فيه ان الامام الحسين ثار من أجل إقامة الحكومة الاسلامية وليس لمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واجهت هذه الفكرة معارضة من قبل الكثيرين، ولعلهم كانوا يعارضون جوانب أخرى فيها. كان “الولائيّون” يقولون اننا يجب ان لا نجاهد وإنّما يجب علينا انتظار ظهور صاحب الزمان (عج). وكانت هذه المباحث مطروحة على نحو جاد. وانطلاقاً من هذا الواقع يمكن فهم المغزى العميق الكامن وراء تدريس الامام الخميني لبحث “ولاية الفقيه” في النجف الاشرف؛ فهو وان لم يكن واثقاً من تحقيق النصر بهذه السرعة، إلاّ انه كان يرى وجوب حسم هذا الموضوع وتأكيد وجود الحكومة الاسلامية في زمن الغيبة للفقيه الجامع للشرائط، ولكن على ان يكون ذلك باختيار الشعب. وقد تمكن سماحته من حسم هذه القضية نظرياً واجتهادياً في النجف الاشرف. وعند قدومه الى ايران لم يكن هناك جدل بينه وبين الشعب حول هذا الموضوع، وكان الشعب يتقبل كل ما يطرحه الامام، وإنّما كان هذا الجدل يدور مع بعض الفئات وبعض النظريات؛ فالفئات القومية كانت ترى في ذلك الوقت انّ تسمية “الجمهورية” يكفي أن نضع الى جانبها صفة “الديمقراطية” ونسمّيها بـپ”الجمهورية الديمقراطية”، أو “الجمهورية” وحدها، وما شابه ذلك من الآراء والطروحات.
وعلى صعيد آخر كان الشيوعيون يتحدثون عن إقامة حكومة الطبقة العاملة؛ فيما راح المنافقون ذوو الأفكار الالتقاطية يطرحون فكرة إقامة مجتمع توحيدي خال من الطبقية، رغبةً منهم في إرضاء كل من الاسلاميين والشيوعيين في آن واحد؛ فهم يوردون عبارة “مجتمع توحيدي” لإرضائنا، وعبارة “خال من الطبقية” لإرضاء الشيوعيين. وكان هذا الجدل محتدماً بيننا على نحو جاد سواء حينما كنّا في السجن أم في خارج السجن. وأخذ طابعاً أكثر جدّية قبيل انتصار الثورة وبُعيد انتصارها، بل وانسحب ايضاً حتى الى داخل مجلس قيادة الثورة واستمر خلال الفترة الانتقالية الى ان وصل الى المجلس.
وبعد ان كُلِّف مجلس قيادة الثورة بتشكيل المجلس التأسيسي وتدوين الدستور، كان هذا الموضوع هو الشغل الشاغل لجميع الاوساط والمؤسسات الرسمية في ذلك الوقت. ومن المؤسف ان النقاشات التي دارت في مجلس قيادة الثورة لم تُسجّل ولم تدوّن على نحو دقيق. وقد كتب الدكتور الشيباني خلاصة لتلك النقاشات في كتاب يتألف من خمسة مجلّدات. وفي الفترة الاخيرة تولّى المهندس بازركان تحرير محاضر الجلسات ولخّص تلك المداولات في بضعة بنود، إلاّ اننا رفضنا بعض المطالب التي وردت فيها. وإلاّ فلو كانت محاضر تلك الجلسات مدوّنة لاطلعتم على ماهية الآراء التي طرحت حينذاك.
كان مجلس قيادة الثورة هو الجهة الأكثر رسمية، ومن هنا تلاحظون مدى أهمية وخطورة النقاشات التي نشبت بيننا. وكان لسماحة الامام رأيه الخاص في هذا الموضوع من جهة، وحرص من جهة أخرى على ان يبدي أبناء الشعب رأيهم فيه. وكان هذا رائعاً؛ لأن الامام وان كان رأيه مقبولاً من قبل الشعب ولا يجابه اعتراضاً من أحد، إلاّ انه طرح هذا الموضوع للتصويت لثقته بأنَّ هذا الموضوع يمثل مطلب الجماهير.
القضية الاخرى هي اننا حينما بدأنا نضالنا ضد النظام ابتداءً من عام 2691م كُنّا نرمي الى هذه الغاية بدون الاهتمام بما تؤمن به التيارات الشيوعية والوطنية. ولاشك في ان تلك التيارات كانت لها مساهمة في الثورة وكُنّا نقبلها على قدر مساهمتها، إلاّ ان المجابهة التي انتصرت هي مجابهة الاسلاميين، اي مجابهة عموم أبناء الشعب. ونحن لم نطرح للشعب شيئاً غير هذا، بل ولم يكن في أذهاننا شيء سوى الخيار الاسلامي.
التقيت ذات مرّة مع زعيم منشقّ من زعماء المنافقين، وهو السيد آرام ـ الذي كان يعيش في الخفاء بسبب انشقاقه عنهم، حيث كنّا حينها قد قطعنا مساعداتنا عنهم، وكان لقاؤنا في مكان خطير ـ فقال لي: لماذا قطعتم المساعدات عَنّا، ألسنا نحارب الشاه؟! ألا يوجد أمامنا عدو مشترك؟! فقلت له في حين كان يحمل السلاح وأنا مجرّد من السلاح، وكان غاضباً لأننا قطعنا معوناتنا عنهم: أجل، انكم تحاربون لكي يذهب الشاه وتأتي اسرائيل بدلاً عنه. أمّا نحن فنحارب لكي يذهب الشاه ويأتي بدلاً منه امام الزمان او الفقيه المجتهد، ويأتي الامام علي. وهناك تفاوت كبير بين هذا وذاك.
قال: هل يعني هذا انكم لا تساعدون من يحارب الشاه؟
قلت: اذا كان يحارب من أجل ذهاب الشاه ومجيء اسرائيل فنحن لا نقدّم له العون.
كانت تطلعات الجبهة الاسلامية تتركز على اقامة الحكومة الاسلامية، وحينما طرح الامام هذه الفكرة أقبلت عليها كل الجماهير التي سارت خلف الامام. ثم ان الاستفتاء لم يكن فيه أيّ إكراه. وقد كان هناك عمل اعلامي بالشكل الكافي، وصوّت الشعب للاسلام بكل رغبة واندفاع. وهكذا الوضع ايضاً في الوقت الحاضر، أي ان الفئات المختلفة الموجودة حالياً لو كشفت حالياً عن توجّهاتها الحقيقية وأعلنت عن عدم التزامها بحاكمية الاسلام لما وجدت لها آراء كثيرة في المجتمع. ولكن بما ان التعبيرات متشابهة، لذلك تطرح آراء مختلفة وتقدّم قراءات متباينة للاسلام، ولعل الشعب يرتضي بعض القراءات أكثر من غيرها، ولهذا فهو يصوّت لصالحها.
وعلى هذا الاساس فانَّ العمل الذي قام به الامام الخميني نابع من ذات الموقف الذي اتّخذه سماحته منذ البداية، ووفاءً منه للعهد الذي عاهد به ربّه وشعبه. وكل من سار في ركب الامام الخميني إنّما جاهد من أجل هذه الغاية. وقد ثبّت الامام هذه الرغبة وبواسطة آراء الشعب. وكان عمله ذاك خطوة جبّارة حقّاً.
السيد اللاريجاني: في اطار هذه المقولة، بما ان الجمهورية الاسلامية لم تكن هي الوليد الفرعي الوحيد للثورة الاسلامية، إلاّ ان سماحة الامام علّق عليها آمالاً كبيرة الى الحد الذي جعله يفضّلها على أي مولود آخر. وقد كانت له مواقف وقرارات خاصّة في سبيل الحفاظ على الجمهورية الاسلامية التي كان يعتبرها نموذجاً معقولاً للحكومة الاسلامية في العصر الحديث من جهة، وفي سبيل نموّها وازدهارها من جهة أخرى. وهذا موضوع سنتحدث عنه لاحقاً فيما اذا واتت الفرصة.
أمّا في مجال حفظ الجمهورية الاسلامية فإنّها تعرّضت لتهديدات جادّة من جهات مختلفة، وبعض تلك التهديدات مازالت قائمة حتى يومنا هذا، وقد أشرتم بين ثنايا كلامكم الى أول تلك التهديدات، وهو ذلك التهديد الذي كان يستهدف جوهر النظام ولا يريد وجود هذا النظام الاسلامي أساساً، وبقي هذا التهديد يتزايد مع مرور الزمن.
لقد كان رأي الامام واضحاً تمام الوضوح حول الماهية الاسلامية للنظام، وبعدما تم تحويل ذلك الرأي الى قانون واتخذ شكل الدستور ونزل الى حيّز التطبيق، أخذ الامام يسلط الاضواء على كثير من الفروع من قبيل ان ولاية الفقيه تمثل أساساً المشروعية في النظام الاسلامي، وان تطبيق الاحكام الاسلامية أمر جادّ لا مزاح فيه.
وكان سماحته يعير ايضاً أهمية خاصة لصلاحية الاشخاص المهمين في المؤسسات كأعضاء المجلس والمدراء والوزراء، بمعنى انهم يجب ان يتمتعوا بالصلاحية الاسلامية فضلاً عن الكفاءة العملية.
وكانت تحركات مختلفة استهدفت فتح هذا المنفذ لأنها وجدت نفسها آيلة نحو الاضمحلال يوماً بعد يوم.
والخطر الآخر هو حملة الاغتيالات. فالامام الخميني لم يكن يؤمن بأسلوب العنف، وكما أشرتم فإنه استطاع إيصال الثورة الى ساحل النصر من خلال التحّرك الجماهيري البعيد عن العنف، ولم يكن يميل الى الحرب المنظمة أو حرب العصابات أو حرب المدن وما شابه ذلك من أساليب استخدام العنف؛ إلاّ ان هناك حركات في هذا البلد لجأت الى استخدام هذا الاسلوب. أشير من جملتها الى جماعة المنافقين التي انتهجت أسلوب الاغتيالات، وكنتم أنتم من جملة الاشخاص الذين تعرضوا لمحاولات الاغتيال. غير ان الله تعالى منَّ على شعبنا بنعمة بقائكم. وقد فقدت الثورة كبار قادتها نتيجة لتلك الاغتيالات.
اذا كان لديكم آراء معينة حول سلوك الامام وإدارته وقيادته وعلاقته بالشعب وتوعيته له واعتماده عليه في ما يخص صيانة هذا الانجاز من الاخطار الداخلية ـ فضلاّ عن الاخطار الخارجية التي سنتحدث عنها اذا كان لدينا متسع من الوقت ـ فلا بأس ان نطّلع عليها.
* الشيخ الرفسنجاني: نعم، وأنا أعتقد هذا ايضاً، فالبحث يسير حالياً ضمن مساره الطبيعي، وبعد ان اتّضح، اختار الشعب حكومة الجمهورية الاسلامية بنسبة عالية من الاصوات، بغض النظر عن محتوى التصور الذي تحمله جماهير الشعب عن طبيعة هذه الحكومة. أمّا الذين لم يقبلوا هذا الخيار فقد أصبحوا يمثّلون مصدر تهديد بالنسبة لنا على جبهات متعددة، في حين لم يكونوا قبل ذلك يمثّلون مصدراً لمثل هذا التهديد، لأنهم كانوا يتوقّعون منّا ان نسير على النهج الذي يروق لهم. وهكذا بدأت تلك الجهات بتنفيذ حملة اغتيالات فردية لتصفية بعض الشخصيات. وكانت لديهم في الوقت ذاته خطّة لشنّ حرب شوارع شاملة يبادرون على اثرها للاستيلاء على المراكز الحساسة. كان هذا واحداً من جملة تلك التيارات.
أمّا الذين أشعلوا فتيل الحرب المسلّحة الغاشمة ـ وهم طبعاً لا يعتبرونها غاشمة، إلاّ اننا نستخدم هذا التعبير للإشارة الى انهم لم يكونوا يبصرون عواقب الأمور على النحو الصحيح ـ فإنهم لم يعرفوا الشعب ولا الامام حق معرفتهما، وإلاّ فإنهم كانوا على يقين من تحقيق النصر في مثل تلك الظروف وتقسيم البلاد، وكانت تلك العناصر موجودة ومتغلغلة في كردستان، وبين العرب في خوزستان، وبين أهالي آذربيجان في تبريز وغيرها، وبين التركمان، وبين البلوش، وبدأت بتنفيذ خطّة لتقسيم البلاد تحت شعار الحكم الذاتي وما شابه ذلك من التسميات.
كان من جملة المواقف المهمّة للامام الخميني هو موقفه الحازم حيال فكرة حلّ الجيش، وهي فكرة كانت تبدو وكأنها إجراء تقدّمي ومن طراز الاجراءات التي تتخذها الثورات الاخرى في العالم، اذ اصدر بتاريخ التاسع والعشرين من شهر فروردين عام 8531 [9791]؛ أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من انتصار الثورة بياناً هاماً ثبّت بموجبه سلسلة المراتب في الجيش، ولم يكن لهذا العمل وقع طيّب في نفوس العناصر الثورية التي كانت ترى في تلك التقسيمات والدرجات والمراتب شكلاً من أشكال التسلط الطاغوتي. إلاّ ان الامام أقرّ سلسلة المراتب وأقر طاعة المافوق وأمر بأن لا يُعامل الجنود كما يعاملون في ظل الانظمة الطاغوتية، فهؤلاء الجنود مسلمون وإخوة.
وهكذا قضى الامام بضربة واحدة على تلك المؤامرة الواسعة التي استغرقت أشهراً طويلة من الإعداد والتنفيذ وتهيّأت لها الأرضية الاجتماعية الكافية. وفي أعقاب قطع الامام الخميني لدابر تلك المؤامرة انتعشت حالة الجيش من جديد بعد ان سادته حالة من التمرّد والعصيان، لأن الجنود وضباط الصف والضباط الصغار لم يكونوا يأبهون بأوامر الضباط الكبار، والكثير من أمراء الجيش تمّت تصفيتهم او كانوا رهن الاعتقال، أمّا الآخرون فكانوا في حالة قلق وانهيار وحذر من المصير المجهول. ومعنى هذا ان قرار الامام الخميني كان متوقّعاً في تلك الظروف وفي ما أعقبها من وقوع الحرب.
ان فكرة حلّ الجيش كانت مطروحة من قبل العناصر التي كانت تفكر بشنّ الحرب، وكذلك من قبل العناصر التي كانت بصدد تدبير انقلاب عسكري، وأيضاً من قبل الجهات التي كانت تفكر بإشعال الحرب المسلّحة. فكان حلّ الجيش هدفاً مشتركاً بين هذه العناصر، وانه ينبغي العثور على جذور التعاون والتنسيق والمباحثات التي كانت موجودة بينها. ليس لدي حالياً وثيقة خاصة حول هذا الموضوع ولكنني أستنتج من خلال التحليل أنّهم كانوا متفقين حول هذه النقطة وكانت بينهم علاقات بشأنها، وكان لهم ارتباط مع الروس كُشِف عنه لاحقاً وقُدّموا للمحاكمة. ولابد انهم كانت لهم ارتباطات مع جهات أخرى.
السيد اللاريجاني: لكن الاحداث اللاحقة أثبتت وجود هذا الارتباط.
* الشيخ الرفسنجاني: نعم، وهذا هو ما اطلعنا عليه لاحقاً، وكنّا في ذلك الوقت واثقين من خلال تحليلاتنا بوجود ذلك الارتباط. ثمّ تصدّى الامام للتمرد المسلّح بالصبر وتقوية العزائم والاسراع في احلال عناصر جديدة، وكان للمرحوم السيد أحمد الخميني دور في ذلك الموقف الذي اتّخذه الامام وأثار فيه دهشة العالم كلّه.
كُنّا في كل يوم نفقد بعض الشخصيات والمدراء والافراد المؤثّرين، وقلّما كان يمضي يوم لا تقع فيه حوادث اغتيال؛ ففي الايام التي كانت تقع فيها خمسُ أو ستُّ حوادث اغتيال، كنت أكتب ليلاً، اننا أمضينا اليوم نهاراً هادئاً! هكذا كنّا.
كان للامام الخميني دور فعال في تقوية العزائم في الظروف العصيبة؛ فحينما فقدنا الشهيد المطهري أصدر الامام بياناً شدَّ به العزائم، وبعد تعرضي لحادثة اغتيال اصدر الامام بياناً تاريخياً لرفع معنويات الآخرين، وبعد حادثة انفجار مقرّ الحزب الجمهوري وسقوط 27 شهيداً حيث أصبح مجلس الشورى والحكومة والسلطة القضائية في حالة شبه مشلولة ـ ولو كان عدد اكبر من الضحايا قد سقط في تلك الحادثة لكنّا جميعاً في حالة شلل تام ـ أصدر الامام الخميني بياناً شحذ فيه المعنويات وقوّى عزائم أبناء الشعب، وكانت عملية الاستبدال وإحلال عناصر جديدة تجري على وجه السرعة. لأن الطاقات البشرية كثيرة ونحن جميعاً لم تكن لدينا تجربة، وكان هناك أشخاص كثيرون من غير ذوي التجربة يمكن إحلالهم محل العناصر التي فقدناها، وكانت هذه العملية تقوّي المعنويات وتخلق الأمل بالمستقبل.
هذا هو ما يتعلّق بفتنة الاغتيالات والتمرّد المسلح الذي وقع في تلك الفترة.
الخطر الآخر الذي كان يهدد الثورة هو خطر الانقلاب العسكري، وهي قضية غير داخلية طبعاً، وإنّما كانت من تخطيط الاجانب. وقد ثبت لنا بكل وضوح انها كانت من فعل الامريكيين. كان من جملة المؤامرات هي المؤامرات المعروفة بـ “نوجه” وقد وُئدت في مهدها. من جملة ما قاله الامام بشأن تلك المؤامرة هي هذه الجملة البسيطة والجميلة ولكنها ذات مغزيً عميق: “اذا كانت لديهم طائرات ويستطيعون الطيران في الجو، فماذا عساهم ان يفعلوا على الارض! ألم يكن في نيّتهم الهبوط على الارض من بعد القصف؟!”. هذا القول الساخر يعني لو انهم هبطوا بعد القصف على الارض لمزّقهم أبناء الشعب إرباًَ إرباً؛ لأن 99% من أبناء الشعب صوّتوا لصالح هذه الحكومة ولم يكن أحد منهم يرتضي مثل هذا العمل.
كان هذا مساراً عاماً استمر حوالي سنتين استطاع فيه الامام قيادة البلاد بسلام عبر أزماتٍ وفتن واضطرابات وتمرد داخلي ومحاولات تجزئة البلاد، وهو مسار لا يمكن ان يوصف وكأنه مجموعة من المواقف والقرارات.
السيد اللاريجاني: أشرتم الى ان سماحة الامام الخميني لم يسمح بحصول أي فراغ في مجال اتخاذ القرار، وهذه طبعاً سمة قيادية. ولعل سماحة قائد الثورة أشار الى شيء قريب من هذا المعنى بقوله انني لا أدع شيئاً من أمور البلاد معلّقاً. ولم يكن أي نوع من أنواع الحكم مقبولاً لدى الامام الخميني ولدى انصاره من أمثال سماحتكم ـ كما أشرتم أنتم الى هذا المعنى مرات عديدة ـ، وقد سعى الامام طوال حياته الشريفة، وخاصة من بعد انتصار الثورة الاسلامية حيث دخل في التفاصيل الجزئية، الى تمحيص الأمور وبحثها وأرسى أسس النظام على أساس قراءة خاصّة للإسلام. وذلك لأنه اذا كانت لدى كل شخص قراءته الخاصة للاسلام فمعنى ذلك عدم إمكانية إقامة حكومة اسلامية، وذلك لعدم قدرتها على الجمع بين هذه القراءات كافّة. فقد أكد الامام وجوب إقرار الحدود في هذا البلد على أسس الفقه الموروث وعلى أسس الفقه الجواهري، وان تكون حدود وصلاحيات الولي الفقيه مشروعة ومحدودة في الشريعة، بل وأشار أحياناً الى انها تتعدى وتفوق ما هو موجود، ونحن نكتفي هنا بهذا القانون. وأكد ايضاً فسح المجال امام التفكير الاسلامي في البلد، لا بمعنى منع الناس من الكلام بل يجب توجيه الجهود لتعميق هذا التفكير. وهذا يعني في الحقيقة توجيه بلورة شكل الحكومة الاسلامية. ولعل بعض المشاكل التي تواجه الحكومة الاسلامية في المستقبل هي مسألة شكل الحكومة؛ أي ان تطرح قضية القراءات المختلفة للاسلام، وهو موضوع كثر الحديث عنه في السنوات الاخيرة، بل يذهب البعض الى وجود رواية تشير الى ان الاسلام لا يتدخل في المجالات العامّة. أو لعل البعض يعتقد ان ولاية الفقيه تقف صلاحيّاتها عند حدّ معيّن، ولعلها تمثل نوعاً من الاشراف وليس نوعاً من الولاية.
كان الامام يبدي حساسية فائقة تجاه هذه الافكار، وكانت هناك تلميحات حتى في زمن حياته الى ان ولاية الفقيه تمثل نوعاً من الدكتاتورية ولكن بثوب آخر. وقد ردّ سماحته على تلك الطروحات بحساسيّة فائقة، لأنه كان ينظر الى الجمهورية الاسلامية كحصيلة لجهود عمره، وينظر الى جهاد الشعب الايراني من أجل صيانتها بتكريم واعتزاز.
بعد ان تحدثتم عن أساليب العنف والاغتيالات التي مورست ضد النظام، ياحبّذا لو تسلطون الاضواء على هذه الجوانب النظرية للنظام والتي كان الامام ينظر اليها بحساسية فائقة.
* الشيخ الرفسنجاني: كان الامام الخميني يأخذ المسائل التعبدية في الاسلام مأخذاً جاداً، وكان هو شخصياً شديد التمسك بها، حتى انه كان يستخدم في بعض الاحيان تعابير قد لا تكون متداولة في العرف الشائع. فقد كان يقول في بعض الاحيان اننا مقيّدون بالاسلام، فماذا عسانا ان نفعل؟
كنّا نفهم مراد الامام من هذا التعبير؛ فهو يريد ان يقول ان الاسلام قد يحكم بشيء وعقولنا تفهم شيئاً آخر من ذلك الحكم. ولكن بما ان الاسلام يحكم بذلك فهو كان يتخذ قراره في ضوء حكم الاسلام. ولم يكن مراده من هذا التعبير ان الاسلام قيد مفروض علينا، وإنّما يريد القول اننا متقيّدون بأحكام الاسلام ومتمسكون بها ولا يمكننا تجاوزها.
وقد سارع الامام الى إرساء مؤسسات النظام وتأسيس مجلس الشورى وتدوين الدستور وجعل كل شيء يجري وفقاً للانتخابات، وكان يؤكد حتى موضوع المجالس البلدية .. ان الاعمال التي قام بها الامام الخميني لم يقم بها أي قائد في السنوات الاولى من ثورته. أذكر على سبيل المثال انني حينما ذهبت الى الجزائر بعد سنوات من انتصار الثورة، كان الجزائريون يسألونني كيف استطعتم تدوين دستوركم بهذه السرعة مع العلم اننا لم نستطع تدوين الدستور بعد مضي عشرين سنة على انتصار ثورتنا؟!
هذه القضية لا تتحقق عملياً لأنَّ هناك أموراً يجب ان يصادق عليها الى ان يتم تدوين الدستور. وكان الامام جاداً في هذا المجال من تلكما الجهتين.
والقضية المهمة هنا هي ان الامام كان مرجع تقليد لا يشك أحد في علميّته، وكانت لديه مقدرة عالية على تقديم السبل الكفيلة بحلّ المشاكل المتيسّر حلّها عن طريق الاحكام الفقهية لإدارة البلاد. وكان من جملة ذلك هو طرح موضوع الاحكام الاوّلية والاحكام الثانوية؛ وهذا الموضوع كان موجوداً في الفقه على الدوام. ومن جملة إجراءاته في هذا المجال هو تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يتألف من جماعة قادرة على فهم المصلحة التي يمكن اتخاذها كمبنيً لحكم ولقانون في الفقه. وكان يعتبر هذا الموضوع من الاحكام الاوّلية وليس من الاحكام الثانوية. ومعنى هذا اننا نستطيع في بعض الحالات اتّخاذ قرارات خاصة وفقاً لما تمليه المصلحة؛ أي انه الحكم الذي يتخذ لمثل هذه الحالة، وإلاّ فانه يعود الى الحكم الاصلي.
كان الامام يستفيد من مبادئ الاجتهاد الفقهي لفتح السبل أمام تأمين متطلبات العصر لكي لا تكون هناك مشكلة في تطبيق الدستور او تطبيق الاحكام الشرعية.
هذه هي حالة (الدوغماتسمية) التي كان الكثيرون يخشونها بذريعة أنها تفضي الى استشراء حالة من التحجّر، مع وجود الآفاق التي فتحها الامام، حيث أمر ذات يوم ان ثلثي اعضاء المجلس اذا صوتوا على موضوع فإنَّ تصويتهم عليه يعتبر قانوناً واجب الطاعة حتّى وان كان خلافاً للشرع وخلافاً لفتوانا. ومن هذا نلاحظ ان مباني الامام كانت بالنحو الذي يتيح له إقامة نظام حكومي؛ والنظام الحكومي يواجه عادة متطلبات تستجد وفقاً لتجدد الزمان، وتبعاً لتطور الحياة البشرية.
وقد استطاع الامام الخميني حل هذه المعضلة ايضاً. وهذه واحدة من خصائص الزعامة الدينية وعلى مستوى المجتهد الجامع للشرائط. ولو انه كان قائداً عادياً لما كان له مثل هذا الحق ولا كانت لديه الجرأة على اتخاذ مثل هذا القرار المبدئي.
وفي ضوء وجود هذا المبنى أصبح الامام لا يواجه أيّة مشكلة في التقيّد بأحكام الاسلام، بل كان يقف بصلابة في كل الظروف ويصرّ على تطبيق تلك الاحكام ولم يكن يقبل أي استثناء، بل حتى هذا الاستثناء كان يدخل تحت باب آخر من أبواب الفقه، وهذه الحالة مازالت قائمة حتى الوقت الحاضر. وقد لاحظنا كيف ان بعض التصرفات التي يراد من ورائها تجاهل حكم اسلامي ما، سواء في الاذاعة والتلفزيون أم في أجهزة الدولة أو في أي مكان آخر، كيف كانت تثير استياءه وتدفعه الى التعامل معها بحزم، والى ردم منابع الانحراف بكل ما أوتي من قوّة. ومعنى هذا أننا كنّا نعيش في عهده حالة من الاشراف التام من قبله على اسلامية النظام لكي لا يقع أيّ خلل فيها. ونحمد الله على أنه لم يقع فيها أي خلل.
السيد اللاريجاني: الحرب المفروضة التي عشتم أحداثها منذ يومها الاول الى يومها الاخير تعتبر واحدة من الحروب المثيرة للدهشة؛ لأنها كانت حرباً بين طرفين وقفت فيها الى جانب أحد الطرفين على نحو أو آخر جميع القوى التي كانت لديها إمكانيات مادية، بينما لم يكن لدى الطرف الآخر أيّة قوات مسلّحة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإنّما كان هناك شعب صامد وقيادة حازمة. وكان الكثير من الاشخاص يقولون اننا يجب ان نترك الارض بأيديهم حالياً ونستغلّ الزمن لانتاج المدافع والدبابات، إلاّ ان الامام أصرّ على وجوب المقاومة منذ اليوم الاول. وهكذا نراه نجح في إيجاد مقاومة شعبية واسعة. من المؤسف اننا نفتقد ما ينبغي ان يكون موجوداً لدينا بشأن الحرب، وأعني بذلك المشاهد الجميلة لملحمة المقاومة الكبرى، إلاّ ان هناك آثاراً جيّدة ظهرت في هذا الميدان.
لعل بعض الغربيين الذين حكموا في الامور من موضع معادٍ أدركوا عظمة مواقف إمامنا وشعبنا؛ فالامام الخميني كانت له ستراتيجيّته الخاصّة، وقد أشرت الى جانب من تلك الستراتيجية وهو الجانب المتعلّق بالاعتماد على المقاومة الشعبية، اذ كان له دور فاعل في إيجاد تلك المقاومة وتوجيهها. وعلى الجانب الآخر كنّا نجابه مشاكل معقدة في سبيل الحصول على قطعة غيار واحدة لبعض الاسلحة. كنت في فترة ما في موقع جيّد؛ أي في وزارة الخارجية، وكنت أطّلع على مجريات الأمور. كنّا حينذاك نبذل جهوداً شاقّة ونواجه مشكلات كثيرة في سبيل عبور طائرة واحدة عبر أجواء معينة.
أنيطت بكم طوال فترة الحرب مهمة توجيه الشؤون العسكرية عملياً من قبل القائد العام للقوات المسلّحة، فياحبّذا لو تحدثونا عن جوانب النبوغ المدهش الذي كان يتصف به الامام في توجيه مسار الحرب.
* الشيخ الرفسنجاني: يجب تخصيص لقاء منفرد للحديث عن الحرب وأبعادها المختلفة، أمّا في الوقت الحاضر فإنني أكرّس حديثي للموضوع الذي بدأتم به وهو الحديث عن الجانب القيادي والشعبي لدى الامام الخميني.
ان ما رأيناه من الامام ـ ضمن ظروفه الجسمية والروحية وتقدّمه في السن ـ أثناء قيادته للقوات المسلّحة في فترة الحرب، يفوق كثيراً ما كُنا نتصوره عن إنسان بمثل ظروف الامام.
فهو كان في سن متقدّمة، ويعاني من مرض في القلب وقد ربط في بدنه جهاز تحت المراقبة. وكنا في كل لحظة قلقين من حصول حادثة له، وقد يقع له عارض مفاجئ فيما لو واجه صدمة نفسية. وكان من جهة أخرى عطوفاً ورؤوفاً الى أبعد الحدود خلافاً لما يبدو عليه ظاهرياً من حزم وقاطعية. كان على درجة من الرقّة والعطف بحيث كان يتأذى لحصول خدش بسيط في بدن أي شخص، فما بالك اذا شاهد تشييع جثمان عدد كبير من الشباب، او ان يرى جماعة من المعاقين، او يبلغه خبر أسر جملة من المقاتلين. هذه الحالات كانت كلها ممّا يسبب له الكثير من الاذى العاطفي. وبعدما رأى ان الحرب لم تعد في صالح البلد، قرر بكل شجاعة ورجولة ـپوكأي قائد لا يأخذ بنظر الاعتبار سوى مصالح الشعب والنظام والاسلام، ولو كان ثمن ذلك إثارة التذمّر لدى البعض ـ ان يوافق على قرار وقف اطلاق النار. وأنا حينما انظر الى حركة الامام لحظة شروع الحرب، والى تصريحاته التي أدلى بها في بدايتها، والتصريحات التي صرّح بها طوال فترة الحرب والى القرارات التي اتخذها، والصلاحيات التي منحها للقيادة، والى العوامل التي كان من الممكن ان توهن عزائم الشعب في الحرب، ومواقفه الحازمة، والتبعات الناجمة عن الحرب النفسية، على اعتبار ان لهذه الحرب أهميتها في عالم اليوم وفي الحروب الحديثة؛ عندما أضع هذه الامور كلها الى جانب بعضها الآخر أجدها أكثر بكثير من طاقة انسان في مثل سنّ الامام مهما كانت درجة الوعي التي يتمتع بها.
لقد كانت قيادة الحرب وإدارة شؤونها أمراً عجيباً في زمن الامام الخميني. والموضوعات التي أشرت إليها يستلزم كل واحد منها بحثاً تفصيلياً مطولاً، حيث سيتسنّى لي حينئذٍ ذكر شواهد معيّنة من وقائع الجبهة ومن قرارات الامام وما شابه ذلك.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية