إعلم أن الخُلق عبارة عن حالة نفسية، تدفع الإنسان نحو العمل من دون تَروٍّ وتفكّر. فمثلاً إن الذي يتمتع بالسخاء، يدفعه خلقه هذا إلى الجود والإنفاق. وكأنّ هذا الخُلق غدا من الأمور الطبيعية للإنسان مثل النظر والسمع. وهكذا النفس العفيفة التي أصبحت العفّة خُلقاً لها وجزءاً طبيعياً منها. وما دامت النفس لم تبلغ هذا المستوى من التجذر الخلقي بواسطة التفكر والتدبر والترويض، لن يكون لها أخلاق وكمال، يُخشى عليها من زوال الخلق الكريم الذي يعدّ من الكمالات النفسية، وتغلب عليها العادات والخلق السيّئ.
* الملكة والخصال النفسية:
وقال علماء الأخلاق إن هذه الحال والخصال النفسية قد تكون في الإنسان طبيعية وفطرية، ومرتبطة بمزاج الإنسان من دون فرق بين ما هو خير وسعادة أو شرّ وشقاء. كما هو المشهور من أن بعض الناس منذ نعومة أظفارهم يرغبون في الخير، وبعضهم ينـزع نحو الشر وأن البعض يُثار بأدنى شيء، ويستوحش من عمل بسيط، ويفزع من أقل سبب، وبعض يكون على خلاف ذلك. وقد تحصل بعض هذه الخصال النفسانية من خلال العادات والعِشرة والتدبر والتفكير، وقد تحصل نتيجة التفكر والتروي حتى يبلغ مستوى الملكة.
ثم إن جميع الملكات والخصال النفسانية، قابلة للتبدّل والتحوّل، ما دامت النفس تعيش في هذا العالم، عالم الحركة والتغيُّر، يستطيع الإنسان أن يُغيّر خُلُقه النفسي ويحوّله إلى أضداده. وإضافة إلى أن البراهين والتجربة، تدلان على ذلك، أيضاً دعوة الأنبياء والشرائع الحقة تدعو الناس، للتخلق بالصفات الحميدة، والابتعاد عما يقابلها من الخلق السيّئ.
إن سبب بعث الأنبياء، والدافع لدعوة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، هو إكمال مكارم الأخلاق كما ورد في الحديث الشريف المأثور عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»(1). وأن الأخبار الشريفة قد أبدت الاهتمام الكبير، إجمالاً وتفصيلاً، بمكارم الأخلاق أكثر من أي شيء آخر بعد الاهتمام بالمعارف الإلهية. كما وأن أهمية الفضائل الخلقية أكبر من قدرتنا على شرحها وبسط الحديث فيها.
* الأنبياء رسموا طريق السعادة:
إن الأنبياء(عليهم السلام)، قد وضعوا بين أيدينا طريق السعادة، ثم قام العلماء والحكماء بتفسير أحاديثهم لنا، وشرح أساليب معالجة الأمراض الباطنية، وبذلوا أقصى الجهد لتفهيمنا إياها، ولكننا امتنعنا عن الاستيعاب، وأعطينا ظهورنا لهذه الإرشادات والكلمات. فلا بد من عود التأنيب إلينا كما قال رسول الله(ص) في هذا الحديث الشريف «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلاَ تَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَكَ»(2).
وقد وردت روايات كثيرة لا تحصى تؤكد على مكارم الأخلاق، وتحذّر من الصفات التي تقابلها، ونحن ساهون ولاهون عن مراجعة تلك الأحاديث.
وعن المجالس بإسناده عن الصادق جعفر بن محمَّد(عليهما السلام) أنَّهُ قالَ: «عَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّهَا وَإِيَّاكُمْ وَمَذَامَّ الأَفْعَالِ فَإِنَّ اللَّهِ يُبْغِضُهَا ـ إلى أَنْ قَالَ ـ: وَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ـ الحديث»(3).
الكافي: بإسناده عن أبي جعفر(عليه السلام) قالَ: ﴿إنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً﴾(4).
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله): ﴿أَكْثَرَ مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِي الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ﴾(5).
ــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج16، ص210.
(2) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص484.
(3) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 6 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح8.
(4) أصول الكافي، المجلد2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح2.
(5) أصول الكافي، المجلد2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح6، 8، 12.
تعليقات الزوار