في رحاب الوصية الالهية (02)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين‏ بعد أن تحدّث الإمام المقدّس رضوان الله تعالى عليه عن القائد ومجلس القيادة وأهميّة هذا الموقع بالنسبة إلى الأمة الإسلامية، أخذ الإمام يتحدّث بمجموعة مهمة من القضايا، فمنها العدالة في القضاء الإسلامي وكيف يجب أن تكون المقاييس والموازين في هذه العملية الدقيقة، ثم عاد ليتحدّث قليلاً عن الحوزات العلميّة محذراً إياها من أن تُخترق من قِبَل المعادين للإسلام، وكيف يجب أن تُنظّم هذه الحوزات العلميّة حتى لا يتمّ ذلك الإختراق، ومنها السلطة التنفيذيّة ومهمّتها الدقيقة في قيادة الأمور، ومنها أيضاً تطهير السفارات من المظاهر الطاغوتية الموروثة من نظام الشاه البائد، ومنها الموضوع العلمائي وكيف يجب أن يكون العلماء في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، ومنها ماذا يجب على وزارة الإرشاد وعلى مختلف مراكز التربية والتعليم في دفع عجلة الإعلام الإسلامي إلى الأمام، ومنها أهمية الإهتمام بالقوّات المسلّحة، ثم بعد ذلك أهميّة أن لا يتحزّب أعضاء القوى المسلّحة لأيّ جانبٍ من الجوانب الحزبيّة في المجتمع الإسلامي، ثم بعد ذلك عاد الإمام ليتحدّث مع الذين يعادون الحكومة الإسلامية ويوجّه لهم النصائح ولمؤيديهم أيضاً، وفي نهاية هذه المنعطفات يتحدّث الإمام عن الحركات الإسلاميّة التي أخطأت هدفها وكيف يجب أن تعود إلى الجادّة، وبعدها إلى أولئك الذين يثيرون الانتقادات من أجل الانتقادات ليس إلاّ، يقف الإمام ليقول: إنّ هروبنا من الغرب لا يعني أن نقع في أحضان الشرق أو أنّ هروبنا من الشرق لا ينبغي أن يوقعنا في أحضان الغرب، وإنما يجب علينا أن نعادي كلا المعسكرين لأن الإسلام يملك الوجهة السياسية والإجتماعيّة القادرة على هذه المسألة، ويحذّر الإمام هنا في هذا المجال كل أولئك الذين يثيرون الدعوات المشبوهة خصوصاً ممن تلبّس بزيّ العلماء، يصل الإمام في نهاية المطاف إلى نهاية وصيته الخالدة ليتحدّث مع مستضعفي العالم ومع الشعب الإيراني المسلم.

يقول الإمام (قدس سره): إلى مستضعفي العالم‏ وصيتي إلى جميع مسلمي العالم ومستضعفيه هي: يجب ألاّ تجلسوا منتظرين أن يأتي حكّام بلدكم ومن يعنيهم الأمر أو القوى الأجنبيّة ويجلبوا الاستقلال والحريّة هدية لكم.

نحن وأنتم شاهدنا على الأقل في هذه المائة سنة الأخيرة التي دخلت فيها أقدام القوى العالميّة الكبرى بالتدريج إلى جميع البلاد الإسلامية وسائر البلاد الصغيرة.. شاهدنا وشاهدتم أو حدّثتنا به التواريخ الصحيحة أنّ أياً من الدول الحاكمة في هذه البلاد لم تكن وليست تفكّر بحريّة شعوبها واستقلالها ورفاهيتها، بل إنّ أكثريّتها الساحقة إما أنها هي تمارس على شعوبها الظلم والكبت وكل ما فعلته فهو لمصالحها الشخصيّة أو الفئويّة، وإما أنّها تسعى لرفاهيّة الشريحة المرفّهة والمترفة فيما بقيّة الطبقات المظلومة من ساكني الأكواخ والأقبية محرومة من كل مواهب الحياة، حتى مثل الماء والخبز وما يسدّ الرمق، وقد سخّرت الحكومات أولئك البائسين لخدمة الطبقة المرفّهة والماجنة، أو أنها كانت أدوات للقوى الكبرى التي استعملتها لتحقيق المزيد من تبعيّة الدول والشعوب، فحوّلوا هذه الدول بالحِيَل المختلفة إلى سوق للشرق والغرب وتأمين مصالحهما وإبقاء الشعوب متخلّفة استهلاكيّة، وهم الآن يسيرون وفق هذه الخطّة، وأنتم يا مستضعفي العالم وأيّتها الدول الإسلامية ومسلمو العالم، انهضوا وخذوا حقّكم بقبضاتكم وأسنانكم، ولا تخافوا الضجيج الإعلامي للقوى الكبرى وعملائها العبيد، واطردوا من بلادكم الحكّام الجناة الذين يسلّمون حصيلة أتعابكم إلى أعدائكم وأعداء الإسلام العزيز، ولتأخذ الطبقات المخلصة الملتزمة بزمام الأمور، واتّحِدوا جميعاً تحت راية الإسلام المجيدة، وهُبّوا للدفاع في مقابل أعداء الإسلام ومحرومي العالم، وامضوا قُدُماً نحو دولة إسلامية واحدة بجمهوريّات حرّة ومستقلّة، فإنكم بتحقيق ذلك تضعون حداً لجميع المستكبرين في العالم وتحققون إمامة المستضعفين ووراثتهم للأرض... على أمل ذلك اليوم الذي وَعَدَ به الله تعالى.

وأخيراً عودة إلى الشعب الإيراني الشريف.. مرّة أخرى في نهاية هذه الوصيّة أوصي شعب إيران الشريف إنّ حجم تحمّل المشقّات والآلام والتضحيات وبذل الأرواح والحرمان في العالم يتناسب مع حجم عظمة الهدف وسموّه وعلوّ مرتبته، وما نهضتم من أجله أيها الشعب الشريف والمجاهد، وأنتم ماضون فيه وبذلتم من أجله الروح والمال وتبذلون، هو أسمى وأعلى وأثمن هدف وغاية عرض أو يعرض منذ صدر العالم في الأزل، وبعد هذا العالم إلى الأبد، وهو مبدأ الألوهيّة بمعناه الواسع وعقيدة التوحيد بأبعاده السامية التي هي أساس الخلق وغايته في رحيب الوجود وفي درجات ومراتب الغيب والشهود، وقد تجلّى ذلك في المدرسة المحمّدية (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتمام المعنى والدرجات والأبعاد، وكانت جهود جميع الأنبياء العِظام عليهم سلام الله والأولياء المعظّمين سلام الله عليهم بهدف تحقّق ذلك والاهتداء إلى الكمال المطلق والجلال والجمال اللامتناهيين ليس ميسوراً إلاّ به.. إنه هو الذي شرّف الترابيين (الأرضيين) على الملكوتيين وما هو أسمى.. وما يحصل للترابيين بالسير فيه لا يحصل لأيّ موجود في جميع أرجاء الخلق في السرّ والعلن.

أنتم أيها الشعب المجاهد تسيرون تحت راية هي خفّاقة في جميع أنحاء العالم المادي والمعنوي، أدركتم ذلك أم لم تدركوا، أنتم تسيرون في طريق هو الطريق الوحيد لجميع الأنبياء عليهم سلام الله، والطريق الوحيد إلى السعادة المطلقة، بهذا الهدف يسعى جميع الأولياء لاحتضان الشهادة في هذا الطريق ويعتبرون الموت الأحمر أحلى من العسل.. وقد تجرّع شبابكم جرعةً منه في الجبهات فولهوا.. وقد تجلّى في الأمّهات والأخوات والآباء والاخوان، ونحن يجب بحق أن نقول يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً، هنيئاً لهم ذلك النسيم بهجة القلب وتلك النفحة المثيرة للحماس، ويجب أن نعلم أنّ طرفاً من هذه التجلّيات قد ظهر في المزارع المحرقة وفي المعامل والمصانع المجهدة والمعامل الصغيرة وفي مراكز الصناعة والاختراع والابداع ولدى أكثريّة الشعب في الأسواق والشوارع والقرى وكلّ الأشخاص المتصدّين لهذه الأمور الذين يؤدّون خدمة من أجل الإسلام والجمهورية الإسلاميّة وتقدّم البلد واكتفائه الذاتي، وما دامت روح التعاون والالتزام هذه قائمة في المجتمع فإنّ بلدنا العزيز مصون إن شاء الله تعالى من أذى الدهر.

 

وبحمد الله تعالى فإنّ الحوزات العلميّة والجامعات وشباب مراكز العلم والتربية الأعزّاء لهم نصيبهم من هذه النفحة الإلهيّة الغيبيّة وهذه المراكز مائة في المائة بين أيديهم، وأيدي المفسدين والمنحرفين والأمل بالله لا تصل إليها.

ووصيتي للجميع هي أن امضوا قدماً بذكر الله المتعال نحو معرفة النفس والاكتفاء الذاتي والإستقلال بكلّ أبعاده، ولا شكّ أن يد الله معكم إذا كنتم في خدمته، وواصلوا العمل على تطوّر البلد ورقيّه بروح التعاون، وإنني إزاء ما أراه في الشعب العزيز من اليقظة والوعي والالتزام والتضحية وروح المقاومة والصلابة في سبيل الحق ولي الأمل أن تنتقل هذه المعاني الإنسانية بفضل الله المتعال إلى أعقاب الشعب وأن تزداد نسلاً بعد نسل.

إنّ الإمام وهو يوجّه مثل هذا النداء مرّة إلى مستضعفي العالم ومرّة إلى الشعب الإيراني المسلم ليقول لهم بأنّ تجربة الثورة الإسلامية هي تجربة حيّة فمن جهة يخاطب المستضعفين في العالم ويطالبهم بأن يكونوا مثل الشعب الإيراني المسلم، وثانية ليقول للشعب الإيراني المسلم بأنّ هذا النتاج العظيم هو نتاجكم أنتم ويجب عليكم كما انتصرتم أن تحافظوا على هذا الإنتصار، وهنا لا بدّ لنا من أن نوجّه إلى ما كان الإمام رضي الله عنه يركّز عليه وهو أنّ الإمام ليس بمقام مدح أو ذمّ أحد للمدح وللذم ليس إلاّ، وإنّما الإمام يمدح ويذمّ ولكن يمدح أشخاصاً ليطلب منهم شيئاً ويذمّ أشخاصاً آخرين من أجل أن يرجعهم عن موقعهم الذي كانوا عليه، لا بدّ لنا هنا من توجيه مجموعة من الملاحظات:

أولاً: إنّ الحريّة كما مرّ معنا كثيراً ليست شيئاً يمنّ به إنسانٌ على إنسان آخر أو فئة على فئة أخرى أو مجتمع على مجتمع أو دولة على دولة، وإنّما الحريّة هو شي‏ء يأخذه الإنسان وتأخذه الأمّة ويأخذه المجتمع وتأخذه الدولة من دولة أخرى، وإنّ من يتوهّم بأنّه يستطيع من خلال المفاوضات أن يكتسب شيئاً من الحريّة ومن الإستقلال فهو واهمٌ، وهذا التاريخ الماضي والحاضر لا يزال أمامنا مكشوفاً بكل ما فيه من خفايا، وإنما يجب على الإنسان أن يعيش بينه وبين الله سبحانه وتعالى. إنّ كلّ ما يمكن أن يأخذه إنما يأخذه غصباً عن إرادة ذلك العدو رغماً عن إرادته التي لا يمكن إلاّ أن تتنازل عن بعض مكتسباتها إذا رأت القوّة والشكيمة والتصميم في ذلك الإنسان أو من تلك الفئة أو من تلك الأمّة أو من تلك الدولة.

ثانياً: إنّ الحكومات المحليّة تريد أن تحفظ قوتها ويريد الحاكم أن يبقى حاكماً، ولقد فهمت الدول المستكبرة هذه المسألة على الحكومات المحليّة فربطت سيطرتها على هذه الدولة ببقاء ذلك الحاكم أو تلك الزعامة في ذلك البلد وبالتالي أصبح ذلك الزعيم أو تلك الطغمة الحاكمة أصبحت تحافظ على المواقع الإستكبارية، وذلك لأنها تريد المحافظة على ذاتها وتريد المحافظة على نفوذها، وهكذا استطاع الاستكبار العالمي الخبيث أن يجعل هذه الدولة تحكم من خلال أفراد منها مصالحه في هذا البلد أو ذاك، وهذا أيضاً له شواهد من الماضي ومن الحاضر، كيف استطاعت الإمبرياليّة الأمريكيّة أن تحافظ على مصالحها في أيّام الشاه، استطاعت ذلك من خلال أنّها ربطت وجودها بوجود ذلك الطاغية فكان هذا الطاغية يحمي المصالح الأمريكية من خلال حمايته لمصالح نفسه، وهكذا حلّ في مختلف الدول في العالم.

ثالثاً: ينبغي أن يضع المستضعفون في أذهانهم مسألةً في غاية الأهميّة، وهي أنّه ليس هناك حدٌ يمكن أن تقف عنده المصالح الإستكبارية، وذلك لأنّ الإنسان المستكبر سوف يبقى ينتزع كل مكتسبات الشعب المستضعف والمقهور حتى لا يُبقِي منها شيئاً على الإطلاق، حتى إذا وصل الأمر إلى إنتزاع اللقمة من فمه وانتزاع شربة الماء من يده فإنه لن يتوانى عن فعل ذلك.

وأمام هذه الحقيقة كيف يمكن لشعب مظلوم يريد أن يحافظ حتى على دنياه، حتى على المكتسبات الدنيويّة، كيف يمكن له أن يفعل ذلك وهو يعيش الذلّ والمهانة والحقارة أمام مختلف القوى الكبرى؟ من كان يعتقد بأنّ الدول الكبرى سوف تقف عند حدود مكتسباتها ومصالحها، وبالتالي سوف تعطينا شيئاً من المكتسبات ومن المصالح؟

فالذي يفكّر بهذه الطريقة هو مخطى‏ء كل الخطأ لأنّه ليس هناك شي‏ء في أيدينا، حتى اللقمة وحتى شربة الماء، إلاّ والمستكبر يطمع في انتزاعها من أيدينا، والتاريخ الحاضر والماضي أيضاً شاهد على ذلك، والجوع الذي يضرب كل البلاد الفقيرة هو خير شاهد على هذه المسألة، بينما نرى أنّ الإستكبار العالمي يحرق محاصيل القمح في بعض البلدان من أجل أن يحافظ على سعرها، ونرى أنّ هناك الملايين من الناس المهدّدة بالجوع في أماكن أخرى تحتاج إلى جزء بسيط من ذلك المال الذي أحرقته تلك الدول المستكبرة.

رابعاً: إنّ الإستقلال الذي يُبذل الدم من أجل التحصيل عليه، وغالباً ما ينبغي أن يُبذل الدم من أجل ذلك، هذا الإستقلال إذا بُذل شي‏ء من الدم أو من العرق والجهد في سبيله، يستحق أن يُحافظ عليه، وكم من البلاد استطاعت أن تتحرر ولكن بعد هنيهة من التحرير عادت لتعيش دوّامة الخراب والدمار على المستوى العقائدي، وذلك لأنها لم تبنِ استقلالها على قاعدة فكريّة وثقافيّة كافية ومانعة لهذا الشعب حتى لا يعود إلى أحضان الإستكبار، إنّ ما ينبغي أن يُفكر به الشعب الإيراني المسلم ومختلف الشعوب المستضعفة أنّ ذلك التحرّر الذي بُذِلت الدماء من أجله لا يمكن أن يحافَظ عليه إلاّ من خلال الدفاع عنه، حتى ولو كلّف ذلك المُهَج والأرواح، وذلك لأنّ تحصيل الاستقلال كما ذكرنا في أكثر من مرّة يكلّف شيئاً، ولكن المحافظة عليه يكلّف أشياء أكثر من تكاليف تحصيل نفس الإستقلال، وهذا أيضاً ما نراه حاضراً عندما انتصرت الثورة الإسلاميّة التي قدّمت عشرات الآلاف من الشهداء، وحتى تحافظ هذه الثورة على استقلالها أمام الدول المستكبِرة في العالم قدّمت المئات من الآلاف من الشهداء من أجل ذلك، وهذا ليس خسارة، وإنّما الخسارة في أن يفقد الإنسان والمجتمع بنيه بشكل رخيص من دون أن يقدّم أي شي‏ء في سبيل استقلال وحريّة وعزيمة هذه الدولة وهذا المجتمع.

خامساً: إنّ الحركات الإسلاميّة في كل أرجاء العالم ينبغي أن يملأ قلوب روّادها الأمل بالانتصار الكبير المحتم وذلك على قاعدة حتميّة انتصار الإسلام، وهذا ليس حتميّة تاريخيّة ماديّة، كما يقول أصحاب الإتجاه المادي، الذين كانوا يحلمون بأن تتحول الماديّة التاريخيّة لتحكم المجتمعات المستضعفة على القوى المستكبرة، هذا وهمٌ لأنّ التاريخ والزمن لا يمكن أن يفعل شيئاً، وإنما الإنسان هو الذي يمكن أن يعمل ويؤثّر في التاريخ وفي الزمن، وإنّما الأمر يتمّ على قاعدة النصر الإلهي المحتم الذي فرضه الله سبحانه وتعالى كسنّة إلهيّة (فلن تجدَ لسُنّةِ الله تبديلاً ولن تجِدَ لسُنّةِ الله تحويلاً)، وأيّ إنسانٍ يراقب المدّ الإسلامي بعد انتصار الثورة الإسلاميّة المظفّرة، يُدرك هذه الحقيقة، وهي أنّ الإسلام في طريقه إلى الإنتشار، نعم يمكن أن يكون هناك أشخاص يتساقطون في الطريق هذا شي‏ء، وانتصار الإسلام على مستوى تعمّق فكرته فكرة الإسلام المحمّدي الأصيل في قلوب الجماهير، وهذا ما حصلنا عليه بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة وبعد قيام المقاومة الإسلاميّة في لبنان حيث أننا وجدنا أنّ هذا المدّ الإسلامي استطاع أن يحرّك مختلف شعوب العالم الإسلامي تقوم على أساس أنّ الله سبحانه وتعالى سوف ينصر هذه الأمّة وسوف يكتب لها النجاح في حركتها إلى الأمام حتّى تصبح كلّ الأرض يحكمها نظام الإسلام المحمدي الأصيل.

سادساً وأخيراً: يجب على كلّ الذين رأوا كل هذه المعجزات أمامهم أن يتوجهوا بالشكر لله سبحانه وتعالى لأنّه عزّ وجلّ هو الذي نصر هذه الأمة ونصر هذه المجتمعات التي أرادت أن يحيى الإسلام من جديد، وإذا كان هناك أفراد يقدّر لهم أن يكونوا حمَلَةَ الرايات في مسيرة الإسلام فهم مجرّد أدوات بين يديّ الله سبحانه وتعالى، أسلموا قلوبهم لله عزّ وجلّ فكان هذا العطاء وهذا النتاج الإلهي، ولا يمكن لأحدٍ أن يتصور بأن هذه النتيجة التي حصلنا عليها هي نتيجة أفراد مهما بلغ هؤلاء الأفراد من الكثرة، إلاّ إنّ ما نجده لا نجد تكاثراً نوعياً إنما نجد اختلافاً كميّاً لا يمكن أن يُعزى وأن يُنسب إلى رجل أو إلى فئة أو إلى أمّة أو إلى مجموعة، وإنّما هو شي‏ءٌ نوعيّ قد تعلّقت جذوره بالله سبحانه وتعالى، فكان ذلك العطاء وكان ذلك الفداء وكانت كل تلك المعجزات التي استطاعت أن تصبغ هذا العصر بذلك الصبغ الإلهي العظيم، وأن تلوّن هذا القرن الذي مضى بلون الإسلام الأزهر الذي شعّ من بقعة معيّنة من العالم، ولن يتوقّف بإذن الله تعالى حتى يملأ هذه الأرض كلّ الأرض وتكون كلّ الأرض بعون الله سبحانه وتعالى صدىً لذلك النداء الإلهي الذي قام به عبد من عبيد الله عزّ وجلّ ثم حمل عباد آخرون مع ذلك العبد هذه الراية، وسوف تبقى هذه الراية إلى أن يرِثَ الله الأرض ومَنْ عَليها، والحمد لله ربّ العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته