قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} المائدة: 55ـ56.
أبدأ حديثي بذكرى حدثت لي مع الإمام الخميني (ره) حيث كان هناك أحد الطلبة الإيرانيين يدرس في العراق وأراد الرجوع إلى إيران فطلب مني أن نذهب إلى الإمام ليستمع إلى بعض وصاياه وتوجيهاته، فما كان من الإمام إلا أن قال: «وصيتي هي الإسلام». كررها ثلاث مرات، ولم يزد على هذه الجملة شيئا.
ومنها استفيد أننا إذا أردنا أن نصف الإمام باختصار فإنّنا نستطيع القول: إنّ الإمام كان مثالاً للمسلم الصادق.
فقد كان رضوان الله عليه مسلماً صادقاً في إسلامه مطيعاً لله ولرسوله وللأئمة المعصومين(عليهم السلام) مؤمناً بكل التعاليم الإسلامية.
وكان على يقين من إسلامه، فكان مؤمنا بوعود القرآن الكريم، وما أكده من نصر المؤمنين (إن تنصروا الله ينصركم)، كان مؤمنا بأن المؤمن يجب عليه أن يقوم بتكليفه وأن النتائج بيد الله سبحانه وتعالى.
وهذا هو منهج أهل البيت(ع)، فالأئمة عليهم السلام كانوا مصداقا للمؤمن الكامل التام، وكذلك كان أمير المؤمنين(ع) كان مصداقاً للمؤمن التام المطيع لرسول الله (ص). وهكذا كان الإمام الخميني، (ومن يتولى الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون).
من مميزات شخصية الإمام الخميني(قده):
وقد امتازت شخصية الإمام الراحل بعدة نقاط أذكر بعضا منها:
1ـ النقطة الأولى: هي الالتزام بخط الولاية، وخط الولاية يعني الإلتزام بخط الولاية كاملا دون زيادة أو نقصان.
وخط الولاية يعني التسليم لما جاء به رسول الله(ص) من ربه كما جاء به من دون زيادة أو نقصان، وكان أمير المؤمنين(ع) هو المثال الأعلى لهذا التسليم.
2ـ النقطة الثانية: في شخصية الإمام الخميني(قده): هي أن الإمام الخميني(قده) كان يفقه القرآن والسنة.
كان فقيها بكل معنى الكلمة، وكان يرى كفاية ما جاء في القرآن والسنة، ولم يكن يرى نقصا ليستجدي من نبع آخر أو مصدر أخر حلا لمشلكة ما، وسلوكيته كانت تدل على مدى عمقه الفقهي، وكان عاملا بهذا الفقه.
3ـ النقطة الثالثة: في شخصية الإمام(قده) أنه كان واعياً لزمانه ولأهداف زمانه.
أنا لا أنسى أنه تحدث في يوم ما قال فيه: «إنني كنت حاضرا في البرلمان الإيراني في دورته الرابعة أو الخامسة كمشاهد حينما تحدث السيد حسن المدرس(ره) في حديث كذا..». وهذا يدل أنه كان يتابع الأحداث من قريب وهو شاب، حيث أنه في تلك الفترة كان عمره يقارب السابعة عشر، ولكنه كان متابعا وكان حكيما فلم يكن متسرعا.
كذلك لا أنسى الإمام حينما كنا في النجف، وكنا نطلب منه أحيانا أن يتدخل في بعض القضايا الداخلية في العراق، وأتذكر أن السيد الحكيم طلب مني أن أطلب من الإمام أن يتدخل في موضوع ما, فكان الإمام يؤكد أن للعراق قادته فكان لا يتدخل في أوضاع العراق، ولكنه كان يتدخل تدخلا مباشرا في الأوضاع الإيرانية، وهذا يدل على حكمته، لأنه لم يكن معروفاً في العراق بنفس المستوى الذي كانت عليه المرجعيات في العراق.
ومع ذلك كان أنشط الموجودين في العراق وقد تدخل في بعض المواقف، وقد بعث ابنه سيد مصطفى للتدخل لمنع إعدام الشهداء الخمسة، فلم يكن يتهرب من واجباته، ولكنه كان يحترم وجود المرجعية في العراق.
ونفس الشيء كان يحترم مرجعية السيد البروجردي في إيران أيام مرجعيته، وقد حدثني أحد الأخوة من ديزفول أنه كان يقلد الإمام الخميني في زمن السيد البرودجردي، وقد جلب له حقوقا شرعية وهدية (عباءة)، يقول هذا الشخص أنه لما جلبت له ذلك المبلغ الجيد والعباءة؛ قبل العباءة وشكر الموقف، ولكنه طلب مني أن أسلم المبلغ إلى مكتب السيد البروجردي وقال أنه هو المرجع، ويجب أن ندعم مرجعيته بكل قوة، وحاولت أن ألح عليه بقبول المبلغ لكنه أصر علي بذلك.
فالناس عرفوا الإمام وعرفوا أخلاصه وتدينه ووعيه. فسلكوا مسلكه رضوان الله عليه كان سلوكاّ متطابقا مع المبادئ الإسلامية بكل حركاته، حتى أنّه كان يلتزم بالمستحبات البسيطة حتى في السير في الطريق حيث كان يلزم الجانب الأيمن من الطريق.
كذلك كان يصلي قسما من نافلة الظهر في البيت ويصلي ركعتين منها في المسجد ينتظر بها المصلين. فكان مُسلما مخلصاً بكل سلوكياته.
ونحن نعتقد أن أهم أسباب الانتصار الذي حققه الإمام هو هذا الالتزام، وسيحقق الله النصر للمؤمنين ما داموا ملتزمين بأوامر الله سبحانه وتعالى.
نسأله سبحانه وتعالى أن ينصر إخواننا المؤمنين في العراق، وأن يرفع عنهم كابوس الدمار والإرهاب وأن يضرب بيد من حديد على هؤلاء الإرهابيين إنه سميع مجيب.
ــــــــــ
(*) كلمة لسماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي(دام ظله) في مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن ۱/٦/ ۲۰۰٦م بمناسبة الذكرى السنوية ۱۷ لارتحال الإمام الخميني (قدس سره).
تعليقات الزوار