الإصلاح والإحياء الفوارق الأساسية
التاريخ: 06-10-2007
الإصلاح والإحياء الفوارق الأساسية لكي نعطي صورة واضحة عن الموضوع ينبغي أولاً دراسة المصطلحات الواردة في البحث، أعني "الدين" و "الإصلاح" و"الإحياء"
الإصلاح والإحياء الفوارق الأساسية
لكي نعطي صورة واضحة عن الموضوع ينبغي أولاً دراسة المصطلحات الواردة في البحث، أعني "الدين" و "الإصلاح" و"الإحياء" .
الدين
المعنى اللغوي: ذكرت كتب اللغة عدة معانيَ لهذه الكلمة أهمها: "الطاعة والانقياد"، "العقاب والثواب".
المعنى الاصطلاحي: استعملت كلمة "الدين" في القرآن الكريم بمعاني مختلفة؛ فقد جاءت في سورة الحمد بمعنى "الحساب"، بناءً على ما جاء عن الإمام الباقر(ع)، وفي بعض الموارد تعطي لفظة الدين معنى الشريعة، كما في سورة البقرة: {لا إكراه في الدين}. وإنما سميت الشريعة بالدين ــ كما قال الراغب ــ لأنها يبحث فيها عن الطاعة والثواب. وقال بعض آخر من أمثال الطبرسي، في كتابه القيم تفسير مجمع البيان، في نهاية الآية الكريمة: {إن الدين عند الله الإسلام}، محاولاً توجيه تسمية الطاعة بالدين: المقصود من الدين في الآية الطاعة. فعبر عنها بالدين، وذلك لأن حقيقة الطاعة هي الحصول على الثواب، والذي يعني الثواب والعقاب.
ولو قلنا بصحة تلك التأويلات والدعاوى فهي لا تعدو كونها مصاديق لأبعاد الدين المختلفة؛ فمثلاً عندما نعرف الشريعة بأنها مجموعة من المباحات والمحرمات، أو الأوامر والنواهي، ينبغي على الإنسان المتشرع الالتزام بها، فإن هذا التعريف لا يبين سوى جانب واحد من الدين، لذا ليس من الممكن تعريفه تعريفاً جامعاً مانعاً، لأن الأمر لا يخلو من حالتين:
إما أن يعرفه إنسان متدين، ينظر إليه من الداخل، فمثل هذا الشخص يتعذر عليه دراسة الدين بتجرد كامل، لأن شخصيته ممتزجة به، فلا يمكن أن يكون موضوعاً مستقلاً للدراسة، ولا يمكن أن يكون تحت مرأى منه.
أو أن يعرّف الدين إنسان غير متدين، يريد أن ينظر إليه من خارج الدين ومن خارج الإنسان المتدين والمجتمع الديني، وهذا لا يمكنه التعرف على الدين بصورة صحيحة، لأن شرطَيْ فهم الدين: الإيمان والتسليم.
وحينما ندعي عدم وجود تعريف شامل، نعتقد أن الدين يعالج جميع شؤون الحياة، وينقسم إلى: عقائد، وأخلاق، وأعمال، أي أن الدين يعطي للإنسان رؤية كونية، فمن مجموع الآيات القرآنية المباركة وأحاديث المعصومين (ع) وأدعيتهم للباري تعالى يمكن للإنسان المسلم أن يتعرف على الكون وعلى الله تعالى، وعلى موقع الإنسان والطبيعة وعلى رسالة الإنسان في هذا الوجود. وأعتقد أن الآية الشريفة {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} ناظرة إلى المعنى الواسع للدين، لأنها لا تتحدث عن الحلال والحرام والشريعة، وإنما تتحدث عن الإمامة التي تلون جميع الفكر والأعمال والخلق بلون الولاية لكي تكون مورد رضا الله تعالى.
الإصلاح
جاء في كتب اللغة تعريف لهذه الكلمة بالضد فقيل انها: "ضد الفساد". ومعنى آخر هو "الإحسان". وأما استعمالها القرآني فقد قيل أن لها استعمالين فقط، أحدهما يقابل الإفساد، والآخر يقابل الإساءة، كما في الآيتين التاليتين:
{خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} وكذلك {ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها}. لكن عندما نراجع الاستعمالات القرآنية لهذه الكلمة، نرى أن القرآن قد استعملها في موارد متعددة، نشير لها باختصار:
1ــ ذكر الإصلاح في احد الموارد بعنوانه شرطاً مكملاً لشرط الإيمان اللازم، فإذا انضم الإصلاح للإيمان فلا خوف ولا قلق حينئذ.
2ــ ذكر الإصلاح في موارد متعددة ملازماً للتقوى، أي ما يشبه النقطة المتقدمة.
3ــ في مورد آخر جاء الإصلاح ملازماً للعفو، وجعل الثوب الإلهي مرهوناً به.
4ــ وجاء الإصلاح في موارد كثيرة بمعنى رفض الظلم والتخلص من آثاره بعد التوبة إلى الله تعالى من ظلم النفس وظلم الآخرين.
5ــ ورد الإصلاح كثيراً في مقابل الإفساد، ومن مصاديقه أكل ما اليتيم.
يتضح من الموارد التي ذكرت، ومن مجموع استعمالات هذه الكلمة، أن الإصلاح يعني تحسين أعمال الفرد والمجتمع، أي العمل الصالح الذي يقدمه الإنسان. والمراد من الأعمال الصالحة السلوك القويم المستنبط من الشريعة الإسلامية . كما يتضح مما تقدم عدم كفاية الإيمان اللفظي. والتوبة والندم عما سبق من أعمال وتصرفات، وإنما ينبغي تأكيد القول بالعمل ليكون شاهد صدق على المدعى.
إذا كان كل ما تقدم يعد من مصاديق الإصلاح، فأي عمل إصلاحي يقوم به الفرد سينعكس عليه، وسيسود العدل بعد أن يلغى الظلم الاجتماعي.
أما الاستعمالات السياسية ــ الاجتماعية لهذه الكلمة، فإن العرف السياسي ــ الاجتماعي يستخدم كلمة الإصلاح في مقابل (Reformation)، أي حفظ البنية الأساسية للنظام السياسي وإيجاد تغييرات في بعض أقسامه، لهذا يتفاوت الإصلاح بين الأنظمة السياسية والمذاهب الفكرية والثورية، غلا أن هذا الاستعمال ليس قرآنياً ولا شبيهاً به.
الإحياء
الحياة في كتب اللغة ضد الموت. وقد استعمل القرآن الكريم الإحياء في مجالات مختلفة، يمكن الإشارة إليها:
1ــ إحياء الأرض بعد موتها.
2ــ إحياء الأموات بعد البرزخ، والآية {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} ناظرة إلى المعاد الجسماني.
3ــ تشمل كلمة "إحياء" في حالات كثيرة على معاني مختلفة:
أ ــ {وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
ب ــ إحياء الإنسان، مثل: {فكأنما أحيا الناس جميعاً} سواء الإحياء الظاهري كإنجاء الغريق ونحوه، أو الإحياء المعنوي، كهداية الإنسان وإصلاحه.
ج ــ كما ورد: {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}.
وتشمل هذه الآية المصاديق المادية والمعنوية معاً.
4ــ استخدم القرآن الكريم لفظ الأموات والإحياء، أو الإحياء فقط، ويقصد بها الحياة المعنوية وحصول مراتب القرب من الله تعالى، مثلاً {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة}، أو {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، وأمثال ذلك.
5ــ هناك استخدامات كثيرة لكلمتي "الإحياء" و "الإماتة" شملت أنواع الإحياء، من حياة النباتات إلى درجات التقريب إلى الله تعالى.
أما بخصوص الروايات، فهناك إشارات كثيرة لذلك، ولاسيما الحياة الحقيقية، نشير إلى بعضها:
1ــ عن الإمام علي(ع): "لا حياة إلاّ بدين".
2ــ "التوحيد حياة النفس".
3ــ "الجاهل ميت بين الإحياء".
4ــ "الكذاب والميت سواء؛ فإن فضيلة الحي على الميت الثقة به، فإذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته".
5ــ "فمنهم المنكر للمنكر بيده وقلبه، فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه، والتارك بيده ولسانه، فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده، فذلك ميت الإحياء".
نستخلص مما جاء في الآيات والروايات أن المراد من الإحياء هو:
منح الحياة والروح للأبدان التي ليس لها حياة ولا روح، لكن لذلك مراتب تبدأ من النفس النباتية وتنتهي بأعلى مراتب القرب من الله تعالى، فالإحياء في جميع الموارد هو حياة تلك الموجودات، وإذا لم يحصل لها الإحياء فستموت وتتعطل عن العمل.
إصلاح الدين أم إحياؤه؟
في ضوء ما تقدم يمكن أن نقول:لا معنى لإصلاح الدين، وهناك مجال لإصلاح الفكر الديني بشرط عدم المساس بأصل الدين، فالمفكر الديني يفهم روح الدين وخصائصه، ويضحي من اجل إصلاح الأخطاء التي تطرأ على العقائد.
أما إذا شوهد انحراف في عقائد رجل متدين، وكان اتجاهه دينياً، فسيكون المورد مورداً لإصلاح الفكر الديني، كما لو كان توحيده ــ مثلاً ــ توحيداً قرآنياً، واتجاهه في عقائد من أجل تحقيق رضا الله، لكنه لم يدرك بعض المفاهيم مثل (الشياطين، الملائكة، التوكل، الصبر، والرضا) بالشكل المطلوب.
ويسعى المفكرون الإسلاميون دائماً إلى إصلاح عقائد المجتمع التي يطرأ عليها الانحراف بسبب الفهم الخاطئ لها، وهذا من مصاديق إصلاح الفكر الديني أيضاً، وغالباً ما يلعب المفكرون والكتاب المخلصون دور المصلحين، أي يقومون بإصلاح ما ينبغي إصلاحه مع المحافظة على بنية الفكر الديني وفهم المتدينين العام للدين.
والإصلاحات في علم الاجتماع وفي المذاهب الفلسفية والسياسية تشابه ما تقدم من موارد.
أما الإحياء فهو يطرح ويمارس في المجتمع عندما يساء فهم الدين من قبل علمائه والمفكرين الدينيين، وعندما لا يبقى من الدين في المجتمع سوى اسمه، ويتخلى الناس عنه إلا في الظاهر، أما روحه، وهي حركة الإنسان باتجاه القرب من الله تعالى، فلا مصداق لها، وإنما يتلبس الناس بالدين، ويبقى الدين بلا حياة.
وإذا طغت روح الدين على جميع الحركات والسكنات فسيتمخض عن ذلك عدم الركون إلى الظلم والظالمين والاصرار على محاربة شياطين الإنس والجن حتى تفارق جسد الدين، لكن الذي حصل هو أن المتدينين تخلوا عن الولاية الإلهية المستلزمة للخروج من الظلمات إلى النور، وقبلوا بولاية الطاغوت المستلزمة للخروج من النور إلى الظلمات.
ففي هكذا ظروف لا تتطلب الحاجة إلى وجود مصلح اجتماعي، وإنما تقضي الضرورة وجود المحيي ليعيد الحياة إلى ذلك البدن، ويخرج الناس من عبادة الشيطان إلى عبادة الله تعالى، بعد أن يوقظهم حتى لا ينصاعوا إلى الشيطان والطاغوت، ويرجعوا عوضاً عن ذلك إلى الله ويفتخروا بذلك، وهذا هو معنى إحياء الدين.
المسار التاريخي للإحياء
إن أول من مارس الإحياء الديني هو الحسين بن علي (ع)، حيث ضحى من اجل أن لا يبقى الإسلام مجرد ظواهر بعدما انحرف المجتمع الإسلامي عن مساره الإلهي، لاسيما أن الخلافة قد تولاها رجل مثل يزيد. يقول الإمام (ع) عن هذه المأساة : "وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد".
لهذا السبب ثار الإمام بوجه السلطة الحاكمة آنذاك، واستشهد هو وأصحابه من اجل حماية الإسلام، ليقى نبراساً يضيء الطرق كي لا يضل احد. ولعله لهذا السبب قال الرسول الأكرم (ص): "حسين مني وأنا من حسين"، فلو لم يحيِ الإمام الحسين الدين باستشهاده لما بقي من الإسلام شيء، لأن يزيد كان يؤكد عدم وجود رسول أو وحي أو نبوة، والأمر لا يعدو السلطة وشهوة الغلبة.
بعد ذلك جاء دور الإمام الصادق (ع)، حيث قام بشرح المعارف الإسلامية، وتصحيح رؤية الناس للإسلام، وحدد الأسلوب الصحيح لفهم القضايا، ولاسيما أن الإمام قد عاش في حقبة انتابتها أزمات فكرية مختلفة، أحدثت فتناً، فكان الإمام ملاذ أتباع مدرسة أهل البيت والنموذج الحقيقي لفهم القرآن.
الإمام الخميني وإحياء الفكر الديني
عندما نستقرئ الفكر الديني في الفترة التي سبقت الثورة نلاحظ سذاجة الاعتقاد، والتهاون في ممارسة الأعمال العبادية، والتسليم للإدارة الأمريكية، فلما جاء الإمام (رض) أضاء تلك الظلمة فانكشفت الأفكار المتخلفة والمنحرفة، وجاء بالتوحيد القرآني الصحيح.
وفي ذلك الوقت كان هناك من يرفض تغيير البنية السياسية والاجتماعية للنظام. ويدعو إلى تحديد سلطة الملك، "الشاه" ويطرح شعار "سلطة الشاه بدل حكومة الشاه" وهؤلاء كانوا من دعاة الإصلاح الاجتماعي وليسوا من دعاة الإحياء، لعدم توافرهم على خصائص الشخصية الإحيائية، وكانوا يطالبون بالإصلاح الاجتماعي في إطار الحكم الملكي الموروث، لكن الإمام كان يرفض الإصلاح بهذا الأسلوب لأنه شخّص أُسس الفساد، وقد استجابت الأمة لقائدها، فكانت نفوسهم وقلوبهم كالبنيان المرصوص.
وبناءً على ما تقدم يكون إطلاق عنوان "مصلح" على الإمام ناقصاً، لأنه شخصية إحيائية يدعو إلى إحياء الدين، وكان مع إحياء الدين والفكر بشكله الصحيح، مع قبوله بالإصلاحات الاجتماعية على وفق القيم الدينية الصحيحة.
قبل الثورة كان الانطباع السائد عن الدين أنه من شؤون الإنسان الخاصة، ولا دخل له في المجتمع، المدرسة، الجامعة، السوق، المعمل، المحكمة، والدولة، أما القرآن والدين فمكانهما المسجد والتكايا، لكن الإمام الراحل (رض) يعرف أن روح الدين تعني تحطيم الأصنام وكل ما يحول دون عبادة الله تعالى، وسيادة سلطان الله، ونفي عبادة غيره، وكان أكثر المتدينين قد ابتلوا بالحيرة أو الانحلال، لذا رأى الإمام أنه لابد من حركة إحيائية تبعث الحياة في الفكر الديني وتعيد للدين روحه, وهكذا آتت تلك الحركة أُكلها بانتصار الثورة الإسلامية المباركة وقطف الثمار، قال تعالى: {الم ترك كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها من السماء تؤتى أُكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون}.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية