أضواء على شخصية الإمام الخميني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً يا كريم.
السلام على الإمام الخميني العظيم وعلى خليفته المبجل ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي (أيّده الله تعالى).
السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته.
في البداية: أرفع أحر التعازي إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها، لاسيما ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي (أيده الله تعالى) وإلى كافة المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإليكم أيها الأحبة الأعزاء، بمناسبة الرحيل المؤلم لمفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف).
أيها الأحبة الأعزاء: عنوان الكلمة في هذه الليلة المعظمة العزيزة على قلب كل مؤمن: (أضواء على شخصية الإمام الخميني ومنهجه). وفي الحقيقة أيها الأحبة: إن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في السياسة والإدارة والحركة والمقاومة والجهاد والثورة والإصلاح لا ينفصل عن تكوين شخصيته، وتكوين شخصيته لا ينفصل عن منهجه العرفاني في الحياة. فالمنهج العرفاني هو الذي صنع شخصية الإمام الخميني العظيم الاستثنائية المتميزة، حتى قيل أنه الشخصية الأولى في عصر الغيبة الكبرى من جهة الكمال الإنساني الروحي والمعنوي، وشخصيته هي التي صنعت منهجه في السياسية والإدارة والحركة والمقاومة والثورة والإصلاح.
والخلاصة: إن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في السياسة والإدارة والحركة والمقاومة والثورة والإصلاح لا ينفصل عن منهجه العرفاني في الحياة بأي حال من الأحوال.
أيها الأحبة الأعزاء: الوقت والمقام أيضا لا يسمحان بتناول الموضوع من جميع جوانبه في هذه الوقفة، وعليه سوف أقتصر في الحديث في هذه الليلة على إبراز الصبغة العرفانية في شخصية الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) وتأثيرها على منهجه السياسي والإداري والحركي المقاوم، لنكون بذلك قد أدخلنا الراحة والسرور إن شاء الله تعالى إلى روح الإمام الخميني العظيم في قبره، من خلال جمعنا بين بعدين في الحديث ونحن نعيش الليلة تحت ظله في ذكرى رحيله الأليم عنا.. وهما: البعد الفكري والروحي من جهة، والبعد العملاني في السلوك والسياسة والإدارة والحركة والمقاومة والثورة والإصلاح من جهة ثانية، حيث يعتبر هذا الجمع من أهم سمات منهج الإمام الخميني الذي يرى بأن السلوك العلمي ما هو إلا مقدمة للسلوك العملي، وأن الحقائق العرفانية في عالم الملكوت، لها مظاهر في عالم الواقع والمادة، وأنها تمثل مباني للتغيير الاجتماعي والارتقاء بالحضارة الإنسانية على كافة الأصعدة والمستويات، وقد نتج عن ذلك ما عرف بالسياسة المعنوية في منهج الإمام الخميني العظيم، التي تتميز بالاستقامة والصبغة الروحية والأخلاقية من جهة، والقدرة على الفعل والتأثير والإنتاج من جهة ثانية، فهو منهج روحاني وفاعل في دوائر المقاومة والثورة والإصلاح والبناء والتعمير والإدارة للدولة، تدخل فيه المعنويات والأخلاق في السياسة والإدارة والمقاومة والثورة والإصلاح وتلبسها لباسها النوراني الملكوتي الزاهي الجميل، لتكون المقاومة والثورة كما الدولة صور من صور العبودية الجماعية على طريق الكمال العبودي لرب العالمين ذي الجلال والإكرام، وهذا ما يتميز به منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) من بين سائر المناهج الإسلامية وغير الإسلامية، ومن بينها بالطبع مناهج الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) من أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كما سيوضح بعد قليل.
أيها الأحبة الأعزاء: إن الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) رأى في نفسه حقيقة الفقر والنقص والفناء الوجودي، ورأى في ربه ذي الجلال والإكرام حقيقة الغني والكمال والبقاء، فارتبط معه برابطة العشق وسعي للذوبان الكامل فيه، فكان يجاهد نفسه بحق من أجل أن لا يرى لها وجودا على الصعيد الفكري والروحي والعملاني خارج دائرة هذا النور الرباني الملكوتي الأنور، لأن كل خروج عن دائرة هذا النور، هو ظلم من الإنسان لنفسه، ونقص في شخصيته ودرجته الوجودية في الحياة وفي كماله الإنساني، وضياع في عالم الظلام والشقاء، عالم إبليس وإخوانه من شياطين الجن والإنس. وقد نجح الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في بلوغ درجة عالية وعظيمة من السلوك والقرب من الله ذي الجلال والإكرام في ظل الرياضة الروحية وتهذيب النفس، وهي درجة قد تميز بها بصورة استثنائية وتقدم بها على كثير من العباد من غير المعصومين في عصر الغيبة الكبرى..
والنتيجة: أن فكر الإمام الخميني العظيم وأخلاقه قبس من هذا النور، ومنهجه في السياسة والإدارة والحركة والمقاومة والثورة والإصلاح وإدارة الدولة وبنائها وكل علاقاته وسلوكه ومواقفه هي قبس من هذا النور.
والخلاصة: أن باستطاعتنا في حالة استثنائية لا نظير لها لدى غير المعصومين (عليهم السلام) أن نقرأ المنهج العرفاني لدى الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) من خلال الممارسة والسلوك والنشاط الذي يقوم به على كافة الأصعدة في الحياة، وليس من خلال البيان الكلامي: الخطاب والكتاب فحسب.
وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية بحسب فهمي لمنهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) الذي تميز به عن غيره من مناهج الفقهاء العظام (رضوان الله تعالى عليهم) ونجح من خلاله في تهذيب نفسه وبناء شخصيته الاستثنائية ومواجهة التحديات والصعوبات التي واجهته في الحياة على كافة الأصعدة والمستويات، ونجح في قهر الشاه الطاغية وإسقاطه، وإقامة الجمهورية الإسلامية في إيران، ومواجهة جميع قوى الاستكبار وفي مقدمتها أمريكا الشيطان الدموي الوقح، ونجح في تغيير المعادلات الدولية وقلب موازين القوى على الساحة الدولية والإقليمية، وأعاد للإسلام مجده الغابر وللمسلمين ثقتهم بأنفسهم وبدينهم، وأصبح رمزا وقدوة حسنة للمجاهدين الأبطال يستلهمون من أقواله وأفعاله الصدق والإخلاص في المقاومة والتضحية والفداء.
أيها الأحبة الأعزاء: إني أرى بأن المنطلقات المسؤولة عن عملية الدفع والتحريك في منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في جميع الميادين وعلى كافة المستويات هي منطلقات عرفانية بامتياز، ويمثل الفقه فيه عامل الضبط بامتياز، في مقابل مناهج أخرى يمثل الفقه فيها عامل التحريك والضبط معا، حيث وضع الفقه في غير موضعه، فالدفع والتحريك للإرادة هما من وظيفة العقيدة، أما الفقه فوظيفته الضبط وليس التحريك في الأساس، ووضع الفقه في موضع العقيدة ليقوم بعملية الدفع والتحريك للإرادة والنشاط في الحياة، هو وضع الشيء في غير محله، ولهذا جاءت هذه المناهج باهته وضعيفة وغير قادرة على الفعل والتغيير والإنتاج الذي يتناسب مع عظمة منهج السماء العظيم وشموليته، فهي لا تحمل سمات الجلال والجمال، بقدر ما تحمل سمات الضعف والتبرير والاستسلام والخضوع للواقع المنحرف والقبول به تحت عناوين فقهية مثل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وعدم إلقاء النفس في التهلكة، وغير ذلك من العناوين التي وضعت في غير محلها.
فلا يصدق على أصحاب هذه المناهج قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "كبر الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم". والحقيقة التي تؤكدها التجارب لحالة أصحاب هذه المناهج هي أنهم: "كبر الواقع في أنفسهم فصغر الخالق في أعينهم" وأن شعار الله أكبر ما هو لديهم إلا مجرد فكرة في الذهن، وذكر في الصلاة، وموضوع في الدروس، ولا علاقة له بالسياسة والإدارة والمقاومة والحياة العملية للناس من قريب أو بعيد. بينما جاء منهج الإمام الخميني العظيم في السياسية والإدارة والحركة والمقاومة وكافة أنشطة الحياة بقوة دفع وتحريك عرفانية يستحيل قهرها وإيقافها، ليقف بها أمام الواقع الصعب المنحرف والقوى الاستبدادية والاستكبارية في العالم ويواجهها بصمود وثبات أسطوري، حيث يزوده منهجه العرفاني النقي من نبعه الرباني الصافي الزلال بطاقة روحية عظيمة في مواجهة الأعداء وكافة صعوبات الحياة.. ومن جانب آخر: يحمل هذا المنهج الحب والرحمة والرأفة والحنان للمؤمنين والمستضعفين ولكافة العالمين. إن الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) يرى على صعيد النظرية والتطبيق: بأن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأن لا غالب إلا الله، وأن لا ناصر غيره، فهو القاهر فوق عباده جميعا، وهو الناصر بحق لعباده المؤمنين المخلصين له في العبادة والطاعة في سلوكهم ومواقفهم السياسية والإدارية والجهادية، فهو لا يخاف من أية قوة استكبارية أو استبدادية مهما كانت في مواقف الجهاد والرفض والمقاومة، ولا يجفل أو يفزع أمام أية صعوبة أو تحدي صعب في مواقف البناء والتعمير والتطوير للدولة، فعنده على مستوى الإيمان والممارسة والموقف: أن الله أكبر من كل واقع مهما كان صعبا ومؤلما، وأن الله أكبر من كل قوة عظمى مهما استكبرت وبطشت.. والنتيجة: أن الإمام الخميني العظيم يحدد تكليفه وفق منطلقاته العرفانية والضوابط الفقهية، ثم يتوكل على الله عز وجل ويتحرك في البناء والتعمير أو الجهاد والمقاومة، متحديا بصلابة لا تنكسر، كل الصعوبات والتحديات، وتتجلى في سياسته وإدارته وحركته المقاومة في الثورة والإصلاح وجميع مواقفه في الحياة سمات الجلال والجمال الإلهي، فهو بمقدار ما كان قويا في مواجهة الشاه وصدام وأمريكا، كان رحيما بهم جميعا. لقد كان يرى في مواجهته لهم رحمة بهم، لأن المواجهة لهم تقلل من شرهم وبالتالي من مسؤوليتهم أمام الله عز وجل وغضبه عليهم وعذابه لهم، أما لو تركوا بدون مواجهة ومقاومة، فإنهم سوف يسترسلون في الشر والإثم والعدوان، مما يزيد في مسؤولياتهم أمام الله عز وجل وغضبه عليهم وعذابه لهم. أما رحمته بالمؤمنين فحدث ولا حرج: إنه في قمة التواضع لهم والرحمة بهم والشفقة عليهم، فلا يرى لنفسه امتيازا عليهم، ولا يبخس أحدا منهم حقه في شيء.
أيها الأحبة الأعزاء: لقد تجاوز الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) الجوانب الشكلية في المنهج العرفاني.. فالعرفان لديه: تجليات لصفات الجمال والجلال، ومعرفة يقينية لا يدانيها الشك أو الريب، وطاعة مطلقة لله جل جلاله بصدق وإخلاص، ورياضة روحية دائمة وتهذيب دائم بصدق للنفس، ومواقف مبدئية فولاذية لا تقهر، وعلاقات إنسانية نظيفة، وحرص أكيد على هداية العباد ومصالحهم المادية والمعنوية، فكان بذلك يتحرك في وعيه الإسلامي للمسألة الإنسانية من خلال منهجه العرفاني في جميع مجالات الحياة وعلى كافة الأصعدة: العلمية والثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وقد صبغ منهجه العرفاني كافة أنشطته في الحياة بصبغته العرفانية الملكوتية النوراء، وأذكر في هذه الوقفة بعض الجوانب على سبيل المثال لا الحصر.
أولاً: السمات الشخصية للإمام:
لقد أثر المنهج العرفاني للإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في بناء شخصيته وفي سماته وملامحه الشخصية وصفاته وفي حركاته وسكناته، فتحلى بالهيبة والوقار والاستقرار الروحي والطمأنينة النفسية والصدق والإخلاص والحكمة النظرية والعملية والأمانة والشجاعة والعفة، كل ذلك في حالة من الكمال العرفاني المتصل بالكمال الربوبي، المنفصل عن نقص الذات وأهوائها وغرائزها ورغباتها، حتى حركات الجسم: اليد والعين مثلا، هي من وحي وتأثير تلك الأمواج الروحانية والأنوار الملكوتية.
والخلاصة: أن الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) قد نجح من خلال الرياضة الروحية والتهذيب الصادق للنفس من السيطرة على روحه وحركات جسده، فجعلها جميعا تحت تأثير أمواج عالم الملكوت وأنواره القدسية، مما جعل له تأثيرا غيبيا قويا واستثنائيا في نفوس الآخرين.
يقول الأستاذ رابين وودزورت كارن في وصف لقاء حضره للإمام الخميني في صبيحة يوم الأربعاء (9 فبراير / شباط 1981م): "وعندما فتح الباب شعرت أن عاصفة من القوة والطاقة قد دخلت فجأة، وزلزلت أركان المبنى الذي كنا نجتمع فيه، وقد لفت الأنظار إليه بشكل، بحيث اختفى كل شيء آخر من أمام أعيننا.. أجل كان شعلة من النور نفذت بقوة إلى ضمائر وقلوب كل من كان هناك... حيث إنني بكل بساطة شعرت بتلك القوة الهائلة والطاقة المنبعثة منه، ولمست إشعاعات النور الصادر من وجهه... في الحقيقة، من بين كل الكبار والقديسين الذين التقيتهم... لم أر منهم أي نظير للخميني في تأثيره على الآخرين.. وكل من يمكنه أن يرى بوضوح ويشعر بوجوده بصدق لن يساوره أدنى شك في صدق وإخلاص هذا الرجل... هذا الإخلاص كان متجسدا بوضوح في أجواء اللقاء، وفي حركة أعضاء جسده، وفي تلويح يديه، وفي الشعلة المحيطة بشخصيته، وبالتالي في سكونه وهدوء ضميره... قد يتبادر إلى القارئ العزيز وهو يقرأ هذا المدح والإطراء من قبلي لشخص الخميني أنني أفرطت في ذلك كثيرا، إلا أن عليه أن يعرف أن ما كنت أحمله في ذهني عن هذا الرجل الذي كان خليطا من التناقضات.. ولكن الذي خرجت به من هذه التجربة العملية لا يرتبط أبدا بآرائي وعقائدي". (الراصد، العدد العشرون، حزيران 1992 م، ص41).
ثانياً: تجاوز الشكليات التقليدية في الحوزات العلمية:
للإمام الخميني العظيم معشوق واحد وهو الله ذي الجلال والإكرام، ولهذا لم يفرط في الحق والعدل والفضيلة، ولم يجمد على الباطل والظلم والرذيلة، ولم يخضع لأي عرف أو تقليد أو قانون لا ينسجم مع عشقه لربه ذي الجلال والإكرام، مهما كان مصدره، حتى لو كانت الحوزات العلمية أو المجتمعات الإسلامية، فإن ذلك الخضوع لغير معشوقه الأول يدخل في دائرة الباطل والظلم والرذيلة قطعا. إن الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) تعلم ودرس في الحوزات العلمية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتربى في أحضانها وكانت حياته غنية بالتجارب، إلا أن بناء شخصيته وصناعتها لم يكن مجرد بناء علمي حوزوي وعن طريق التقوى في دائرة الفقه الذي تعلمه في الحوزات العلمية وعن طريق التجارب الغنية التي مر بها في حياته العملية، وإنما كان بناء شخصيته وصناعتها بالدرجة الأولى بعين الله (جل جلاله) من خلال المعرفة والسلوك العرفاني في ظل عشقه وكدحه الدؤوب الصادق في ذات الله الخالق البارىء المصور ذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى عما يصف الظالمون علوا كبيرا. فقد تخلص الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في ظل هذا المنهج العرفاني النقي من الشعوذة والشوائب الخرافية، ومن التصورات الوهمية والظنون والوساوس الشيطانية، ومن قيود الشهوات والرغبات والأهواء الشخصية، ومن قيود العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، ومن ضغوط المجتمع وسلطات الدولة الجائرة وقوى الاستكبار العالمي، وأصبح عشقه لربه ذي الجلال والإكرام وطاعته المطلق له في أمره ونهيه، هي المحرك الفعلي والضابط له في كل أنشطته في الحياة على كافة الأصعدة، على أساس المعرفة اليقينية، والوعي الدقيق بالمنطلقات العملية في التطبيق، وانكشاف الواقع أمام بصره وبصيرته.. فكان بحق: صاحب رأي حر مستنير، وإرادة فولاذية لا تقهر، ومواقف مبدئية نورانية مستقيمة لا تميل ذات اليمين أو ذات الشمال، تلعب فيها الأخلاق والمعنويات والعشق الربوبي الدور الرئيسي والفاعل الأول، وكان يحمل في قلبه الرأفة والرحمة بالخلق أجمعين.
أيها الأحبة الأعزاء: لقد سعى الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في ظل منهجه العرفاني، لتحرير ذاته من العبودية لغير الله عز وجل وبنائها والارتقاء بها في سلم الكمال الإنساني على أساس العشق لرب العالمين ذي الجلال والإكرام، والطاعة الواعية له في التشريع، والتسليم المطلق لقضائه وقدره في التكوين. كما سعى لهداية الآخرين وتحريرهم وبنائهم، ولهداية الواقع وتحريره وبنائه والارتقاء به في سلم المجد والتقدم على نفس الأساس، الذي من أبرز مظاهره الالتزام بالحق والعدل والفضيلة والمحبة والسلام. وقد تجاوز الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في ذلك الأجواء والأعراف القائمة في الحوزات العلمية التقليدية، حيث ترى بأن قدسية عالم الدين والمرجعية الدينية بالابتعاد عن السياسية، ولم يعبأ بالمعارضات الشديدة له فيها، وأنطلق في طريق العبودية لله وحده ونفي الشريك عنه لا تأخذه فيه لومة لائم، وتحمل في سبيل ذلك كافة أشكال الضغوط كما تحمل من السلطة الجائرة السجن والنفي والحرمان المادي والتنكيل بكافة أشكاله ولم يلن أو يضعف، لتكون ذاته وذوات الآخرين والواقع صور من صور العبودية الناصعة، والكمال الإنساني الرفيع، على طريق السلوك والكدح الدؤوب في ذات الله ذي الجلال والإكرام وملاقاته. قال الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في جواب من نصحه بعدم الإكثار من إصدار البيانات السياسية لكي لا يؤثر ذلك على مرجعيته الدينية: "لا أريد أن أكون مرجعا، بل أريد أن أؤدي وظيفتي"، وبهذا السلوك العرفاني العظيم أنهدم سدا منيعا كان قائما في الحوزات العلمية التقليدية، وإلى الأبد إن شاء الله تعالى، لتأخذ الحوزات مكانها في رفض الباطل والظلم والاضطهاد والجمود والتحجر والتخلف ومقاومتها على طريق تحرير الشعوب من العبودية لغير الله عز وجل والارتقاء بها في سلم الكمال والمجد والتقدم على أساس الحق والعدل والفضيلة بمقتضى العبودية لله الواحد الأحد الصمد والعشق للحق والعدل والفضيلة والكمال المطلق في الوجود.
ثالثاً: بناء الدولة وإدارتها:
لقد نجح منهج الإمام الخميني العظيم في إسقاط نظام الشاه الطاغية، كما نجح في مواجهة الحرب العدوانية التي شنها صدام حسين بإرادة ودعم أمريكا والغرب وبعض الدولة العربية الخائنة لإرادة شعوبها ولمسؤوليات الحكم والدولة، كما نجح في مواجهة الحصار الشامل: السياسي والاقتصادي والعلمي المبكر التي سعت أمريكا وحلفائها الغربيين والخائبين من الحكام العرب لفرضه على الجمهورية الإسلامية في إيران، ونجح في وضع الأسس العلمية والعملية على ضوء منهجه العرفاني لتجربة جديدة للدولة الإسلامية المعاصرة بقيادة الولي الفقيه، تقوم على السياسة المعنوية التي تلعب الروحانيات والأخلاق والضوابط الفقهية ورؤية الواقع والمنطلقات العملية الدور الأساس فيها، ونجح في إدارتها وبنائها وتطويرها بمشاركة شعبية فاعلة ومتميزة على مستوى العالم، حتى أصبحت بحق دولة عظمى على المستوى الإقليمي.
أيها الأحبة الأعزاء: لقد انعكس المنهج العرفاني للإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) بوضوح في إدارة الدولة وبنائها وتطويرها، فلم يجعل من نفسه سيفا مسلطا على رأس الدولة ومؤسساتها وعلى رقاب المسؤولين فيها، وإنما أصر على وضع الدستور، وأعطى المسئولين كامل صلاحياتهم في إدارة الدولة ومؤسساتها وفق الدستور والقانون، فأقام دولة القانون والمؤسسات بحق وحقيقة، وحول مؤسسات الدولة إلى مصانع تفريخ لبناء الكوادر وتخريجها، ولم يختصر عقول المسؤولين وأبناء الشعب في عقله أو في عقل غيره من المسؤولين في الدولة، وإنما سمح بحرية التفكير وتعدد الآراء والاجتهادات كظاهرة طبيعية إيجابية وأحسن إدارتها، من أجل فتح الأفق الوسع لإدارة الدولة وبنائها وتطويرها وتصحيح أخطائها إن وجدت، ولم يتشبث بآرائه الفقهية في عمل الدولة وإدارة شؤونها وأنشطتها، وإنما كان يرشد المسؤولين للعمل برأي غيره من الفقهاء تسهيلا لعمل الدولة ومؤسساتها إذا اقتضى الأمر ذلك.
رابعاً: الاعتراف بدور الجماهير وتقديره:
لقد قال الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) قولا عظيما بشأن الجماهير.. قال فيهم: كل ما لدينا ببركة هؤلاء يعني الجماهير وعامة الناس.
أيها الأحبة الأعزاء: تعودنا أن نسمع مثل هذه الكلمة العظيمة بحق الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ويبالغ البعض ليقول مثلها بحق بعض الرموز والقيادات الدينية والسياسية من غير المعصومين، أما أن تقال هذه الكلمة بحق الجماهير، فهذا هو الشيء الجديد الذي جاء به الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) وهي كلمة حق وعرفان تدل على العدل والإنصاف والتواضع ووضع الأشياء في مواضعها على أساس المعرفة الحقيقة اليقينية لا التقليد. أنا اعتقد بأن الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) قد قالها على نحو الحقيقة بصدق وإخلاص، وما كان له أن يقولها لولا منهجه العرفاني ومنبعه الصافي الأصيل وعشقه الذي لا يوصف لربه ذي الجلال والإكرام وتخلقه بأخلاقه الجمالية والجلالية، مما جعله يرى الحق والعدل والحقوق ويلتزم بها قولا وعملا على أساس العبودية الصادقة والطاعة المطلقة لله ذي الجلال والإكرام.
فالإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) لم تتضخم لديه الذات، ولم تكن نفسه الفانية حاضرة لديه، وإنما كان يرى جمال ربه وجلاله وذاته الباقية، فلم يقل أنا الفقيه، وأنا المرجع، وأنا القائد الأوحد، وأنا صاحب الأمر والنهي، وأن الأنهار والبركات تجري من بين يدي ومن تحتي، وأن على الناس أن تسير خلفي وتأتمر بأمري وتنتهي بنهيي وتحميني وتدافع عني، لأني صاحب نعمتها، وصاحب الفضل والبركة عليها، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا ولا قيمة لها بدوني.
يقول الأستاذ رابين وودزورت كارلن: "لم يكن الخميني يعيش من أجل أي يؤيده الآخرون، أو أن يصبح بطلا، أو من أجل إرضاء ميوله ورغباته الشخصية، بل كان يعيش من أجل تحقيق الأهداف السامية والحقيقة الناصعة التي رأى أنها تتجسد في القوانين الإسلامية النابعة من وحي السماء ورسالة الأنبياء، ومن أجل الوصول إلى السعادة والخلود اللذين لا يتأتيان إلا عبر الإسلام". (الراصد، العدد العشرون، حزيران1992 م، ص42).
ولكي لا يفهم البعض الكلام بصورة خاطئة أقول موضحا: إن طرح الإمام الخميني العظيم لولاية الفقيه، هو بيان للحكم الشرعي، وليس فيه تأكيد على شخصه، وكانت دعوته إلى ولاية الفقيه على نحو الصفة والحقيقة الجامعة، وليس من باب التمسك بالعنوان والشكل الفارغ من المضمون، فهو القائل بصدق وإخلاص: "لا أريد أن أكون مرجعا، بل أريد أن أؤدي وظيفتي".
أيها الأحبة الأعزاء: لقد رأى الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) حقيقة نفسه الفانية، ورأى جلال ربه وجماله فعشقه وذاب فيه، ووقف بين يديه وقفة العبد الفقير الذليل الحقيرا المسكين المستكين الذي لا حول له ولا قوة إلا به، فكان يأتمر بأمره وينتهي بنهيه عن حرية واختيار في التشريع، ويسلم بنفس مطمئنة راضية لقضائه وقدره في التكوين، وقد تخلق بأخلاقه، فكان شديدا على الظالمين والمستبدين والمستكبرين، ورؤوفا رحيما بالفقراء والمساكين والمستضعفين، عادلا منصفا لا يبخس الناس أشياءهم، ولا يحب أن يمدح ولا ينسب له ما ليس فيه، فرأى وجود الناس وحقيقة ما يفعلون وما يقومون به من أدوار فاعلة في الحياة: على مستوى الجهاد والمقاومة، أو على مستوى والإدارة والبناء والعمران في الدولة، واعترف به وثمنه أحسن تثمين، كما اعترف بحقهم في صناعة القرار في الدولة وتقرير المصير، ولم يسخر ولايته الدينية في سبيل سلب المواطنين حقهم في المشاركة وصناعة القرار، أو يستعبدهم لآرائه الشخصية ورغباته، فيجعل من نفسه إلها يعبد من دون الله عز وجل. لقد رأى بأنه لا يستطيع أن يقوم بشيء على مستوى المقاومة أو إدارة الدولة وتطويرها بدون اجتماع المواطنين والبسطاء من الناس حوله ودعمهم إليه ومساندتهم لمواقفه، وليس العكس كما يفعل الطواغيت والمستبدون والمستكبرون في الأرض والجهال الذين يسمون أنفسهم ويسميهم الناس علماء وقادة بغير وجه حق.
فالإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) يرى بأن الدور الرئيسي في التغيير المنشود يكمن في تحرك الجماهير، وأن كل قوى الاستبداد والاستكبار تعجز عن الوقوف أمام قدرات الشعب العظيمة لتمنع ما تريده الشعوب وتصر عليه، فإذا أرادت الشعوب شيئا وتحركت من أجله بجد وثبات، فلابد أن يتحقق بإذن الله جل جلاله، ولا يستطيع أحد من أن يمنع تحققه، ولهذا قال: كل ما لدينا ببركة هؤلاء الناس.
:: خامساً: المحافظة على السلم العالمي:
لقد تحرك الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في وعيه الإسلامي للمسألة الإنسانية من خلال منهجه العرفاني في واقع الاستضعاف والاستكبار من جهة، والمحبة والصدق والسلام من جهة ثانية. فكان يتألم لما يصيب الإنسانية من آلام وكوارث، ويسعى للتخفيف عنها من خلال حركة فاعلة في مواجهة الاستكبار والاستعباد والمرض والفقر والبؤس والحرمان والفساد والتخلف والفوضى، والأخذ بالمجتمع والدولة نحو النظام والعدل والتقدم والرخاء والسعادة الشاملة والمحافظ على مصالح الناس الجوهرية: الخاصة والعامة، فلم يزهد في الواقع ويتخلى عن مسؤولياته الدينية والإنسانية نحو العباد من أجل الآخرة كما يفعل الكثير من الزهاد والعباد والعلماء التقليديين في الحوزات العلمية والمعاهد الدينية، ولم يكتفي بالتعبير عن مشاعر الألم والحزن لما يصيب الناس من خلال الكلام ليشكل ظاهرة صوتية فارغة من المضمون العملاني، ولم يقود الواقع على أساس الشهوة والمصالح المادية وتجاهل المعنويات ليتحقق الفقر والحرمان المعنوي لدى الناس، ويسيروا نحو الظلام والضياع والشقاء الأبدي في الآخرة، وإنما قاد الواقع بالأقوال والأفعال وتقديم التضحيات الجسام على أساس العبودية لله الواحد الأحد الصمد والعشق له والسير نحو الكمال المطلق في الوجود.
ومن جهة ثانية: فإن الإنسان بما هو إنسان يحظى في منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) بالاحترام والتقدير وتحفظ كرامته وتصان جميع حقوقه الفردية والمجتمعية في الحياة، لأنه المخلوق الأكثر معرفة بالله (جل جلاله (وهو الكائن الوحيد الذي يستطيع السير الإرادي إليه على براق العشق والمحبة والصدق في السلوك. فالإنسان مجذوب بحسب العقل والفطرة نحو الخالق البارىء المصور ذي الجلال والإكرام، مما يفرض احترامه وتقديره وحفظ كرامته على كل إنسان رباني عارف بالله (جل جلاله (بغض النظر عن انتماء الإنسان الديني والفكري والسياسي. كما تحظى كافة الكائنات بالاحترام والتقدير في منهج الإمام الخميني العظيم. ولهذا فالإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) يدعو إلى الحق والعدل والخير والمحبة والسلام والعيش المشترك بين المسلمين وغير المسلمين، ويرفض الظلم والاستبداد والتضحية بالقيم في السياسة حتى في الحروب ومواجهة الأعداء. كما يرفض كل أشكال العمل العدائي ضد الطبيعة التي يرى أنها مسجد الرب جل جلاله. ولهذا رفض الرد بالمثل باستخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران، حفاظا على سلامة الناس الأبرياء وسلامة البيئة وسلامة الكائنات الحية فيها.
والخلاصة: أن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) لا يسمح بممارسة التطرف والإرهاب والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان ولا التفريط في الأمن والاستقرار والسلم الأهلي والعالمي، ويدعو إلى الحق العدل والمساواة والمحبة والسلام وحفظ الحقوق الفردية والمجتمعية وصيانتها والسير نحو الكمال الفردي والمجتمعي بمقتضى العبودية لله الواحد الأحد الصمد والتحلي بصفات الجمال والجلال، ويدعو إلى المحافظة على سلامة البيئة وسلامة الكائنات الحية.
والعجب كل العجب: أن هذا المنهج العظيم الذي يدعو إلى الحق والعدل والفضيلة والمحبة والسلام والعيش المشترك والتقدم والرخاء للإنسانية والمحافظة على سلامة البيئة وسلامة كافة الكائنات، يُحارب بشراسة وحقد من قبل قوى الاستكبار والإرهاب العالمي السافكة لدماء الأبرياء، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبزعم المحافظة على الأمن والاستقرار وحرية الشعب الإيراني والديمقراطية والسلم العالمي، وهذه مغالطة خطيرة يبثها الإعلام الاستكباري وذيوله في أنحاء العالم لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية في إيران ومنهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) لدى الرأي العام العالمي، وهي مغالطة مكشوفة الدوافع والأهداف يجب على كافة شعوب العالم أن تتنبه إليها وتحذر منها. وعلى كافة أصحاب الفكر المستنير والصحفيين الأحرار في العالم معارضة هذا الدور الشيطاني الخبيث الذي يلعبه الإعلام ألاستكباري وذيوله من أجل تزييف الحقائق بهدف تضليل الشعوب وفرض هيمنة قوى الاستكبار العالمي عليها وسلب خيراتها وثرواتها وخدمة المصالح الاستكبارية غير المشروعة لقوى الاستكبار في العالم على كافة المستويات. وعلى أصحاب الفكر المستنير والصحفيين الأحرار تقع مسؤولية السعي لكشف حقيقة منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) الذي هو عين منهج الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وإظهاره ونشره من أجل مصلحة الإنسانية وسعادتها في الدنيا والآخرة.
ومما يؤسف له أيضا: أن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) تتم محاربته بسبب الجهل والتعصب على أسس طائفية وقومية.
والحقيقة: أن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) هو الصورة المعاصرة النقية لمنهج الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام (وأنه لم ينطلق في يوم من الأيام من منطلقات مذهبيا أو طائفيا أو قوميا، وإنما كانت منطلقاته دائما إنسانية وإسلامية صرفة، مبنية على مفاهيم وحقائق عرفانية نقية، تغذيها ثقافة إسلامية حرفية واسعة: في العقائد والأخلاق والتفسير والفلسفة وعلم الكلام والفقه والأصول والسيرة والتاريخ، حفظ من خلالها الحق والحقوق والمصالح الجوهرية للمسلمين، وحرص من خلالها على تقوية جبهة المسلمين والمستضعفين أمام الأعداء، وأنها تخضع دائما للضوابط الفقهية الشرعية بامتياز.
فالسلام على الإمام الخميني العظيم الموحد العادل، فقد استطاع بروحه العرفانية الموحدة العادلة أن يسقط الشاه الطاغية، واستطاع بروحه العرفانية الموحدة العادلة من تحقيق النجاح في إدارة الدولة الإسلامية في إيران وبنائها وتطويرها وقيادة سفينتها في مواجهة أعاصير أعتى قوى الاستكبار العالمي والصمود في وجهها والانتصار عليها، واستطاع خليفته المبجل ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنيء بنفس الروح العرفانية الموحدة العادلة، أن يواصل قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران وبنائها وتطويرها على كافة الأصعدة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية وغيرها، والمقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة وقوى الاستكبار العالمي ومساندة ودعم المستضعفين في العالم.
فاستنادا إلى نفس الروح والمنهج: نفهم الإصرار لدى القيادة العليا في الجمهورية الإسلامية في إيران على المشاركة الشعبية في صناعة القرار في الدولة على كافة المستويات، ومحاربة الباطل والظلم والفقر والفساد والجهل والاستبداد والرذيلة، وعلى نفس الروح والمنهج نفهم الموقف البطولي الشجاع للجمهورية الإسلامية في إيران بالإصرار على مواصلة البرنامج النووي والتقدم العلمي والتقني في كافة حقول المعرفة وكافة مجالات الحياة، ومواجهة قوى الاستكبار العالمي التي تسعى مجتمعة لسلب الجمهورية الإسلامية في إيران حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
الجدير بالذكر: أني أفهم بحسب منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) وبحسب منهج خليفته المبجل ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي (أيده الله تعالى وأمد في ظله المبارك الشريف) أنه لا يمكن التخلي عن السعي للتقدم العلمي والتقني وعن البرنامج النووي في الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي نفس الوقت لا يمكن السماح بسوء استخدام البرنامج النووي فيها بأي حال من الأحوال. وتتضح الصورة الأخيرة من خلال الوقوف على ما سبق ذكره بشأن موقف منهج الإمام الخميني العظيم من السلم العالمي.
كما نجح منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) بواسطة حزب الله المظفر في مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة، وأنزل به الخسائر التاريخية الفادحة التي عجزت عن مثلها كافة الجيوش العربية، ليعيد لكافة الشعوب الإسلامية والعربية الثقة بالنفس والأمل في التحرر والانتصار، في الوقت الذي ذهبت فيه الحكومات العربية المنهزمة نفسيا بسبب خوائها الروحي والمعنوي وراء عمليات السلام مع الكيان الصهيوني وتقبيل أقدام أمريكا ووجنات كندي رايس تحت عنوان الواقعية وفن الممكن، ليبقى منهج الإمام الخميني العظيم بحسب النظر والتجربة هو المنهج الموصل إلى الله ذي الجلال والإكرام، وإلى قلب صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) والممهد إلى تحرير العالم وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على يديه، وإلى مقاومة الاستكبار والاستبداد وإقامة الحق والعدل والحرية والفضيلة ونصرة المظلومين والمستضعفين على وجه الأرض.
أيها الأحبة الأعزاء: إن منهج الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) هو المنهج الحق الذي يمثل التصوير الحقيقي المعاصر الصادق لمنهج الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وهو منهج المستقبل المشرق للبشرية العطشى على ضوء الهداية الربانية الملكوتية النوراء، ولن تستطيع قوى الاستكبار العالمي القزمة أن تقضي على فكر الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) ومنهجه العرفاني الصافي بأي حال من الأحوال، فقد كبتوا وخسروا الرهان، وما خاب والله كل من تمسك بمنهج الإمام الخميني العظيم وفاز والله فوزا عظيما وانتصر انتصارا مبينا، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والحمد لله رب العالمين.
أيها الأحبة الأعزاء: أكتفي بهذا المقدار، واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم، واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
تعليقات الزوار