Skip to main content

المؤسسات الدستورية في دولة الإمام الراحل

التاريخ: 06-10-2007

المؤسسات الدستورية في دولة الإمام الراحل

 المؤسسات الدستورية في دولة الإمام الراحل تغليب الموازنة الإسلامية يبعد شبح الديكتاتورية عن النظام السياسي قبل عام ونيّف كتبنا مقالاً حول دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد أشرنا في ذلك المقال إلى بعض خصوصيات هذا الدستور باعتباره قانون الثورة وباعتباره قانون السلطة

 المؤسسات الدستورية في دولة الإمام الراحل

تغليب الموازنة الإسلامية يبعد شبح الديكتاتورية عن النظام السياسي

قبل عام ونيّف كتبنا مقالاً حول دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد أشرنا في ذلك المقال إلى بعض خصوصيات هذا الدستور باعتباره قانون الثورة وباعتباره قانون السلطة. غير أننا وضمن الكلام على قانون السلطة أشرنا إلى ضرورة التوقف عند تفصيلات تشكيل ووظائف سلطات الدولة، وذلك إنما يتم بدراسة ما يسمى بالمؤسسات الدستورية في البلاد والتي نجد بيانها في تضاعيف أحكام الدستور، ولعلنا نستطيع في هذه المناسبة التعرض لبعض الجوانب التي ثبتها دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، والذي هو من أعظم إنجازات الثورة التي قادها الإمام الراحل (رض) وأسس بها دولة الإسلام الفتية.

ولعل من نافلة القول ان الإطار الذي هيّأه الاستفتاء الشعبي الذي جرى في آذار / مارس 1979 على النظام الجديد وهو نظام "الجمهورية الإسلامية" قدم بذاته إضاءة لابد منها للتعرف على هياكل النظام الجديد، فهذا النظام "جمهوري" يستند إلى الجمهور أداة وهدفاً، وهو إسلامي يستمد شكله وروحه من التعاليم الإسلامية الحكيمة. وهذان التعبيران في حقيقتهما لا يشكلان وصفاً مجرداً للشكل الخارجي للنظام وإنما يفترض إنهما يحملان أيضاً معاني (ضمانات) النظام المتمثلة بالإرادة الشعبية من ناحية وبأحكام الشريعة الإسلامية من ناحية ثانية.

المؤسسات بين الشكل والمضمون

إذا كان الدستور في أية دولة يعرّف بأنه قانون السلطة فلأنه يشتمل بصورة أساسية على بيان لسلطات الدولة وكيفية توزيعها وآليات ممارستها وأسلوب الإشراف عليها وضبطها إلى آخر ما يمكن أن يكون هنالك من أحكام تفصيلية تتعلق بالهيئات والهياكل التي يؤلفها العاملون في حقل أداء وظائف الدولة.

وليس من شك في أن تلك السلطات إنما تمارس وظائف الدولة الموزعة عليها تحقيقاً لأهداف محددة، سواء كانت تلك الأهداف قريبة أو بعيدة المدى، وتلك الأهداف هي التعبير الأكثر إيجازاً للفكر الموجَّه لنظام الدولة. وبكلمة أخرى فإن (فلسفة النظام) تجد أفضل مناسبة للتعبير عن نفسها في الصياغات الدستورية التي تحدد المؤسسات الأساسية في الدولة والتي تمارس السلطات المختلفة من خلالها.

فالمؤسسات بهذا المعنى ليست أشكالاً وهياكل مجردة في بناء الدولة ونظامها، إنما هي أيضاً أدوات لتحقيق أفكار معينة وترجمتها على صعيد التطبيق العملي، وبالتالي فالمؤسسات الدستورية هي عبارة عن شكلٍ ومضمونٍ يحددهما الدستور. ومن هنا نجد عدداً من الباحثين يتوقف عن إصرار الإمام الخميني الراحل (رض) على أن يتم الاستفتاء الشعبي (وهو المعبّر عن الإرادة الشعبية) على نظام اسمه بالتحديد (جمهورية إسلامية) وهذا الاسم هو المعبر عن شكل ومضمون النظام المطلوب. ويبدو أن ذلك الاصرار قد آتى أُكُلَه وصار واضحاً بعد الاستفتاء أن الخيار الشعبي قد انصب على الشكل (الجمهوري) والمضمون (الإسلامي).

هذا وسنرى شيئاً فشيئاً أن هناك علاقة وثيقة بين الشكل والمضمون بحيث يمكن أن يقال إن للمضمون تأثيراً بيّناً ومؤكداً على بناء الهياكل ورسم الآليات. وعلى كل حال فإن إصرار الإمام الخميني (رض) على تحديد طبيعة النظام مقدماً قد تبعه إصرار آخر على بناء هيكل مؤسسي يستجيب من ناحية لمتطلبات الدولة العصرية، ومن ناحية ثانية لأهداف الشريعة الإسلامية من تحقيق الحكم الإسلامي، وقد لخص الإمام (رض) رؤيته الخاصة بالحكومة الإسلامية بقوله: "إن الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي على الناس".

في هذا القول الموجز بيان لكون الحكومة الإسلامية حكومة القانون وأن القانون المعني هو الذي يكون مصدره الله سبحانه وتعالى، وإن الوسط الذي ينظمه القانون ويؤدي دوره فيه هو الناس أي المجتمع. وأما الدولة ومؤسساتها، والملخصة بتعبير الحكومة الإسلامية فهي أداة تطبيق القانون الإلهي في المجتمع، وهي نفسها منقادة لذلك القانون ومقيدة به، فهو فوقها وفوق المجتمع، يحكمها كما يحكمه.

من هنا يمكن إشراف فلسفة الحكم من خلال الهدفين الأساسين اللذين تحققهما الحكومة الإسلامية: فهي من ناحية تُعبّد الناس لله سبحانه وتعالى من خلال تحكيم قانونه، وهي من ناحية أخرى تنظيم شؤونهم وتحل مشاكلهم بموجب القانون ذاته. فالحكومة إذن ليست غاية في ذاتها وإنما وسيلة لتحقيق أهداف معينة، وبالتالي فإن المؤسسات التي تنبثق عنها ستكون منظمة في ضوء الأهداف والمضامين، آخذةً بنظر الاعتبار العصر الذي تعيش فيه ما يؤفّره من إمكانيات متنوعة لتيسير العمل من أجل تحقيق الأهداف والمضامين المذكورة.

شكل المؤسسات في الحكومة الإسلامية

تتنوع الحكومات وهياكلها المؤسسية بحسب تجارب الشعوب وتراثها وما تفتقت عنه أذهان مفكريها وسياسييها، وقد صارت أمام الباحث مجموعة من الأشكال والمضامين لحكومات قامت واندثرت أو ما زالت قائمة خاضعة لسنة التطور، من نظام ملكي إلى نظام جمهوري، ومن مضمون شعبي إلى مضمون فردي، ومن أسس ظالمة إلى أخرى عادلة... ولعل الجوهر الذي لعب الدور الأساس في تحديد أشكال الحكومات المختلفة هو الدستور الذي يسمى بقانون القوانين الذي يهتم ببيان مصدر السيادة في المجتمع ومن يمثلها. ومن الواضح أن بيان ذلك يؤدي إلى وضع طاقات وإمكانات الدولة المادية والمعنوية تحت تصرف جهات معينة هي المؤسسات وأفراد معينين هم الحكام أو الذين يتولون أمور تلك المؤسسات بالإدارة أو الإشراف، وبتعبير آخر فإن الدستور الذي ينظم السلطة هو الذي سيحدد شكل الحكومة وكيفية توزيع السلطة أو تركيزها بحسب تنظيم أداء الوظائف التي هي في عهدة الدولة.

وهكذا يقال إن هناك نظاماً رئاسياً يلعب فيه رئيس الدولة دوراً قيادياً فاعلاً لا يشاركه فيه أحد، ونظاماً برلمانياً يحكم أعضاؤه الدولة برأيهم وتشريعاتهم وتعليماتهم، ونظاماً ثالثاً وسطاً تتوزع فيه السلطة بين الرئيس وبين هيئة وزرائه التي تمثل أغلبية برلمانية... إلى آخر ما هناك من أشكال ومواصفات. فأين تقع الحكومة الإسلامية من كل ذلك؟

يجيب الإمام الراحل (رض) على هذا السؤال في دروسه التي أخذت عنوان "الحكومة الإسلامية" وطبعت حتى الآن عدة طبعات بقوله: "الحكومة الإسلامية ليس كأي نوع من أنماط الحكومات الموجودة..."، ويقول لاحقاً: "فالحكومة الإسلامية لا هي استبدادية ولا مطلقة، وإنما هي مشروطة، وبالطبع ليس مشروطة بالمعنى المتعارف هذه الأيام...".

الفرق بين الحكومة الإسلامية وغيرها من الحكومات

والحقيقة إن العبرة ليست في التسميات، ولا يمكن أن نستغني بحال من الأحوال باسم حكومة ما لنتعرف على طبيعتها ومدى صلاحها إذ لا بد من تحليل ودراسة القانون الذي تعمل بموجبه الأهداف والآليات التي يضعها، وعند الوصول إلى هذه النقطة فإننا سنجد الافتراق الكبير بين الحكومة الإسلامية وما سواها من تجارب في العالم ذلك إن قانون الحكومة الإسلامية هو القانون الإلهي وقانون الحكومات الأخرى هو قانون الناس سواء وضعه أفراد منهم أم وضعوه جميعاً عن طريق ممثلين لهم ومنتخبين أو معينين. ويؤكد الإمام الراحل (رض) هذه المسألة في دروسه مارة الذكر فيقول: "الفرق الأساس للحكومة الإسلامية مع حكومات الملكية المشروطة والجمهورية هو في كون ممثلي الشعب أو الملك هم الذين يقومون بعملية التشريع في مثل هذه الأنظمة، بينما في الحكومة الإسلامية يختص التشريع بالله تعالى".

الحكومة الإسلامية ليست كإحدى الحكومات إذن، وإنما هي حكومة ذات طبيعة خاصة، فمن أين استمدت الحكومة الإسلامية في إيران شكلها؟

الجواب ان الدستور الإسلامي قد حدّد مناط السلطات في الدولة في ضوء الوظائف المكلفة بها بموجب (القانون الإسلامي) الذي هو القرآن والسنّة، بالاستفادة من تجارب الحكم الإسلامي ولا سيما وبشكل خاص تطبيقات السنّة أولاً المطهرة.

وهكذا فإن ما تبلور خلال الزمن من وجود سلطات ثلاث: تشريعية وتنفيذية وقضائية هو الذي اتبعه الدستور الإسلامي.

بمعنى أن الأعمال التشريعية والتنفيذية والقضائية التي كانت تؤدي في صدر الإسلامي تؤدي الآن في إطار أشكال مؤسساتية تطورت عن الأشكال الأولى وأخذت بنظر الاعتبار التنظيمات الشكلية في الدول الأخرى مما يمكن أن يسهّل عملها ولا يخرج بها عن المضامين الإسلامية. فربما لم تكن هنالك وزارات بالشكل الحالي أو رئاسة جمهورية، غير أن الأعمال التنفيذية كانت تؤدي من قبل (مسؤولين) معروفين في الدولة تطورت أوضاعهم الدستورية حتى بلغوا في آليات عملهم وعلاقاتهم بالمؤسسات الأخرى ما هم عليه الآن في الدساتير المختلفة؛ ويبقى الفرق قائماً بين التنظيمات الإسلامية وما سواها وهو إنها محكومة بالقانون الإلهي، وهنا تأكيد آخر على المضمون الإسلامي لمؤسسات السلطة على حساب الشكل.

الأساس العقائد والفقهي للمؤسسات

لا نكاد نجد دراسة في نمط الحكم الإسلامي خالية من الإشارة إلى الأساس العقائدي للحكومة الإسلامية، والذي هو عبارة عن النظرة الكونية التوحيدية للإنسان المسلم. وإذا كان بعض الكتاب قد اختلفوا في اعتبار حكومات أخرى غير الإسلامية قائمة أو غير قائمة على أساس عقائدي فإن حكومة لا خلاف في أنها قائمة ـ بالتعريف ـ على أساس العقيدة الإسلامية، وهذا المضمون العقائدي للدولة الإسلامية هو الذي حدّد للحكم الإسلامي أهدافه وحوّر في أعمال السلطات الممنوحة للمؤسسات الدستورية بحيث تتلاءم وأحكام الشريعة الغراء. ومن هنا كان للفقهاء دور كبير في مسألة فحص الاشكال وملاءمتها مع المضامين، ومن هنا أيضاً مثل الدستور الإسلامي نتاجاً رائعاً لعملية الفحص هذه بُذل جهد فقهي وقانوني كبير للتوصل إلى  رسم هياكل الدولة الإسلامية بما ينسجم مع نظرية الحكم الإسلامي ويحقق أغراضها، ولا يعني ذلك ان الاشكال التي وضعها الدستور الإسلامي أشكال نهائية، إذ إن تحقيق المضمون قد يتطلب تحويرات جديدة وهو ما حصل فعلاً، وفي الدستور اليوم أحكام خاصة بتعديله تعنى بذلك بالتفصيل.

لقد تطلب قيام المؤسسات على الأساس العقائدي والفقهي نوعين من الأحكام الدستورية: النوع الأول يحدد دور العقائد والفقه في نظرية الحكم إجمالاً، والنوع الثاني تحكم عمل المؤسسات الدستورية. ولما كان الدستور قانون القوانين فقد قيدت تلك المؤسسات بهذه الطريقة بالقانون، وتحول قول الإمام (رض) من ان "الحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون" وان "القانون وحده هو الحاكم في المجتمع" إلى نصوص دستورية.

النوع الأول من الأحكام الدستورية نطالعه في المادة الثانية من الدستور التي جعلت من أصول الدين أساساً لنظام الجمهورية مضافاً إليها "الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله". وأضافت المادة ان هذا النظام "يؤمن القسط والعدالة والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتلاحم الوطني عن طريق ما يلي :ـ

ألف ـ الاجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط على  أساس الكتاب وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين...".

وأما النوع الثاني فنجد له أمثلة كثيرة في الدستور، نذكر منها على سبيل المثال تثبيت الدستور لمبدأ السيادة في مقدمة بيان أحكام المؤسسات الدستورية التي تمارس السلطات الثلاث في البلاد حيث قالت المادة السادسة والخمسون "السيادة المطلقة على العالم وعلى الناس لله، وهو الذي منح الإنسان ولا يحق لأحد سلب الإنسان هذا الحق الإلهي أو تسخيره في خدمة فرد أو فئة ما، والشعب يمارس هذا الحق الممنوح من الله بالطرق المبيّنة، في المواد اللاحقة" ويدلّل موضع هذه المادة على أن واضعي الدستور قصدوا أن تكون عنواناً للآليات التي سيسجلها الدستور، وقد جاء النص المادة التالية مباشر أن "السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة القضائية وتمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة وذلك وفقاً للمواد اللاحقة في هذا الدستور...".

من هذه النصوص قيّد الدستور المؤسسات الدستورية الأربعة المشار إليها: ولاية الفقيه، والسلطات الثلاث بالسيادة الإلهية المطلقة، وهذا تطبيق للأساس العقائدي، وجعل الإشراف على السلطات الثالث للولي الفقيه، وهذا بيان لدور الفقيه في حركة المؤسسات فضلاً عن أصله النظري.

وإذا مضينا في تحليل منصب الولي الفقيه سنجد دور الفقهاء ماثلاً في اختيار الشخص اللائق له من ناحية (المواد 10، 107، 109) وفي عزله من ناحية ثانية (المادة 111)، وسنلتقي مع دور الفقه في آليات المؤسسات ثانية عند دراسة مهمة مجلس صيانة الدستور المؤلف من أعضاء نصفهم من الفقهاء والذي يدقق قرارات مجلس الشورى من حيث مطابقتها لموازين الشريعة والدستور.

الأساس القانوني للمؤسسات

المفاهيم العقائدية والفتاوى الفقهية ليست من الناحية الفنية الصياغية (قانوناً) بالمعنى الاصطلاحي المعاصر، ولذلك فالقواعد الواردة فيها وإن كانت واجبة الاتباع إلا انها بحاجة إلى صياغة جديدة تتحول بموجبها إلى (قواعد قانونية) قابلة للتطبيق من قبل ذوي العلاقة دون كبير عناء أو اختلاف، وذلك ما فعله الدستور أو أوكله إلى ما سواه من قوانين أدنى، ونصَّ في المادة الرابعة على خضوعه هو نفسه (لموازين الشريعة).

من هنا أصبح للمؤسسات (أساس قانوني) تقوم عليه، وأنظمة داخلة تتحرك بموجبها، وضوابط لا ينبغي لها الخروج عن حدودها. ومن هنا أيضاً كانت ضرورة وجود (سلطة تشريعية) تعنى بصياغة الحلول لما يعترض مسيرة الدولة وحكومتها ومؤسساتها من مشاكل في ضوء الموجهات العقائدية والأحكام المستنبطة من أدلتها الشرعية.

والقاضي نفسه، وإن كان مجتهداً، فإنه بحاجة إلى قوانين معدة بشكل فني تيسّر له الحصول على الحكم المطلوب، وإذا كان حقيقة ان الموازين الشرعية حاكمة عليه، كما هي حاكمة على غيره، فإنه لا يستغني عن القوانين، ولا يتجاوزها إن وجدت، وإنما يرجع إليها مباشرة، وقد أكدت السابعة والسبعون بعد المائة على هذا المبدأ فقالت: "على القاضي أن يسعى لاستخراج حكم كل دعوى من القوانين المدوّنة، فإن لم يجد فعليه أن يصدر حكم القضية اعتماداً على المصادر الإسلامية المعتمدة أو الفتاوى المعتبرة...". بل إن المادة السبعين بعد المائة لم تجز اعتراض مخالفته للموازين الإسلامية وإنما أوجبت امتناعه عن تنفيذ "القرارات واللوائح الحكومية المخالفة للقوانين والأحكام الإسلامية... الخ" ذلك إن بحث مخالفة القانون للدستور أو الشريعة يتم في مستوى آخر وفي مؤسسات أخرى لا مجال للتفصيل في ذكرها.

وعلى كل حال فإن الدستور الذي أنشأ سلطات ثلاثاً فضلاً عن منصب ولاية الفقيه، وهيئة باسم مجلس الخبراء وأخرى باسم مجلس صيانة الدستور وثالثة باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام... قد جعل السلطات الثالث مستقلة عن بعضها في عملها، ولكنه قيّدها بضابطين: ضابط النصوص، وضابط آلية العلم. فبموجب الضابط الأول تتقيد تلك السلطات وسائر المؤسسات بالأصول العقائدية والموازين الشرعية والقوانين الإسلامية، وبموجب الضابط الثاني تتقيد بوجود مؤسسات أخرى إلى جانبها لها وظائف خاصة بها فلا تتجاوز عليها ولها إمكانية الرقابة المتبادلة فتأخذها بنظر الاعتبار؛ وهكذا يتجاوز الدستور الإسلامي ما وقعت فيه دساتير أخرى حين أتاحت الفرصة لرئيس الدولة أن يتحول بالحكم إلى حكم فردي أو أن تجنح السلطة القضائية إلى تهميش دور المؤسسات الأخرى. وإنما استطاع الدستور أن يفعل ذلك من خلال الموازنة الإسلامية التي تستند إلى تغليب موازين الشريعة وهي الموازين الإلهية التي تحكم الجميع دون عسف أو محاباة. وبالتالي فإن الدولة لا يكفي بنظر الدستور الإسلامي أن تكون دولة مؤسسات وحسب بل ينبغي أن تكون دولة مؤسسات وقانون، وآليات تجعل محور حركة الدولة متجهاً في خط تصاعدي متزن نحو صاحب السيادة المطلقة الذي رسم دور الخلافة على الأرض.

احدث الاخبار

الاكثر قراءة