التجديد الفقهي عند الإمام الخميني (قده)-2
التاريخ: 30-05-2011
التجديد الفقهي عند الإمام الخميني (قده)-2 والانجاز الذي سنتحدث عنه في هذه المقالة هو ما يطابق عنوانها وهو "التجديد الفقهي عند الإمام الخميني"، وهذا الانجاز نرى أنه لا يقل أهمية وتأثيراً عن سائر الانجازات، لأن الإمام في هذا المجال قد أبدع نظريات وآراء غيرت مسيرة الفقه والفقهاء، واعطت للأمة الإسلامية أبعاداً كانت قد أصبحت مغيبة ومنسية تماماً من العقول والقلوب وهي "الأبعاد السياسية للإسلام"
التجديد الفقهي عند الإمام الخميني (قده)-2
والانجاز الذي سنتحدث عنه في هذه المقالة هو ما يطابق عنوانها وهو "التجديد الفقهي عند الإمام الخميني"، وهذا الانجاز نرى أنه لا يقل أهمية وتأثيراً عن سائر الانجازات، لأن الإمام في هذا المجال قد أبدع نظريات وآراء غيرت مسيرة الفقه والفقهاء، واعطت للأمة الإسلامية أبعاداً كانت قد أصبحت مغيبة ومنسية تماماً من العقول والقلوب وهي "الأبعاد السياسية للإسلام". وقد نتجت هذه الأبعاد عن مقولات طرحها الإمام الخميني في هذا المجال، وخالف فيها الرأي السائد الذي كان حاكماً ومسيطراً ومحركاً للحوزات العلمية وتالياً للأمة الإسلامية.
وأول ما نلمسه عند الإمام الخميني من خطوات في الانجاز الفقهي هو اعادة الاعتبار لمبدأ مهم وأساس كان قد تم تحييده عن الساحة لأسباب تاريخية وعقائدية ألا وهو مبدأ "ولاية الفقيه"، وكذلك الأمر على مستوى الاجتهاد، حيث طور في معناه وأهدافه، وكذلك الحال على مستوى دور الفقه الذي كان مقتصراً إلى زمن الإمام على دائرة الفرد، فانتقل به الإمام إلى الدائرة الأوسع وهي المجتمع، وكذلك الحال بلحاظ العمل على صعيد "وحدة الأمة الإسلامية" وطرح قضاياها المركزية متجاوزاً في ذلك كل الحالات المذهبية التي كانت تحبس المسلمين ضمن غرف مغلقة لا يعرف بعضها شيئاً عن الآخر في انفصال تام وحاد. وسوف نتعرض بالتفصيل لكل عنوان من هذه العناوين:
أولاً: ولاية الفقيه: مما لاشك فيه أن الأحداث المأساوية التي عاناها الأئمة (ع) وأتباعهم، سواء في زمن وجود الأئمة (ع) أو في زمن الغيبة، وكذلك الخيانات التي حصلت من اتباع الأئمة (ع)، وأبنائهم الذين قادوا، الثورات أدت بالفقهاء إلى الافتاء بعدم السعي لإقامة الدولة الإسلامية بحجة أن الناس لن تقوم مع من يحاول تثويرها ضد الحاكم الظالم. وهذا الأمر أدى مع توالي الأجيال من الفقهاء إلى أن صار أسلوباً معتمداً في مسيرة الفقه الشيعي بالتحديد، وأدى هذا بالتالي إلى تغييب مسألة الولاية بعد زمن الأئمة (ع)، خصوصاً مع انتشار بعض الأحاديث الدالة على أن كل راية ترفع قبل راية الإمام المهدي (عج) فهي ضلال! وقد أدى كل هذا الجو الفقهي الناتج عن أسباب وعناوين ثانوية إلى تغييب الفقه السياسي عموماً عند الشيعة عن مسرح الأحداث، بل وعن بحثه في كتبهم الفقهية بشكل عام، وإلى قعودهم عن السعي نحو اقامة الدولة الإسلامية، وهذا ما اعترف به بعض المجتهدين في زمن الإمام الخميني بشكل صريح وواضح، وأوضحوا بأن الموكل بإقامة الدولة الإسلامية في العالم، وتقويم الاعوجاج هو الإمام المهدي (عج)، وأننا في زمن غيبته لسنا مكلفين بهذا الأمر.
الإمام الخميني (قده) لم ينقهر لهذه المقولة وانطلق من صريح الآيات القرآنية والنصوص الواردة عن المعصومين (ع) بأن اقامة الدولة الإسلامية ليست حكراً على زمن وجود المعصوم (ع)، وإنما هي وظيفة المسلمين في كل عصر ومكان. ونفض الغبار عن أدلة ولاية الفقيه واعاد لها الاعتبار، واستنبط أن للفقيه ولاية عامة على الأمة كما للمعصوم ـ نبياً كان أو إماماً ـ ولاية، وأن اختلفت الرتب والمقامات المعنوية بين الفقيه والمعصوم، إلا أن هذا الفارق الذاتي على مستوى الشخصية لا تأثير له على مقام ولاية وحاكمية الفقيه للأمة كما كان هذا المقام للمعصوم (ع). ويقول الإمام في هذا المجال: "إن الله أمر بهذا ـ بناء كيان دولة إسلامية ـ ولما كان الأمر شاملاً للأمة الإسلامية كافة.. بأن تطيع تلك الحكومة المعبر عنها بـ(أولو الأمر) فلابد من وجود حكومة لا غير..". وكذلك عندما يتحدث عن سلطة الفقيه وولايته لا يقيدها إلا بإطار تنفيذ أحكام الدين الإسلامي: "حينما نقول ولاية الفقيه لا نقصد أن يكون الفقيه رئيساً أو وزيراً أو قائداً عسكرياً، إنما نقصد بذلك اشرافه التام والنافذ على القوى التشريعة والتنفيذية للبلاد تحت اطار الدين الإسلامي". وفي كلام واضح جداً يقول الإمام (قده): "الحكومة تبلور البعد العملي للفقيه في التعامل مع جميع المعضلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية، كون الفقه هو النظرية الواقعية والكاملة لإرادة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد..".
وقد ادت نظرية "ولاية الفقيه" العامة بقيادة الإمام الخميني إلى تحقيق الانجاز الرائع المتمثل بانتصار الثورة الإسلامية المباركة وإقامة الدولة، وأدت هذه النظرية إلى ارساء مفاهيم جديدة على مستوى الحوزات العلمية والأمة معاً، وأعادت كذلك للفكر السياسي في الإسلام اعتباره، وأحيت الآمال بنهضة الأمة الإسلامية من جديد، كما نلاحظ هذا الأمر بوضوح اليوم في العديد من البلدان الإسلامية في العالم.
ثانياً: الاجتهاد: وقد عرف الاجتهاد عند الشيعة تطوراً كبيراً على مر العصور، لكن هذا الاجتهاد باعتبار أنه قد بحث كل المجالات المرتبطة بحياة المسلمين، فلم يبق سوى بعض الأمور المستحدثة، قد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها شيء جديد، وتحول الاجتهاد بذلك إلى ما يشبه التقليد، لان كل النتائج التي توصل إليها الفقهاء بنحو الغالب لم تعد إلا تكراراً لعمل المجتهدين السابقين، خصوصاً مع اغلاق أبوابه أمام الفقه السياسي لعدم كونه مثار الاهتمام عند الفقهاء عموماً، إلا في حالات نادرة جداً وعلى فترات متباعدة ومنقطعة عن بعضها البعض. ولذا أهمل الكثير من الفقهاء العديد من الأبواب التي لها ارتباط مباشر بواقع المسلمين على المستوى السياسي والقضائي وغير ذلك من الأمور المهمة، بل وصل الأمر إلى أن بعض المجتهدين كان يبتعد عن كل هذه المجالات ولا يقر بها لأنه كان يرى أنها ليست من وظائفه واهتماماته.
الإمام الخميني المقدس حارب هذا التوجه بقوة وعمل على أن يتجاوز الاجتهاد حدوده التي وقف عندها ليشمل حركة المسلمين على كل المستويات، حتى التي اهملها المجتهدون الآخرون وأغفلوا النظر عنها، وقال في هذا المجال: "فقالوا عن الإسلام: أن لا علاقة له بتنظيم الحياة والمجتمع، أو تأسيس حكومة من أي نوع، بل هو يعنى فقط بأحكام الحيض والنفاس، وقد تكون فيه أخلاقيات، ولا يملك بعد ذلك من أمر الحياة وتنظيم المجتمع شيئاً"!
ولذا يؤكد الإمام (قده) ضرورة أن يعرف المجتهدون مجريات الأمور في عصورهم فيقول: "... وعلى المجتهد أن يلم بقضايا عصره، ولا يمكن للشعب ـ وللشباب وحتى للعوام ـ أن يقبل في مرجعه ومجتهده أن يقول إنني لا أبدي رأياً في القضايا السياسية. ومن خصوصيات المجتهد الجامع معرفة أساليب التعامل مع الحيل والتحريف الموجود في الثقافة الحاكمة على العالم". ويترقى الإمام أكثر فيعتبر ان ملكة الاجتهاد والقدرة على الاستنباط مسلوبة عند من لا يتصدى للأمور السياسية ولا يعيش هموم العصر ومجرياته فيقول: "من يعيش بعيداً عن أمور العصر وأحداثه، ولا يملك القدرة على اتخاذ القرار في الأمور التي يحتاجها المجتمع، لا يحق له التصدي واعطاء الفتوى في الشؤون السياسية والاجتماعية حتى لو كان الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، وبسبب عدم معرفته بالموضوعات، فإن فتاواه ليست حجة على الآخرين، بل عليه هو أن يقلد الآخرين فيها".
من هنا يمكن القول ان الإمام كان يرى أن الاجتهاد هو عبارة عن "القدرة التي يقتدر بها المجتهد الجامع على دمج النظرية الإسلامية بالواقع التطبيقي المعاش الموافق لروح العصر بما ينسجم مع الأهداف والأغراض الإلهية للشريعة"، فيعطي مثل هذا الاجتهاد المستوعب للشريعة والمدرك لمجريات العصر الشرعية والإمضاء لما لا يخالف الإسلام، ويصحح ما يمكن تصحيحه إذا كان التطور يحمل خللاً ما، ويبطل ما لا ينسجم مع الإسلام، وبهذا تكون حركة الاجتهاد واستنباطات المجتهدين جزءاً لا يتجزأ من حركة الأمة والمجتمعات معاً.
ومثل هذا الاجتهاد بنظر الإمام (قده) هو الذي يمكن أن يدفع حركة الأمة نحو التقدم ومعالجة كل المسائل والمشكلات التي تطرأ، ومثل هذا الاجتهاد هو الذي يمكن أن يحرك الطاقات وأن يحمل الأمة على الابداع في مسيرتها وعملها للوصول إلى الأهداف المرجوة.
ثالثاً: فقه المجتمع: من نتائج اقصاء الفقه السياسي عموماً عند الفقهاء الشيعة والفقه المرتبط بحركة المجتمع عموماً، أن أدى ذلك إلى انحسار دور علم الفقه واقتصاره على مستوى شؤون الفرد مع ربه ومع محيطه من خلال أحكامه الخاصة به، ولم نجد عند الفقهاء إلا الفقه الذي يحفظ دين الفرد بما هو فرد، وليس بما هو جزء من المجتمع والأمة، وهذا كان مرده إلى أن مقولة "عدم السعي في زمن الغيبة لإقامة الدولة" أدت إلى أن يقتصر الفقه في عملهم على استنباط الأحكام التي تحفظ شخصية الأفراد بما هم كذلك، ولم يرَ الفقهاء أن من واجبهم التصدي للمسائل والأحكام التي تتعلق بحركة المجتمع أو الأمة ككل، وهذا ما أدى إلى وجود فراغ كبير استغله القادة غير الإسلاميين وتصدوا لإدارة شؤون الأمة انطلاقاً من عقائدهم وخلفياتهم الفكرية البعيدة عن الإسلام شكلاً ومضموناً، وهذا ما أدى إلى ضياع أجيال متعددة، خصوصاً بعد الهجوم الفكري الغربي عموماً الذي رافق المراحل الاستعمارية والاستكبارية.
أما الإمام الخميني المقدس الذي اعتبر أن الفقه المرتبط بحركة الأمة والمجتمع لا يقل أهمية عن فقه الفرد، إن لم يكن هو الأهم بنظره لأنه يحفظ شخصية الأمة وهويتها وسلامة توجهاتها ومسارها، وهذا له أولوية في حفظ شؤون الفرد كفرد، لأن حفظ الفرد بشخصه قد لا يؤدي إلى حفظ الأمة، بينما لو كانت شخصية الأمة محفوظة، فإن شخصية الفرد ستكون محفوظة أيضاً، لأن الأمة يمكن ان تصون شخصية الفرد والعكس هنا ليس بصحيح غالباً.
من هنا، تصدى الإمام لفقه المجتمع في كل المجالات التي كان الفقهاء قد أغفلوها سابقاً كما في قضايا الحرب والسلم والشؤون السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، ووقف في وجه محاولات جر الأمة إلى مواقع غير مواقعها، ولفت أنظار الأمة إلى الأخطار التي تعيشها، وإلى الانزلاقات التي يراد لها أن تقع فيها، واستطاع من خلال فقه المجتمع أن يعيد للأمة شخصيتها المفقودة وهويتها الضائعة، فانطلقت نحو اعادة الاعتبار لوزنها وحجمها وتأثيرها في العالم المعاصر.
وبالجملة يمكن القول إن الإنجاز الفقهي عند الإمام الخميني المقدس تمثل أساساً بإعادة الإسلام ككل إلى مسرح الأحداث في العالم، وخصوصاً في مجال الفقه السياسي بالعموم، وأعاد الاعتبار لفقه الدولة والمجتمع، وأخرج الاجتهاد من الدائرة الضيقة التي سجنه فيها الفقهاء حتى عصره.
ولذلك كله، يمكننا أن نعتبر أن زمن الإمام الخميني هو الفصل بين مرحلتين: مرحلة سابقة كان الفقه فيها يعاني من حالة الجمود والوقوف عند حد معين لا يتجاوزه، ومرحلة لاحقة نعيشها حالياً اتسع فيها نطاق الاجتهاد ليشمل كل مجالات حياة المسلمين.
وهذا النوع من الفقه هو الذي أدى إلى تحريك الأمة نحو أهداف وغايات ومقاصد كانت قد انزوت بعيداً عن ساحة الاهتمام من جانب المسلمين، والأمل الأكبر الآن معقود على هذا النوع المتجدد من الفقه القادر، في حال بقيت الأمة ملتزمة به ومنطلقة منه، أن يصل بها ولو بعد زمن إلى الأهداف التي يتمناها كل مسلم على وجه الأرض، والتي يجمعها عنوان واحد كبير (الحكومة الإسلامية) التي تتخذ من القرآن دستوراً ونظام حياة.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية