Skip to main content

الدرس التاسع والعشرون: الآيات الواردة في حث المؤمنين على الجهاد

التاريخ: 22-04-2010

الدرس التاسع والعشرون: الآيات الواردة في حث المؤمنين على الجهاد

أما الكتاب الكريم فالآيات الواردة فيه في أمر الجهاد كثيرة جداً، وما نذكر منها فهي أنموذج من ذلك الكثير، فنقول: يمكن تقسيم هذه الآيات الشريفة على طوائف:   الطائفة الأولى: ما وردت في حث المؤمنين على الجهاد

أما الكتاب الكريم فالآيات الواردة فيه في أمر الجهاد كثيرة جداً، وما نذكر منها فهي أنموذج من ذلك الكثير، فنقول: يمكن تقسيم هذه الآيات الشريفة على طوائف:

 

الطائفة الأولى: ما وردت في حث المؤمنين على الجهاد.

 

1ـ فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[1].

 

فهذه الآيات المباركة تدعو إلى الإيمان بالله والرسول وإلى الجهاد بالأنفس في سبيل الله وتعدها تجارة تنجي من العذاب وتوجب غفران الذنوب ودخول الجنة ومساكن طيبة، فالجهاد مرغوبٌ فيه كمال الترغيب.

 

2ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[2].

 

فالآية الأولى أخبرت مؤكداً أن الله تعالى قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وهكذا أموالهم في مقابل أن لهم الجنة، فبالنتيجة ليست أنفس المؤمنين ملكاً لهم بل هي ملكٌ لله تعالى فعليهم أن يقاتلوا في سبيله ولهم الجنة وليس أحد أوفى بعهده من الله.

 

وظاهر الآية الثانية أنها عد لأوصاف هؤلاء المؤمنين فليبشِّر المؤمنون. فهاتان الآيتان كالآيات السابقة دعوة إلى الجهاد في سبيل الله من دون تعيين لمن يحاربونه.

 

3ـ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[3].

 

فقد أمر الله تعالى المؤمنين بقتال الكفار الذين يلونهم بشدة وغلظة، والكفار عامة لجميع أنواع الكفرة.

 

4ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[4].

 

فقد أمر الله تعالى بأنه بعد ما انقضت الأشهر الأربعة التي ذكرت أول السورة بقوله تعالى: ﴿فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾[5] والخطاب فيه للمشركين وأجّل الله تعالى للمشركين الذين حجوا تلك السنة ـ وهي السنة التاسعة من الهجرة ـ أربعة أشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم فهم في مأمن في هذه البرهة من الزمان، وهذه الأربعة أشهر من الحادي عشر من ذي الحجة إلى العاشر من الربيع الثاني على ما في روايات متعددة، فإذا انسلخت الأربعة يجب قتل المشركين حيث وجدوا إلا أن يؤمنوا، ويستثنى منهم ما ذكره الله تعالى بقوله: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾[6] وانضمام هذه الآية إلى آية الانسلاخ يدل على وجوب قتل المشركين الذين لم  يعاهدوا إلى زمن نزول الآية أو عاهدوا أو نقضوا عهدهم، فالآيات دالة على وجوب قتال المشركين كافة حتى يكون الدين لله تعالى.

 

5ـ وقال تعالى بعد عدد آخر من الآيات: ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[7].

 

وهذه الآيات تأكيد في الأمر بمقاتلة المشركين كافة الذين مر الأمر بقتالهم وقلتهم في الآيات السابقة.

 

6ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[8].

 

وهذه الآية المباركة أمر بمقاتلة أهل الكتاب إلى أن يعطوا الجزية وهم صاغرون.

 

فانضمام جميع هذه الآيات يعطي وجوب قتال غير المسلمين، أهل كتاب كانوا أو غيرهم، وكانت غاية القتال لأهل الكتاب أن يسلموا أو يعطوا الجزية، وغاية قتال سائر الكفار كالمشركين هو الإسلام.

 

وسيأتي في الطوائف الأخر أيضاً ما يدلّ على وجوب القتال، فانتظر.

 

لفت نظر توضيحي: إن الآيات الأوَل من التوبة ـ ولعلها إلى العاشرة ـ نزلت في سنة التسع من الهجرة، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمنع المشركين الحج في سنة الفتح، فبعد نزول الآيات أرسل علياً (عليه السلام) يوم الحج الأكبر في السنة التاسعة بالبراءة ومنع المشركين عن الحج وأوجب الله تعالى قتالهم وعلى ما مر بيانه ذيل الآيات، وعليه فهذا الأمر بالقتال أمر بالجهاد الابتدائي للمشركين.

 

وحيث إن سورة التوبة مدنية كلها فمن المحتمل جداً أن تكون آية قتال أهل الكتاب أيضاً نزلت في نفس تلك السنة، فلعل وجوب الجهاد الابتدائي كان قد شرع في هذه السنين الأخيرة، ولذلك قد ينقدح الإبهام في انعقاد الإطلاق في آيات الجهاد، إلا أن من الواضح أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد جاهد المشركين في السنين الأول من هجرته غزوة بدر وأحد والأحزاب التي هي غزوة الخندق وغزاها في شوال في السنة الخامسة من الهجرة، فإن فرض إبهام من حيث زمان نزول آيات البراءة فإنه لا ريب في أن آيات سورة الصف بل آيتي سورة التوبة اللتين نقلناهما بعد آيات الصف، وهكذا آية الأمر بقتال من يلي المسلمين من الكفار وإن كانت من سورة التوبة، إلا أنها جميعاً مطلقة تشمل كل جهاد ومحاربة دفاعياً كان أو ابتدائياً، غاية الأمر أن الغزوات المتحققة في أوائل البعثة كانت في الغالب دفاعية إلا أنها لا توجب اختصاص المطلقات بخصوص الدفاعي بل تعم الابتدائي منه. نعم قد وقعت منه (صلى الله عليه وآله) قبل نزول الآيات الأول من التوبة معاهدة ترك المحاربة مع المشركين وهذه الآيات قد أمرت بحفظ عهد الصلح بالنسبة لمن أوفى بعهده منهم إلى بلوغ غاية هذه المعاهدة وأوجبت قتال سائر المشركين بل وهؤلاء المعاهدين منهم بعد انقضاء مدة عهدهم على ما عرفت.

 

وبالجملة: فالقرآن المجيد كما عرفت نبذاً من آياته المباركة يدل على أن الجهاد أمر مرغوب فيه ويعم كلاً من نوعي الجهاد الدفاعي والابتدائي على ما مر من التفصيل، وسيأتي إن شاء الله توضيح لهذا المعنى عند ذكر الروايات.

 

نعم لعله لم يقع منه (صلى الله عليه وآله) جهاد للبغاة من المسلمين كما سيأتي ذكر عنه في خبر الأسياف الخمسة إن شاء الله تعالى، إلا أن هذا كله لا يمنع انعقاد الإطلاق للقتال الواقع في الآيات الشريفة بالنسبة له أيضاً.

 

وبعبارة أخرى: أن المأمور به والمدعو إليه في هذه الآيات هو الجهاد أو القتال في سبيل الله أو قتال الكفار أو قتال أو قتل المشركين أو قتال أهل الكتاب، وكل من هذه العناوين صادقٌ على الجهاد الابتدائي وعلى الجهاد الدفاعي عنهم إذا هجموا على بلاد المسلمين وعلى قتال أهل الذمة فيما إذا بغوا على ولي الأمر، كما أن الجهاد في سبيل الله أو القتال فيه يعمّ قتال البغاة من الرعية المسلمة على ولي أمر الأمة، وعليه فجميع الأقسام المتصوّرة للقتال من الابتدائي والدفاعي بقسيمه مشمول هذه الآيات، ومجرد تقسيمه في كلمات الأصحاب وعقد اصطلاح من بعضهم أحياناً على عدم تسمية جهاد البغاة مثلاً جهاداً لا يمكن رفع اليد عن إطلاقها بعد صدق العناوين على جميع الأقسام بلا ريبة ولا شبهة، وهكذا يكون الأمر في سائر الطوائف من الآيات، فكن على بصيرة وتذكّر.

 

الطائفة الثانية من الآيات: ما أمر الله فيها نبيه (صلى الله عليه وآله) بجهاد الكفار.

 

1ـ فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[9].

 

فقد أمر الله تعالى نبي الإسلام بجهاد الكفار والمنافقين، ومن الواضح أن جهادهم متوقّف على إعداد جند ووسائل لازمة للهجوم عليهم وللمقاومة قبالهم من الأجهزة المختلفة بحسب الأزمنة وبحسب تقدّم الحادثة العلمية، فلا محالة أنه (صلى الله عليه وآله) هو المأمور بإعداد الجيش وتجهيزه بالمقدار اللازم، فتدل الآية المباركة على ثبوت هذا الحق له وعلى توجه هذا التكليف إليه، ولازمه القهري أن يجب على الرعية أيضاً إتباعه وإلا لما كان إلى الإتيان بذلك المأمور به سبيل.

 

وحيث عرفت في الطائفة الأولى من الآيات دعوة المؤمنين كلهم وأمرهم بالقتال والجهاد في سبيل الله وبجهاد الكفار فمع التوجه إلى أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولي أمر الأمة فبانضمام هذه الآية إلى الآيات السابقة يستفاد بوضوح أن آيتنا هذه في مقام بيان وظيفة ولي الأمر وأنه يجب عليه إدارة أمر الجهاد ورئاسته بإعداد الجيش وأجهزته اللازمة، فهو (صلى الله عليه وآله) مضافاً على توجه الدعوة والأمر الوارد بالجهاد في الطائفة الأولى من الآيات إليه قد وجّه إليه أمر خاصّ آخر هو أنه الموظّف بإعداد الجند وتجهيزه وتصدّي أمر الجهاد بالنحو الأصلح.

 

بل لا ينبغي الريب أنه بعد ما كان المعهود عند العقلاء أنفسهم أن أمر الجهاد إلى ولي الأمر في كل أمة فلا ينبغي الريب في أنهم بهذا الارتكاز يفهمون من الأمر الوارد في هذه الآية أن الله تبارك وتعالى بأمره هذا يكون بصدد إعلام أن أمر الجهاد في شريعة الإسلام مفوّض إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بما أنه ولي الأمر، فأمر الجهاد يكون مفوّضاً إليه ليس لأحد ولا لجمع غيره كما أنه في عين الحال موظّف به ومكلّف به.

 

وبعد ذلك فلما كان مقام ولاية الأمة ثابتة من الله تعالى بعده (صلى الله عليه وآله) للأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لكل في زمانه الخاص به فالمستفاد من الآية أن هذا التوظيف أو التفويض إلى الرسول إنما كان بما أنه ولي أمر الأمة، فلا محالة يثبت بعينه للأئمة المعصومين عليهم السلام أيضاً.

 

بل المتأمل الدقيق يفهم من هذه الآية منضمّة إلى آيات الطائفة الأولى أن هذا التوظيف والتفويض تحليل وتبيين للولاية الإلهية الإسلامية فيثبت لمن كان ولي أمر الأمة في زمان الغيبة أيضاً، والتفصيل موكول إلى محله إن شاء الله تعالى.

 

2ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[10].

 

ففي هذه الآيات ظاهر الآية الثانية والثالثة أمر للنبي (صلى الله عليه وآله) بتحريض المؤمنين على القتال بالنحو المذكور فيهما، وتحريض المؤمنين على القتال عبارة أخرى عن إعداد الجند وأمرهم بالحضور في الصف الحرب بالكيفية المذكورة، وهو عبارة أخرى عن تصدي أمر القتال، فمفاد هاتين الآيتين أيضاً أمرٌ له (صلى الله عليه وآله) بقتال من يجب قتاله، ولا يبعد أن تكون الآية الأولى من هذه الآيات تمهيداً لأمر القتال المأمور به في الآيتين الأخريين بأن الله ومن يتبعك بحسب إيمانهم وإسلامهم كافوك فعليك قتال الكفار مثلاً بهم والله من ورائك والمؤمنون معك.

 

ومما ذكرنا تعرف دلالة هذه الآيات أيضاً على أن النبي والأئمة عليهم صلوات الله مكلّفون بالقتال وهو مفوّض إليهم لا مجال لاستقلال غيرهم به كما مر بيانه في الآية السابقة فتذكر.

 

3ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾[11].

 

والخطاب فيها كما ترى إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أمر نفسه بالمقاتلة للذين كفروا وبتحريض المؤمنين عليها، وعقّبه تعالى بأن المرجو أن يكفّ الله الذي هو أشد بأساً وأشدّ تنكيلاً بأس الذين كفروا. فبالجملة ففيها أمرٌ بالقتال وبإدارة أمره بتحريض المؤمنين، فمفادها قريبٌ من مفاد الآيات الثلاث السابقة فهي أيضاً تدل على أن ولي الأمر مكلّف بالقتال وبإدارة أمره وأن القتال مفوّض إليه لا غير.

 

وقد يستشكل دلالة هذه الآية نظراً إلى بعض الروايات الواردة ذيلها، فقد روى الكليني قدس سره في الروضة من الكافي بسند ـ ليس فيه من يتأمل في وثاقته إلا علي بن حديد ـ عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلاً أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ فذكر حديثا عنه (صلى الله عليه وآله) وفيه: ـ ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله كلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يكلّفه أحداً من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه ولم يكلّف هذا أحداً من خلقه قبله ولا بعده، ثم تلا هذه الآية:

 

﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ﴾... الحديث[12].

 

وروى العياشي أيضاً عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الناس لعلي (عليه السلام): إن كان له حق فما منعه أن يقوم به؟ قال: فقال: إن الله لا يكلّف هذا الإنسان واحداً إلا رسول الله [وفي نسخة البرهان عنه هنا:... هذا إلاّ إنساناً واحداً رسول الله] (صلى الله عليه وآله)؛ قال: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فليس هذا إلا للرسول، وقال لغيره: ﴿إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾ فلم يكن يومئذ يعينونه على أمره[13].

 

وقريب منها روايات أخر، فراجع تفسير العياشي والبرهان[14].

 

فيقال ـ بعد ملاحظة الروايات ـ : إن الآية المباركة إنما كانت في مقام ذكر هذا التكليف الاختصاصي للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا مجال حينئذ لاستفادة ما ذكرناه منها.

 

لكن المتأمل يعلم أنه لا منافاة بين هذا المذكور في هذه الأخبار وبين ما ذكرناه، وذلك أن ما ذكر في هذه الأخبار إنما هو بحسب الدقة أخذاً وتصريحاً بما تدل عليه الآية المباركة بحسب الإطلاق، فهو (صلى الله عليه وآله) مأمور بالقتال مطلقاً ومأمور أيضاً بتحريض المؤمنين به والجمع بينه وبين ما دل على وجوب القتال على المؤمنين أيضاً يقتضي أن يستفاد أن عليه (صلى الله عليه وآله) تحريض الناس أيضاً، فلا محالة أمر الحرب مفوَّ ض إليه كما ذكرنا.

 

4ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 55 الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ 56 فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾[15].

 

فالآيتان الأولتان تبيين لأن هؤلاء الكفار الذين لم يؤمنوا ولم يفوا بعهدهم في كل مرة دواب وهم عند الله شرّ الدوابّ. والآية الثالثة متكفلة لأنهم يمكن أن يثقفوا في الحرب ـ والثقف وإن كان في الأصل بمعنى إدراك الشيء بحذق في النظر إلا أنه كما في مفردات الراغب واستعمل كثيراً في مجرد إدراكه ومنه الآية ـ فالآية حينئذ تقول إنك إن تدرك هؤلاء الكفار في الحرب فقاتلهم شديداً يوجب تشريد من خلفهم من الكفار ممن هو مثلهم وانفتات جمعهم بالمرة.

 

فالآية الثالثة أمرته بتشديد القتال لهؤلاء الكفار، وأمره (صلى الله عليه وآله) بذلك بالخصوص مع أن المؤمنين كلهم مدعوون إلى القتال مأمورون به ـ على ما عرفت نبذاً من أدلته في الطائفة الأولى من الآيات ـ يكون أمراً له بما أنه ولي أمر الأمة، فلا يكون فيه دلالة قوية على أن أمر القتال وأهدافه مفوّض إلى وليّ الأمر وهو مكلّف به زائداً عما يكلّف به سائر المؤمنين، وهكذا كل ولي أمر كما مر بيانه.

 

ويحلق بهذه الطائفة الثالثة من الآيات وهي ما تدل على أنه (صلى الله عليه وآله) كان عاملاً بالأوامر المذكورة في الطائفة الثانية من الآيات فكان متصدياً لأمر القتال وتنظيم المعركة والأمر بحضور المؤمنين ومرجعاً لاستئذان من كان له عذر أو يبدي عذراً عن الحضور في الجهاد:

 

1ـ فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[16].

 

فالآية الأولى الواردة في حرب أحد ـ بظاهرها ـ تحكي أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعيّن مقعد كل من أعضاء الجند للقتال وهو لا محالة في معركة الحرب، وهذا عبارة أخرى عن تنظيم معركة الحرب ومصداق للائتمار بالأوامر المذكورة في الطائفة الثانية. وفي صحيحة أبي بصير المروية في تفسير القمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سبب نزول هذه الآية أن قريشاً خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج يبغي موضعاً للقتال[17]، فقد فسر (عليه السلام) تبوئة المقاعد للقتال بابتغاء الموضع المناسب للقتال، لا بتعيين محل المجاهدين، إلا أنه كما ترى أيضاً تصدى إمارة الحرب فلا ينبغي الريب في أن هذه الآية ائتمار للأوامر الواردة في الطائفة الأولى، كما أن الآية الرابعة تحكي أنه (صلى الله عليه وآله) قد تصدّى في حرب بدر تقوية روحيات المجاهدين بأن الله تعالى يمدّكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ثم بخمسة آلاف أخرى أن يصبر أعضاء الجند ويتقوا، وهذا كله تصدّيه لأمر القتال وامتثاله لتلك الأوامر.

 

2ـ وقال الله تعالى ـ مخاطباً لنبيه في من استأذنه أن لا يخرج معه إلى غزوة تبوك الواقعة سنة 9 من الهجرة ـ : ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[18].

 

فالآيتان الأوليان كالرابعة تعرض كل واحدة منها للاستئذان منه لعدم الخروج إلى غزوة تبوك، وواضحٌ عرفاً أن الاستئذان له إنما يكون إذا كان بيده أمر القتال فيأمر من يريد ويراه لازماً بالخروج إليه ويأذن لمن رأى جواز عدم خروجه بأن لا يخرج، فهو دليلٌ على ائتماره (صلى الله عليه وآله) بأوامر الله المذكورة وكون أمر الجهاد والحرب بيده.

 

3ـ وقال تبارك وتعالى في الطائفة الثانية ممن استأذنوه لعدم الخروج إلى تبوك وكانوا منافقين ولم يؤمنوا بالله واليوم الآخر فثبّطهم الله وخلّفهم في المدينة فقال فيهم: ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ﴾[19].

 

فإذا رجع الرسول والمؤمنون من غزوة تبوك فربما احتمل مجيء هؤلاء المستأذنون المخلفون عن تلك الغزوة واستئذانهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأذن لهم في الخروج معه إلى الحروب الآتية فأنزل الله تعالى على رسوله ما يجب أن يفعله بعد استئذانهم المحتمل الآتي، فعليه أن يقول لهم: ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ﴾.

 

هذه ترجمة وتوضيح للمراد من هذه الآية، وفي فرضها للاستئذان بعد ذلك أيضاً منه (صلى الله عليه وآله) دلالة واضحة على أنه كان إليه أمر الحرب خارجاً وكان مؤتمراً بأوامر الله تعالى الماضية كما عرفت.

 

4ـ وقال تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ﴾[20].

 

فالإتيان فيها باستئذان أولى الطَول له (صلى الله عليه وآله) حتى يأذن له أن يتخلّف عن ذلك الجهاد الذي أنزلت فيها سورة دليلٌ على أنه كان إليه أمر الجهاد خارجاً.

 

5ـ وقال الله تعالى في أمر غزوة الأحزاب ـ الواقعة سنة 5 من الهجرة ـ حين اشتد الحرب، فيذكر الله تعالى الحوادث الواقعة حينه: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا﴾[21].

 

ففي هذه الغزوة أيضاً كان المنافقون الذين يريدون الفرار من الحرب كانوا يأتونه فيستأذنونه في أن يقعدوا عن الحرب، والاستيذان عنه لا يكون إلا إذا كان بيده تمام أمر الحرب والجهاد، فتدل هذه الآية الشريفة أيضاً على ائتماره (صلى الله عليه وآله) بتلك الأوامر التي حكيناها في الطائفة الأولى من الآيات الشريفة.

 

هذه نبذة من آيات الاستيذان منه (صلى الله عليه وآله)، وفي القرآن الشريف آيات أخر واردة في مسألة الاستيذان ودالة على أن أمر الحرب كان بيده، فراجع.

 

فهذه الطائفة من الآيات فيها دلالة تامة على أنه (صلى الله عليه وآله) قد امتثل أمر الله تعالى وأخذ بيده تمام أمر الحرب والجهاد.

 

الطائفة الرابعة من الآيات: ما تدل على وجوب اتباع الأمة للدعوة إلى القتال فتدل على ثبوت هذه الوظيفة للناس وأنها واجبة عليهم كأحد الواجبات الأخر وعلى ثبوت حق إمارة القتال وتصديه لولي أمر الأمة حتى أوجبت دعوته للناس إليه وجوب جواب ثبت لهذا الدعاء، وهذا المعنى مطابق وتأكيد لما مر من أن نفس ثبوت حق الدعوة إلى الجهاد لولي الأمر يقتضي وجوب اتباع الناس المولّى عليهم المدعوّين له ووجوب حضورهم في معركة الجهاد.

 

1ـ فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[22].

 

فالآية الأولى من هذه الآيات الخمس في مقام توبيخ المؤمنين الذين إذا قيل لهم انفروا إلى الجهاد في سبيل الله اثاقلوا إلى الأرض ولم ينفروا سريعاً وبلا تثاقل، فتدل على وجوب اتباع الأمر بالنفر في سبيل الله.

 

والآية الثانية قرينةٌ واضحة على أن الأمر بالنفر كان من ناحية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولذا كان عدم النفر به ترك نصره، فقال الله تعالى: إن الله تعالى ينصره الآن كما نصره أوائل البعثة إذ أخرجه الذين كفروا من مكة فنصره الله تعالى إذ ذاك وأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم يرها الناس.

 

وبعد هذه التأكيدات المتتالية فالآية الرابعة أخذت الأمر ثانياً من الأول وأمر الناس بالنفر خفافاً وثقالاً للجهاد وبالجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس، وهذا الأمر الثاني كتكرار للأمر الأول بالنفر، وظاهره الوجوب بلا شبهة لاسيما بعد تلك القرائن المتقدمة، والخفاف والثقال جمعان للخفيف والثقيل ولا يبعد ـ كما أفاده سيّدنا الأستاذ العلامة الطباطائي قدس سره في الميزان ـ أن يكون الثقل بقرينة المقام كناية عن وجود الموانع الشاغلة الصارفة للإنسان عن الخروج إلى الجهاد نظير كثرة المشاغل المالية وحب الأهل والولد والأقرباء والأصدقاء الذي يوجب كراهة مفارقتهم وفقد الزاد والراحة ونحو ذلك، فالأمر بالنفر خفافاً وثقالاً وهما حالان متقابلان في معنى الأمر بالخروج على أي حال وعدم اتخاذ شيء من ذلك عذراً يعتذر به لترك الخروج[23].

 

ومنه تعرف أن الثقال لا يراد به الصفات الموجبة لسقوط وجوب النفر إلى الجهاد التي ذكرت في قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[24] حتى تكون بينهما منافاة فيقال بأن آيتنا منسوخة بتلك الآية كما حكي عن السدّي، بل المراد به هي تلك الأمور الشاغلة الموجبة لثقل النفر إلى الجهاد ولا يحدث معها بنفسها أي مانع. نعم إن إطلاق وجوب النفر كإطلاقات وجوب القتال يعمّ من كان له أحد تلك الموانع فيقيّد بالأدلة المرخّصة كما لا يخفى. هذا كله حول الآية الرابعة.

 

وأما الآية الخامسة فهي أيضاً تأكيد لوجوب النفر بعد الأمر به وإن بعُد مسير هذه الغزوة ـ التي يقال إنها غزوة تبوك التي كانت مع جند ملك الروم ـ أوجب تثاقل من تثاقل وأظهر أعذاراً غير واقعية ولا مسموعة. وقوله تعالى فيها: (لاتبعوك) دليلٌ آخر على أن الأمر بالنفر كان من ناحية النبي (صلى الله عليه وآله).

 

فهذه الآيات تدل بوضوح على وجوب امتثال أمر ولي الأمر بالنفر إلى الجهاد ومورد نزولها وإن كانت غزوة تبوك، إلا أنه لا يضر بإطلاقها الواضح الذي جعل تمام موضوع وجوب النفر هو أمر وليّ الأمر بالنفر كما لا يخفى.

 

ثم إن الأمر المذكور في هذه الآيات وإن كان منشأ من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلا أنه لا ريب في عدم اختصاص وجوب النفر عقيبه بخصوص شخصه، بل بعد أن كان هو (صلى الله عليه وآله) بنص القرآن الشريف والأدلة الكثيرة الأخرى ولي أمر أمة الإسلام فلا محالة لا يرى العقلاء لشخصه خصوصية ويفهمون من الآيات تعميم الحكم المذكور بالنسبة إلى غيره من أولياء الأمر كما لا يخفى.

 

2ـ وقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[25].

 

وفي مجمع البيان: (الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين يعني يوم أحد)[26]. وواضحٌ أن الآية الأولى إشارة إلى ما أصاب المؤمنين في غزوة أحد، فبيّن الله تعالى أنه كان بإذن الله وأن من جملة غاياته أن يميّز الله تعالى المؤمنين والمنافقين. وأوضح أن المراد بالمنافقين هم الذين ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ﴾ عن حريمكم وأنفسكم فاعتذروا بأنهم لا يعلمون القتال و ﴿قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾، فالله تعالى يوبّخهم على هذه المقالة بأن ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ وفي هذا التوبيخ دلالة واضحة على حرمة فعلهم وتركهم للعمل بأمرهم بالقتال، فإنه عِدلٌ للكفر، وحيث إن الأمر بالقتال المذكور في قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ﴾ أمرٌ بالحضور للقتال من ناحية نبي الله ولي أمر المسلمين فالآية المباركة تدل بالوضوح على أن عدم الامتثال له والاعتذار بتلك الإظهارات السيّئة معصية وعِدلُ للكفر، وهو عبارة أخرى عن وجوب اتباع أمر ولي أمر الإسلام، ومورده وإن كان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلا أنه لما كان بنص القرآن الكريم ولي أمر المسلمين يفهم العقلاء أن الحكم هو ذلك في غيره من أولي أمر الإسلام والمسلمين.

 

3ـ وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[27].

 

قال في مجمع البيان ذيل هذه الآيات: لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد فبلغوا الروحاء ندموا على انصرافهم عن المسلمين وتلاوموا فقالوا: (لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى إذ لم يبق منهم إلا الشريد تكتموهم فارجعوا فاستأصلوهم). فبلغ ذلك الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأراد أن يرهب العدو ويُريَهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان، فقال: ألا عصابة تشدد لأمر الله تطلب عدوّها فإنها أنكأ للعدو وأبعد للسمع، فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من القراح والجراح الذي أصابهم يوم أحد، ونادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا لا يخرجنّ معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، وإنما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرهب العدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم فيظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنم من عدوهم فينصرفوا، فخرج في سبعين رجلاً حتى بلغ حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال. ـ ثم ذكر ما حاصله: أن رجلاً ذهب بعد ما رأى النبي وأصحابه إلى أبي سفيان وخوّفهم بما فعله المسلمون فقال: ـ وانصرف أبو سفيان إلى مكة ومرّ الركب (من عبد قيس) برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بحمراء الأسد فأخبره بقول أبي سفيان: (إنا قد أجمعنا الكرة عليه وعلى أصحابه لنستأصل بقيتهم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بعد الثالثة... وهذا قول أكثر المفسرين.

 

وقال مجاهد وعكرمة: نزلت هذه الآيات في غزوة بدر الصغرى، وذلك أن أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف: يا محمد موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصغر القابل إن شئت، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذلك بيننا وبينك ـ ثم ذكر ما حاصله: أن أبا سفيان رجع عن وعده والنبي وأصحابه عملوا به فأقاموا ببدر ولم يلقوا أبا سفيان ولا أصحابه وانصرفوا إلى المدينة سالمين، ثم قال: ـ وقد روى ذلك أبو الجارود عن الباقر (عليه السلام)[28].

 

فأي من شأني النزول كان فظاهر دعوة الرسول ومناديه إنها دعوة إلى القتال، ومفروض الآية الأولى أن الذين استجابوا لهذه الدعوة قد أصابهم القرح، وهذا القرح بحسب كلا الاحتمالين هو قرح غزوة أحد، فالآيات الشريفة نزلت في تجليل هؤلاء المسلمين حيث أجابوا دعوة الرسول، ومن الواضح أن الإتيان فيها بالله تعالى في قوله: (الذين استجابوا لله وللرسول) إنما أريد به تكريم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأن كل ما يأمر به فإنما هو في مقام العمل بما يحب الله ويريد لا أنه ليس من الرسول أمر. وعليه فدلالة الآيات على استحسان إجابة الرسول بيّنة وإن كان الإنصاف أنه لا دلالة فيها بنفسها على خصوص الوجوب إلا أنه لا ينافيه أيضاً، وقد مرت الدلالة على وجوب الاستجابة في الآيات السالفة.

 

ثم إنه قد روى العياشي في تفسير هذه الآيات أخباراً لا دلالة فيها على أن الآيات نزلت في إجابة الدعوة إلى القتال[29].

 

نعم عن مناقب ابن شهر آشوب عن ابن عباس وأبي رافع وأيضاً عن خصوص أبي رافع ما ينطبق على ما نقله المجمع عن أكثر المفسّرين[30].

 

وفي تفسير البرهان أنه روى من طريق الجمهور أنها نزلت في علي (عليه السلام) حيث وجّهه النبي في نفر في طلب أبي سفيان[31]. هذا.

 

وقد يمكن أن يقال بإشعار آيات الاستيذان في ترك الخروج إلى القتال بأن أذهان المسلمين قد ارتكزت على وجوب الحضور في صف القتال إلا لمن كان له عذر وأذن له الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومآل هذا إلى انعقاد ارتكازهم على وجوب امتثال دعوته وأمره بالقتال.

 

وهنا آيات أخر دالة على لزوم اتباع أمره يقف عليها المتتبع المتأمّل، بل الأمر في سائر الطوائف من الآيات أيضاً كذلك، فما نقلناها في كلٍّ من الطوائف إنما كانت نموذجاً والحمد لله.

 

فتحصّل: أن المستفاد من القرآن الكريم وجوب القتال على المسلمين وأن أمره مفوّض إلى ولي الأمر وليس لغيره الاستقلال به، وأن على الناس وجوب اتباع أمره.

 

نعم مقتضى إطلاق الآيات استواء جميع أقسام القتال في ذلك وأن القتال الدفاعي أيضاً مفوّض إلى ولي الأمر وإطلاقها مقتض لعدم جواز المبادرة بلا إذن منه إلى الدفاع ولو كان تأخيره موجباً لوقوع ضرر على البلاد الإسلامية أو حدوث ضرر مالي أو نفسي بالنسبة إلى الأمة. اللهم إلا أن يدّعى انصرافها إلى الموارد المتعارفة من اطلاع ولي الأمر عن هجوم المهاجمين أو البغاة وقدرته على القيام بالدفاع، فلو لم يطّلع أو لم تكن القوى المسلحة الدافعة حاضرة في الناحية المحتاجة للدفاع فهذه الآيات منصرفة عنه، ولا محالة مقتضى أدلة وجوب القتال في سبيل الله الشامل بإطلاقه للجهاد الدفاعي وجوب مبادرة الرعية أنفسهم بالقتال في عين إقدامهم السريع على إعلام الأمر لوليّ الأمر كما مر. هذا خلاصة الكلام في الآيات الشريفة.

 

 ــــــــــــــ

 

[1] الصف: 10 ـ 12.

 

[2] التوبة: 111 و 112.

 

[3] التوبة: 123.

 

[4] التوبة: 5.

 

[5] التوبة: 2.

 

[6] التوبة: 4.

 

[7] التوبة: 13 ـ 15.

 

[8] التوبة: 29.

 

[9] التوبة: 73، التحريم: 9.

 

[10] الأنفال: 64 ـ 66.

 

[11] النساء: 83

 

[12] الكافي: ج8 ص274 ـ 275 الحديث414 وعنه تفسير البرهان: ج2 ص138 الحديث2590.

 

[13] تفسير العياشي: ج1 ص261، وعنه تفسير البرهان: ج2 ص138 الحديث2591.

 

[14] تفسير العياشي: ج1 ص261، وعنه تفسير البرهان: ج2 ص139 الحديث2591.

 

[15] الأنفال: 55 ـ 57.

 

[16] آل عمران: 121 ـ 125.

 

[17] تفسير القمي: ج1 ص110 وعنه تفسير البرهان: ج1 ص678 الحديث1892.

 

[18] التوبة: 44 ـ 46 و 49.

 

[19] التوبة: 83.

 

[20] التوبة: 86.

 

[21] الأحزاب: 12 و 13.

 

[22] التوبة: 38 ـ 42.

 

[23] الميزان: ج9 ص296.

 

[24] التوبة: 91.

 

[25] آل عمران: 166 ـ 168.

 

[26] مجمع البيان: ذيل الآية166 من سورة آل عمران.

 

[27] آل عمران: 172 ـ 174.

 

[28] مجمع البيان: في سبب نزول الآيات المذكورة من سورة آل عمران.

 

[29] العياشي: ج1 ص206، وعنه تفسير البرهان: ج1 ص713.

 

[30] راجع تفسير البرهان: ج1 ص712 ـ 713 عن مناقب ابن شهر آشوب.

 

[31] تفسير البرهان: ج1 ص713.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة