«دروس في الحكومة الإسلامية»؛ الدرس الثامن والعشرون: في أن أمر الحرب والجهاد بيد ولي الأمر
التاريخ: 15-04-2010
الفصل العاشر: في أن أمر الحرب والجهاد بيد ولي الأمر إن الجهاد يتصوّر له أنواع ثلاثة، فإنه قد يكون ابتدائياً يهجم فيه جنود الإسلام على بلاد الكفر بهدف هداية الكفار ودعوتهم إلى الإسلام طريق الحق والهداية، وقد يكون دفاعاً عن هجوم المهاجمين، والمهاجم قد يكون كافراً ومن خارج البلاد الإسلامية، وقد يكون باغياً على ولي الأمر وإمام المسلمين من أنفس المسلمين أو أهل الذمة الذين يعيشون في لواء الولاية الإسلامية
الفصل العاشر: في أن أمر الحرب والجهاد بيد ولي الأمر
إن الجهاد يتصوّر له أنواع ثلاثة، فإنه قد يكون ابتدائياً يهجم فيه جنود الإسلام على بلاد الكفر بهدف هداية الكفار ودعوتهم إلى الإسلام طريق الحق والهداية، وقد يكون دفاعاً عن هجوم المهاجمين، والمهاجم قد يكون كافراً ومن خارج البلاد الإسلامية، وقد يكون باغياً على ولي الأمر وإمام المسلمين من أنفس المسلمين أو أهل الذمة الذين يعيشون في لواء الولاية الإسلامية.
فالمقصود من عقد هذا الفصل بيان أن أمر القيام بالقتال والجهاد في أنواعه الثلاثة بيد ولي الأمر لا يجوز للمسلمين أن يقوموا بأيٍّ منها إلا بأمر ولي الأمر أو إذنه أو أمر من فوّض إليه أمر الجهاد خاصّاً أو عامّاً من ناحية ولي الأمر.
نعم إذا خيف من تأخير الأمر إلى الاستئذان منه أو قيامه به أن يقع على بلاد المسلمين أو نفوسهم أو أموالهم من ناحية المهاجمين في قسمي الدفاع ضرر أو قتل ونهب فعلى المسلمين أنفسهم أن يدفعوا عن الحادثة ويقاتلوا المهاجمين قبل أخذ إذن ولي الأمر في عين أنه يجب عليهم أيضاً إعلام الأمر بأية وسيلة ممكنة سريعة إلى ولي الأمر أو منصوبه لكي يتولّى أمر القتال الدفاعي بأي نحو رأى فيه الصلاح.
وقبل الورود في ذكر الدليل على هذه الدعوى لا بأس بذكر نبذة من كلمات فقهائنا العظام في هذا المجال، فإنه وإن لم يتعرض لذكره كثير منهم إلا أنه مذكور في كلام جمعٍ آخر نذكر نحن نبذاً منه.
1ـ قال شيخ الطائفة (قدس سره) (المتوفى سنة 460 هـ) في النهاية ـ كتاب الجهاد وسيرة الإمام، باب فرض الجهاد ومن يجب عليه وشرائط وجوبه... ـ : (ومن وجب عليه الجهاد إنما يجب عليه عند شروط: وهي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهراً أو يكون من نصبه الإمام للقيامة بأمر المسلمين حاضراً ثم يدعوهم إلى الجهاد، فيجب عليهم حينئذ القيام به، ومتى لم يكن الإمام ظاهراً ولا من نصبه الإمام حاضراً لم يجز مجاهدة العدو، والجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم وإن أصاب لم يؤجر عليه وإن أصيب كان مأثوماً، اللهم إلا أن يَدهَم المسلمين أمر من قبل العدو يُخاف منه على بيضة الإسلام ويُخشى بَواره أو يُخاف على قوم منهم وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم؛ غير أنه يقصد المجاهد ـ والحال على ما وصفناه ـ الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر ولا مجاهدتهم ليدخلهم في الإسلام)[1].
وقال قدس سره فيه أيضاً ـ في باب قتال أهل البغي من كتاب الجهاد ـ : (كل من خرج على إمام عادل ونكث بيعته وخالفه في أحكامه فهو باغ، وجاز للإمام قتاله ومجاهدته، ويجب على من يستنهضه الإمام في قتالهم النهوض معه ولا يسوغ له التأخر عن ذلك، ومن خرج على إمام جائر لم يجز قتالهم على حال، ولا يجوز لأحد قتال أهل البغي إلا بأمر الإمام)[2].
2ـ وقد تعرّض ابن إدريس (المتوفى سنة 578 أو 598 هـ) في كتاب الجهاد من السرائر حكم الجهاد للكفار والدفاع عن هجومهم وحكم جهاد البغاة بعين الألفاظ التي حكيناها عن النهاية ولم يتعرض عليه ولم يزد شيئاً إلا تفسير بيضة الإسلام بقوله: (وبيضة الإسلام مجتمع الإسلام وأصله) فلا وجه لتكرار ألفاظه فراجع[3].
أقول: يَدهَم المسلمين: من الدهم بمعنى الغشيان، ففي لسان العرب: (دهِموهم ودَهَموهم يدهَمونهم دهماً: غشوهم... وكل ما غشيك فقد دَهَمك دهماً).
3ـ وقال الشيخ قدس سره في كتاب الجهاد من المبسوط: (وإذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها فيمن يجب عليه الجهاد فلا يجب عليه أن يجاهد إلا بأن يكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للجهاد ثم يدعوهم إلى الجهاد فيجب حينئذ على من ذكرناه الجهاد، ومتى لم يكن الإمام ولا من نصبه الإمام سقط الوجوب، بل لا يحسن فعله أصلاً، اللهم إلا أن يَدهَم المسلمين أمرٌ يُخاف معه على بيضة الإسلام ويخشى بَواره أو يُخاف على قوم منهم فإنه يجب حينئذ دفاعهم ويقصد به الدفع عن النفس والإسلام والمؤمنين ولا يقصد الجهاد ليدخلوا في الإسلام... إلى أن قال: والجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام أصلاً خطأ قبيح يستحقّ فاعله به الذمّ والعقاب، إن أصيب لم يوجبه وإن أصاب كان مأثوماً)[4].
فالمستفاد من مبسوط الشيخ ونهايته كالسرائر أن الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام من غير إمام عادل ولا منصوبه خطأ قبيح يستحق فاعله به الإثمّ، بل وهكذا حكم الجهاد للكفار المهاجمين لاقتضاء لفظ الجهاد له أيضاً إلا أن يُخاف من تركه إلى الاستئذان من الإمام على مجتمع الإسلام أو على قوم من المسلمين فيجب حينئذ جهادهم في حد الدفاع لا بقصد أن يدخلوهم في الإسلام، فهذان القسمان قد ذكر حكمهما في الكتب الثلاثة، وقد زادت النهاية والسرائر حكم القتال للبغاة، وأنه أيضاً بحكم القسمين الأوّلين، ولا يجوز لأحد قتال أهل البغي إلا بأمر الإمام، ويجب على من يستنهضه الإمام في قتالهم النهوض معه.
ولم يذكر هذان العلَمان حكم ما إذا خيف على قوم من المسلمين أو بعض البلاد الإسلامية من تأخير الدفاع عن البغاة إلى الاستئذان من الإمام أو مباشرته، إلا أنه لا يبعد استفادة جواز المبادرة إلى جهادهم بل وجوبها حينئذ مما أفتيا به في الدفاع عن هجوم الكفار إلى بعض بلاد الإسلام كما هو ظاهر للمتأمّل. وسيأتي للكلام تتمّة إن شاء الله تعالى.
ثم إن الموضوع المذكور في كلامهم وإن كان هو عنوان الإمام ولعله منصرف في الأذهان إلى مجرّد الإمامة لبيان المعارف والأحكام الإسلامية إلا أنه لا ريب في أن هذا الانصراف البدوي لو سلّم ـ لا مجال له لاسيما وقد ذُكر مقابل هذا العنوان أئمة الجور الذين لا شأن لهم إلا تولي أمور المجتمع الإسلامي وبلاد المسلمين عصياناً وطغياناً، فالإمام العادل أيضاً هو من يتصدّى لإدارة أمر المسلمين وبلادهم بأمر الله تعالى وهو ولي أمر المسلمين.
4ـ وقال شيخ الطائفة في كتاب الجهاد من الجُمل والعقود ـ عند التعرّض لجهاد أهل الكتاب ـ : (ولا يُبتدأون بالقتال إلا بعد أن يُدعَوا إلى الإسلام... ويكون الداعي الإمام أو من يأمره الإمام)[5].
وقال فيه أيضاً في أحكام البغي: (من قاتل إماماً عادلاً فهو باغ ووجب جهاده على كل من يستنهضه الإمام ولا يجوز قتالهم إلا بأمر الإمام)[6].
فاشتراطه الابتداء بقتال أهل الكتاب بأن يُدعوا قبله إلى الإسلام وأن يكون الداعي إليه هو الإمام أو من يأمره الإمام يلزمه أن لا يجوز تحقّق قتالهم إلا بمباشرة الإمام أو من مأذون أو منصوب من قبله. هذا في الجهاد الابتدائي كما أنه صرّح في قتال البغاة بعدم جوازه إلا بأمر الإمام. فهذا الذي تعرّض له في كتابه هذا موافق لما أفاده في المبسوط والنهاية.
5ـ وقال الشيخ الفقيه أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني المعروف بسلاّر ـ تلميذ السيد المرتضى والشيخ المفيد قدس سرهما، المتوفى سنة 448 أو سنة 463 هـ ـ في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد عن الدين من كتابه المراسم: (ولفقهاء الطائفة أن يصلّوا بالناس في الأعياد والاستسقاء، وأما الجُمَع فلا، فأمّا الجهاد فإلى السلطان أو من يأمره السلطان إلا أن يغشى المؤمنين العدو فليدفعوا عن نفوسهم وأموالهم وأهليهم، وهم في ذلك مثابون قاتلهم ومقتولهم جارحهم ومجروحهم)[7].
فظاهر كلامه قدس سره أن أمر الجهاد إلى السلطان الذي لا ريب في أن المراد به هو سلطان الحق والعدل وهو لا محالة منطبق على أولياء الأمور من الله تعالى النبي والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وقد نفى بقرينة المقابلة للجمل السابقة جواز تصدّيه للفقهاء العظام ولعله لأن المفروض عنده أنه لا تنعقد الولاية الإسلامية عملاً بهم.
وكيف كان، فلا يبعد شمول إطلاق الجهاد في كلامه لأقسامه الثلاثة التي ذكرناها إذ لا ينبغي الريب في شموله لمثل جهاد المؤمنين في حروب الجمل وصفّين والخوارج مع أنها بالحقيقة من قتال البغاة كما صرح به فيما سبق رواية الأسياف الخمسة، فإطلاقه شامل للأقسام الثلاثة وقد حكم بأنه إلى السلطان الحق، وحينئذ فيراد من قوله قدس سره في الاستثناء (إلا أن يغشى المؤمنين... إلى آخره) ما إذا كان الأمر بحيث لو أخر أمر الجهاد الدفاعي إلى الاستئذان من ولي الأمر أوجب ذلك وقوع ضرر مالي أو نفسي على المؤمنين، فعليهم أن يدفعوا حينئذ عن نفوسهم وأهليهم وأموالهم.
وبهذا البيان تعرف انطباق كلامه على ما أفاده الشيخ الطوسي قدس سره في النهاية، فتذكر.
6ـ وقال الشيخ الفقيه أبو الصلاح تقي الدين (أو: تقي) بن نجم الدين (أو: نجم) بن عبيد الحلبي (المتوفى سنة 447 هـ ) تلميذ السيد المرتضى والشيخ الطوسي بل وسلاّر قدس سرهم وخليفة السيد المرتضى والشيخ بالبلاد الحلبية في كتابه الكافي في فصل الجهاد وأحكامه: (يجب جهاد كل من الكفار والمحاربين من الفساق... على كل رجل حر كامل العقل سليم من العمى والعرج والمرض مستطيع للحرب بشرط وجود داع إليه يعلم أو يظنّ من حاله السير في الجهاد بحكم الله تعالى لكل من وصفناه من المحاربين... وإن كان الداعي إليه غير من وصفناه وجب التخلّف عنه مع الاختيار، فإن خيف جانبه جاز النفور معه لنصرة الدين دونه، فإن خيف على بعض بلاد الإسلام من بعض الكفار أو المحاربين وجب على أهل كل إقليم قتال من يليهم ودفعه عن دار الإيمان وعلى قطّان البلاد النائية عن مجاورة دار الكفر أو الحرب النفور إلى أقرب ثغورهم بشرط الحاجة إلى نصرتهم حتى يحصل بكل ثغر من ثغور المسلمين من يقوم بجهاد العدو ودفعه عنه فيسقط فرض النفور على من عداهم، وليقصد المجاهد والحال هذه نصرة الإسلام والدفع عن دار الإيمان دون معونة المتغلّب على البلاد من الأمر.
وخالف الثاني الأول لأن الأول جهاد مبتدأ وقف فرض النصرة فيه على داعي الحق لوجوب معونته دون داعي الضلال لوجوب خذلانه، وحال الجهاد الثاني بخلاف ذلك لتعلّقه بنصرة الإسلام ودفع العدو عن دار الإيمان لأنه إن لم يدفع العدو درس الحق وغلب على دار الإيمان وظهرت بها كلمة الكفر.
وحكم جهاد المحاربين من المسلمين حكم من خيف منه على دار الإيمان من الكفار في عموم الفرض من غير اعتبار صفة الداعي)[8].
وحاصل كلامه: أنه لم يشترط في الجهاد الدفاعي للكفار المهاجمين أو المسلمين المحاربين شرطاً في الداعي إلى الجهاد بل جعله واجباً لتعلقه بنصرة الإسلام ودفع العدو، واشترط في وجوب بل وجواز الجهاد الابتدائي أن يكون الداعي داعي حق، وفسر داعي الحق بمن يعلم أو يظن من حاله السير في الجهاد بحكم الله تعالى للمحاربين.
فمقتضى إطلاق كلامه أن الجهاد الدفاعي بكلا قسميه واجب على المسلمين ولا يشترط في جوازه ولا وجوبه أمر ولي الأمر ولا إذنه، وأما الجهاد الابتدائي فلداعي الحق أن يقوم بالجهاد وتجب معونته، ومن الواضح أن داعي الحق ينطبق على ولي الأمر بل هو مصداقه الأوضح إلا أنه ليس في كلامه دلالة على حصره فيه.
فبالنتيجة: أن مفاد عبارة الكافي مغاير لغيره من كتب الأصحاب التي مضت وسيأتي إن شاء الله تعالى.
7ـ وعن القاضي عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز المعروف بابن البراج (المتوفى سنة 481 هـ وكان من غلمان[9] السيد المرتضى قدس سرهما) في كتاب الجهاد من المهذب: (وإنما ذكرنا أن يكون مأموراً بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه، لأنه متى لم يكن واحداً منهما لم يجز له الخروج إلى الجهاد، فإن دهم المسلمين العدو وهجم عليهم في بلدهم جاز لجميع من في البلد قتاله على وجه الدفع عن النفس والمال. والجهاد مع أئمة الجور ومع غير إمام أصلي أو من نصبه قبيح يستحق فاعله العقاب، فإن أصاب كان مأثوماً، وإن أصيب لم يكن له على ذلك أجر)[10].
ودلالته على أن الجهاد من الحقوق المفوّضة إلى الإمام الأصلي الذي هو ولي الأمر واضحة.
8ـ وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي[11] في كتاب الجهاد من الوسيلة: (الجهاد فرضٌ من فرائض الإسلام وهو فرضٌ على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وإنما يجب بثلاثة شروط: أحدهما حضور إمام عدل أو من نصبه الإمام للجهاد، والثاني أن يدعو إليه، والثالث اجتماع سبع خصال في المدعو إليه ـ ثم قال بعد ذكر هذه الخصال: ـ وربما يصير الجهاد فرض عين بأحد شيئين: أحدهما استنهاض الإمام إياه، والثاني يكون في حضور الإمام وغيبته بمنزلة، وهو أن يدهم أمر يخشى بسببه على الإسلام وهنٌ أو على مسلم في نفسه أو ماله؛ إذا حصل ثلاثة شروط: حضوره، وقدرته على دفع ذلك، ووجود معاون إن احتاج إليه، ولا يجوز الجهاد بغير الإمام ولا مع أئمة الجور)[12].
فهو قدس سره صرح بأنه لا يجوز الجهاد بغير الإمام، وحينئذ فقوله قبل ذلك بالوجوب العيني للجهاد إذا دهم أمر يُخشى منه وهنٌ على الإسلام أو على مال مسلم أو نفس وأن هذا الوجوب يكون في حضور الإمام وغَيبته بمنزلة واحدة لا بد وأن يراد منه عدم اشتراط وجوب هذا الجهاد الدفاعي بحضور الإمام بل هو واجب في غيبته أيضاً لكنه لا دلالة فيه على جواز المبادرة إلى الجهاد مع حضور الإمام بدون أمر الإمام وإذنه، بل إن مقتضى إطلاق الذيل أنه حينئذ أيضاً لا يجوز الجهاد بغير الإمام.
فحاصل مفاد العبارة: أن الجهاد الابتدائي مطلقاً والدفاعي إذا كان الإمام حاضراً لا يجوز بغير أمر الإمام وإذنه.
9ـ وقال الشيخ سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي (المتوفى سنة 573 هـ) في كتاب الجهاد من فقه القرآن: (فالجهاد ركنٌ من أركان الإسلام... ومن شرط وجوبه ظهور الإمام العادل إذ لا يسوغ الجهاد إلا بإذنه...) وقال في قتال البغاة: (والداعي هو الإمام أو من يأمره)[13].
فتعبيره في مقام الاستدلال واضح الدلالة على أن الجهاد بإذن الإمام جائز وبدون إذنه غير جائز، وهو عبارة أخرى عن أن إليه أمر الجهاد ولما كان الإمام العادل ولي أمر المسلمين فدلالتها على الإفتاء بما نحن بصدده واضحة.
10ـ وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن الحسين المعروف بقطب الدين البيهقي الكيدري (الذي هو من أعلام القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري) في إصباح الشيعة في كتاب الجهاد منه: (الجهاد من فرائض الإسلام... أما شرائط وجوبه فالحرية... وأمر الإمام العادل به أو من ينصبه الإمام ما يقوم مقام ذلك من كحصول خوف على الإسلام أو على الأنفس والأموال، ومتى اختل أحد هذه الشروط سقط الوجوب ـ إلى أن قال: ـ ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه الإمام)[14].
فهو قدس سره قد جعل أمر الإمام أو منصوبه أولاً شرط الوجوب فيدلّ على أن من حقوق الإمام ـ الذي هو ولي الأمر ـ الأمر بالجهاد وضم قوله أخيراً: (ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه الإمام) ربما كانت فيه إشارة إلى أن الجهاد لا يتحقق إلا بأمره أو أمر منصوبه، إلا أن فيه تأمّلاً واضحاً فإن غايته أن جواز المبارزة منوط به لا أصل الجهاد.
وكيف كان، فقد جعل الجهاد الدفاعي الذي يتحقق ـ حسب عبارته ـ بما إذا حصل خوف على الإسلام أو الأنفس والأموال عدلاً للجهاد الذي أمر به الإمام وقائماً مقام أمره به ففيه دلالة واضحة على عدم حاجة الدفاع ولا وجوبه إلى أمره.
فمنتهى مدلوله أن للإمام أن يأمر بالجهاد وأن الدفاع لا يتوقف على أمره ولا دلالة فيه على أن أمر الجهاد منحصرٌ في أمره وإليه.
11ـ وقال المحقق الأول جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّيّ (المتوفى سنة 676 هـ) في الشرائع في الركن الأول من كتاب الجهاد: (وفرضه على الكفاية بشرط وجود الإمام أو من نصبه للجهاد ـ إلى أن قال: ـ ومن لواحق هذا الركن المرابطة وهي الإرصاد لحفظ الثغر وهي مستحبة ولو كان الإمام مفقوداً لأنها لا تتضمن قتالاً بل حفظاً وإعلاماً).
12ـ وقريبٌ منه ما في كتابه الآخر المختصر النافع قال قدس سره: (وإنما يجب مع وجود الإمام العادل أو من نصبه لذلك ودعائه إليه، ولا يجوز مع الجائر إلا أن يدهم المسلمين من يُخشى منه على بيضة الإسلام أو يكون بين قوم ويغشاهم عدوّ فيقصد الدفع عن نفسه في الحالين لا معاونة الجائر ـ إلى أن قال: ـ والمرابطة إرصادٌ لحفظ الثغر وهي مستحبة ولو كان الإمام مفقوداً لأنها لا تتضمن جهاداً بل حفظاً وإعلاماً).
فهو قدس سره في أول العبارتين جعل وجود الإمام العادل الذي هو ولي أمر المسلمين شرطاً لوجوب الجهاد وهو إنما يدل على أن لولي الأمر أن يدعو هو أو من ينصبه إلى الجهاد وأنه يجب حينئذ ولا يدل على تفويض أمر الجهاد إليه وانحصار جواز القيام به بأمره أو إذنه إلا أن كلامه قدس سره في الاستدلال لجواز المرابطة واستحبابها حتى عند فقدان الإمام المراد به غيبته بقوله: (لأنها لا تتضمن قتالاً (أو: جهاداً) بل حفظاً وإعلاماً) فيه دلالة واضحة على أن عدم كونها جهاداً وقتالاً هو الذي اقتضى جوازها زمن غيبة الإمام، ويدل بمفهومه على أنها لو تضمّنت جهاداً لما كان لجوازها سبيل، فحاصل مفاد كلامه أن أمر الحرب والجهاد موكول إلى ولي الأمر.
إلا أن هذا كله في الجهاد الابتدائي، وإلا فإن دهم المسلمين عدوٌّ يخشى منه على أصل الإسلام أو على نفس المكلّف فالدفاع حينئذ جائز وإن كان في زمن الجائر لكنه يقصد الدفاع لا معاونة الجائر. ومسألة الدفاع مذكورة في الشرائع أيضاً قريبة مما في المختصر، فراجع.
هذا محصّل عبارة الشرائع والمختصر وسيأتي لها شرح عند ذكر كلام الرياض والجواهر، فانتظر.
وقد ذكر شرح عبارته في المختصر العلامة ابن فهد الحلي (المتوفى 841 هـ) في المهذب البارع بما يظهر منه ارتضاؤه له، فراجع[15].
13ـ وقال الفقيه يحيى بن أحمد بن سعيد الهذلي (المتوفى سنة 690 هـ) في كتابه الجامع للشرائع: (... ولا قتال حتى يدعوهم الإمام أو أميره إلى الإسلام والتزام أركانه، فإن أبوها شيئاً منها حل القتال...)[16].
فهو قدس سره وإن كان في مقام بيان شرط الشروع في القتال إلا أن اشتراطه لحلّه بدعوة الإمام أو أميره بحيث لم يجز إلا بعد دعوة أحدهما إلى أركان الإسلام وإباء الكفار لقبول كلها وشيء منها فيه دليل واضح على أن جواز القتال مشروط بإذن الإمام أو أمره، إلا أن الظاهر اختصاصه بالجهاد الابتدائي فإن الدفاعي غير منوط بالدعوة المذكورة كما لا يخفى.
14ـ وقال الحسن بن يوسف المطهّر العلاّمة الحلّي (المتوفى 726 هـ) في كتاب الجهاد من التذكرة: (الجهاد قسمان، أحدهما: أن يكون للدعاء إلى الإسلام، ولا يجوز إلا بإذن الإمام العادل أو من نصبه لذلك عند علمائنا أجمع، لأنه أعرف بشرائط الدعاء وما يدعوهم إليه من التكاليف دون غيرها ـ ثم استدل بخبر بشير الدهان، ثم قال: ـ وقال أحمد: يجب مع كل إمام برّ وفاجر لرواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (الجهاد واجب عليكم مع كل إمام[17] براً أو فاجراً) وهو محمول على القسم الثاني من نوعي الجهاد... والثاني: أن يَدهَم المسلمين العدوّ فيجب على الأعيان عند قوم وعلى الكفاية عند آخرين وقد سبق[18].
أقول: قوله: (وقد سبق) إشارة إلى ما أفاده في المسألة السابعة من الجهاد بقوله: (وإن لم يستقرّ الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدةً من بلاد المسلمين قاصدين لها فالوجه أن الوجوب لا يتعيّن وصفه بل يكون فرض كفاية ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ فإن قام به البعض وإلا وجب على الأعيان ـ إلى أن قال: ـ والبلاد القريبة من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز وهو أحد وجهي الشافعية، والثاني أنه لا يجب. وأما البلاد البعيدة فإن احتيج إلى مساعدتهم وجب عليهم النفور وإلا فلا)[19].
فحاصل المستفاد من عباراته قدس سره: أن إذن الإمام أو أمره معتبر في الجهاد الإبتدائي، وادّعى عليه أن عليه علماءنا أجمع، وهذا بخلاف الجهاد الدفاعي عن هجوم الكفار فإنه واجب وغير مشروط بإذن الإمام العادل بل يجب في الدولة الجائرة أيضاً، ولم يتعرّض لجهاد البغاة.
وقال قدس سره في المسألة 241: كل من خرج على إمام عادل ثبتت إمامته بالنص عندنا والاختيار عند العامة وجب قتاله إجماعاً، وإنما يجب قتاله بعد البعث إليه والسؤال عن سبب خروجه وإيضاح ما عرض له من الشبهة وحلّها له... إلى آخره[20].
وقال في المسألة 242: (ويجب قتال أهل البغي على كل من ندبه الإمام لقتالهم عموماً أو خصوصاً أو من نصبه الإمام، والتأخير عن قتالهم كبيرة ويجب على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الإمام على التعيين فيجب عليه، ولا يكفيه قيام غيره كما قلنا في قتال المشركين)[21].
فقد صرح بوجوب قتال البغاة على الإمام وبأن للإمام أو منصوبه دعوة الناس إلى قتالهم واستنهاض أحد بالخصوص، فيدل على أن له إقامة الحرب عليهم وأن للمسلمين إتباع دعوته. وكلماته قدس سره في أحكام وفروع قتال البغاة المشحونة بذكر الإمام وفرض أنه العازم على قتالهم وما ينتهي إليه أمر قتالهم إلا أنه مع ذلك لم أجد تصريحاً منه قدس سره بأنه ليس لغير الإمام أو منصوبه الاستقلال بجهاد البغاة.
15ـ وقال العلامة أيضاً في القواعد في المقصد الأول من كتاب الجهاد المعقود لذكر من يجب الجهاد عليه: (وإنما يجب بشرط الإمام أو نائبه وإنما يتعيّن بتعيين الإمام أو النائب لمصلحة أو لعجز القائمين عن الدفع بدونه ـ إلى أن قال: ـ وفي الرباط فضلٌ كثير وهو الإقامة في الثغر لتقوية المسلمين على الكفار ولا يشترط فيه الإمام لأنه لا يشتمل قتالاً بل حفظاً وإعلاماً)[22]. ثم ذكر في المقصد الثاني من يجب قتاله، وذكر أنهم ثلاثة: الحربي والذمي والبغاة[23].
فعبارته الأولى جعلت الإمام أو نائبه شرط وجوب الجهاد وجعلت الإمام أو نائبه المتصدّي لأمر الحرب حتى إن كان بتعيين أحدهما لشخص خاص واستنهاضه له يتعين عليه القيام بهذا الواجب، وواضح بإطلاق الكلام وبمعونة التقسيم المذكور في المقصد الثاني أن الجهاد المذكور في كلامه يشمل كلاًّ من الأقسام الثلاثة.
وذيل عبارته الثانية الواردة في بيان فضل الرباط حيث علل فضله بقوله: (ولا يشترط الإمام لأن لا يشتمل قتالاً بل حفظاً وإعلاماً) يدل بوضوح على أن القتال مشروطٌ بحضور الإمام كما مر في عبارات المحقق قدس سره. فكلامه في القواعد يدلّ بافتائه بتمام ما هو المطلوب. وفي سائر كلماته في كتاب الجهاد دلالات أخر تظهر لمن راجعها.
16ـ وقال المحقق الأردبيلي قدس سره ذيل قول العلامة رحمه الله في الإرشاد: (ويستحبّ المرابطة بنفسه وبفرسه وغلامه وإن كان الإمام غائباً) قال قدس سره: (قال في المنتهى: (الرباط فيه فضلٌ كثير وثوابٌ جزيل، ومعناه الإقامة عند الثغر لحفظ المسلمين ـ إلى أن قال: ـ وإنما يستحّب المرابطة استحباباً مؤكداً في حال ظهور الإمام عليه السلام، أما في حال غيبته فإنها مستحبة أيضاً استحباباً غير مؤكّد لأنها لا تتضمن قتالاً بل حفظاً وإعلاماً وكانت مشروعة حال الغيبة).
وفيه أيضاً: (وأنه لو حصل المقاتلة فهو جهاد حقيقي لكونه بإذنه عليه السلام صريحاً، وإن حصل القتال في الثغر حال الغيبة فهو للدفع، فيقصد الدفع عن نفسه وعن إخوانه المسلمين وأهله ولا يقصد به الجهاد فإن ذلك ليس بجهاد. كذا قال في المنتهى)[24] ودلالة ما أفاده في المنتهى في بحث الرباط على المطلوب واضحة كما مر.
17. وقال الشهيد الأول (الشهيد سنة 786 هـ) في كتاب الجهاد من الدروس: (وإنما يجب بشرط دعاء الإمام العادل أو نائبه. ولا يجوز مع الجائر اختياراً، إلا أن يُخاف على بيضة الإسلام ـ وهي أصله ومجتمه ـ من الاصطلام، أو يُخاف اصطلام قوم من المسلمين فيجب على من يليهم الدفاع عنهم، ولو احتيج إلى مدد من غيرهم وجب لكفّهم لا لإدخالهم في الإسلام... وظاهر الأصحاب عدم تسمية ذلك كله جهاداً بل دفاع)[25].
وقال فيه أيضاً: (ولا يجوز القتال إلا بعد الدعاء إلى الإسلام بإظهار الشهادتين والتزام جميع أحكام الإسلام، والداعي هو الإمام أو نائبه)[26].
وقال قدس سره فيه أيضاً: يجب قتال البغاة على الإمام العادل إذا استنفر عليهم، قال الله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وآله: (ما سمع داعينا أهل البيت أحد فلم يجبه إلا كبّه الله على منخريه في النار)[27].
فالجملة الأولى من الفقرة الأولى دلت على أن للإمام العادل الذي هو ولي أمر الأمة الإسلامية أن يدعو الناس إلى الجهاد وأنه يجب حينئذ إجابة دعوته، وهذه الجملة وإن لم تنص على أزيد من اشتراط بوجوب الجهاد بدعوة الإمام إلا أن تقييد الدفاع الواجب على الناس في غير زمن تولّيه خارجاً بقوله: (وجب لكفّهم لا لإدخالهم في الإسلام) فيه شهادة واضحة على أن الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام لا مجال له إلا تحت لواء الإمام العادل الذي هو ولي أمر المسلمين. نعم لم يتعرّض في هذه الفقرة لاشتراط الدفاع بدعوة الإمام وولي الأمر.
وفي الفقرة الثانية لما اشترط في الداعي إلى الإسلام أن يكون هو الإمام أو نائبه دلالة واضحة على أن القتال مشروط بحضوره أو حضور نائبه، وهو شامل للجهاد الابتدائي بل مختصّ به لعدم مجال للدعوة في المهاجمين.
وأما الفقرة الثالثة فقد تضمّنت اشتراط وجوب قتال البغاة باستنفار الإمام للناس عليهم بلاد تعرّض لأن أصل جواز الدفاع عنهم مشروط باستنفاره، إلا أن من الواضح أنه لا دلالة في شيء من كلماته على الخلاف أصلاً.
18ـ وقال الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد (الشهيد سنة 966 هـ) في كتاب الجهاد من المسالك: (اعلم أن الجهاد على أقسام، أحدها: أن يكون ابتداءاً من المسلمين للدعاء إلى الإسلام. وهذا هو المشروط بالبلوغ والعقل والحرية والذكورية ونحوها وإذن الإمام أو من نصبه ووجوبه على الكفاية إجماعاً. والثاني: أن يَدهَم المسلمين عدوٌّ من الكفار يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ مالهم وما أشبهه من الحريم والذرّية. وجهاد هذا القسم ودفعه واجب على الحر والعبد والذكر والأنثى إن احتيج إليها ولا يتوقف على إذن الإمام ولا حضوره...)[28].
فهو قدس سره قد صرح باشتراط أصل الجهاد الابتدائي بإذن الإمام أو من نصبه، فأمر الجهاد الابتدائي موكول إلى ولي الأمر بنحو الانحصار، وأما الدفاع عن هجمة الكفار فحكم بأنه واجب ولا يتوقف على إذن الإمام ولا حضوره فنفى اشتراط إذنه بالمرّة، وقد عرفت من كلام بعض من تقدم ذكر كلامه كابن حمزة قدس سره في الوسيلة اشتراط إذنه مهما أمكن، وسنرجع إليه إن شاء الله تعالى.
19ـ وقال السيد علي بن محمد الطباطبائي قدس سره (المتوفى سنة 1231 هـ) في رياض المسائل ـ بعد أن فسّر الجهاد شرعاً ببذل الوسع بالنفس والمال في محاربة المشركين أو الباغين على الوجه المخصوص ـ : (وقد يُطلق على جهاد من يَدهَم المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلائهم على بلادهم وأخذ مالهم أو ما أشبهه).
وقال في شرح ما مر من عبارة المختصر: (وإنما يجب الجهاد بالمعنى الأول على من استجمع الشروط المزبورة مع وجود الإمام العادل وهو المعصوم عليه السلام أو من نصبه لذلك، أي النائب الخاص وهو المنصوب للجهاد أو لما هو أعمّ. أما العامّ كالفقيه فلا يجوز له ولا معه حال الغيبة، بلا خلاف أعلمه، كما في ظاهر المنتهى وصريح الغنية، إلا من أحمد كما في الأول، وظاهرهما الإجماع، والنصوص به من طرقنا مستفيضة بل متواترة، منها أن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير[29]، ومنها: لا غزو إلا مع إمام عادل[30]، وفي جملة أخرى: الجهاد واجب مع إمام عادل[31]. ولا يكفي وجود الإمام بل لابد من دعائه إليه، وعلى هذا الشرط فلا يجوز الجهاد مع الجائر إلا أن يُدهَم المسلمون من أي عدو يُخشى منه على بيضة الإسلام أي أصله ومجتمعه، فيجب حينئذ بغير إذن الإمام ونائبه أو يكون بين قوم مشركين ويغشاهم عدو فيجاهد حينئذ ويقصد الدفع عن الإسلام وعن نفسه في الحالين لا لمعاونة الجائر... ولا يخفى أن هذا الاستثناء منقطع، إذ الجهاد الذي يعتبر فيه إذن الإمام وسائر الشروط إنما هو الجهاد بالمعنى الأول دون غيره اتفاقاً، والجهاد المذكور بعد الاستثناء غيره، ولذا قال في الشرائع بعده: (ولا يكون جهاداً)...)[32].
وأصل كلامه قدس سره كمتنه ـ على ما عرفت ـ وإن كان في مقام ذكر شرط آخر لوجوب الجهاد وهو حضور الإمام العادل أو منصوبه الخاص ودعائه إلى الجهاد فلا يستفاد منه أكثر من الجهة الإثباتية ـ أعني أن للإمام أن يقوم بجهاد الأعداء وعلى الأمة أن يتبعوه ـ إلا أن تعرّضه لعدم جواز الجهاد للنائب العام كالفقيه ولا معه وتفريع عدم جواز الجهاد مع الجائر على هذا الشرط دليلٌ على أنه قدس سره ناظر إلى جهة نفي هذا الحق غيره وهو مقتضى اثنين من أدلته الثلاثة المذكورة فإن في الأول منها (إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام...) فدل على حرمة الجهاد مع غير الإمام العادل وهو ما قلناه. وفي الثاني منها (لا غزو إلا مع إمام عادل) فنفى صدق الغزو عما كان مع غير إمام عادل بل اشترط في صدقه أن يكون مع إمام عادل، ولعل ظاهره أن مشروعية الجهاد وجوازه منوط به، فتأمل.
مضافاً إلى أن قوله قدس سره في ذيل كلامه: (الجهاد الذي يعتبر فيه إذن الإمام وسائر الشروط إنما هو الجهاد بالمعنى الأول) كالصريح في أن الجهاد ـ ولو بالمعنى الأول ـ مشروط بإذن الإمام، فلا محالة لا مجال معه مع انتفاء إذنه وهو المطلوب.
وبالجملة: فدلالة كلامه على أن جواز الجهاد مشروط بإذن الإمام واضحة وقد ادّعى عليه الاتفاق في ذيل الكلام، وإلا خلاف في صدره، واستظهر دعوى الاشتراط بالجهاد بمعناه الأول المذكور في كلامه ـ أعني جهاد المشركين والبغاة ـ وقال بعدم اشتراط الجهاد الدفاعي عن الكفار بإذن الإمام، بل ربما يستظهر من كلامه دعوى الاتفاق عليه، وعليه فربما يستظهر من كلامه الأخير أن الجهاد لأهل الكتاب أيضاً غير مشروط بإذنه لعدم دخوله في المعنى الأول، والكلام يأتي فيه إن شاء الله تعالى.
20ـ وقال صاحب الجواهر (المتوفى سنة 1266 هـ) في كتاب الجهاد من الجواهر ـ بعد استظهار أن الجهاد شرعاً بذل النفس وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين على وجه مخصوص ـ : (ولكن لا ريب في أن الأصلي منه قتال الكفار ابتداءاً على الإسلام، وهو الذي نزل فيه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ ويلحق به قتال من دهم المسلمين منهم وإن كان هو مع ذلك دفاعاً، وقتال الباغين إبتداءاً فضلاً عن دفاعهم على الرجوع إلى الحق ـ إلى أن قال: ـ الجهاد بالمعنى الأول وهو فرض على كل مكلف حر ذكر غير همٍّ ولا معذور... نعم فرضه على الكفاية بلا خلاف أجده فيه بيننا بل ولا غيرنا بل كاد يكون من الضروري فضلاً عن كونه مجمعاً عليه... .
وعلى كل حال، فلا خلاف بيننا بل الإجماع بقسميه عليه في أنه إنما يجب على الوجه المزبور بشرط وجود الإمام عليه السلام وبسط يده أو من نصبه للجهاد ولو بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من الأقطار، بل أصل مشروعيته مشروط بذلك فضلاً عن وجوبه ـ ثم ذكر أخباراً عديدة استدل بها على اشتراط المشروعية به ثم قال: ـ إلى غير ذلك من النصوص التي مقتضاها كصريح الفتاوى عدم مشروعية الجهاد مع الجائر وغيره، بل في المسالك وغيرها عدم الاكتفاء بنائب الغيبة فلا يجوز له توليه بل في الرياض نفى علم الخلاف فيه حاكياً له عن ظاهر المنتهى وصريح الغنية إلا من أحمد في الأول، قال: وظاهرهما الإجماع مضافاً إلى النصوص المعتبرة وجود الإمام، لكن إن تم الإجماع المزبور فذاك، وإلا أمكن المناقشة فيه بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم أدلة الجهاد فترجّح على غيرها ـ إلى أن قال شرحاً لعبارة المتن: ـ
وقد تجب المحاربة على وجه الدفع من دون وجود الإمام عليه السلام ولا منصوبه، كأن يكون بين قوم يغشاهم عدوّ يُخشى منه على بيضة الإسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم وأخذ مالهم، أو يكون بين أهل الحرب فضلاً عن غيرهم ويغشاهم عدوّ يُخشى منه على نفسه فيساعدهم دفعاً عن نفسه... ولا يكون ذلك ونحوه جهاداً بالمعنى الأخص الذي يعتبر فيه الشرائط المزبورة ـ إلى أن قال: ـ
قلت: قد يقال بجريان الأحكام المزبورة عليه إذا كان مع إمام عادل عليه السلام أو منصوبه وإن كان هو دفاعاً أيضاً، لكنه مع ذلك هو جهاد كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وآله لما دهمه المشركون إلى المدينة، وإطلاق المصنّف وغيره نفي الجهاد عنه إنما هو مع عدم وجود الإمام العادل عليه السلام ولا منصوبه، فهو حينئذ ليس إلا دفاعاً مستفاداً من النصوص المزبورة وغيرها، بل هو كالضروري، بل ظاهر غير واحد كون الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدو ولو في زمن الغيبة من الجهاد، لإطلاق الأدلة، واختصاص النواهي بالجهاد ابتداءاً للدعاء إلى الإسلام من دون إمام عادل عليه السلام أو منصوبه، بخلاف المفروض الذي هو من الجهاد من دون اشتراط حضور الإمام ولا منصوبه ولا إذنهما في زمان بسط اليد، والأصل بقاؤه على حاله. واحتمال عدم كونه جهاداً حتى في ذلك الوقت مخالف لإطلاق الأدلة وإن كان قد يظهر من خبر يونس الآتي في المرابطة كون الجهاد هو الابتداء إلا أنه محمول على إرادة كون ذلك الأكمل من أفراده، وإلا فالجهاد أعم كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتداء وإليه)[33].
فحاصل كلامه: أن الجهاد الابتدائي للمشركين بل مطلق الكفار في زمن حضور الإمام وبسط يده مفوّض إليه وجوازه مشروط بإذنه، بل لا يبعد إلحاق الجهاد الابتدائي أو الدفاعي للباغين به فإنه أيضاً داخل في تفسيره الأول للجهاد، وأما الدفاع عن الكفار المهاجمين فهو واجب في زمان بسط يد الإمام وغيبته وهو مصداق للجهاد، لكن ليس في كلامه ما يدل على اشتراط مشروعيته زمن بسط اليد بإذنه، وقد ادّعى على اشتراط إذنه في مشروعية الجهاد الابتدائي أن أخباراً كثيرة تدل عليه. نعم استظهر هو قدس سره أنه لو لم يكن إجماع لكان عموم ولاية الفقيه مقتضياً لأن يجوز له الجهاد الابتدائي أيضاً.
هذه نبذة من كلمات علمائنا الأخيار قدس سرهم ممن تعرض لحكم الجهاد، والمتحصّل منها: أن الجهاد الابتدائي للكفار منوطٌ بإذن ولي الأمر أو أمره وإن كان ظاهر عبارة بعض كصاحب الرياض التعرّض لخصوص المشركين، وقد نسبه إلى علمائنا أجمع في التذكرة وادعى عليه الإجماع في المسالك واللاخلاف والاتفاق في الرياض مستظهراً لدعوى الإجماع عن عبارة المنتهى. نعم جعل الجواز حقاً ومختصاً بما إذا كان ولي الجهاد داعي حق ولا دلالة في كلام إصباح الشيعة على شيء من الاختصاص وعدمه أصلاً.
وأما جهاد البغاة على ولي الأمر فمقتضى كلام أكثرهم القريب من الكل أنه أيضاً منوط بإذن الإمام وأمره ويأتي فيه دعوى الاتفاق واللاخلاف عن الرياض واستظهاره لدعوى الإجماع عن المنتهى والغنية، وقول بعضهم بهذا الاختصاص يستفاد من إطلاق عنوان الجهاد أو القتال الواقع في كلامهم كالمراسم والشرائع ولم يتعرض لحكمه المبسوط وإصباح الشيعة والجامع للشرائع، كما أن العلامة في التذكرة والشهيد في الدروس إنما تعرضا لأن من حق ولي الأمر أن يقوم بجهاد البغاة ويدعو الناس إليه لكن لم يتعرّضا لاختصاص هذا الحق به.
وأما القتال لدفع هجمة الكفار فمقتضى كلمات أكثرهم أنه غير منوط بإذن الإمام ولا أمره. نعم إطلاق عبارة فقه القرآن بل الوسيلة يقتضي أنه أيضاً منوطٌ بإذن ولي الأمر كما لم يتعرّض لحكمه الجامع للشرائع.
وكلماتهم في قتال البغاة وأنه مختص بإذن ولي الأمر ومفوض إليه مطلقة تقتضي عدم جواز بدار المسلمين أنفسهم حتى فيما أوجب تأخير الأمر إلى إقدام ولي الأمر وقوع ضرر مالي أو نفسي على المسلمين أو جمع منهم أو تخريب بعض بلادهم أو أماكنهم.
كما أن كلماتهم في جواز بل وجوب مبادرة المسلمين أنفسهم إلى دفع هجمة الكفار بحسب إطلاقها تقتضي أن لا يجب إعلام ولي الأمر أو منصوبه بهجوم الكفار ولا بدفاع المسلمين لكي يتصدى إدامة الأمر هو نفسه أو من يأمره.
إلا أنه سيأتي إن شاء الله تعالى أن مقتضى الأدلة التامة الدلالة أن المسلمين يجب عليهم القيام مقام دفع البغاة إذا أوجب تأخير الأمر إلى إعلام ولي الأمر وإقدامه بالجهاد لهم ضرراً مالياً أو غير مالي على بعض بلاد المسلمين أو نفوسهم أو أموالهم في عين أنه يجب إعلام الأمر إلى ولي الأمر حتى يكون إدامة الأمر متحققة بأمره كما يريد.
كما أن مقتضى الأدلة أنه يجب في الجهاد الدفاعي عن هجمة الكفار ـ في حين أن المسلمين أنفسهم يقومون بالدفاع عنهم والقتال لهم دفاعاً ـ فيجب عليهم أيضاً المبادرة فوراً ففوراً على إعلام الأمر لولي الأمر حتى يكون إدامة الأمر عن أمره ورأيه.
وحيث إن الاطمئنان والعلم العادي حاصل بأن الفتاوى التي حكيناها عن الفقهاء العظام قدس سرهم مستنبطة عن مثل أو نفس الأدلة التي يأتي ذكرها فليس في المصير إلى خلاف ما يقتضيه إطلاق كلماتهم بأسٌ.
إذا عرفت ما ذكرنا نقول: إن البحث عن أن لولي أمر الأمة وإليه تصدي أمر الجهاد يدور على قطبين:
فتارةً يُبحث عن مجرّد ثبوت هذا الحق لهم، بمعنى أن من حقوق ولي الأمر الثابتة له بمقتضى الإمامة العظمى والولاية أن يقوم بأمر القتال ابتداءاً لدعوة الكفار إلى الإسلام أو لدفع هجمة الكفار على بلاد الإسلام أو صد الباغين على ولاية ولي أمر الأمة من بين نفس رعايا الدولة، فله أن يقوم بأمر القتال وأن يدعو المسلمين إليه فيجب عليهم إتباعه وإطاعته. فيبحث حينئذ عن هذه الجهة الثبوتية.
وأخرى يُبحث عن أنه ليس لأفراد الأمة والرعية القيام مستقلاً بأمر الجهاد الابتدائي ولا دفع هجمة الكفار أو صد الباغين بل لا يجوز القيام بكل منها إلا بأمره أو إذنه وتحت لواء ولايته، فيُبحث حينئذ عن نفي هذا الحق عن غيره.
نعم، ويُبحث في هذا القطب الثاني عن أنه إذا كان تأخير دفع هجوم الكفار أو تأخير القيام وفي وجه البغاة موجباً لوقوع ضرر على كيان المسلمين أو بلادهم أو وقوع ضرر نفسي أو مالي على المسلمين فيجوز بل يجب على المسلمين القيام بدفع هجمة الكفار والباغين في حين أنه يجب عليهم أيضاً إعلام أمر هجوم الكفار أو بغي البغاة إلى وليّ الأمر فوراً ففواراً لكي يتولّى هو أمر الدفاع بقاءاً.
والتحقيق الذي لا مرية فيه أن مقتضى الأدلة المعتبرة عموم ولاية ولي الأمر لأمر الجهاد في كلتا جهتي الإثبات والنفي ووجوب استقلال المسلمين بالدفاع في الفرض المذكور في حين إقدامهم بإعلام الأمر إلى وليّ الأمر لكي يكون بقاء الدفاع تحت أمره.
والاستدلال على هذه الدعاوى من وجهين:
الوجه الأول: هو ذلك الوجه العام الذي استندنا إليه في إثبات كثير من اختيارات ولي الأمر، وهو أن نفس ولاية الأمر لأمة يقتضي ذلك، وذلك بالتوجّه إلى نكتتين:
الأولى: أنه قد مرّت بالتفصيل دلالة أدلة كثيرة معتبرة قطعية من الكتاب الشريف والسنة المباركة المتواترة على أن نبي الإسلام والأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد جعلهم الله تعالى أولياء أمور البلاد الإسلامية والأمة المسلمة أو غير المسلمة ممن يحق له شرعاً أن يعيش في ظل هذه البلاد وتحت لواء هذه الولاية الإلهية، فكل منهم قد جعل له من الله تعالى الولاية والقيّمية والراعية على البلاد والأمة.
وهذه الولاية والقيّمية ليست أمراً بدعيًاً ليس له عند العقلاء عهد وسابقة، بل هو أمرٌ معهودٌ معروفٌ عندهم، فإن لأهل كل مملكة من ممالك الأرض من له الولاية على أمورهم وأمور بلادهم من جمع أو فرد هو ملك لهم أو رئيس جمهور وأمثاله. نعم الفرق المهم بين ما عند الناس وما في الإسلام أن يعيّن هذا الجمع أو الفرد عند الناس أنفسهم إما بتعيين منهم وانتخاب على الأنحاء المختلفة الدارجة بينهم وإما بقهرٍ وغلبة سلاحية ابتداءاً أو دائماً، فهذا فرق أصيل بين ولاية من يلي أمرهم عند أنفسهم وبين ولاية ولي الأمر في الإسلام، فإن ولايته إنما هي بنصب من الله تعالى، فقد نصبه الله وهو مالك كل أحد وشيء، فلا حق ولا أي أمر آخر للناس على ولي الأمر من الله تعالى، وقد مر بيان ذلك.
إلا أن هذا الفرق إنما هو بحسب منشأ ثبوت منصب الولاية، وإلا فأصل الولاية في الموردين أمرٌ واحدٌ بحسب الحقيقة.
ثم إن هذه الولاية الإلهية بمقتضى إطلاق أو عموم أدلتها مطلقة متعلّقها كل ما كان مرتبطاً بالرعية وبلادهم، وكل ما كان راجعاً إلى الجماعة المسلمة أو غير المسلمة الذين يعيشون تحت لواء هذه الولاية الإلهية لا يخرج عن دائرتها شيء أصلاً.
النكتة الثانية: أن من لوازم الولاية التي لا يعقل عند العقلاء انفكاكها عنها أن تكون إدارة أمور الأمة من وظائف ولي الأمر ومفوّضة إليه بحيث كان عليه أن يدبّر ويصل إلى التصميم اللازم والمناسب لإدارة أمورهم وأمور بلادهم وأمور مملكتهم، فإن قصّر فيه فلم يدبّر أو لم يعمل بما رآه مصلحةً فقد خان وكان مسؤولاً ومعاقباً عند العقلاء الذين عيّنوه ولياً، في حين أن التدبير وأخذ التصميم والعمل الصحيح مفوّض إليه وليس لغيره من الرعايا أن يقوموا بإتيان هذه الأعمال ويستقلوا في إدارة الأمور إلا أن يكونوا تحت لواء أمره أو إذنه.
وحينئذٍ من الواضح الذي لا شبهة فيه أن أمر الحرب والجهاد سواء كان بغاية توسيع حدود البلاد أو بغاية دفع هجمة الكفار من خارجها على بعض أقطارها أو بعض رعاياها أو بغاية إطفاء نار بغي من بغى على ولايته وصار بصدد الخروج عن مقتضى إمارة هذه الولاية من البغاة الذين هم أيضاً من الرعايا، فأمر الجهاد في جميع هذه الموارد مفوّضة إليه، وعليه أن يقوم بكل منها مراعياً لمنتهى الشرائط اللازمة الرعاية وليس لأحد ولا لجمع الاستقلال في القيام بشيء منها.
نعم حيث إن كلاً من الأهداف المذكورة هدفٌ مرغوبٌ عند الرعية وهم يرون الدفاع عن بلادهم وجميع رعاياها لازمة وهكذا يرون إطفاء نار شر البغاة أيضاً لازماً فلو فرض غفلة وليّ الأمر أو عدم حضور قواه المسلحة فيهجم في قطر من البلاد عدو أو أثار نار البغي أحد أو جمع وكان تأخير الأمر إلى حضور قوى وليّ الأمر موجباً لتسلّط المهاجمين الباغين على ناحيةٍ أو بلدة أو لقتل نفوس جمع من الرعايا أو ورود ضرر مالي عليهم أو على بلادهم فعلى الرعية أنفسهم ـ للمنع عن حدوث هذه الحوادث المهمة ـ أن يقوموا بالدفاع ويمنعوا عن إيراد أي فاجعة من المهاجمين في حين الإقدام السريع العاجل بإعلام الأمر لوليّ الأمر حتى يكون هو المتصدّي لأمر الدفاع بقاءاً. وهكذا الأمر في إطفاء شر نار البغاة وبالحقيقة يكون الإقدام بالدفاع بمقدار الضرورة وبإعلام الأمر لوليّ الأمر جمعاً بين الحقّين.
فبعد التوجه إلى هاتين النكتتين تعترف بوضوح أن مقتضى الولاية المطلقة الإلهية ولاسيما بعد ملاحظة وجوب الجهاد الابتدائي لدعوة الكفار إلى الإسلام ووجوب دفع هجمة الكفار أو صد الباغين فمقتضاها أن يكون أمر التصدي للجهاد في الموارد الثلاثة من وظائف ولي الأمر الإلهي ومن اختياراته وليس لغيره من الرعايا القيام بها إلا بأمره أو إذنه إلا في المورد المستثنى الذي ذكرناه وهو دفع المهاجمين أو البغاة بالنحو الذي بيناه.
وذلك لما عرفت أن هذا المعنى بحدوده إنما هو مقتضى الولاية من غير فرق بين أن تكون ناشئة من الجهات المختلفة البشرية أو من النصب الإلهي، والحمد لله.
هذا هو الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني: فهو أن يستدل للمطلوب بأدلة خاصة واردة في أمر الجهاد وهي آيات من الكتاب الكريم وروايات متعددة من السنة المباركة.
ــــــــــــــــــ
[1] النهاية: 290.
[2] النهاية: 291.
[3] السرائر: ج2 ص3 ـ 4 و 15 طبع مؤسسة النشر الإسلامي قم.
[4] المبسوط: ج1 كتاب الجهاد وسيرة الإمام ص8.
[5] الجُمل والعقود: فصل في أصناف من يجاهد من الكفار ص81.
[6] الجُمل والعقود: فصل في أصناف من يجاهد من الكفار ص 83.
[7] المراسم: ص264 طبع المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام.
[8] الكافي: ص246 ـ 247 طبعة أصبهان (مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام).
[9] المراد من الغلمان في مصطلح الرجاليين هو الخصّيص بالشيخ، حيث إنه تلمّذ عليه وصار من بطانة علومه (هامش المهذب).
[10] المهذب: ج1 ص296 و 297.
[11] حيث إن ترجمته مذكورة في فهرست منتجب الدين فلا محالة هو من علماء القرن الخامس أو السادس الهجري فإن منتجب الدين توفي في القرن السادس.
[12] الوسيلة: ص199.
[13] فقه القرآن: ص330 و 365.
[14] إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: ص187 ـ 188.
[15] المهذب البارع: ج2 ص298 طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
[16] الجامع للشرائع: 236 في أحكام القتال.
[17] عن مصادر الرواية: (مع كل أمير).
[18] تذكرة الفقهاء: ج9 ص19 ـ 20 المسألة9 طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
[19] التذكرة: ج5 ص16 ـ 17.
[20] التذكرة: ج9 ص410 و 412 و...
[21] التذكرة: ج9 ص410 و 412 و...
[22] قواعد الأحكام: ج1 ص478 ـ 480 طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
[23] نفس المصدر.
[24] مجمع الفائدة: ج7 ص448 ـ 449.
[25] الدروس الشرعية: ج2 ص30 و 31 طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
[26] الدروس الشرعية: ج2 ص30 و 31 طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
[27] الدروس: ج2 ص41.
[28] المسالك: ج3 ص7 و 8 طبع مؤسسة المعارف الإسلامية.
[29] الوسائل: الباب12 من أبواب جهاد العدو ج11 ص32 الحديث1.
[30] الوسائل: الباب10 من أبواب جهاد العدو ج11 ص30 الحديث2، والباب4 من أبواب صفات القاضي ج18 ص16 الحديث34.
[31] الوسائل: الباب12 من أبواب جهاد العدو ج11 ص35 الحديث9 و 10.
[32] رياض المسائل: أوائل كتاب الجهاد ج7 ص441 و 446 ـ 448.
[33] الجواهر: كتاب الجهاد ج21 ص3 ـ و 9 و 11 ـ 16.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية