الدرس الثالث والخمسون: أدلة باب الجزية وشرائط مَن عليه الجزية من أهل الكتاب
التاريخ: 02-12-2010
إنّ قوله تعالى في سورة محمّد: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ كما ترى في أوّل الآية قد جعل وظيفة المسلمين ضرب رقاب الّذين كفروا حينما لقوهم، والظاهر أنّ المراد من هذا الحين بقرينة ذيل الآية حين ما تقوم الحرب، فضرب رقاب جميع الكفّار واجب، فإذا قامت الحرب واستمرّت إلى أن أثخن المسلمون الكفّار أمرهم الله تعالى بأن يشدّوا الوثاق؛ والإثخان، هو الإثقال
إنّ قوله تعالى في سورة محمّد: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ كما ترى في أوّل الآية قد جعل وظيفة المسلمين ضرب رقاب الّذين كفروا حينما لقوهم، والظاهر أنّ المراد من هذا الحين بقرينة ذيل الآية حين ما تقوم الحرب، فضرب رقاب جميع الكفّار واجب، فإذا قامت الحرب واستمرّت إلى أن أثخن المسلمون الكفّار أمرهم الله تعالى بأن يشدّوا الوثاق؛ والإثخان، هو الإثقال.
قال في مجمع البيان: الإثخان: إكثار القتل وغلبة العدوّ وقهرهم، ومنه: أثخنه المرض: اشتدّ عليه، وأثخنه الجراح.
وقال الخليل في كتاب العين: وقد أثخنته: أي أثقلته. وأثخن الرجل: إذا اتّخذ شيئاً ثخيناً، أو ما به ثخانة وثِخن.
وقال في المفردات: ثَخُن الشيء فهو ثخين: إذا غلظ فلم يسل ولم يستمرّ في ذهابه. ومنه استعير قولهم: أثخنته ضرباً واستخفافاً.
وعليه فقوله تعالى: ﴿أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ معناه الّذي تحت لفظة أثقلتموهم حتّى لم يقدروا على التقدّم في الحرب ولا الدفاع المطلوب، وهو عبارة أخرى عمّا فسّره به مجمع البيان بقوله: أي أثقلتموهم بالجراح بهم وظفرتم بهم.
وأمّا قوله: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ فالوثاق اسم مصدر من الإيثاق ـ كما في مجمع البيان ـ وبمعنى الحبل والقيد كما في عين الخليل والمصباح المنير، فالمراد بشدّ الوثاق إمّا إحكام الإيثاق وإمّا إحكام القيد والحبل، وكيف كان فقد أمر الله تعالى بأنّه إذا ظفرتم بهم فاحكموا وثاقهم عند الأمر.
فبعد أسرهم قال: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ وحاصل مفاده: أنّه بعد أسرهم إمّا أن يردّ عليهم منّ من المسلمين فيطلقون وإمّا يفدون أنفسهم بشيء، وذيل الآية المباركة بيان لاستمرار الأمر على هذه الحالة إلى أن ينقضي الحرب وتضع أوزارها وأثقالها.
فهذه الآية المباركة حاصل مدلولها وجوب قتل الكفّار إلى أن يضعوا وحينئذٍ يؤخذ منهم الأسير ويُفعل بالأسير المنّ أو الفداء والكفّار المذكورون فيها يعمّ كلّ كافر كتابياً كان أو مشركاً أو ملحداً أو غيرهم، فقد جعلت الآية المباركة بكلٍّ منهم بعد ما أثخنوا حقّ الحياة ولو تحت عنوان الأسير وليس فيها من وجوب أخذ الجزية أو أدائها عينٌ ولا أثر.
وبمضمون هذه الآية الشريفة معتبر طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان أبي (عليه السلام) يقول: إنّ للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة ولم تضع أوزارها ولم يُثخن [ولم تضجر ـ يب] أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه؛ وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت... والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها، فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً .
فإطلاق الحرب المذكورة فيها يعمّ الحرب مع أيّ قسم من الكفّار. وهي قد صرّحت بأنّ الأسراء بعد أن أُثخن أهل الحرب لهم حقّ الحياة ويُفعل معهم أحد الوجوه الثلاثة وليس فيها من وجوب أداء الجزية أو أخذها عينٌ ولا أثر.
إلاّ أنّه لا ريب في أنّ عموم الآية المباركة وإطلاق الرواية الشريفة لم يعمل بهما، بل الكفّار إذا كانوا أهل الكتاب أخذ منهم الجزية إذا قبلوها بشرح ما مرّ الكلام فيه، وإذا كانوا مشركين فالآيات العديدة المذكورة في سورة التوبة تدلّ على وجوب قتلهم وأنّه لا يؤخذ السيف عنهم إلاّ أن يسلموا.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * ... كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * ... * ... * فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ .
والتدبّر في الآيات يعطي أنّ الآية الأولى والثانية مختصّتان بالمشركين الّذين كان بينهم وبين المسلمين معاهدة ثُمّ لم يعملوا ـ بقرينة الآية الرابعة والآية السابعة ـ بمقتضى عهدهم فهؤلاء المشركون قد آذن الله بالبراءة منهم من ناحية الله ورسوله، ومع ذلك قد جعل لهم حقّ السياحة والحياة أربعة أشهر، والظاهر أنّ هذه الأربعة أشهر هي الّتي أوجب الله بعد انسلاخها بوجوب قتل هؤلاء المشركين والتضييق عليهم جدّاً في الآية الخامسة.
ثُمّ إنّ الآية الثالثة أذانٌ ببراءة الله ورسوله من المشركين جميعاً، واستثنى منهم في الآية الرابعة خصوص المشركين الّذين عاهدوا المسلمين، وكانت هذه المعاهدة بقرينة الآية السابعة عند المشعر الحرام، فهذه الطائفة يجب على المسلمين أن يتمّوا إليهم إلى خصوص انقضاء مدّة المعاهدة بشرط أن يكونوا هؤلاء أيضاً مستقيمين للمسلمين وعالمين بعهدهم كما ذكره في الآية السابعة، وقد جعل الله تعالى العمل بهذه المعاهدة من مصاديق التقوى وقال في كلتا الآيتين: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
وأمّا الآية الخامسة فشرط انسلاخ الأشهر الحرم ـ المذكور صدرها ـ وإن كان مختصّاً بالمعاهدين الّذين لم يفوا بعهدهم المذكورين في الآية الأولى والثانية، إلاّ أنّه لا يبعد دعوى أنّ حكمه تعالى فيها بوجوب قتل المشركين والإرصاد لأخذهم ما أمكن عامٌ لجميع المشركين، وكيف كان فقد صرّحت الآية المباركة بأنّهم لا محيص لهم من القتل إلاّ أن يتوبوا ويسلموا ويعملوا بالوظائف الدينية وقد ذكر منها خصوص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من باب الأنموذج. إن شكّ في تعميم الحكم بوجوب قتلهم لجميع المشركين فمن الواضح أن مفاد صدر الآية السابعة أنّه ليس المشرك بما أنّه مشرك محلّ اعتماد في عهده فلا يكون له عهد عند الله ورسوله فلا محالة لابد من إجراء حكم القتل المذكور في الآية الخامسة فيهم، وأكّد هذه اللا اعتماد في الآية الثامنة والتاسعة، وأعاد تعالى بيان غاية رفع اليد عن قتلهم ثانياً بقوله تعالى في الآية الحادية عشر: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ وأمّا إن نكثوا العهد فلا محيص إلاّ مقاتلتهم وقتلهم.
نعم استثنى مرّة ثانية أولئك الّذين عاهدوا المسلمين عند المسجد الحرام وحكم على المسلمين لهم بوجوب وفاء المسلمين أيضاً بعدهم ما دام أولئك أيضاً يفون به، فقال في الآية السابعة: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
فالمتدبّر في هذه الآيات يرى بوضوح أنّه يجب على المسلمين أن يقاتلوا المشركين جميعاً ويقتلوهم وأنه لا يمنع عن قتلهم إلاّ أن يتوب المشركين ويدخلوا في سلك المسلمين فحينئذٍ يخلّى سبيلهم ويصيروا إخوان المسلمين.
وعليه، فلا ريب في دلالة الآيات الشريفة بوضوح على أنّه ليس للمشركين إلاّ القتل أو الإسلام فلا مجال لأخذ الجزية منهم، وإذا جعلت هذه الآيات ضمّ آية سورة محمّد فهي أخصّ من تلك الآية ولا محالة يخرج المشركين عن عموم تلك الآية، ويقال بمقتضى هذه الآيات. إنّ المشركين إذا لم يسلموا فلا سبيل لهم إلاّ القتل كما قال به الأصحاب.
ومعتبرة طلحة الماضية أيضاً مثل آية سورة محمّد ولابدّ من إخراج المشركين عن عمومها.
وبمضمون آيات البراءة صدر حديث حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في السيوف الخمسة الّتي بعث الله بها محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وثلاثة منها شاهرة فقد قال الباقر (عليه السلام) فيه: «فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة [المشهورة ـ خ ل] فسيفٌ على مشركي العرب، قال الله عَزّ وجَلّ: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ ـ يعني آمنوا ـ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ، فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فهؤلاء لا يُقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام وأموالهم [ومالهم ـ خ ل] فيء، وذراريهم سبي على ما سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّه سبي وعفا وقبل الفداء .
فهو (عليه السلام) قد ذكر الآية المباركة ونصّ على أنّها في المشركين ونصّ بعد ذكر الآية قوله: «فهؤلاء لا يُقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام» وهو الّذي قلنا ذيل الآيات أنّه مستفاد منها، والإمام (عليه السلام) أكّد هذا المعنى بأن ذكر بعد هذه العبارات السيف الثاني الّذي على أهل الذمّة ونصّ فيهم أنّهم لن يُقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل.
وبالجملة: فالحديث أيضاً مؤكّد لمفاد الآيات المباركة في المشركين ويكون دليلاً على التخصيص في آية سورة محمّد ومعتبرة طلحة.
نعم أنّه (عليه السلام) خصّ هذا السيف الشاهر الأوّل بمشركي العرب ثُمّ ذكر آية وجوب قتل المشركين تطبيقاً عليه فلعلّه ربما ينقدح في الذهن اختصاصها بخصوص هؤلاء المشركين فقط إلاّ أنّ مجرد التطبيق لا شاهد فيه على الاختصاص سيّما والآيات المباركات ـ على ما عرفت ـ شاملة لجميع المشركين، ثُمّ على فرض انقداح اختصاص مّا بخصوصهم فلعلّه لأنّ هذه الآية وسائر الآيات الأخر وردت في شأنهم وكان شأن نـزولها في مشركي العرب كما لا يبعد استظهاره من نفس الآيات أيضاً، فإنّهم كانوا عاهدوا المسلمين ثُمّ وفى جمع منهم بعهدهم ونقضه آخرون على ما عرفت.
ثُمّ إنّه جاء في ذيل حديث حفص قوله (عليه السلام): والسيف الثالث سيفٌ على مشركي العجم ـ يعني الترك والديلم والخزر ـ قال الله عَزّ وجَلّ في أوّل السورة الّتي يذكر فيها الّذين كفروا فقصّ قصّتهم ثُمّ قال: ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ فأمّا قوله : ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ﴾ يعني بعد السبي منهم ﴿وَإِمَّا فِدَاء﴾ يعني المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام فهؤلاء لن يُقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام ولا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب .
فقد طبّق آية سورة محمّد على مشركي العجم ومع ذلك فقال في ذيلها فيهم: «فهؤلاء لن يُقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام» فهذا الّذي جعله حكمهم هو بعينه حكم مشركي العرب بل حكم جميع المشركين على ما عرفت، فالآية المباركة بهذا التفسير لا تنافي آيات البراءة وإنّما ذكر في هؤلاء المشركين سبيهم والمفاداة بينهم وبين المسلمين، ولم يقل به أحد على ما عرفت، فالحديث قد أعرض الأصحاب عمّا أفاده في سبي المشركين ولم يقولوا به وهو لا ينافي اعتباره في بقية مضمونه. على أنّ في اعتبار سند الحديث خفاء إلاّ أن يجبر بعمل الأصحاب وبكونه منقولاً في الكافي والخصال والتهذيب وتفسير القمّي، فاهتمامهم بنقله كاشفٌ عن اعتمادهم عليه لكنّه لا يرفع الخدشة عمّا أعرض عنه الأصحاب.
ثُمّ إنّ في استظهار أنّ الإمام بصدد تخصيص هذه الآية بخصوص مشركي العجم نفس الكلام الّذي قدّمناه في آية البراءة نقضاً وإبراماً، فتذكّر.
فالمتحصّل من الآيات والروايات المذكورة: أنّ جميع المشركين يجب قتلهم ولا تُقبل منهم جزية أصلاً.
وأمّا سائر الأخبار:
1ـ ففي خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجزية فقال: إنّما حرّم الله الجزية من مشركي العرب والخبر ـ وإن كان ضعيف السند إلاّ أنّه ـ دالّ على حرمة أخذ الجزية من مشركي العرب وهو موافق لما سبق. لا يقال: إنّ قوله «إنّما» وهي من أداة الحصر يدلّ على عدم حرمة أخذها من سائر المشركين، فإنّه يقال: إنّ كونها أداة حصر غير مسلّم كما بيّنّاه في محلّه، ولو سلّم لحمل الخبر على التقية لكون الحصر مذهب بعض العامّة، والعمدة أنّ الخبر ضعيف السند.
2ـ وفي صحيح محمّد بن مسلم المذكورة في روضة الكافي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عَزّ وجَلّ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه﴾ فقال (عليه السلام): لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يُقبل منهم، لكنّهم يُقتلون حتى يوحّد الله عَزّ وجَلّ وحتى لا يكون شرك .
دلّ على أنّ ما فعل الرسول من الترخيص بمن كان لا يوحّد الله وكان لا يخلو عن شرك فإنّما هو لحاجته وحاجة أصحابه، فأمّا إذا ارتفعت مثل هذه الحاجة لا يسامح في قتل مشرك أصلاًَ، فالمشركون حينئذٍ يُقتلون بالمرّة، وهو المطلوب.
لكنّه غير دالّ، فإنّه ناظر إلى الترخيص الّذي فعله الرسول بهؤلاء وهم كانوا غير خالين عن الشرك، ولا يبعد أنّ المراد بهم أهل الكتاب الّذين قال الله فيهم مثلاً: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ فإنّه أخذ من أمثالهم الجزية وما يقولونه شرك فأُغمض عنه وأخذت منهم الجزية، فالصحيحة تقول إنّ هذا الحكم محدود بما إذا لم يجئ تأويل مورد السؤال، فإذا جاء تأويله يقتل كلّ مشرك حتّى يكون الدين كلّه لله، فلا ربط للصحيحة بمورد الكلام.
3ـ ومرسل الواسطي الّذي مرّ نقله في عداد القسم الأوّل من روايات أخذ الجزية من المجوس تحت رقم 1 يدلّ أيضاً على أنّ الجزية لا تؤخذ من مشركي مكّة، بل كما عرفت أنّه يدلّ على اختصاص الجزية بخصوص أهل الكتاب الّذين يخرج عنهم المشركون كلاًّ.
4ـ وخبر الأصبغ الّذي مرّ نقل متنه أيضاً يدلّ على أنّ الجزية لا تؤخذ من غير أهل الكتاب فيدلّ لا محالة على عدم جواز أخذها من المشركين، وقد مرّ نقل متنه في عداد القسم الأوّل من تلك الروايات تحت رقم4.
5ـ وصحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الّتي قد مرّ نقلها صدر المسألة الثانية تحت رقم 3 أيضاً تدلّ على أنّ أخذ الجزية ووجوبها مختصّ بأهل الكتاب، فلا محالة لأخذها من غيرهم الّذين يدخل المشركون فيهم.
6ـ وفي خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السلام) قال: القتل قتلان: قتل كفّارة وقتل درجة، والقتال قتالان: قتال الفئة الكافرة حتّى يسلموا وقتال الفئة الباغية حتّى يفيئوا .
وربما يستدلّ بقوله: «قتال الفئة الكافرة حتّى يسلموا» ببيان أنّه جعل غاية الكفّار إسلامهم فلا محالة لا يرفع اليد عنهم إلاّ أن يسلموا وهو بمعنى عدم قبول الجزية منهم بل ليس لهم إلاّ الإسلام أو القتل، لكنّه محلّ نظر لاحتمال أن يكون المراد أنّ دخولهم في الإسلام هو الهدف من قتالهم وهو يجتمع مع الإذن بأن يعيشوا تحت لواء الإسلام في قبال أداء الجزية كما في أهل الكتاب، فتأمّل. مضافاً إلى أنّ الحديث ضعيف السند جدّاً.
ثُمّ إنّه روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول لمن يبعثهم للقتال تحت عنوان السريّة كلاماً وفيه: «وإذا لقيتم عدوّاً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم، وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام... فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فإن أعطوا الجزية فأقبل منهم وكفّ عنهم... الحديث .
وهو يدلّ على أنّ عدوّ المسلمين إذا قبل إعطاء الجزية يُقبل منه ويكفّ عنه، وعنوان عدوّ المسلمين مطلق بدخل فيه جميع أنواع الأعداء ومنهم المشركون، فإطلاقه يدلّ على قبول الجزية منهم.
والإنصاف أنّ دلالة الرواية بالبيان المزبور مسلّمة إلاّ أنّه يجب تقييد هذا الإطلاق وإخراج المشركين عنه كما كان الأمر كذلك في آية سورة محمّد ومعتبرة طلحة.
وفي رواية أخرى عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام): القتال قتالان: قتال أهل الشرك لا ينفر عنهم حتّى يسلموا أو يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وقتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتّى يفيئوا إلى أمر الله أو يقتلوا .
ودلالتها على قبول الجزية عن المشركين وترك القتال معهم حينئذٍ واضحة إلاّ أنّها لم يعتن بها أحد وسندها ضعيف جدّاً، فإنّ أبا البختري هو وهب بن وهب الّذي عن النجاشي أنّه كان كذّاباًَ وعن الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه كان أبو البختري من أكذب البرية.
فقد تحصّل من جميع ما مرّ: أنّ المشركين لا تُقبل منهم الجزية وأنّهم إذا لم يسلموا فلا محالة يُقتلون.
وأمّا الملحدون الّذين لا يعتقدون بوجوب الصانع أصلاً فهم أخسّ رتبة في الاعتقادات من المشركين، فإنّ المشركين إنّما أشركوا بعبادة الله وإلاّ فهم يقرّون بالله تعالى ويعتقدون أنّه خالق السموات والأرض ويقولون في أصنامهم الّتي يعبدونها: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ولعلّه لإشراكهم بالعبادة يطلق عليهم المشرك.
فالملحدون يمكن الاستلال لوجوب قتلهم وعدم قبول إعطاء الجزية منهم بوجهين: فأوّلاً بأنّ جريان الحكمين فيهم أولى قطعاً من المشركين، فإذا لم يقبل الإسلام حق الحياة لمن يعتقد بالله تعالى وإنّما يجعل له شريكاًَ في العبادة فعدم قبوله لهذا الحقّ لمن ينكر وجود الله تعالى بالمرّة أولى.
وثانياً بأنّ الأخبار الدالّة على انحصار قبول الجزية بخصوص أهل الكتاب وأنّها لا تقبل من غيرهم كمرسل أبي يحيى الواسطي وحديث الأصبغ بن نباتة وصحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الّتي مضت الإشارة إليها في الروايات الدالّة على عدم قبول الجزية من أهل الشرك فهذه الأخبار تقتضي أن لا تُقبل من الملحدين أيضاً وأن يكون مصيرهم مصير المشركين، وهذه الأخبار كما عرفت تقيّد الأدلّة المطلقة أو العامّة الّتي تدلّ على قبول الجزية من كلّ كافر أو عدوّ للمسلمين، فتذكّر.
وأمّا مَن كان خارجاً عن جميع العناوين السالفة وكان نابعاً للكتب المنـزلة على سائر الأنبياء كإبراهيم وداود على نبيناً وآله وعليهما السلام فيمكن الاستدلال لعدم قبول الجزية منهم أيضاً (تارةً) بصحيحة عبد الكريم بن عتبة وذلك أنّها قالت: إنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب ومع ذلك فقالت: «استثناء الله تعالى واشتراطه من أهل الكتاب» فلا محالة يراد من أهل الكتاب المذكور أهل التوراة والإنجيل وتختصّ الجزية بهما ويكون التابعون لكتب الأنبياء السالفة خارجين عن أهل الكتاب لا تقبل منهم الجزية، ونحن وإن وجّهنا دخول المجوس في حكم أهل الكتاب إلاّ أنّه كان مستنداً إلى أدلّة معتبرة كما عرفت، ولا دليل على الخروج في غيرهم، فهذه الصحيحة دالّة على عدم قبول الجزية منهم وقد مرّ أنّ مثلها يقيّد الإطلاق المقتضي للخلاف.
(وأخرى) يستدلّ له بما مرّ عن العلاّمة في التذكرة والمنتهى من: «أنّ هذه الكتب كانت مشتملة على مجرّد مواعظ أخلاقية لا على أحكام تكليفية» ومآله إلى دعوى انصراف الكتاب في أهل الكتاب إلى الكتاب الحاوي لأحكام تكليفية إلهية، فهو منصرف عن كتب هؤلاء الأنبياء السالفة.
وقد عرفت دلالة أخبار متعدّدة على اختصاص الجزية بأهل الكتاب.
وفي الوجه الأوّل كفاية. فالمتحصّل: أنّه لا تقبل الجزية إلاّ من الطوائف الثلاث الماضية وأنّه لا يُقبل من غيرهم إلاّ الإسلام، وإن لم يسلموا ـ بعد إيضاح حقّيته لهم ـ يُقتلون.
المسألة الرابعة: أنّ جميع من كان من الطوائف الثلاث لا يجب عليه أداء الجزية، بل قد ذكر الأصحاب أصنافاً منهم لا تجب الجزية عليهم واستثنوهم من العموم وهم عدّة أصناف:
فالأوّل والثاني: النساء والصبيان، ذكرهما: المفيد في المقنعة، والشيخ في النهاية والمبسوط، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي، وسلاّر في المراسم، وابن البرّاج في المهذّب، وابن زهرة في الغنية، وابن حمزة في الوسيلة، والحلبي في إشارة السبق، والكيدري في إصباح الشيعة، وابن إدريس في السرائر، والمحقّق في الشرائع والمختصر النافع، والعلاّمة في الإرشاد والقواعد والتذكرة مدّعياً فيه الإجماع، وفي منتهى المطلب مدّعياً أنّه قول عامّة أهل العلم أو العلماء. ونحن لم نجد في استثنائهما خلافاً وقد مضت عبارات هؤلاء الأعاظم(قدس سرّهم).
وأمّا الأدلّة فهي مختلفة بعضها مشترك بينهما وبعضها مختصّ بأحد الفريقين.
أما المشتركة:
1ـ فمنها ما رواه الكليني في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقيه والبرقي في المحاسن والشيخ في التهذيب كلّهم عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النساء كيف سقطت الجزية ورفعت عنهنّ؟ فقال: لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلاّ أن يقاتلن، وإن قاتلت أيضاً فامسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللاً، فلمّا نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى، ولو امتنعت أن تؤدّي الجزية لم يمكن قتلها، فلمّا لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، ولو منع الرجال فأبوا [ولو امتنع الرجال ـ كا] أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم وقتلهم، لأنّ قتل الرجال مباح في دار الشرك والذمّة وكذلك المقعد من أهل الشرك• والذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب من [فمن ـ كا] أجل ذلك رفعت عنهم الجزية.
ورواه الصدوق في علل الشرائع بسنده عن الأوزاعي عن الزهري عن عليّ ابن الحسين (عليهما السلام) .
والعبارة الّتي نقلناها من الفقيه، وأشرنا إلى موضع اختلاف نسخة العلل والكافي. وإسناد الصدوق إلى حفص بن غياث صحيح، وحفص وإن كان عامّي المذهب إلاّ أنّ عن فهرست الشيخ أنّه له كتاب معتمد، والظاهر أن نقل الصدوق ـ بقرينة أنّ له إليه إسناداً واحداً ـ عن كتابه بل لا يبعد أن يستفاد من كلام الفهرست أنّ نفسه مورد وثوق واعتماد ولذا كان كتابه معتمداً، وأمّا غير سند الفقيه فليس في الاعتبار بهذا الوضوح وإن كان اتفاق هذه المشايخ على نقلها لعلّه يكشف عن ثبوت صحّة سندها. وكيف كان فالحديث معتبر السند.
والحديث صريح في رفع الجزية عن النساء، وظاهر كالصريح في ارتفاعها عن الصبيان لأنهم أيضاً ذكروا أوّلاً مع النساء في أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتلهم وقتلهنّ وجعل الإمام (عليه السلام) هذا النهي عن القتل بالاستدلال المذكور في الحديث دليلاً على سقوط الجزية، فيشتركان في سقوطهما عنهما.
بل الحقّ أنّه يستفاد من الحديث قاعدتان أخريان: إحداهما أنّ كلّ مَن نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قتله في دار الحرب فلا يجوز قتله في دار الإسلام أيضاً بل حرمة قتله في دار الإسلام أولى، والثانية أنّ كلّ مَن لا يجوز قتله في دار الإسلام ترتفع الجزية عنه.
وقد بيّن الإمام (عليه السلام) كلتا القاعدتين وذكر الدليل عليهما بأحسن بيان بحيث لا يحتاج بعد إلى بيان أزيد، فهاتان القاعدتان كلّيتان يستفاد منهما في سائر الموارد ومنه الصبيان وإن استفاد منهما هنا في خصوص النساء.
2ـ ومنها ما عن دعائم الإسلام عن عليّ (عليه السلام) قال: الجزية على أحرار أهل الذمّة الرجال البالغين، وليس على العبيد ولا على النساء ولا على الأطفال جزية... الحديث .
ودلالة الحديث على انتفاء الجزية عنهما واضحة، وإن كان سنده ضعيفاً لا أقلّ بالإرسال.
3ـ ومنها صحيحة جميل به درّاج ومحمّد بن حمران كلاهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بعث سريّة دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثُمّ قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثّلوا ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة... الحديث. وروى مثله عن معاوية ابن عمّار ـ قال: أظنّه ـ عن أبي حمزة الثمالي عنه (عليه السلام) .
والاستدلال بها من حيث إنّها تدلّ على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتل النساء والصبيان في دار الحرب، فبانضمامها إلى معتبرة حفص بن غياث يستفاد حرمة قتلهما في دار الإسلام وسقوط الجزية عنهما على ما عرفت من القاعدتين.
4ـ ومنها ما عن دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن عليّ (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا بعث جيشاً أو سريّة أوصى صاحبها بتقوى الله في خاصّة نفسه ومَن معه من المسلمين خيراً وقال: اغزوا بسم الله وفي سبيل الله ـ إلى أن قال: ـ ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأةً... الحديث .
فإنّه نهى عن قتل المرأة والوليد ـ الّذي هو الطفل ـ في دار الحرب وإن فسّر الوليد بالطفل غير المميّز فلا يعمّ كلّ صبيّ، وعلى أيّ حال فيدلّ ـ بالبيان الّذي مرّ آنفاً ـ على سقوط الجزية عنهنّ.
ثُمّ إنّ صحيحة جميل وخبر الدعائم وإن كان موردهما السريّة إلاّ أنّ الظاهر أنّ هذا حكم الإسلام في الحرب مطلقاً.
هذه هي الروايات المشتركة بين النساء والصبيان.
وأمّا ما تدلّ على سقوط الجزية عن خصوص النساء فهي ما عن الصدوق في الخصال بسنده عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس على النساء أذانٌ ولا إقامة ـ إلى أن قال ـ ولا جزية على النساء . ودلالته واضحة. وأمّا ما تختصّ بالصبيان فهي أيضاً روايات وهي على طائفتين:
(الطائفة الأولى) ما تدلّ بنفسها وبلا حاجة إلى ضميمة على المطلوب:
1ـ فمنها معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع مشفّع، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت [كانت ـ خ ل] لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات .
ودلالته على المطلوب بلحاظ أنّ كتابة السيّئات على الأطفال الّتي هي من لوازم تنجّز التكليف أُنيطت ببلوغ الحلم، وبلوغ الحلم إنّما هو دليل بلوغ التكليف فلا يكون تكليف منجّزاً على الطفل قبل بلوغ التكليف، ومن التكاليف وجوب أداء الجزية فلا محالة ليس واجباًَ على الأطفال. ثُمّ إنّ المذكور موضوعاً في الحديث وإن كان أولاد المسلمين، فلا يعمّ أولاد الكفّار الّذين هم محلّ الكلام في وجوب الجزية، إلاّ أنّ المفهوم عرفاً من اشتراط بلوغ الحلم أنّه اشترط تعلّق التكليف بالإنسان فيستفاد منه هذا الشرط في أولاد الكفّار أيضاً.
2ـ ومنها موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى عليها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم .
وعطف جرى القلم عليها على وجوب الصلاة شاهد على أنّ المراد منها اشتراط تعلّق التكليف بالبلوغ، وهي أيضاً لا تختصّ بأولاد المسلمين كما عرفت في سابقها، ودلالتها على المطلوب واضحة كما مرّ.
3ـ وعن الصدوق في من لا يحضره الفقيه أنّه قال: و في خبر آخر: على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت الصيام .
4ـ وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار... الحديث .
ووجه دلالتها أنّ الاحتلام أو الحيض إنّما ذكر علامة البلوغ فالبلوغ، هو تمام الموضوع، والصيام والخمار إنّما ذكرا بما أنّه مصداق للمكلّف به، وإلاّ فالمراد الجدّي جميع ما يكلّف به، وقد عرفت أن الغرض بيان حدّ البلوغ بلا اختصاص بأولاد المسلمين، فدلالتها تامّة كما مرّ.
5ـ ومنها ما عن الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن ابن ظبيان قال: أُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر عمر برجمها فقال عليّ (عليه السلام): أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم وعن المجنون حتّى يفيق وعن النائم حتّى يستيقظ .
والحديث كما ترى قد حكم برفع القلم عن الصبي غير البالغ وهو مطلق من جهة كونه ولد مسلم أو كافر وصريح بقرينة المورد في شموله للأنثى، فيدلّ على انتفاء التكليف عن أطفال الكفّار بالجزية وغيرها أيضاً، إلاّ أنّ سنده غير معتبر.
6ـ ومنها موثٌقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحجّ، قال (عليه السلام): عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت . ومثلها رواية شهاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) .
وبيان دلالتهما بعين ما مرّ ذيل مرسل الصدوق ورواية أبي بصير الواردين في وجوب الصيام بالاحتلام أو الحيض.
7ـ ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المسلمين احتلم أم لم يحتلم وكتبت عليه السيّئات وكتب له الحسنات وجاز له كلّ شيءٍ إلاّ أن يكون ضعيفاً أو سفيهاً . وروى عن الشيخ في التهذيب مثلها إلاّ أنّ فيها «على المحتلمين» بدل قوله: «على المسلمين» .
وبيان الاستدلال بها مثل ما قدّمناه ذيل معتبر طلحة بن زيد غاية الأمر أنّهما جعلا السنّ الموجب للبلوغ انقضاء ثلاث عشرة سنة، وهو أمر آخر لا يضرّ بدلالتهما على أنّ مبدأ وجوب الواجبات وحرمة المحرّمات هو الوصول بالبلوغ بالاحتلام أو غيره.
8ـ ومنها موثّقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله عَزّ وجَلّ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ قال: الاحتلام، قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها، فقال (عليه السلام): لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيها أو ضعيفاً... الحديث .
وبيان الاستدلال بها مثل ما مرّ في صحيحته، بل إنّ دلالتها على أنّ تمام الملاك هو البلوغ أوضح، لذكرها الاحتلام أوّلاً.
9ـ ومنها ما عن الكليني والشيخ بسنديهما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك أنّها تحيض لتسع سنين .
وموضوع الحكم فيه هو حدوث البلوغ وإن اختلف في الصبي مع فتوى المشهور في السنّ الّذي يكون ملاكاً، وصرّح بأنّه مع البلوغ تكتب السيّئات فلا محالة لا تكليف قبله ويكون بإطلاقه دليلاً لما نحن فيه.
10ـ ومنها ما عن قرب الإسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الّذي لا يفيق والصبيّ الّذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم .
ومحلّ الاستشهاد جملته الأخيرة وقد مرّ بيانه، فراجع ما ذكرناه ذيل خبر ابن ظبيان إلاّ أنّ سنده ضعيف بأبي البختري.
11 و12 ومنها رواية بريد [يزيد ـ خ ل] الكناسي وخبر حمزة بن حمران، فراجع.
ومنها غير ذلك ممّا يقف عليه المراجع المتتبّع ولا حاجة إلى ذكره بعد ما مرّ من هذه الروايات الكثيرة التامّة الدلالة الّتي فيها معتبرات السند كثيراً. هذه هي الطائفة الأولى.
(الطائفة الثانية) ما تدلّ على أنّه يحرم قتل الصبي في الحرب، فإذا انضمّ إلى رواية حفص بن غياث الماضية يستفاد المطلوب كما مرّ.
1ـ ففي موثّقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اقتلوا المشركين واستحيوا شيوخهم وصبيانهم .
فإنّه أمر بقتل المشركين وباستحياء الشيوخ والصبيان منهم، والأمر ظاهر في الوجوب، فإذا كان استحياء صبيان المشركين واجباً فأهل الكتاب أولى.
2ـ وفي خبر أبي البختري المروي في التهذيب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرضهم يؤمئذٍ على العانات، فمن وجده أنبت قتله، ومَن لمن يجده أنبت ألحقه بالذراري . وفي الوسائل عن قرب الإسناد مثله .
وإنبات الشعر من علائم البلوغ، فمن أنبت على عانته فهو بالغ يُقتل، ومَن لم ينبت يلحق بالذراري، وهو في معنى عدم جواز قتله.
3ـ وفي معناه ما عن عوالي اللآلي: وفي الحديث أنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريضة بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم، وأمر بكشف مؤتزرهم، فمن انبت فهو من المقاتلة، ومَن لم ينبت فهو من الذراري، فصوّبه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .
4ـ وفي رواية مسعدة بن صدقة عن الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله قال لمن يرسلهم في السرايا : «لا تقتلوا وليداً» بناءاً على أنّ الوليد مطلق الصبي.
وبالجملة: فعدم وجوب أداء الجزية على النساء والصبيان من أهل الكتاب مسلّم وواضح جدّاً.
الثالث ممّن تسقط عنه الجزية: المجنون والأبله، فظاهر المقنعة والمراسم اشتراط البلوغ فيمن تجب عليه الجزية، وصريح أبي الصلاح في الكافي والمحقّق في الشرائع والعلاّمة في الإرشاد والقواعد والتذكرة والمنتهى أنّه لا يجب الجزية على المجنون، وصريح الشيخ في النهاية والمبسوط وابن البرّاج في المهذّب، وابن إدريس في السرائر والمحقّق في المختصر النافع سقوطها عن المجنون والأبله، وذكر في الغنية أنّها تجب على كاملي العقول، ومثلها إصباح الشيعة، فلا محالة يخرج المجنون وإن كان في خروج الأبله منهم تأمّل. وعبارة هؤلاء الأعاظم (قدس سرّهم) قد مضت ولم نجد فيه خلافاً ولذا قال في الجواهر: لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين مطلقاً والنساء كما صرّح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافاً، بل في المنتهى ومحكيّ الغنية والتذكرة الإجماع عليه وهو الحجّة . وقد مرّت دعوى الإجماع على سقوط الجزية عن المجنون المطبق عن التذكرة والمنتهى، وأمّا الغنية فالظاهر أنّها لم تدّع الإجماع هنا، وكيف كان فالظاهر أنّه لا حجيّة في الإجماع هنا بعد وجود روايات يحتمل استناد المجمعين بها كما ستعرف.
وأمّا الدليل عليه فيمكن الاستدلال له بطائفتين من الأخبار:
(إحداهما) وردت في خصوص موضوع الكلام، وهي معتبرة طلحة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب عليه عقله .
فحكى (عليه السلام) جريان السنة على عدم أخذها لا من المعتوه ولا من المغلوب عليه عقله، وظاهره أنّه في مقام بيان الحكم الشرعي فلا محالة لا يجوز التخلّف عن هذه السنّة وهو لا إشكال فيه.
فلا ينبغي الريب في دلالة الحديث على أنّها لا تؤخذ من المجنون فإنّه مغلوب عقله عليه فلا عقل له أصلاً، وأمّا الأبله الّذي يراد منه ظاهراً مَن كان عقله ناقصاً الّذي لم يبلغ حدّ الجنون لكنّه غير كامل العقل عقلاً متعارفاً ولعلّه يعبّر عنه في الفارسية «خُل» فالدليل عليه عنوان المعتوه، فإنّ الخليل في كتاب العين قال: «عُتهِ الرجل يُعتّه عُتْهاً وعُتاهاُ فهو معتوه: أي مدهوش من غير مسّ وجنون» وقد فسّر أقرب الموارد المعتوه بمن نقص عقله، قال: «وقبل: فُقِد. وقيل: دُهِش من غير مسّ جنون» فبناءاً على تفسير المعتوه بناقص العقل يكون في مقابل المجنون، ولا يبعد أن يكون هو الظاهر من الرواية بقرينة جعل العنوانين كلاًّ مقابلاً للآخر وتكرار لفظة «لا» الدالّة على اثنينيّتهما، فتفسير المعتوه بفاقد العقل لا يكون موافقاً للرواية.
هذا مضافاً إلى أنّه قد ورد في بعض الأخبار تفسير المعتوه بالأحمق، ففي صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن طلاق المعتوه، قال: وما هو؟ قال: قلت: الأحمق الذاهب العقل، قال: لا يجوز... الحديث . وفي صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال: وما هو؟ قال: فقلت: الأحمق الذاهب العقل، فقال: نعم .
وبعد هذا التفسير فلا ينبغي الريب في سقوط الجزية عن المعتوه الأحمق.
(والطائفة الثانية) من الأخبار ما تدلّ على أنّ المجنون لا تكليف عليه، وحيث إنّ وجوب أداء الجزية تكليف فلا محالة ينتفي عنه وهذه الطائفة أخبار متعدّدة:
1و2ـ منها ما مرّ ذيل البحث عن سقوط الجزية عن الصبيّ من خبر ابن ظبيان وخبر أبي البختري، وقد ذكرناهما آنفاً تحت الرقم 5 و10.
3ـ ومنها ما عن المفيد في الإرشاد: قال: روت العامّة والخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ما بال مجنونة آل فلان تُقتل؟ فقيل له: إن رجلاً فجر بها فهرب وقامت البيّنة عليها فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: ردّوها إليه وقولوا له: أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان وأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «رُفع القلم عن المجنون حتّى يفيق» وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها، فردّوها إليه، فدرأ عنها الحدّ .
وموضع الاستدلال هو قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق» ودلالتها واضحة وقد مرّ بيانها، فهذه الأخبار الثلاثة هي روايات رفع القلم.
4ـ ومنها صحيحة محمّد بن مسلم ـ المروية عن الكافي وأمالي الصدوق والمحاسن ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا خلق الله العقل استنطقه ثُمّ قال له: أقبِل، فأقبَل، ثُمّ قال له: أدبِر، فأدبَر، ثُمّ قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ منك، ولا أكملتك إلاّ في مَن أحبّ، أما إنّي إيّاك آمرُ وإيّاك أنهى وإيّاك أعاقِب وإيّاك أُثيب .
ومحلّ الاستدلال هي الجملات الأربع الأخيرة فإنّها تدلّ بوضوح على أنّ التكليف الإيجابي والتحريمي بل مطلق الأمر والنهي وهكذا الثواب والعقاب يتعلّق بالعقل وبمن كان له عقل بها أنّ له عقلاً فلا محالة مَن لا عقل له لا أمر ولا نهي إليه وهو تمام المطلوب، فإنّ عمومه بنفي تكليف وجوب الجزية أيضاً عمّن يكون مجنوناً لا عقل له.
5ـ ومنها صحيحة أخرى ـ مروية عن الكافي والمحاسن ـ لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا خلق الله العقل قال له: أقبِل فأقبَل، ثُمّ قال له: أدبِر فأدبَر، فقال: وعزّتي ما خلقت خلقاً أحسن منك؛ إيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وأيّاك أُثيب، وإيّاك أعاقِب . و موضع الاستدلال هنا أيضاً الجملات الأخيرة، وبيانه بعين ما مرّ.
6ـ ومنها صحيحة هشام ـ المروية عن محاسن البرقي ـ قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لمّات خلق الله العقل قال له: أقبِل فأقبَل، ثُمّ قال له: أدبِر فأدبَر، ثُمّ قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب .
وموضع الدلالة هي الجملات الثلاث الأخيرة والأخذ به هو العقاب به كما أنّ الإعطاء به هو الإثابة به، فحصر الثواب والعقاب على العقل يقتضي أن لا عقاب على مَن لا عقل له، وهو بمعنى نفي التكليف الموجب للعقاب عنه فيكون دليلاً لما نحن فيه.
ومثلها ما عن المحاسن من رواية أبي بصير ومرفوعة بعض أصحابنا والمرسل عن الرصافي بل وغيرها، فراجع.
الرابع ممّن قال بعض الأصحاب بسقوط الجزية عنه العبد المملوك، كما هو صريح المبسوط حيث قال: فأمّا المملوك فلا جزية عليه لقوله (عليه السلام): لا جزية على العبيد . وهو أيضاً صريح أبي الصلاح الحلبي في الكافي وابن حمزة في الوسيلة والعلاّمة في الإرشاد والقواعد، وقال ابن إدريس في السرائر: وأمّا مماليك أهل الذمّة فلا جزية عليهم لقوله (عليه السلام): لا جزية على العبد ونسبه في التذكرة والمنتهى والمختلف إلى المشهور كما نقل في الأوّلين عن قوم أنّها لا تسقط عنه، ولم يختر هو نفسه شيئاً من القوانين. ونقله المحقّق في الشرائع بقوله: «وقيل: تسقط عن المملوك» وقد مرّت عباراتهم، إلاّ أنّ كلمات الآخرين خالية عن هذا الاستثناء وعمومها يقتضي تعلّق الجزية بالعبيد أيضاً. نعم إنّ صاحب الجواهر أيضاً قوّى سقوطها عنه قائلاً أنّه حكى أيضاً عن العلاّمة عن التحرير .
وينبغي التوجّه إلى نكتة هي أنّ المراد بالعبيد هنا ليس ما يسترقّونه المسلمون من أسراء الكفّار فإنّهم بجميع حيثياتهم ملكٌ للمسلمين ولا معنى لتعلّق الجزية بهم، بل المراد ما كان عبداً للكفّار أهل الكتاب فظهر المسلمون عليهم وجعلوا على مواليهم الجزية، فالكلام في أنّه هل تجعل الجزية على مماليكهم أيضاً؟
وكيف كان، فعموم أدلّة إيجاب الجزية عن أهل الكتاب يعمّ مماليكهم أيضاً ومضافاً إليها، فقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال (عليه السلام): نعم: إنّما هو مالكه (ماله ـ خ ل) يفتديه (يفديه ـ خ ل) . ورواه في موضعٍ آخر بإسناده عن أبي الورد [أبي الدرداء ـ خ ل] نحوه .
وسند الأوّل كإسناده الثاني إلى أبي الورد معتبر إلاّ أنّ أبا الورد نفسه لا طريق إلى وثاقته سوى رواية رواها الكليني في الكافي (ج4 ص264) عن سلمة بن محرز ربما تدلّ على أنّه من الشيعة لكن سلمة بن محرز نفسه لم يثبت وثاقته وأبو الدرداء عوير ـ أو عويم أيضاً ـ لم يوثّق، فسند الحديث لا يثبت اعتباره إلاّ أن يعتمد على مجرّد نقله في الفقيه.
وأمّا دلالته فلا كلام في أنّه يدلّ على ثبوت الجزية على المملوك النصراني وإن كان لرجلٍ مسلم، وبملاحظة ما ذكرناه من أنّ المملوك من أهل الكتاب ممّن أسره المسلمون فلا جزية عليه، فلا محالة هذا النصراني كان مملوكاً لغير مسلم فانتقل إلى المسلم فكان عليه الجزية كمولاه الّذي ربما كان من أهل الكتاب، ويؤيّده التعبير في قوله (عليه السلام): «يفتديه، أو يفديه» فإنّه تعبير عن الجزية في صحيح زرارة عن الصادق (عليه السلام) حيث قال فيهم: «إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يُقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون» . وقد مرّ متن الحديث بتمامه. وبالجملة فلا يبعد أن يكون دلالة الحديث تامّة.
وبالجملة فالعمومات والحديث وإن اقتضيا تعلّق الجزية عليه إلاّ أنّ المشهور على ما ذكره العلاّمة قالوا بسقوطها عنه، وتمسّك الشيخ (قدس سرّه) في المبسوط وبعده ابن إدريس الّذي لا يعمل بأخبار الآحاد على سقوطه عنه بقوله (عليه السلام): «لا جزية على العبيد، أو العبد» وهذا الحديث لم نقف له على سند في مجاميعنا الروائية إلاّ ما مرّ عن الدعائم عن عليّ (عليه السلام) في حديث: «وليس على العبيد ولا على النساء ولا على الأطفال جزية» ولا أقلّ من أنّ سند الدعائم مرسل غير معتبر.
اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ اقتضاء العمومات لتعلّق الجزية بالعبد المؤيّد برواية الصدوق مع ذهاب المشهور إلى الخلاف يكشف عن وجود دليل معتبر عندهم على الاستثناء والإعراض ولو كان هذا الدليل هو هذه الرواية الّتي استند إليها حتّى ابن إدريس، والله العالم.
ثُمّ إن ثبتت الجزية على العبد فهي فدية تعلّقت برقبته يؤدّيها مالكها فلا يضرّ بثبوتها عليه أنّه عبد ومال لا مال له على ما توهّمه بعض الأصحاب.
الخامس ممّن قد يقال بسقوط الجزية عنه الشيخ الهرم الفاني، فقد نقل العلاّمة في المختلف القول بسقوطه عن ابن الجنيد. ومال إلى القول بالسقوط المحقّق في الشرائع وجعله الأظهر في المختصر النافع. وصرّح الشيخ في الخلاف والمبسوط بتعلّق الجزية به، وقال به العلاّمة في التذكرة، وقد نقل القول بالسقوط عن رأي في القواعد واكتفى بنقل القولين من غير ترجيح لأحدهما في المختلف. ومقتضى إطلاق أو عموم كلمات غيرهم ممّن مضت عباراتهم تعلّق الجزية بهم، وقوّاه صاحب الجواهر والرياض .
ولا ينبغي الشكّ في أنّ إطلاقات تعلّق الجزية بأهل الكتاب تقتضي تعلّقها به إلاّ أنّه يمكن الاستدلال على استثنائه من طريقين:
أحدهما: الرجوع إلى مجرّد متن معتبر حفص بن غياث الماضي عن أبي عبد الله (عليه السلام): فإنّه (عليه السلام) قال في ذيله: «وكذلك المقعد من أهل الشرك والذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» فهو (عليه السلام) قد ذكر الشيخ الفاني في جملة من لا يجوز قتلهم في دار الحرب وحكم برفع الجزية عنه أيضاً.
ثانيهما: الرجوع إلى الروايات تدلّ على حرمة قتل الشيخ الفاني في الحرب وضمّها إلى القاعدتين الكلّيتين من معتبر حفص وهما: كلّ مَن يحرم قتله في دار الحرب يحرم قتله أيضاً في دار الذمّة، وكلّ مَن يحرم قتله في دار الذمّة رفعت عنه الجزية. وقد مرّ بيان استفادتهما من معتبره.
1ـ فمن هذه الروايات موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اقتلوا المشركين واستحيوا شيوخهم وصبيانهم ببيان أنّه إذا وجب استحياء شيوخ المشركين فوجوب استحياء شيوخ أهل الكتاب ثابت بالأولوية القطعية وهو معنى حرمة قتلهم.
2ـ ومنها ما حكاه الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل بن درّاج الماضي من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول لمن يبعثهم في السرايا: لا تغلّوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة .
3ـ ومنها ما في رواية الدعائم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه (عليه السلام) قد حكى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بعث جيشاً أو سريّة قال لهم: لا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة .
والنهي دليل الحرمة، وقد مضى أنّ المستفاد من النهي في السرايا أنّ هذا الّذي ينهاهم عنه هو كيفية حرب الإسلام بلا فرق فيها بين السرية والغزوة، فبانضمامها إلى معتبر حفص يثبت المطلوب. وقد عرفت أنّ بعض إسناد معتبره وإن كان غير معتبر إلاّ أنّ سند الصدوق إليه معتبر ونفسه أيضاً قابل للاعتماد، ولعلّ من لم يفت به لم يثبت له صحّة الاعتماد عليه، وعليه فالأظهر سقوطها عن الشيخ الفاني.
السادس ممّن قيل بسقوط الجزية عنه غير السليم، فإنّ العلاّمة في المختلف حكى عن ابن الجنيد أنّ المقعد والزمن الّذي لا حراك به لا يُقتل في الحرب مع قوله أيضاً بأن كلّ مَن لا يُقتل فيها لا جزية عليه. واشترط أبو الصلاح الحلبي في الكافي قيد السليم في مَن عليه الجزية وقال بأنّها لا تؤخذ من ذوي العاهات من فقرائهم، فظاهر التقييد بالسليم أنّها لا تؤخذ من غير السليم إلاّ أنّه قيّد مَن ليس عليه الجزية من ذوي العاهات بأن يكون من فقراء أهل الكتاب.
وصرًح الشيخ في المبسوط بثبوتها على الزمن، ومثله العلاّمة في التذكرة، كما صرّح المحقّق في الشرائع والعلاّمة في القواعد بتعلّقها بالمقعدين، ومقتضى إطلاق أو عموم كلام الآخرين ممّن مضت كلماتهم أيضاً وجوبها عليه، ولعلّه لمثل هذا قال صاحب الجواهر عند نقل قول المحقّق بتعلّقها بالرهبان والمقعدين قال: بلا خلاف أجده فيه بيننا إلاّ ما سمعته من الإسكافي.
ولا ريب في أن مقتضى إطلاق الأدلّة الماضية الدالّة على وجوب أداء الجزية على أهل الكتاب تعلّقها بغير السليم والزمن والمقعد أيضاً، إلاّ أنّه قد مرّ آنفاً أنّ المقعد والأعمى قد ذَكرا في ذيل معتبر حفص بن غياث في عداد مَن رفعت عنه الجزية، وقد فسّر الخليل في كتاب العين المقعد ـ بفتح العين ـ بالّذي لا يطيق المشي، كما فسّره أقرب الموارد بالمصاب بداء القعاد وقال: «القعاد ـ بالضمّ ـ داء يقعِد مَن أصيب به». وعليه فلو عمل به لكان اللازم إخراج الأعمى ومَن لا يطيق المشيء لداء القعاد، ولم يقل به أحد، وكأنّ الأصحاب أعرضوا عنه وحيث لا دليل آخر على السقوط ولذا كان الإفتاء بالاستثناء مشكلاً بل غير ممكن، والله العالم.
السابع ممّن قد يقال بسقوط الجزية عنه الفقير الّذي لا كسب ولا مال له، قال بالسقوط عنه الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه إجماع الفرقة. وأسنده العلاّمة في المنتهى وفي التذكرة إلى المفيد وابن الجنيد، وفي المختلف إلى ابن الجنيد. وقال في المبسوط بوجوبها عليه. وهكذا المحقّق في الشرائع بل والنافع، وهو الّذي يقتضيه إطلاق أو عموم كلام الآخرين.
وقد ذكر ابن إدريس في السرائر كما عرفت كلام الشيخ في كتابيه ثُمّ قوّى ما في المبسوط إلاّ أنّه في النهاية قال: ولي في ذلك نظر.
وكلمات العلاّمة في كتبه مختلفة، فإطلاق الإرشاد والقواعد وصريح المختلف القول بالوجوب، واكتفى في التذكرة والمنتهى بمجرّد نقل الأقوال، فراجع ما مرّت من عبارات الأعاظم (قدس سرّهم).
ومقتضى إطلاق أدلّة وجوب الجزية على أهل الكتاب هو وجوبها على الفقير أيضاً، ولا دليل على سقوطها عنه إلاّ ما قد ينقدح في الذهن من أنّ الجزية مالٌ يؤخذ ممّن عليه، ولا معنى لتعلّقها بمن لا مال له، لكنّه يندفع بأنّ من الممكن أن تتعلّق به وتصير ذمّته مشغولة بها ثُمّ إذا حصل مال بيده كان عليه أداء ما ثبت عليه في الأزمنة السالفة، مثل ما لو استأجر الفقير داراً أو شيئاً آخر، وقد أوضحه الشيخ إجمالاً في مبسوطه كما مرّ.
وقال المفيد في المقنعة: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعل عى أغنيائهم ثمانية وأربعين درهما وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهماً وجعل على فقرائهم اثني عشر درهماً، وكذلك صنع عمر بن الخطّاب قبله، وإنّما صنعه بمشورته (عليه السلام) . فهذه الرواية مرسلة توافق العمومات. وقد مرّ مثلها في عبارة المختصر النافع.
الثامن مَن كان سفيهاً مفسداً لماله أو دينه، ذكره في الوسيلة وأنّه لا جزية عليه. وفي قباله صرّح الشيخ في المبسوط بأنّه عليه الجزية. وكلمات الآخرين خالية عن ذكره ومقتضى إطلاقها هو المتبع. نعم صرّح العلاّمة في المختلف أيضاً بالوجوب.
أقول: إن كان سفهه بحيث يصدق عليه الأبله المعتوه كان داخلاً في ما دلّت معتبرة طلحة الماضية على عدم أخذ الجزية عنه، ولعلّها كانت دليلاً لابن حمزة، وإلاّ فالأدلّة الموجبة لأداء الجزية على أهل الكتاب تدلّ بالإطلاق أو العموم على وجوب الجزية عليه كما عليه الأصحاب.
التاسع ممّن يمكن القول باستثنائه أصحاب الصوامع والرهبان، تعرّض لهم الشيخ في الخلاف وأفتى بوجوب أخذ الجزية منهم إلاّ أنّه قال: «وفي أصحابنا مَن قال: لا تؤخذ منهم الجزية» وذكر أيضاً أنّ الأخذ منهم أحد قولي الشافعي وتعرّض لهم أيضاً المبسوط والشرائع والقواعد والتذكرة وأفتوا بوجوب الجزية عليهم، وهو مقتضى إطلاق أو عموم كلام الآخرين ممّن مرّت كلماتهم، ولم نجد مَن استثناهم إلاّ ما نقله الشيخ في الخلاف.
ولا ينبغي الريب في أنّ مقتضى عموم أو إطلاق أدلّة إيجاب الجزية على أهل الكتاب من الآية والروايات وجوبها عليهم، وبه استدلّ الأصحاب فيما رأيناه. إلاّ أنّه قد ورد فيما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بعث سريةً أوصى أصحابها أُموراً وذكر فيها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولا تقتلوا وليداً ولا متبتّلاً في شاهق» فقد نهى عن قتل كلّ متبتّل في شاهق، والتبتّل ـ على ما في التبيان ومجمع البيان ـ هو الانقطاع، والتبتلّ إلى الله تعالى هو الانقطاع إلى عبادة الله عَزّ وجَلّ وإخلاص العبادة له، وعليه فالمتبتّل هو المنقطع عن الناس إلى الله تعالى، والشاهق اسم فاعل من شهق يشهق ـ بفتحتين شهوقاً، وفسّره في المصباح المنير بقوله: «ارتفع، فهو شاهق وجبال شاهقة وشاهقات وشواهق».
فالحاصل: أنّ المتبتّل في شاهق هو مَن انقطع عن الناس إلى عبادة الله وسكن في مثل الجبال الشاهقة البعيدة عن الناس، وهو صادق على بعض أصحاب الصوامع والرهبان، فالرواية دالّة بظهور النهي على حرمة قتل هؤلاء في الحرب، ولا يبعد دعوى إلغاء الخصوصية عنهم إلى كلّ مَن قطع ارتباطه عن الناس وانقطع إلى عبادة الله عَزّ وجَلّ من أهل الكتاب.
فإذا حرم قتلهم بموجب هذه الرواية فانضمام هذه الرواية إلى معتبر حفص ابن غياث يقتضي أن لا تجب الجزية عليهم كما مرّ بيانه.
إلاّ أنّ مسعدة بن صدقة لم يوثّق ولم يعمل مشهور الأصحاب على ما رأيناه بخبره هذا لكي ينجبر بعملهم ضعف سنده، ولذلك فلعلّ الأظهر هو العمل بعموم أو إطلاق أدلّة وجوب الجزية على أهل الكتاب.
وهذا تمام الكلام في البحث عن شرائط مَن عليه الجزية من أهل الكتاب.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية