بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نعتقد بالولاية، ونعتقد بلزوم تعيين النّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لخليفة، وأنه قد عين كذلك (لقد صرح نبي الإسلام ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بخلافة علي ـ عليه السّلام ـ في موارد متعددة منها: حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وآية الولاية (عندما تصدق بخاتمه لفقير ونزلت الآية الكريمة) وحديث غدير خم، وحديث الثقلين. راجع التفسير الكبير ج12 ص28 و53 ذيل الآيات 55 و67 لسورة المائدة. وسيرة ابن هاشم ج4 ص520، وتاريخ الطبري ج2 ص319 و322، وكتاب الغدير ج1 و2 و3) .
فهل تعيين الخليفة هو لأجل بيان الأحكام؟ فبيان الأحكام لا يحتاج لخليفة. إذ كان قد بَيّنَها الرّسول – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بنفسه أو كتبها جميعاً في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا به، وكَوْنُ تعيين الخليفة لازماً عقلاً إنما هو لأجل الحكومة، فنحن نحتاج إلى خليفة لكي ينفذ القوانين، إذ القانون يحتاج إلى مُجرٍ ومُنفِّذ. ففي جميع بلدان الدنيا الأمر بهذا النحو، إذ وَضعْ القانون بمجرده لا فائدة فيه، ولا يؤمِّن سعادة البشر، فبعد تشريع القانون يجب إيجاد سلطة تنفيذية. ففي التشريع أو الحكومة إذا لم يكن ثمة سلطة تنفيذية يكون هناك نقص. ولذا فالإسلام قام بوضع القوانين وعيّن سلطةً تنفيذيةً أيضاً، فولي الأمر هو المتصدي لتنفيذ القوانين أيضاً. لو لم يعين الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ خليفة لما كان قد بلغ رسالته (اقتباس من الآية 67 من سورة المائدة) ولما كان قد أكملها. ولقد كانت ضرورة تطبيق الأحكام، ووجود السلطة التنفيذية وأهميتها في تحقق الرسالة، وإيجاد النظام العادل ـ الذي هو منشأ لسعادة البشر وراء كون تعيين الخليفة مُرادفاً لإتمام الرسالة.
لم يكن الأمر مقتصراً في زمان الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على مجرد بيان القانون وإبلاغه، بل كان يقوم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بتنفيذه أيضاً، لقد كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ المنفِّذ والمطبِّق للقانون، فقد قام بتطبيق القوانين الجزائية مثلاً: قطع يد السارق، وإقامة الحدود، ورجم (وسائل الشيعة ج18 ص376 و509) والخليفة مُعَيَّنٌ لهذه الأمور أيضاً، فالخليفة ليس مُشرعاً، بل الخليفة مُعَيّنٌ لأجل تنفيذ أحكام الله التي جاء بها الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ . ومن هنا يجب إقامة الحكومة والسلطة التنفيذية والإدارية. إن الاعتقاد بضرورة تأسيس الحكومة وإقامة السلطة التنفيذية والإدارية جزء من الولاية، كما أن النضال والسعي لأجلها من الاعتقاد بالولاية أيضاً.
انتبهوا جيداً فكما يقوم أولئك بترجمة الإسلام وبيانه بشكل سيِّء محاربةً لكم، قوموا أنتم ببيان الإسلام كما هو، وبينوا الولاية واشرحوها كما هي. قولوا: أننا إذ نعتقد بالولاية، وبأن الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد عَيّنَ خليفة، وقد ألجأه الله إلى تعيين الخليفة وولي أمر المسلمين، فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية، ويجب أن نسعى لإقامة السلطة لتنفيذ الأحكام وإدارة الأمور. إنّ النِّضال من أجل إقامة الحكومة الإسلامية لازم للاعتقاد بالولاية. قوموا بالكتابة حول قوانين الإسلام وآثارها الاجتماعية وفوائدها وانشروا ذلك، سيروا في طريقة ونمط عملكم التوجيهي وأنشطتكم نحو التكامل، وتذكروا أنكم مُكلّفون بتأسيس الحكومة الإسلامية. اعتمدوا على أنفسكم، واعلموا أنكم ستنجحون في هذا العمل. لقد هيأ المستعمرون الأرضية منذ ثلاثة أو أربعة قرون شرعوا من الصفر حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن.
لنشرع نحن من الصفر أيضاً. لا تسمحوا لضجيج بعض المتغربين والمستسلمين لخدم الاستعمار أن يخيفكم. عرِّفوا النّاس على الإسلام لكي لا تتصور الأجيال القادمة أن رجال الدين قد جلسوا في زوايا النجف وقم يدرسون أحكام الحيض والنفاس، ولا دخل لهم بالسياسة، وأنه يجب فصل الدين عن السياسة. إنّ المستعمرين هم الذين أشاعوا هذه المقولة من لزوم فصل الدين عن السياسة، وعدم تدخل علماء الإسلام في الأمور الاجتماعية والسياسية. هذا كلام من لا دين لهم. فهل كانت السياسة منفصلة عن الدين في زمان الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل كان البعض رجال دين، والبعض الآخر سياسيين ومسئولين في ذلك العهد؟ وهل كانت السياسة مفصولة عن الدين في زمان الخلفاء ـ سواء كانوا خلفاء حق أم باطل ـ وفي زمن خلافة أمير المؤمنين عليه السلام؟ وهل كان هناك جهازان؟ لقد أوجد المستعمرون وعملاؤهم هذه المقولات من أجل إبعاد الدين عن التصرف في أمور الدنيا، وعن تنظيم المجتمع الإسلامي، وفصل علماء الدين ـ من خلال ذلك ـ عن الشعب وعن المناضلين لأجل الحرية والاستقلال، إذ بهذا النحو يمكنهم التسلط على الشعب ونهب ثرواتنا، فهذا هو هدفهم.
حكومة الإسلام هي حكومة القانون. وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله والقانون ـ الذي هو أمر الله وحُكمه ـ فقانون الإسلام أو أمر الله له تَسَلُّطٌ كاملٌ على جميع الأفراد وعلى الدولة الإسلامية. فالجميع بِدءاً من الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ومروراً بخلفائه وسائر النّاس تابعون للقانون ـ وإلى الأبد ـ لنفس ذلك القانون النّازل من عند الله، وال ـ مُبلَّغ بلسان القرآن والنبي – صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ .
إذا كان النّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد تولى الخلافة، فقد كان ذلك بأمر من الله، إذ أن الله تعالى هو الذي جعله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ خليفة. "خليفة الله في الأرض" لا أنه قام بتشكيل الحكومة من نفسه وأراد أن يكون على المسلمين. كما أنه حيث كان يُحتمل حصول الخلاف بين الأمة بعد رحيله ـ إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام والإيمان ـ فقد ألزم الله تعالى الرّسول الكريم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بأن يقف فوراً وسط الصّحراء ليُبَلِّغ أمر الخلافة (إشارة إلى واقعة غدير خم المترتبة على نزول هذه الآية "ياأيها الرّسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته..." سورة المائدة، الآية67 كتاب الغدير ج 1 ص 214 ـ 229) . فقام الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بحكم القانون واتِّباعاً لحكم القانون بتعيين أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ للخلافة. لا لكونه صهره، أو لأنه كان قد أدى بعض الخدمات، وإنما لأنه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان مأموراً وتابعاً لحكم الله، ومُنفذاً لأمر الله.
أجل، فالحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون، والقانون وحده هو الحاكم في المجتمع.
فحيث أُعطِيَت صلاحيات محدودة للرسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وللولاة، فإنما كان ذلك من الله. وفي كل وقت كان يقوم فيه النّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ببيان أمر أو إبلاغ حكم، فإنما يكون ذلك منه إتِّباعاً لحكم الله وقانونه. وإتِّباع الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إنما هو أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى: "وأطيعوا الرّسول" وأتباع أولي الأمر أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء/59) . فرأي الأشخاص وحتى رأي الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ليس له أي دور في الحكومة والقانون الإلهي، فالجميع تابعون لإرادة الله تعالى.
لم يكن النّبي موسى ـ عليه السّلام ـ سوى راعٍ مارس عمله ذاك لسنين طويلة. وعندما كُلِّف بمواجهة فرعون، لم يكن يملك من مساعدٍ أو نصير. لكنه ـ بما يمتلك من لياقةٍ وصفات وصمود ـ أزال أساس حكومة فرعون بعصاه. أتظنون أنه لو كانت عصا موسى بيدي أو بأيدي حضراتكم لكان حصل معنا نفس النتيجة؟! إن الأمر يحتاج إلى هِمَّة موسى وجدّيتة وتدبيره لكي يتم القضاء على فرعون. وهذا ليس بمقدور أيٍّ كان. عندما بُعث النّبي الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بالرسالة، وشرع بالدعوة، لم يؤمن به في البداية سوى طفل في الثامنة من العمر هو: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وامرأة في الأربعين هي: خديجة، ولم يكن لديه سواهما. والمجتمع يعلم كم ناله من أذى ومحاربة وتخريب. لكنه لم ييأس، ولم يَقُل لا نصير لدي، بل صمد، وأوصل ـ بقدرته الروحية وعزمه القوي ـ الرسالة من الصفر إلى هذه النتيجة، حيث ينضوي تحت لوائها سبعمائة مليون شخص هذه الأيام.
مذهب الشِّيعة بدأ أيضاً من الصفر. وعندما وضع الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أساسه قُوبل بالاستهزاء، إذ حين جمع الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قومه بداية الدعوة، عرض عليهم دعوته، وسألهم أيهم يؤازره في هذا الأمر ليكون وزيره وخليفته، ولم يجبه أحد سوى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ الذي لم يكن قد بلغ سن البلوغ بعد ـ لكنه كان يحمل روحاً كبيرة أكبر من كل الدنيا. التفت أحدهم إلى أبي طالب، وقال له مستهزئاً: لقد أمرك أن تطيع ابنك وتسمع له (تاريخ الطبري ج2 ص319 ـ 322) .
وفي ذلك اليوم الذي أعلن فيه ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على النّاس قُوبل بالبخبخة (بخٍ بخٍ) الظاهرية (التفسير الكبير ج 12 ص 53 وأسد الغابة ج4 ص28 والغدير ج 1 ص 11 ـ 213) ، لكن العصيان والخلاف بدأ منذ ذلك الوقت، واستمر إلى النهاية. لو كان الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نصبه مرجعاً للمسائل الشرعية فحسب، لما خالفه أحد. لكن نصبه خليفة له، وجعله الحاكم على المسلمين، والمقر لمصير أمة الإسلام، وهذا هو الذي سبب هذه الاعتراضات والمخالفات. وأنتم اليوم إذا جلستم في بيوتكم، ولم تتدخلوا في أمور البلاد، فلن يتعرض لكم أحد. وإنما يتعرضون لكم فيما لو تدخلتم في أمور البلاد فحسب. وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والشيعة نالوا كل هذا الأذى، وكل هذه المصائب بسبب تدخلهم في أمور الحكومة وسياسة البلاد. لكنهم مع هذا لم يتخلُّوا عن الجهاد والعمل، إلى أن صار عدد الشيعة اليوم ـ نتيجة جهادهم وعملهم التبليغي ـ حوالي مائتي مليون شخص.
(الحكومة الإسلامية ص40:37، 71، 72، 176، 177)
**********
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" (الحديث الشريف منقول بألفاظ مختلفة، لكن الروايات متفقة في المقصود، وقد يكون اختلاف الألفاظ بسبب تأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من موضع على مفهوم الحديث. من ذاك في " حجة الوداع ". روى الترمذي عن جابر قال: رأيت رسول الله في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول: " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". قال الترمذي: وفي الباب عن سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسد. (الترمذي 13/199 باب مناقب أهل بيت النبي وراجع كنز العمال 1/48) .
ومن ذاك في " غدير خم ". في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن الدارمي والبيهقي وغيرهما واللفظ للأول عن زيد بن أرقم قال: " إن رسول الله قام خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة... ثم قال: " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيتي... " (صحيح مسلم، باب فضائل علي بن أبي طالب، ومسند أحمد 4/366، وسنن الدارمي 2/431 باختصار، وسنن البيهقي 2/148 و 7/30 منه باختلاف يسير في اللفظ. وراجع الطحّاوي في مشكل الآثار 4/368) . وفي صحيح الترمذي ومسند أحمد واللفظ للأول: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (الترمذي 13/201، وأسد الغابة2 /12 في ترجمة الإمام الحسن، الدر المنثور في تفسير آية المودة من سورة الشورى) . وفي مستدرك الصحيحين: " كأني قد دعيت فأجبت، إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض … " قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. (مستدرك الصحيحين 3/109) . وقد ورد هذا الحديث بألفاظ أخرى في مسند أحمد وحلية الأولياء وغيرهما عن زيد بن ثابت. (مسند أحمد 4/367 و 371 وفي 5/181، وتاريخ بغداد للخطيب 7/442، وحلية الأولياء 1/355 و 9/ 64، وأسد الغابة 3/147 ومجمع الزوائد للهيثمي 9/163 و 164) ) .
رأيت مناسباً أن أذكر بلمحة قصيرة وقاصرة في باب الثقلين. لا من حيث المقامات الغيبية والمعنوية والعرفانية، فقلم مثل قلمي عاجز عن الجسارة على مرتبة عرفانها ومن اللازم أن نذكر هذه الحقيقة، وهي أن حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين، ومنقول بالتواتر عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم ـ في كتب أهل السنة (ابتداء) من الصحاح الستة وحتى كتبهم الأخرى بألفاظ مختلفة وفي مواقع مكررة. وهذا الحديث الشريف حجة قاطعة على جميع البشر، خاصة المسلمين بمذاهبهم المختلفة. وعلى جميع المسلمين الذين تمّت عليهم الحجّة أن يتحملوا مسؤولية ذلك، وأن كان للجَهَلة الغافلين عذر فليس لعلماء المذاهب (أي عذر) .
نحن نفخر أننا أتباع مذهب مؤسسه رسول الله بأمر من الله تعالى، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، هذا العبد المتحرر من جميع القيود، والمأمور بتحرير البشرية من الاستبعاد وجميع الأغلال.
نحن نفخر أن كتاب نهج البلاغة (نهج البلاغة، هو ما جمعه الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي (توفي سنة 406 هـ ) من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وشراحه في القديم والحديث يربون على الخمسين، أشهرهم من القدماء: أبو الحسن البيهقي، والإمام فخر الدين الرازي، والقطب الراوندي، وكمال الدين محمدميثم البحراني، وعز الدين بن أبي الحديد المدائني. ومن المتأخرين من الشراح: محمد عبده، ومحمد نائل المرصفي، ومحمد جواد مغنية) . الذي، هو بعد القرآن، أعظم نهج للحياة المادية والمعنوية، وأسمى تحرير للبشرية، وتعاليمه المعنوية والإدارية أسمى طريق للنجاة، هو من إمامنا المعصوم.
(وصية الإمام ص11:9)
**********
"..إن الله عزّ وجل لما خلق العرش كتب عليه : لا اله إلا الله محمد رسول الله عليّ أمير المؤمنين ولما خلق الله عزّ وجل الماء كتب في مجراه : لا اله إلا الله محمد رسول الله عليّ أمير المؤمنين ، ثم تذكر الرواية كتابة هذه الكلمات على قوائم الكرسي واللوح وعلى جبهة إسرافيل وعلى جناحي جبرائيل وأكناف السموات وأطباق الأرضيين ورؤوس الجبال وعلى الشمس والقمر ، ثم قال : فإذا قال أحدكم لا اله إلا الله محمد رسول الله فليقل عليّ أمير المؤمنين" .
وبالجملة هذا الذكر الشريف يستحب بعد الشهادة بالرسالة مطلقا وفي فصول الأذان لا يبعد استحبابة بالخصوص وان كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصية في الأذان لتكذيب العلماء الاعلام تلك الروايات .
وأما النكتة العرفانية في كتابة هذه الكلمات على جميع الموجودات من العرش الأعلى إلى منتهى الارضين فهي أن حقيقة الخلافة والولاية هي ظهور الألوهية وهي أصل الوجود وكماله وكل موجود له حظ من الوجود له حظ من حقيقة الألوهية وظهورها الذي هو حقيقة الخلافة والولاية اللطيفة الإلهية ثابتة على ناصية جميع الكائنات من عوالم الغيب إلى منتهى عالم الشهادة، وتلك اللطيفة الإلهية هي حقيقة الوجود المنبسط والنفس الرحماني والحق المخلوق به الذي هو بعينه باطن الخلافة الختمية والولاية المطلقة العلوية، ومن هذه الجهة كان الشيخ العارف شاه ابادي يقول : إن الشهادة بالولاية منطوية في الشهادة بالرسالة لأن الولاية هي باطن الرسالة .
ويقول الكاتب: إن الشهادتين منطويتان جميعا في الشهادة بالألوهية وفي الشهادة بالرسالة أيضا الشهادتان الأخريان منطويتان، كما أن في الشهادة بالولاية الشهادتنان الأخريان منطويتان والحمد لله أولا وآخرا.
(الآداب المعنوية للصلاة ص264، 265)
***********
وفي الحديث القدسي المعروف لا يسعني أَرْضِي وَلا سَمَائِي وَلكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْديَ المُؤْمِنِ" (إتحاف السادة المتقين، المجلد 7، ص234) . فإن قلب المؤمن عرش الحق المتعالي، وسرير سلطنته وسكنى ذاته المقدس، وإنه سبحانه صاحب هذا البيت، فالالتفات إلى غير الحق خيانة للحق، والحب لغير ذاته الأقدس ولغير أوليائه الذين يعتبر حبّهم حبّه سبحانه، خيانة لدى العرفاء. وإن ولاية أهل بيت العصمة والطهارة، ومودّتهم، ومعرفة مرتبتهم المقدسة، أمانة من الحق سبحانه. كما ورد في الأحاديث الشريفة في تفسير الأمانة في الآية [إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرضِ] (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام. كما أن غصب خلافته وولايته، خيانة لتلك الأمانة وأن رفض المتابعة للإمام علي عليه السّلام مرتبة من مراتب الخيانة.
وفي الأحاديث الشريفة إن الشيعي هو الذي يتّبع أمير المؤمنين عليه السلام اتباعاً كاملاً وإلاّ فإن مجرد دعوى التشيع من دون الاتباع لا يكون تشيعاً. إن كثيراً من الأوهام، تعتبر من قبيل الشهوة الكاذبة يشتهي الإنسان الطعام وهو شبعان، فإذا لمسنا في قلوبنا مودّة علي عليه السّلام وأولاده الطاهرين اغتررنا بها، وحسبنا أن هذه المودة لوحدها ستبقى وتستمر من دون حاجة إلى تبعية كاملة لهم. ولكن ما هو الضمان على بقاء هذه المودة إن لم نحافظ عليها بل إن تخلّينا عن آثار الصداقة والمودة التي هي المشايعة والتبعية؟ إذ من الممكن أن الإنسان ينسى علي بن أبي طالب عليه السّلام من جراء الذهول والوحشة الحاصلتين من الضغوط الواقعة على غير المخلصين والمؤمنين. ففي الحديث (إن طائفة من أهل المعصية يتعذبون في جهنم وهم ناسون اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وبعد انتهاء فترة العذاب وحصول الطهارة والنظافة من قذارات المعاصي يتذكّرون اسم النبي المبارك أو يلقى الاسم في قلوبهم، فيصرخون ويستغيثون قائلين وا محمداه صلى الله عليه وآله وسلم فتشملهم بعد ذلك الرحمة) . إننا نظن أن حادثة الموت وسكراته، تضاهي حوادث هذا العالم.
عزيزي إنك عندما تعاني من مرض بسيط، تنسى كل علومك وثقافاتك، فكيف بك عندما تواجه الصعاب والضغوط والمصائب والأهوال التي ترافق الموت وسكراته؟ إذا تصادق الإنسان مع الحق سبحانه، وعمل حسب متطلبات الصداقة، وتذكّر الحبيب وتبعه، كانت تلك الصداقة مع الولي المطلق، والحبيب المطلق الذي هو الحق المتعالي محبوبةً لديه سبحانه، وملحوظة عنده تعالى. ولكنه إذا ادعى المودة ولم يعمل حسب مقتضاها بل خالفه، فمن الممكن أن الإنسان يتخلى عن تلك الصداقة مع الولي المطلق قبل رحيله من هذه الدنيا نتيجة التغييرات والتبدلات والأحداث المتقلبة في هذا في هذا العالم. بل والعياذ بالله قد يصير عدواً له سبحانه وتعالى. كما أننا شاهدنا أشخاصاً كانوا يدعون المودة و الصداقة وبعد العِشرة اللامسؤولة، والأعمال البشعة تحوّلوا إلى أعداء وخصماء لله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السّلام.
وإذا فرضنا أن هؤلاء رحلوا من هذا العالم على حب محمد وآله، فهم على حسب الروايات الشريفة والآيات المباركة من أهل النجاة يوم القيامة ومصيرهم السعادة، ولكنهم يكونون في معاناة لدى البرزخ وأهوال الموت وعند لحشر ففي الحديث (إِنَّنا شُفَعاؤُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلكِنْ تَزَودُّوا لَبرْزَخِكُم) (وسائل الشيعة المجلد الرابع ص 688).
(الأربعون حديثا ص513:511)
***********
نحن فخورون بمذهبنا الجعفري، وبفقهنا ـ وهو البحر اللا متناهي ـ المأثور عنه (عليه السلام) .
إن على من يدعي أنه من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتباعه، متابعته في القول والفعل والكتابة والحديث وفي كل شيء.
مذهب التشيع هو مذهب الفداء.
جاء الغدير ليفهمنا بأنّ السياسة تهمّ الجميع.
نحن فخورون بأن كتاب نهج البلاغة ـ الذي يعد بعد القرآن الكريم أعظم نظام للحياة المادية والمعنوية، وأسمى كتاب لتحرير البشر، وأرقى منهج للنجاة يضم التعاليم المعنوية والحكمية ـ هو من إمامنا المعصوم (عليه السلام) .
إنّ (أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ) هو مظهر العدالة كلّها، وأعجوبة العالم، وليس له في العالم ـ منذ بدئه وإلى الأبد ـ قرين بالفضل سوى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) .
إنّ المجاهدين مجهولون مهما كانت أسماؤهم لامعة، وأشهر المجاهدين المضحين في الإسلام هو أمير المؤمنين (عليه السلام) غير أنه المجهول أكثر من جميع المجاهدين!
إن الولاية التي أشير إليها في حديث الغدير، تعني الحكومة لا المقام المعنوي.
(الكلمات القصار ص52، 53، 55، 154)
[تفاصيل]
تعليقات الزوار