Skip to main content

الإمام الخميني ومضات من الجهاد الأكبر

التاريخ: 06-10-2007

الإمام الخميني ومضات من الجهاد الأكبر

 الإمام الخميني ومضات من الجهاد الأكبر قبيل سقوط عرش الطاووس، استطاع صحافي غربي أن يلتقي الإمام الخميني في مقر إقامته في (نوفل لوشاتو) إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ومن ضمن مجموعة الأسئلة الذكية: ــ لو سألتكم تعريفاً عن شخصيتكم، فما هو جوابكم؟ ولم يتردد الإمام الخميني في الجواب، "لقد كنت مجرد طالب علم

 الإمام الخميني ومضات من الجهاد الأكبر

قبيل سقوط عرش الطاووس، استطاع صحافي غربي أن يلتقي الإمام الخميني في مقر إقامته في (نوفل لوشاتو) إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ومن ضمن مجموعة الأسئلة الذكية:

ــ لو سألتكم تعريفاً عن شخصيتكم، فما هو جوابكم؟

ولم يتردد الإمام الخميني في الجواب، "لقد كنت مجرد طالب علم.. ومازلت طالب علم، أتلقى دروس الحياة"!

دروس الحياة في حياة الإمام الخميني غنية وغنية جداً تحاول في ذكرى رحيله استعادة بعضها، ولو قدر للكثير من جوانب شخصية هذا الرجل الفذ أن تأخذ ما تستحقه من اهتمام ومتابعة ودرس، فيما بقيت دروسه في الجهاد الأكبر محدودة التداول، لم تسلط عليها الأضواء بما ينسجم وأهميتها! ولعل من دلائل توفيق فضيلة الشيخ حسين كوراني قيامه بترجمة مجموعة محاضرات الإمام الخميني التي ألقاها على قسم من طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف بعد إبعاده من إيران إلى تركيا، ثم إلى العراق، عام 1963 م، من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، وبذلك أسدى خدمة جليلة للثقافة والعلم والإنسانية.

نحاول هنا وفي ذكرى رحيل الإمام الخميني الاستضاءة ببعض ومضات الجهاد الأكبر:

العلم والتربية

لا يفرق الإمام الخميني بين العلم والتربية، بل يرى أنهما توأمان: "صحيح أن العلم نور، ولكن في الأوعية النظيفة والقلوب الطاهرة، أما الأوعية النتنة والقلوب المظلمة فليس الأمر فيها كذلك، أن العلم الذي يطلبه صاحبه للجاه والظهور لا يزيده إلا بعداً عن الله سبحانه".

وهكذا يتلازم طلب العلم وتهذيب النفس وتنقيتها، لكي تتكامل العملية المطلوبة والمتوخاة من طلب العلم؛ فكل خطوة في طلب العلم لابد أن تكون مقترنة بخطوة مثلها في تهذيب النفس وإصلاحها، واستئصال الأهواء النفسية الخبيثة، وتنمية القوى الروحية واكتساب مكارم الأخلاق، وتحصيل التقوى. وينقل الإمام الخميني قولاً لأحد أساتذته حيث يذهب فيه إلى أن "من السهل أن تصبح عالماً، ولكن من الصعب أن تصبح إنسانا"! لكن الإمام الخميني يرى أن مثل هذا القول خطأ، إذ ينبغي لن يقال "من الصعب أن تصبح عالماً، ومن المستحيل أن تصبح إنساناً"!

إن العلم إذا لم يقترن بالتربية فلن يقوى على صياغة الشخصية السوية، ولولا التربية فمن يضمن أن لا يكون الإنسان أكثر وحشية من الحيوانات المفترسة!

ويكاد يجمع أرباب الفكر على أن التربية الدينية والخلقية هي روح التربية، وان الوصول إلى التدين الصحيح، والى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي منها، دون أن يعني ذلك الانتقاص من العناية بالتربية الجسمية، أو العقلية أو العلمية، وإنما أن تكون العناية بالتربية الدينية، والخلقية أكثر من الاهتمام والتركيز على جوانب التربية المختلفة، فالإنسان أشد ما يكون بحاجة إلى القوة في الإيمان، كما هو بحاجة إلى القوة في العقل والعلم والعمل والجسم. وبحاجة كذلك إلى تربية الخلق، والوجدان، والإرادة، والذوق، وبناء الشخصية سويةً مستقيمةً.

بناء الإنسان

يرى الإمام الخميني أن الله سبحانه وتعالى إنما بعث الأنبياء (ع) لبناء الإنسان وتربيته، وإبعاده عن الخسائس والنقائص والرذائل، وترغيبه بالفضائل. وينطلق من هذه القاعدة ليشخص بعض الثغرات المسلكية الإسلامية، والنقص في النواحي الأخلاقية فيعيدها إلى عدم إيلاء علم الأخلاق ما يستحقه من اهتمام في حياتنا بشكل عام، وفي حلقات الدراسة في المعاهد الدينية بشكل خاص، بحيث حلت المسائل المادية محل الكثير من المسائل الروحية والخلقية. ويدعو الإمام الخميني من يحاول التصدي للرئاسة والزعامة أن يهذب نفسه "حتى إذا أصبح أحدكم رئيس قوم دأب على تهذيب نفوسهم، وعمل على إصلاحهم وبنائهم".

على أن عملاء الاستعمار يخافون من الإنسان! من هنا تنبثق ضرورة بناء الأنفس ليصبح كل فرد من أفراد الأمة إنساناً سوياً ومتكاملاً، يؤدي دوره في ما استخلف فيه وعليه.

وحدة الكلمة

يرى الإمام الخميني في الدول المستكبرة أنها تنفخ في النار المتأججة هنا وهناك، وتعمق الغش والاضطرابات، وبذلك إنما تتسابق للسيطرة على الشعوب، وابتلاع ثرواتها، ونهب خيراتها، وإبقاء الدول الضعيفة تحت نفوذها، "ولذلك فهم يثيرون كل يوم حرباً في زاوية من العالم تحت عناوين براقة خداعة: فتارة تحرير الشعوب، وطوراً التنمية، وثالثة الدفاع عن الاستقلال، وبالتستر وراء هذه الشعارات يقذفون ملايين القنابل فوق رؤوس الشعوب المستضعفة".

وإذا كان مسوغ هذا التناحر والاختلاف واضحاً عند الدول المستكبرة، فما بال النخبة الواعية والمثقفة من أبناء أمتنا وهي تنجر إلى بعض الاختلافات لينعكس ذلك كله فرقةً وتناحراً فيما بين أفراد الأمة المستضعفة؟!

ولكن أين الداء في تفرق الكلمة، وكيف يشخص الإمام الخميني ذلك الداء؟

"إن سبب كل الاختلافات التي تفقد الهدف المحدد والمقدس ترجع إلى حب الدنيا (...) أنت تريد المقام الفلاني وغيرك يريده، وحب الدنيا يغمر القلب... هنا لابد أن يقع التحاسد والاختلاف".

وإذا كان قد حدد الداء، فكيف يتصور الدواء الذي يساعد في القضاء على الاختلاف فيما بين أفراد الأمة، يقول: "إن عليكم أن تكونوا يقظين فطنين، لا تجعلوا أنفسكم ألعوبة في يد الشيطان، فيقول قائل منكم، إن تكليفي الشرعي يقتضي هذا الشيء، فيقول الآخر إن تكليفي الشرعي يقتضي العكس، ويشتد الصراع بينكم ويتعمق النزاع. في بعض الأحيان يتولى الشيطان صنع التكاليف الشرعية للإنسان، ويملي عليه واجبات معينة، وفي بعض الأحيان يتولى ذلك هو النفس! انه ليس حكماً شرعياً، ولا واجباً دينياً أن يهين مسلم مسلماً، وان يسيء المسلم إلى أخيه في الدين".

ويرى الإمام الخميني أن أمور الآخرة لا صراع عليها، ولا اختلاف حولها، وأهل الآخرة المترفعون عن سفاسف الدنيا يعيشون مع بعضهم بمحبة وصفاء، ويملأ قلوبهم حب الله وعبادته.

دروس الحياة

وبأمثال دروس الحياة هذه، استطاع روح الله الموسوي الخميني الذي نعيش هذه الأيام ذكراه، إعداد أمة من الدعاة إلى الله، بإخلاصه في كلمته، وإخلاصه في مواقفه، وإخلاصه في دعوته؛ استطاع ذلك كله حين وضع المبدأ الذي يؤمن به فوق كل شيء، وعمل في سبيل تحقيق الهدف بنكران ذاته أمام مصالح المجموع.

وتتجلى جوانب مجده وفخره، في أنه، وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يضاف لاسمه من الألقاب الكبيرة والصفات الجميلة والخصال الحميدة، بقي محتفظاً بصفته طالب علم، يتلقى دروس الحياة، فيما ترك بعد رحيله (الثالث من حزيران 1989م) بصمات ناصعة في صفحات التاريخ، وومضات زاهية فوق جبين الدهر.

احدث الاخبار

الاكثر قراءة