Skip to main content

الامام الحسين وعقيدة الارجاء في النص الخميني( اشارات تحليلية...

التاريخ: 06-10-2007

الامام الحسين وعقيدة الارجاء في النص الخميني( اشارات تحليلية...

 الامام الحسين وعقيدة الارجاء في النص الخميني( اشارات تحليلية

 الامام الحسين وعقيدة الارجاء في النص الخميني( اشارات تحليلية...

النص المجدول بالتاريخ والواقع:

لا تأتي رؤية الإمام الخميني حيال عاشوراء ونهضة الإمام سيِّد الشهداء بعيدة عن الواقع مفصولة عن التاريخ، وانما هي حصيلة قراءة الواقع ووعي التأريخ. النص الخميني هو نص تأريخي يستمد معانيه ودلالته من خلال وقائع التاريخ وعبر وعي خاص.

وبهذه المثابة نخلص للنتيجتين التاليتين:

أولاً: ليس النص الخميني بشأن نهضة سيّد الشهداء، نصاً مجرداً عن الواقع وعن وعي التأريخ؛ بعيداً عن رؤية خاصة يصدر منها، بل هو نص مجدول للواقع، مشدود برؤيته، موصول بالتأريخ.

ثانياً: انَّ تحليل النص لاستمداد دلالته وما يكتنزه من معانٍ هي عملية لا يمكن ممارستها بعيداً عن مرتكزات النص ذاته، وبالتالي لا يمكن تحديد الأفكار وضبطها إلاّ بالوقوف على المكونات التي تتقوّم بها بنية النص. وهي في مثالنا هذا: الواقع المُعاش، وقائع التأريخ، الرؤية الخاصة في وعي التأريخ.

على ضوء هذين المحدِدَيْن المنهجيين سنتوفر على بعض الاشارات في الرؤية التي يقدمها الإمام لنهضة سيّد الشهداء.

خطوط الانحراف:

عندما نعود إلى نصوص الإمام في تحليلها لعلل نهضة سيّد الشهداء، نجد سماحته يصدر من موقف حاسم في الاُسرة الأموية ونهجها مؤدّاه ان هذه الاُسرة هدفت القضاء على الإسلام، لذلك انطلقت نهضة الإمام سيّد الشهداء لتكون معادلة لاحياء الإسلام ذاته.

من بين النصوص التي تحشد هذا المعنى بكثافة، قوله: “لقد كان الدين الإسلامي يندثر ويتلاشى نتيجة انحرافات حثالات الجاهلية وخططهم الهادفة لاحياء الشعور الوطني والقومي برفعهم شعار: لا خبر جاء ولا وحي نزل”.

هذا المقطع من النص يلتقي مع مقاطع اُخرى، تؤكد في تحليل الإمام على أنَّ الانحراف أصاب الحياة الإسلامية في ثلاثة مستويات وتحرك في ثلاثة خطوط متوازية، هي:

1 ـ الخط العقيدي: إذ رام النهج الأموي أن يضرب العقيدة التوحيدية ويفرغها من محتواها التوحيدي الثائر بإشاعة عقيدة الارجاء بديلاً عنها.

2 ـ مستوى نظام الخلافة: وقد استهدف النهج الأموي في هذا الخط ضرب نظام الخلافة الإسلامية وتحويلها من خلافة للمسلمين إلى سلطة وراثية وملك عضوض، وحكم قبائلي. وقد حرص البيت الأموي وحلفاؤه على أن يحصل الانقلاب على الخلافة وتتم الاستحالة عبر اصطناع مسوغات لهذا الانحراف تبرّره وتضفي عليه الشرعية، من خلال صياغة فقه سلطاني بديلاً عن فقه الاُمة والإمام الذي كان يؤلف النظرية السابقة لنظام الخلافة بين المسلمين.

3 ـ المستوى السلوكي العام: وقد استهدف ثقافة المجتمع والنظم المتحكمة فيه، وممارسة الأفراد والحكّام، وكل ما يمت بصلة إلى التطبيق العملي للحياة الإسلامية سواء على مستوى سلوك الأفراد أم تطبيق النظم الإسلامية، وفي طليعتها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وحين تعطّل اسمى الفرائض وأُسّها، والفريضة التي تُقام بها الفرائض، فلنا ان نتصوّر انحدار البنية الاجتماعية وتفككها وميلها للتهتك والميوعة واللامبالاة.

لقد أشار المقطع الأول من النصّ الخميني الآنف لما لحق العقيدة، ثم انعطف سماحته ليشير إلى الخط الثاني الذي استهدف القضاء على نظام الخلافة الإسلامية، عندما قال: “فقد عملوا على تحويل حكومة العدل الإسلامي إلى حكم ملكي امبراطوري، واستهدفوا عزل الإسلام والوحي وازوائهما، حتى نهض فجأة رجل عظيم” يعني به الإمام سيّد الشهداء أبا عبد اللّه الحسين.

وفي نص وجيز له دلالة على خطوط الانحراف باجمعها نقرأ للإمام الخميني قوله: “لقد هدف بنو اُمية القضاء على الإسلام”.

الارجاء والفقه السلطاني:

على مستوى العقيدة روّج بنو اُمية لعقيدة الارجاء والجبر بديلاً عن الحرية والمسؤولية والاختيار. أمّا على المستوى الثاني وفيما يرتبط بنظام الخلافة ونظرية الحكم فقد وظفوا فكرة الارجاء ذاتها لبناء فقه سياسي سلطاني يصطنع “الشرعية” لوجود الحكم الظالم، ويسوّغ استمراره، ويبرِّر طاعة الاُمة وإذعانها له رغم ظلمه.

ومن الواضح ان هناك قاسماً مشتركاً بين المسارين؛ إذ تلاقت عقيدة الارجاء مع نظرية الفقه السلطاني في الجهد الأموي الذي استهدف الإسلام. وتوضيح ذلك أنَّ اطروحة الجبر والارجاء التي تبنتها السلطة الأموية وراحت تشاع من قبل أجهزتها على مستوى أن تكون عقيدة للاُمة، صارت توظف سياسياً باصطناع فقه سياسي يسوّغ جور الحاكم السلطان، ويسبغ في الفقه السياسي السلطاني المنتج “مشروعيةً” لطاعته وتسليم الاُمة وانقيادها إليه، مضافاً لعدم جواز الردّ عليه فضلاً عن القيام والثورة.

كان من النتائج المباشرة لهذا النهج ابطال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كركن متين لتقويم البنية الاجتماعية وفرض الرقابة على السلطة السياسية.

المهم انَّ هذا التشابك بين العقيدي والسياسي، وتوظيف الأول الماثل في اطروحة الجبر والارجاء، لخدمة الثاني الماثل باسباغ الشرعية على سلطة الظالمين وعدم تجويز الردّ عليهم، بدا واضحاً في جهود البيت الأموي لتأسيس أركان نظرية الفقه السلطاني التي تبرِّر للاُمة طاعة الحاكم الظالم والسكوت عليه، لاسيّما وانَّ شطراً مهماً من علماء السلف كان قد التحم مع البيت الأموي في تعزيز مسعاه ذاك.

هذا معاوية على سبيل المثال، يعتلي المنبر ويشيع فكر الارجاء بهذه الكلمات: “أيّها الناس انه لا مانع لما أعطى اللّه، ولا معطٍ لما منع اللّه، ولا ينفع ذا الجدّ منه الجد، من يُرد اللّه به خيراً يفقهه في الدين”.

على أرضية هذا الفهم المنحرف يعود معاوية ليسبغ على نفسه صفة ممثل اللّه في الأرض وظلّه، لكي يسوّغ من خلال ذلك ليس موقعه في السلطة وحسب، بل ونهجه في الاستحواذ على مال المسلمين. يقول معبراً عن هذا الاتجاه: “الأرض للّه، وانا خليفة اللّه فما آخذ من مال اللّه فهو لي، وما تركته كان جائزاً لي”.

باختصار مثل النهج الأموي حالة تجعل مال اللّه دولاً، وعباد اللّه خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً.

وحين اعترض بعضهم على تسمية يزيد ولياً للعهد، عاد معاوية متسلحاً بعقيدة الارجاء وبالفقه السلطاني كليهما، في الردّ على المعترضين.

فها هو ذا يواجه أم المؤمنين عائشة حين اعترضت على ذلك، بقوله:”وانَّ أمر يزيد كان قضاءً من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم”!

عودة للنص الخميني:

في ضوء هذه الخلفية نعود للنص الخميني كي نتفهّم دلالاته على نحو أفضل، حيث يقول سماحته: “لقد رأى سيد الشهداء ـ سلام اللّه عليه ـ ان معاوية وابنه يعملان على هدم الدين وتقويض أركانه، وتشويه الإسلام وطمس معالمه. لقد جاء الإسلام ليقوّم سلوك الإنسان ولم يأت لكي يستحوذ على السلطة؛ بل ليبني الإنسان ويربّيه”.

والسؤال ماذا كان موقف سيّد الشهداء الإمام الحسين وهو يرى ما حلّ بالإسلام؟

كان من أول الثوابت التي نتلمسها بوضوح هي دوافع النهضة الحسينية، القضاء على هذين الانحرافين معاً، من خلال:

أولاً: إعادة نصب المقاييس الإسلامية الأصيلة للإمامة ـ الخلافة.

ثانياً: بالتأكيد على مسؤولية الاُمة في حركة الحياة الإسلامية، ورفض عقيدة الأرجاء، وما تفضي إليه من استسلام وخنوع، من خلال دفع الامة للاضطلاع بواجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ففي منطق الإمام سيّد الشهداء لا مجال للارجاء في نصب الإمام ـ الخليفة، وليست خلافة الاُمة قضاءً من القضاء، بل والنص للإمام الحسين: “فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والداين بالحق، والحابس نفسه على ذات اللّه”.

وفي مسؤولية الاُمة عن الواقع ونفي مفهوم الجبر السياسي، هتف الإمام أبو عبد اللّه باُمة جدّه الرسول: “أيّها الناس، انَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام اللّه، ناكثاً لعهده، مخالفاً لسنة رسول اللّه، يعمل في عباد اللّه بالاثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله”.

جبهة العلماء:

ماذا كان الموقف على جبهة العلماء؟

الذي يعود للتأريخ يجد أن البيت الأموي استطاع أن يكسب إلى صفه لفيف من المحدّثين والفقهاء، ساهموا بفاعلية في بناء نظرية الارجاء وصياغة الفقه السلطاني وترويج فكر التبرير والطاعة والخنوع.

من ذلك ما يرويه البخاري بسنده عن رسول اللّه، انه قال لأصحابه: “انكم سترون بعدي اثرة، وُاموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: ادّوا إليهم حقهم، واسألوا اللّه حقكم”!!

وفي البخاري نفسه نقرأ في الأحاديث التي صاغت الفقه السلطاني وفكر الطاعة، ما نسبوه لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) من قوله: “من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فان من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية”!

كما رووا أن مسلمة بن زيد الجعفي سأل النبي فقال له: “يا نبي اللّه أرأيت ان قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما ترى؟ فأعرض (ص) عنه، فسأله ثانياً وثالثاً، والرسول معرض، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول اللّه: اسمعوا واطيعوا، عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حملتم”!!

بل ذهبوا أكثر من ذلك، حين حاولوا ان يبرروا للحكم وولاته ذبح ابن بنت الرسول وجميع الناهضين الثائرين، بسيف (الشرعية)، عندما رووا من عجرفة، كما في البخاري ايضاً: “سمعت رسول اللّه، يقول: انه ستكون هنات وهنات، فمن أراد ان يفرّق أمر هذه الامة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان”!!

من السهل ان نقرأ دلالة ذيل الحديث المزعوم في اشارته: “كائناً ما كان” وهو مُصمَّم لينصرف إلى ذوي الشأن والمكانة من الناهضين الثائرين، كالحسين بن علي بن أبي طالب والثوار العلويين وغيرهم.

واجه الإمام سيِّد الشهداء كل هذا الركام الآتي بدسّ السلطان وماله، بنهضته الميدانية، وبوعيه النبوي الثاقب. ففي نص من نصوص البصيرة حرّك ـ عليه السلام ـ حسّ الاُمة وهو يدعوها للتحرّر من حذر اطروحة الجبر العقيدي والسياسي، فهي مسؤولة وهو مسؤول في أداء الاصلاح والنهوض بأسمى الفرائض يقول ـ عليه السلام ـ: “اني لم أخرج أشراً ولا بطراً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في اُمة جدي رسول اللّه، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب”.

احدث الاخبار

الاكثر قراءة