بسم الله الرحمن الرحيم
أعزي جميع المسلمين وأعزيكم أيها الإخوة الأعزاء في الجيش والحرس والتعبئة وأعزي الإمام بقية الله (أرواحنا فداه) بذكرى وفاة وشهادة سيدة نساء الإسلام. لقد قدم بيت فاطمة (عليها السلام) الصغير والأفراد الذين تربوا فيه مع قلة عددهم الذي لم يتجاوز الخمسة أشخاص ولكن جسد في الحقيقة قدرة الله تعالى .. قدم خدمات أثارت إعجابنا وإعجاب البشر جميعا. ونعلم جميعا ماذا مثلت خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمام الحكومة، وقيام وصبر أمير المؤمنين خلال خمس وعشرين سنة ومساعدته في نفس الوقت الحكم القائم ثم تضحياته في سبيل الإسلام وتضحيات ولديه العزيزين الإمام المجتبى (عليه السلام) الذي قدم خدمة عظيمة جداً فضح بها الدولة الأموية المتجبرة وكذلك الخدمة الكبيرة لأخيه العزيز سيد الشهداء. فعلى الرغم من قلة عددهم وعدتهم، إلا أن الروح الإلهية وروح الإيمان عندهم جعلتهم يغلبون جميع الظالمين في عصورهم ويحيون الإسلام فأصبحوا قدوة لنا جميعا حتى نقاوم ونصمد مقابل جميع القوى التي تحاربنا رغم قلة عددنا وعدتنا وأدواتنا الحربية. وكما قاوم أولياؤنا (عليهم السلام) المستكبرين بالإعلام تارة وبالأسلحة تارة أخرى، ينبغي علينا الاقتداء بهم ونقاوم المستكبرين. ولقد أثبتم أنتم أيها الشباب قدرتكم على الصمود في ميادين الحرب بين الحق والباطل وانتصرتم رغم كثرة عدة وعدد الطرف المقابل حيث جاءته الإمدادات من مصر والأردن مباشرة وقدمت سائر الدول المساعدات المالية والتسليحية.
عدم إمكانية المساومة مع المجرمين
أيها الإخوة عليكم بهذا الإيمان وبهذه الروح الإلهية وبهذا الالتزام بالإسلام وبالشعب. وإن صدام مثله كمثل المجنون الذي ألقى حجراً في بئر لا يستطيع خمسون عاقلاً إخراجه. فإنه أنهك شعبه وشعبنا وسائر الشعوب، وأخذ الآن يتوسل بالدول الأخرى لتتوسط وتنقذه من هذه الورطة، ولكن لا يمكن إنقاذه بعد، ولن نتراجع نحن أيضا خطوة إلى الوراء.
إن المصالحة والمساومة مع المجرمين جريمة ضد شعبنا الملتزم وضد الإسلام وإن موقفنا واضح منذ اليوم الأول وسيبقى هكذا وهو أننا نطالب بخروج المعتدي من بلادنا وينبغي على المسلمين شرعاً أن يساعدونا في طرد هؤلاء، فقد أكد القرآن الكريم أنه إذا اعتدت طائفة على طائفة أخرى من المسلمين فيجب على جميع المسلمين أن يحاربوا هذا المعتدي، فإذا رجعت إلى طاعة الله فتفاوضوا معها[1]. إننا نعتبر عناصر حزب البعث مجرمين في حال السلم والحرب. صحيح أن حكومتهم في العراق لم تكن في حرب دائمة، لكن جرائمهم ضد الإسلام والمسلمين والشعب العراقي ومراجع الدين وعلماء الإسلام في العراق هي جرائم يومية، هذا فضلاً عن جنونهم الفطري وطغيانهم الذي عجنت به ذات صدام ولا يمكن القضاء على ذلك إلا بسلاح وقوة الإيمان. ولقد أثبتم أنكم قادرون على الصمود بوجه القوى العظمى، وسوف يسجل التاريخ ذلك لكم في سوح القتال.
معجزة المقاتلين في جبهات الحرب
لو اجتمع اليوم جميع القوى ووسائل الإعلام ضدكم وضد الجمهورية الإسلامية وسخرت كل إمكاناتها، فإنها لا تستطيع حجب الحق خلف الستار. فانتم على حق كما كان سيد الشهداء على حق وحارب بعدد قليل من الأنصار فاستشهد هو وأولاده لكنه أحيا الإسلام وفضح يزيد وبني أمية. فأنتم شيعة هذا الإمام وقد صنعتم المعجزات في معارك (آبادان) ومضيق (جذابة) ومنطقة (بستان) حيث انتصر فيها عدد قليل مع عدة قليلة ولكنهم يحملون الإيمان العظيم. حيث ندم صدام على ما دفعته إليه أوهامه من الأفعال الخاطئة واخذ يمد يده إلى جميع الدول ويطلب منها الدعم والمساعدة، ولكن المساعدات التي قدمتها هذه الدول لم تستطع أن تصنع له الإيمان لأنه في ذاته لا يملك الإيمان.
إن أخطاءهم هي أنهم يتصورون أن كثرة العدد وكثرة الأسلحة هي التي تعمل، لكن الذي يصنع النصر هو الأفراد القليلون ولكنهم يحملون ذراعاً قوية وقلبا مطمئنا متوجها إلى الله تعالى وعشق الشهادة ولقاء الله. فالسيف لا يصنع النصر بل يصنعه الدم، ولا تصنعه كثرة الناس بل تصنعه قوة الإيمان، فما أكثر الضجيج واقل الحجيج[2].
فالكثير من الناس يذهبون إلى مكة، لكن قلة منهم يؤدون الحج الإلهي. واليوم يشكل الحرس والتعبئة والجيش أقلية، ولكنهم رغم ذلك يجسدون في الحرب قوله تعالى ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله﴾[3].
الفرق بين مقاتلي الإسلام وأعدائهم إن الفرق بينكم وبين أعدائكم هو أن أعداءكم يحاربون الإسلام ولأجل الشيطان واستعراض قوتهم، ولكنكم تدافعون عن الإسلام وتقاتلون من اجل رضا الله وتقوية الإسلام وتطبيق أحكامه، كما أنكم تدافعون عن المظلومين على طول التاريخ ولا يقتصر دفاعكم عن الإسلام وانتصاركم في ساحة الحرب، بل انتم منتصرون في جميع الأبعاد المادية والمعنوية وعلى مدى التاريخ، وهذا النصر رصيد وسند لانتصار المستضعفين في العالم طوال التاريخ. فان احتضان الشهادة والإسراع إلى لقاء الله هو النصر. سواء انتصرتم في ساحة الحرب وستنتصرون، أو هزمتهم ـ لا سمح الله ـ ولن تهزموا.
فإنكم تملكون ما يملك العدو نقيضه .. إنكم تملكون رضا الله، وعدوكم يملك سخط الله وغضبه، وانتم تملكون الإيمان وهم من أعوان الكفر، إن لكم قلوباً مطمئنة ومرتاحة لأنكم تؤمنون بالنصر في حال الشهادة وفي حال النصر، لكن هؤلاء يفرون من الموت، فالفرق كبير بين الاثنين؛ حيث إن أحدهما يحتضن الموت لأنه استشهاد وفي سبيل الإسلام ودفاع عن الحق، فيما الآخر يفر من الموت لأنه فريسة للحرب، وهناك فرق بين شعبين: احدهما يتوجه إلى جبهات القتال تطوعا من اجل الشهادة. والآخر يتوجه رغما عنه وتحت أسنة الحراب وتحت طائلة التهديد بالقتل. وهناك فرق كبير بينكم حيث يحميكم الشعب ويحفظكم الله وبين ذلك الذي يقاتل في سبيل الشيطان ولأجل شيطان النفس. وهكذا هناك فرق أيضا بين الثورة الإسلامية الإيرانية وسائر الثورات في العالم والتي ليست من أجل الله ولا من أجل الإيمان فيما قامت الثورة الإيرانية من أجل الله وكان شعارها (الله اكبر) منذ البداية وسيبقى هكذا حتى النهاية.
أوهام كون قائداً للقادسية
لقد أخذ هؤلاء التعساء الفارون من إيران أو المقيمون في الخارج يبحثون عن أطماع شيطانية جوفاء ويبثون الأكاذيب حول إيران، ومن هذه الأكاذيب الكبرى التي أخذت الإذاعات تبثها هذه الأيام؛ هي أن إيران تشتري الأسلحة من إسرائيل. حيث يتهمون إيران التي تقارع إسرائيل منذ عشرين سنة ولا يمكنها شرعا إن تقيم علاقات معها بأنها تشتري أسلحة من إسرائيل فيما يتصور المقيمون في الخارج ويحلمون بالمجيء إلى إيران واستلام الحكم. ولا يختلف تفكير هؤلاء عن تفكير صدام الذي أوحت القوى الشيطانية الكبيرة له أن إيران تعيش حالة الاضطرابات الداخلية وأن جيشها غير منظم وشجعته على شن الهجوم عليها ليجعل اسمه مثل سعد بن أبي وقاص[4]، ويطلق على نفسه بطل القادسية، ناسيا بأن الأطفال الصغار في إيران سيقفون بوجهه ولا يستطيع أن يفعل شيئا ما دام هؤلاء موجودين.
التباهي بوجود الشباب المقاتلين
لقد حققتم هذه الانتصارات بقدرة الإيمان والإسلام خاصة هذا الانتصار الأخير في مضيق جذابة الذي جعل العدو يعرف جيدا خطأ حساباته وخيبة آماله. وإنني بدوري أدعو لكم أيها الإخوة، فأنتم بمثابة إخوتي وأبنائي وإنني أشعر بالفخر عند الله تعالى بهذه الانتصارات التي تحققت للإسلام والتباهي بها عند الله، لأننا نعيش في مرحلة يوجد فيها مثل هؤلاء الشباب، وقطعت فيها أيدي عملاء أمريكا الذين أرادوا إفساد شبابنا وبذلوا في ذلك كل طاقاتهم من الإعلام وإيجاد مراكز الفحشاء والقمار والخمر والتجمعات الفاسدة، فكان الله تعالى في عوننا وعون البلاد وهدى الشباب لتعبئة أنفسهم تعبئة إلهية ليحفظوا هذه البلاد ويردوا كيد الشياطين وأصحاب السلطة إلى نحورهم. فانتم المنتصرون.
أدعو الله تعالى أن ينصركم إن شاء الله، كما نصركم حتى الآن. وينصركم على الشيطان الداخلي وعلى النفس حتى تلاقوا الله وانتم تحملون معكم أوسمة الفخر إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــــ
[1] إشارة إلى الآية: 9، من سورة الحجرات (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى. فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فائت فأصلحوا بينهما بين العدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين).
[2] بحار الأنوار، ج 27، ص 30، ح 2.
[3] سورة البقرة، الآية 249.
[4] سعد بن أبي وقاص، من أصحاب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقائد الجيش الإسلامي في معركة القادسية والمعارك التي جرت مع الجيش الساساني.
المكان: طهران، حسينية جماران
المصدر: صحيفة الإمام، ج16، ص: 75
الحاضرون: مقاتلو الجيش وحرس الثورة الإسلامية
المناسبة: ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)
التاريخ 18 اسفند 1360 ﻫ.ش/ 13 جمادى الأولى 1402 ﻫ.ق
الموضوع: اختلاف فكر مقاتلي الإسلام عن الأعداء عدم المساومة مع المجرمين
تعليقات الزوار