Skip to main content

الدرس السابع والخمسون: في إمكانية تشكيل الولاية الإسلامية زمن الغَيبة (القسم الأول)

التاريخ: 16-01-2011

الدرس السابع والخمسون: في إمكانية تشكيل الولاية الإسلامية زمن الغَيبة (القسم الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم   الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلواته وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيّين، وعلى آله الأئمة المعصومين أولياء الله على الخلق أجمعين، ولاسيّما على صاحب العصر الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولعنة الله على أعدائهم أبد الآبدين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلواته وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيّين، وعلى آله الأئمة المعصومين أولياء الله على الخلق أجمعين، ولاسيّما على صاحب العصر الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولعنة الله على أعدائهم أبد الآبدين.

 

وبعد، فقد عرفت من الأبحاث المتقدّمة في كلماتنا أن الشريعة الإسلامية قد نظرت إلى جميع ما تحتاجه عامّة الناس وجاءت بالأحكام المناسبة اللازمة لجميع الحالات الطارئة لهم، ولم تكتف بمجرّد ذلك حتى جعلت لإدارة أمر الناس أولياء وهم النبي الكريم والأئمة الاثنى عشر المعصومون (عليهم السلام)، فقد نصبهم الله أولياء أمر الناس ونصّ عليهم بأسمائهم، فكلّ منهم له حق الولاية والإمامة في زمنه بعد ما مضى الإمام السابق.

 

وقد عرفت أن إليهم وعليهم إدارة أمر الناس، أن اختيارهم الولائي عامّ وشامل لجميع الأمور المرتبطة بالناس، وقد قمنا بعدّ أنواع هذه الاختيارات التي تجمعها أنّ إدارة الناس إلى وليّ أمرهم بلا أي قيد. كما بيّنّا أيضاً أنّ الله تعالى حيث قد جعل من وظائف وليّ الأمر صرف الأموال في مصارف معيّنة علاوةً عمّا له من المصارف الشخصية، فلذلك قد جعل تحت أمره وباختياره أموالاً كثيرة بها يتمّ أمر إدارة أمور الناس، وقد عدّدنا منابع هذه الأموال في ما مضى بتفصيل، فراجع وتذكّر.

 

إلاّ أنّ محطّ هذه المباحث هو النبي الأكرم والأئمة المعصومون عليهم صلوات الله، فلا محالة لا تدلّ على أزيد من تعيين الحكم الإسلامي لهم (عليهم السلام) أو لمن نصبوه لأمر عامّ أو خاصّ إذا قاموا أنفسهم وتصدّوا لإدارة أمر الناس، وهكذا تكون وظيفة الأمّة حينئذ معيّنة.

 

وأمّا إذا لم يتصدّوا خارجاً لأمر الولاية إمّا لظلم الظالمين الغاصبين في العمل لهذا المقام المجعول من الله تعالى لهم كما في زمن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سوى قليل من زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أنّهم (عليهم السلام) حاضرون بين الناس وإن كان هذا الحضور بوساطة نوّاب خاصّة كما في زمن الغيبة الصغرى للإمام الثاني عشر، فهل الشارع الأقدس اكتفى بصرف جعله لأمر الولاية لهم وإنما المانع عن انتفاع الناس بولايتهم هو الناس أنفسهم؟ أم أنه تعالى جعل للأمّة حينئذ ولو بالعنوان الثانوي وظيفة أخرى لكي يصلوا بالعمل بها إلى تولّي وليّ شرعي؟ هذا بالنسبة إلى زمن الحضور.

 

وهكذا يجري الكلام بالنسبة إلى زمن الغيبة الكبرى في أن الله تعالى اكتفى بذلك الجعل الأولي الذي جعل به أمر ولاية الأمة إلى هؤلاء المعصومين (عليه السلام)، وينطبق لا محالة بنحو الانحصار على ولاية حجّة العصر الإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه الشريف أم جعل للأمّة طريقاً آخر عليهم أن يسلكوه ويصلوا إلى ولاية مَن جعله الله تعلى عليهم وليّاً.

 

فمحلّ البحث ليس خصوص زمن الغيبة بل يعمّه وزمن الحضور بتصوير أنّه وإن لم يمكن قيام الإمام المعصوم بإدارة أمر الأمة أبداً لكنّة أمكن في ناحية من البلاد أن يقيم المسلمون ولاية إسلامية، فهل الشارع الأقدس جعل لهم بل عليهم إقامة هذه الولاية أم لا؟

 

إذا اتّضح موضوع البحث فالكلام يقع تارة في أنّه هل الشارع الأقدس تبارك وتعالى أوجب تشكيل ولاية إسلامية في مثل زمن غَيبة ولي الأمر المعصوم (عليه السلام) أو في ما إذا أمكن تشكيلها في بعض نواحي بلاد الإسلام حتّى في زمن حضور الإمام الأصل وعدم تصدّيه لأمر الولاية لبعض الموانع الّتي أشرنا إليها؟ وأخرى في أنّه على الوجوب ومع مفروضية أنّ المتصدي للولاية ليس منصوباً لها من ناحية أمر الله تعالى وبالخصوص فهل الشارع جعل له شرائط مخصوصة أم لا؟

 

فهنا مقامان:

 

المقام الأوّل

 

في إمكانية تشكيل الولاية الإسلامية زمن الغَيبة

 

لم نجد التعرّض لهذه المسألة في كلمات أصحابنا الأعاظم القدماء، إلاّ أنّه قد تعرّض لها سيدنا الأستاذ الإمام الخميني قدّس سرّه الشريف عند الكلام عن ولاية الفقيه في كتاب البيع، وتبعه بعض الأعلام في كتابه: «دراسات في ولاية الفقيه... »[1] ولابدّ من البحث عنها أولاً فنقول: يمكن الاستدلال لوجوب تأسيس دولة وولاية إسلامية في الأزمنة المذكورة بوجوه:

 

أوّلها:

 

مستنتج من صغرى (هي أن البلد والأمّة الإسلامية في زمان الغَيبة بحاجة جدّاً إلى دولة وولاية تضمن حفظ القوانين الإلهية في مقام الإجراء) وكبرى (هي أنّ كلّ ما تحتاج إليه الأمّة لاسيّما لإجراء أحكام الشريعة فقد جعلها الله له) ونتيجة المقدّمتين: أنّ الله تعالى قد جعل دولة وولاية متكفّلة بما يحتاجون إليه للأمة الإسلامية.

 

أمّا بيان الصغرى فبأنه لا ريب في أنّ أحكام الشريعة لم تنسخ وإطلاق أدلّتها أيضاً يقتضي ببقاء تلك الأحكام زمن عدم حضور الإمام المعصوم (عليه السلام) أو عدم تصدّيه الفعلي لأمر الولاية، وهذه الأحكام وإن كان إجراء قسم منها غير محتاج إلى أكثر من أن يكون المكلّفون بها في مقام الامتثال لها إلاّ أنّ قسماَ آخر كثيراً منها لا مجال لإجرائها إلاّ بدولة ووليّ أمر يقوم مقام إجرائها.

 

مثلاً حفظ ثغور المسلمين عن تهاجم أعداء الإسلام من الواجبات المسلّمة شرعاً وعقلاً، وهو لا يتمشّى إلاّ بإعداد عدّة معدّة لمثله من قوى مسلّحة. ومن الواضح البيّن عند العقلاء أنّ إعداد هذا الجند موكول إلى أولياء أمور الناس.

 

وهكذا أمر إجراء القصاص وأخذ الديات في مواردها المشروعة لابدّ وأن يكون تحت لواء وليّ أمرٍ عادل يرتقب أن تقع الأمور موقعها ولا يقع ظلم على الجاني والمجني عليه، فإن لم تكن هنا ولاية قويّة لَبغى مَن له قوة وحدث ظلم كثير لاسيّما على الضعفاء ومَن لا عدّة له.

 

وهكذا أحكام الحدود والتعزيرات فإنّ إجراءها ـ كما هو مطلوب الشرع ـ لا يمكن إلاّ تحت ولاية ولي أمرٍ عالمٍ بها وعادلٍ في إجرائها بحيث لم يرد ظلم على مَن يوقع عليه حدّ أو تعزير ولم يفرّ مَن له قوّة أو مال وقدرة، ويجري كلّ منها مجراها الصحيح.

 

وهكذا الأمر في إحقاق الحقوق المالية الّتي جعلها الله تعالى للأشخاص، فإنّ الإنسان بطبعه إذا كان طلقاً وبلا قيد يعتدي على حقوق الآخرين ويجلب إلى نفسه كلّ ما يشتهيه لنفسه أو لمن له تعلّق به، فيقع لا محالة ظلم كثير ويضيع حقوق عدّة كثيرة من الناس ممّن هم من ضعاف الناس أو ممّن ليس لهم قوّة وعدّة يقابلون بها قوّة ومقدرة أولئك الظالمين ذوي القدرة.

 

بل إن لم يكن وليّ أمر أدّت تلك التعديات على حقوق الآخرين وقوع تنازعات وقتالاً بين الأقوام ولم يكن للناس أمن نفسي ولا مالي ووقعت بينهم محرّمات عديدة.

 

بل وهكذا مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّه لو لم يكن ولاية أمرٍ عادلة عالمة لَفعلَ كلّ أحد ما أراد وترك ما لا يريد، وربّما لا يكفي مجرّد أمر أو نهي الأفراد العادلين من الناس لأن يفعلوا ما يجب عليهم أو ينتهوا عمّا يشتهون من المحرّمات، بل يحتاج كلّ منهما إلى إعمال تعزيزات مناسبة لا يمكن إعمالها إلاّ بقوة عالية ناشئة من ولاية الأمر.

 

بل وهكذا الأمور السياسية أو التربوية المرتبطة بتماسّ الأمّة الإسلامية مع سائر الأمم، فإنه ربّما تقوم دولة خارجة عن الإسلام بصدد إنقاذ الاعتقادات الكفرية أو الموجبة لعدم الاعتناء بالمقدّسات أو الأحكام الإسلامية في الأمّة الإسلامية، أو بصدد سرقة ما للمسلمين من المنابع الطبيعية بأقسامها أو المنابع الفكرية فتجعل المسلمين لا مال لهم ولا فكر يحتاجون ـ بتمام معنى الكلمة ـ إلى الكفّار.

 

فبالجملة: فما عدّدناه من مفاسد عدم وجود الولاية الإسلامية نبذ من المفاسد ويجمعها أنّه لا يجري كثير من أحكام الإسلام إلاّ ظل لواء ولاية إسلامية تكون كأب عليمٍ رحيمٍ ذي قدرة قوية إسلامية على رؤوس المسلمين، وحيث أنّ أمثال الأمور التي ذكرناها موكولة إلى وليّ أمر الأمم الّذين يعيشون في الكرة الأرضية فالعقلاء من المسلمين يحسّون ببداهة حاجتهم الأكيدة إلى ولاية أمرٍ عادلةٍ إسلامية، فالصغرى لتلك الكبرى مسلّمة لا ريب فيها.

 

وأمّا الكبرى المذكورة فيمكن الاستدلال لها بطريقين:

 

أحدهما: أنّ الأحكام الإلهية المذكورة من الواجبات والمحرّمات لمّا كانت أحكاماً فعلية إلزامية وكانت إجراؤها موقوفة على أن يجعل الشارع الأقدس ولاية مشروعة تتكفّل بإجرائها ـ على ما عرفت ـ فلا محيص له إلاّ أن يجعل في الناس تلك الولاية وإلاّ لما جرى حكمه الإلزامي، فتعلق الجعل بالملزوم يلزمه تعلّق الجعل الشرعي باللازم المذكور.

 

وبالدقّة في هذا الوجه يعلم أن ثبوت الجعل الشرعي بهذه الولاية إنّما هو لمكان كونه لازم الإلزام الفعلي بالنسبة للواجبات أو المحرّمات المزبورة، فلا مجال لتوهّم أنّ الله تعالى قد جعل ولاية المعصومين (عليهم السلام) وعدم تصدّيهم لأمر إعمال الولاية خارجاً إنّما هو لأجل معصية الناس المكلّفين، فلعلّ الشارع يكتفي بجعل ولايتهم ولا طريق لإثبات وجوب جعل الولاية لغيرهم كما هو المطلوب.

 

ووجه ضعف هذا التوهّم أنّه مع فرض وقوع هذا العصيان أيضاً فنفس تعلّق الوجوب والتحريم الفعليّين وفعلية الإرادة والكراهة فيهما لا يمكن تحقّقها إلاّ يجعل ما يتوقّف عليه تحقّق المأمور به والانزجار عن المنهي عنه وهو جعل ولاية إلهية يقوم الوالي فيها بما يحتاج تحقّقها إليه كما عرفت.

 

وثانيهما: أن يستدل لإثباتها بأخبار كثيرة لا يبعد دعوى وصولها حدّ التواتر تدلّ على أنّ كلّ ما يحتاج تحقّقها إليه الناس فقد جعله الله لهم.

 

1ـ ففي حديث مرازم ـ المروي في الكافي محاسن البرقي ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء (تبياناً لكلّ شيء ـ المحاسن) حتّى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد (العبد ـ المحاسن) حتّى (والله ما ـ المحاسن) لا يستطيع عبد لو كان هذا أنزل في القرآن (لو كان هذا في القرآن ـ المحاسن) إلاّ وقد أنزله الله فيه[2].

 

فقوله (عليه السلام): «حتى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد... الخ» دالّ على أنّ كلّ ما يحتاج إليه العباد فقد أنزل في القرآن. نعم لا ينافيه أن لا يعلمه منه إلاّ الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) كما في أخبار عديدة.

 

2ـ وفي خبر عمرو بن قيس ـ المروي في الكافي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلاّ  أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله (عليه السلام) وجعل لكلّ شيء حدّاً وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على مَن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً[3].

 

ودلالة صدره واضحة.

 

3ـ وفي صحيح محمد بن مسلم ـ المروي في التهذيب ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث كيفية إحلاف الأخرس: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: الحمد لله الّذي لم يُخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه[4].

 

فتبيينه (عليه السلام) لجميع ما تحتاج الأمّة إليه لا يكون إلاّ إذا شرّع الإسلام للأمّة جميع ما تحتاج إليه.

 

4ـ وفي صحيح عبد الله بن سنان ـ المروي في بصائر الدرجات ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وخطه علي (عليه السلام) بيده، وإنّ فيها لجميع ما يحتاج إلى الناس حتى أرش الخدش[5].

 

5ـ وفي موثّق عبد الله بن سنان ـ المروي أيضاً في البصائر ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ عندنا جلداً سبعون ذراعاً أملى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّه عليّ (عليه السلام) بيده، وإنّ فيه جميع ما يحتاجون إليه حتّى أرش الخدش[6].

 

أقول: ولعلّ الخبرين واحد وإنّما الاختلاف في السند.

 

6ـ وفي مصحّح محمد بن حكيم ـ المروي فيه أيضاً ـ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس، وإنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتّى أكمله (أكمل له ـ خ ل) جميع دينه في حلاله وحرامه، فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته، وإنّها صحيفة عند أهل بيته حتّى أن فيها أرش الخدش[7].

 

7ـ وفي صحيح أبي بصير ـ المروي في الكافي والبصائر ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال له في حديث: يا أبا محمّد! وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق[8] فيه وخطّ عليّ (عليه السلام) بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش... الحديث[9].

 

8ـ وفي صحيح أبي عُبيدة الحذّاء ـ المروي في الكافي والبصائر ـ قال: سأل أبا عبد الله بعضُ أصحابنا عن الجفر. فقال: هو جلد ثور مملوّ علماً. قال له: فالجامعة؟ (ما الجامعة ـ المحاسن) قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتّى أرش الخدش[10].

 

وجملة الذيل في البصائر هكذا: «وليس من قضية إلاّ وفيها أرش الخدش».

 

والظاهر أن فيها سهواً وغلطاً، وصحيحه ما في الكافي، ولعلّ أصل البصائر هكذا: «وليس من قضية إلاّ وهي فيها، وفيها أرش الخدش». والأمر سهل بعد وضوح المراد بالعبارة السابقة عليها كما هو ظاهر.

 

9ـ وفي موثّق الحسن بن فضّال ـ المروي في الفقيه ـ عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس... وتكون عنده الجامعة، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم...[11].

 

10ـ وفي موثّق سماعة بن مهران ـ المروي في الكافي ـ عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في حديث... فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله (عليه السلام) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال (عليه السلام): نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذك شيء؟ قال: لا، هو عند أهله[12].

 

ورواه البرقي في المحاسن أيضاً[13].

 

11ـ وفي حديث أبي أسامة زيد الشحّام ـ المروي في الكافي أيضاً ـ قال: كنت عند أبي عبد الله فسأله رجل من المغيرية عن شيء من السنن، فقال (عليه السلام) ما من شيء يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلاّ وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنّة عرفها مَن عرفها وأنكرها مَن أنكرها...[14].

 

ورواه البرقي أيضاً في المحاسن[15].

 

12ـ وفي حديث أبي الجارود زياد بن المنذر ـ المروي في الكافي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ الحسين بن علي (عليه السلام) لمّا حضره الّذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) مبطوناً معهم لا يرون إلاّ أنّه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، ثُمّ صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد، قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا، والله إنّ فيه الحدود حتّى أنّ فيه أرش الخدش[16].

 

وروى مثله في بصائر الدرجات إلى قوله (عليه السلام): «إلى أن تفنى الدنيا»[17].

 

13ـ وفي حديث أبي الجارود ـ المروي في الكافي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا حضر الحسين (عليه السلام) ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج، فلمّا أن كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان دفعت ذلك إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، قلت له: فما فيه يرحمك الله؟ فقال: ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى[18].

 

وروي في بصائر الدرجات عنه بسندٍ آخر مثله[19].

 

14ـ وفي صحيح أبي أسامة زيد الشّحام ـ المروي في مختصر البصائر ـ قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده رجل من المغيرية، فسأله عن شيء من السنن، فقال (عليه السلام): ما من شيءٍ يحتاج إليه ابن آدم إلاّ وخرجت فيه السنّة من الله تعالى ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا ذلك ما احتجّ الله عزّ وجل علينا بما احتجّ، فقال المغيري: وبما احتجّ؟ فقال أبو عبد الله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[20] حتّى تمّم الآية ـ فلو لم كمل سنته وفرائضه ما احتجّ به»[21].

 

ورواه في بصائر الدرجات أيضاً[22].

 

فهذه أربع عشرة رواية نكتفي بها، وكما قلنا فالروايات الدالّة على هذا المضمون كثيرة متواترة، فراجع بصائر الدرجات والكافي وغيرهما.

 

وبيان الاستدلال بها: أنّها تدلّ بوضوح على أنّ كلّ ما يحتاج إليه ابن آدم أو الأمّة في أيّ من الأزمنة فقد جاء فيه حكم عن الله تعالى سنّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جعل هذا العموم هو المراد بإكمال الدين المذكور في آية المائدة، والظاهر من مجيء الحكم أو السنّة في ما تحتاج إليه الأمّة أنّ احتياجهم يرتفع بذلك الحكم أو بتلك السنّة، وحيث إنّ حاجة الأمّة في زمن الغيبة إلى جعل ولاية مشروعة مع فرض عدم حضور الإمام المعصوم وعدم قيامه بتصدّي إدارة أمور الأمة واضحة ولا ترتفع هذه الحاجة إلاّ بجعل ولاية أخرى مشروعة، فهذه الأخبار بعمومها تقضي جعل هذه الولاية الأخرى وارتفاع حاجة الأمّة بجعلها.

 

وثاني الوجوه:

 

هو ما رواه الصدوق في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان.

 

وسند الحديث في العلل هكذا: حدّثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطّار، قال: حدثني أبو الحسن عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري. قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري[23].

 

وسنده في العيون ذاك السند بعينه وزاد سنداً آخر بقوله: وحدّثنا الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمّه أبي عبد الله محمد ابن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان...[24].

 

وفي كلا المصدرين بعد ذكر تمام الحديث: «حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار (رضي الله عنه ـ العيون) قال حثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل الّتي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل أو هي ممّا سمعته ورويته؟ فقال لي: ما كنت لأعلم مراد الله (تعالى ـ العيون) بما فرض ولا مراد رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) (رسول الله ـ العيون) بما شرّع وسنّ، ولا أعلّل ذلك من ذات نفسي بل سمعنا (سمعتها ـ العيون) من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) مرّة بعد مرّة (المرّة بعد المرّة ـ العيون) والشيء بعد الشيء فجمعتها. فقلت (له ـ العيون): فأحدّث بها عنك عن الرضا (عليه السلام)؟ قال: (فقال ـ العلل): نعم[25].

 

وزاد في العيون عليه: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه) عن عمّه أبي عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان أنّه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن ابن موسى الرضا (عليه السلام)، فجمعتها متفرقة وألفّتها[26].

 

وحديث العلل هذا طويل نذكر منه موضع الحاجة، ففيه: فإن قال قائل: ولِم (فلِم ـ العيون) جَعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة:

 

منها: أنّ الخلق لمّا وقِفوا على حدّ محدود وأمروا أن لا يتعدّوا تلك الحدود (ذلك الحدّ ـ العيون) لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيها (فيه ـ العيون) أميناً يأخذهم بالوقف عندما أبيح لهم. ويمنعهم من التعدي على ما (والدخول في ما ـ العيون) حظر عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحدٌ لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّم (قيّماً ـ العيون) يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

 

ومنها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس، لما (ولما ـ العيون) لابدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لابدّ لهم منه، ولا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوّهم ويقسمون به فيئهم (يقسمون فيئهم ـ العيون) ويقيمون به (ويقيم لهم ـ العيون) جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم عن مظلومهم.

 

ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدُرست الملّة وذهب الدين وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبّهوا ذلك على المسلمين، إذ قد (لأنّا ـ العيون) وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت حالاتهم (أسخائهم ـ خ ل العيون) فلو لم يجعل فيها (لهم ـ العيون) قيّماً (فيها ـ خ ل العيون) حافظاً لما جاء به الرسول الأول[27] (صلى الله عليه وآله وسلم) لفسدوا على نحو ما بينّاه (بيّنا ـ العيون) وغيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين[28].

 

فهذا الّذي ذكرناه متن عبارة العلل والعيون وقد ذكرنا مواضع اختلاف النسخ فيهما.

 

والكلام في الحديث تارةً من حيث السند وأخرى من جهة الدلالة.

 

أما السند فعبد الواحد بن محمد بن عبدوس ممّن روى عنه الصدوق مترضّيا وروايته عنه كثير، وكفى به في ثبوت وثاقته أنّه من مشايخه في الحديث وترضي له. وأمّا على بن محمد بن قتيبة النيسابوري فعدّه النجاشي صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه، وقال: له كتب، فهو من العلماء في نقل الحديث وتلميذ الفضل بحيث عبّر عنه النجاشي بأنّه صاحب الفضل بن شاذان. وعن رجال الشيخ أنّه تلميذ الفضل بن شاذان فاضل. وقالوا فيه: اعتمد عليه أبو عمرو الكشّي في الرجال. وذلك كلّه يكشف عن جلالته ووثاقته.

 

أما السند الخاصّ بالعيون فجعفر بن نعيم بن شاذان أيضاً ممن روى عنه الصدوق مترضّيا كما عن الوحيد البهبهاني، ومحمّد بن شاذان أيضاً كان مرجعاً للناس ومن وكلاء الناحية، فكلاهما أيضاً ثقتان.

 

وأما الفضل بن شاذان النيسابوري فهو من عظماء الطائفة، وقال فيه النجاشي في رجاله... وكان ثقة أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه.

 

فرجال الحديث بكلا سنديه معتبر وقد أسند الفضل على ما في آخر الحديث إلى الرضا (عليه السلام) كما عرفت، فلا شبهة في اعتباره من حيث السند.

 

وأمّا دلالته فالحديث كما يظهر من الجمل التالية لما ذكرناه حيث ذكر سرّ أنّه لا يكون إمامان اثنان في زمن واحد، ثُمّ سرّ أنه لم يجوز أن يكون الإمام من غير أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذكر من أسراره الوصية الظاهرة وأنّه ينتهي إلى تقديم غير الرسول على الرسول. فالحديث وإن كان في مقام بيان أدلة إمامة وولاية الولاة المعصومين (عليهم السلام) وولاية غير المعصومين خارجة عن مورد الحديث إلاّ أنّه مع ذلك كلّه يستفاد من كلّ من الوجوه الثلاثة المذكورة وجوب جعل وليّ الأمر زمن غَيبة الإمام (عليه السلام) أيضاً.

 

وذلك أن حاصل الوجه الأوّل منها: أنّه إنّما جعل الله ولي الأمر على الأمّة لمكان أن لا يتعدى الناس الحدود الّتي جعلها الله عليهم بإيجاب الواجبات وتحريم المحرّمات، ولا يظلم أحدٌ غيره في جلب ما ينفع نفسه وإن كان في جلبه فساداً على غيره وتعدّيا عليه، فلأن يعمل الناس بالوظائف الشرعية ولحفظ هذه الوظائف عن التعطيل حتّى أنه إن عصى أحدٌ أقيمت عليه الحدود والتأديبات وإن ظلم غيره يؤخذ منه ويدفع إلى المظلوم حقّه بالقضاء والحكم الشرعي جعل الله تعالى عليهم قيّماً أميناً. فحاصل هذا الوجه أنّ جعل وليّ الأمر إنّما هو للتحفظ على الأحكام الإلزامية، وإعطاء كلّ ذي حق حقّه، وتأديب مَن يتعدّى عن الحدّ الإلهي. وهذه الجهة بعينها موجودة في زمن الغيبة أيضاً بعد فرض أنّ أحكام الله الإلزامية ثابتة في هذا الزمان وأنّ الله تعالى جعل لكلّ من الناس حقاً قد يتعدى عليه فيه غيره وأنّ بعض الناس قد يرتكبون معصية يستحقّون بها الحدود والتعزيرات، فلا محالة يجب جعل وليّ أمر في زمن الغيبة أيضاً.

 

وحاصل الوجه الثاني: أن المسلمين أيضاً مثل سائر الفِرق محتاجون في أمر دينهم ودنياهم إلى قيّم ورئيس يقاتلون عدّوهم تحت لوائه، ويقيم هذا القيّم جُمعتهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم، فحيث كان لسائر الفِرق قيم ورئيس لم يجز في حكمة الله الحكيم أن يترك المسلمين ممّا يعلم أنّع لابدّ لهم منه. وهذه الجهة أيضاً بعينها تجري بالنسبة لزمن الغيبة، فالمسلمون لابدّ لهم من وليّ يقاتلون به مَن يهجم عليهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم، ولا يجوز في حكمة الله الحكيم أن يتركهم ممّا لابدّ لهم منه.

 

وحاصل الوجه الثالث: أنّه لو لم يجعل للمسلمين إماماً لدُرست الملّة وذهب الدين وغيرت أحكام الإسلام ولزاد أو نقص فيه ومنه أهل الأهواء والبدع وشبّه أمر الدين على المسلمين وكان في مثل ذلك فساد الخلق أجمعين، فلذلك جعل عليهم ولياً قيّماً أميناً. وهذه الجهة بعينها تجري بالنسبة إلى زمن الغيبة أيضاً فلأن لا يقع هذا الفساد العظيم لابدّ وأن يجعل الله على المسلمين قيّماً أميناً.

 

فالحديث الشريف تامّ الدلالة بكلّ من الوجوه الثلاثة المذكورة فيه على وجوب جعل ولي الأمر في زمن الغَيبة الإمام المعصوم (عليه السلام).

 

وبما أن حاصل كلّ من الجهات الثلاث أنّ جعل وليّ الأمر إنّما هو لحفظ أحكام الله تعالى عن التعطيل في مقام الإجراء وعن التغيير بالزيادة والنقص ولإمكان أن يكون طريق عقلائي إلى إجرائها كما في قتال الأعداء المهاجمين ولأن يجري الحدّ والتأديب على العاصين ولأن تجري أحكام القضاء الإسلامي ولجهات أخر، وكلّ من هذه الأمور ناشٍ من العناية البليغة الإلهية بعدم وقوع حذف أو تغيير في أحكامه وبعدم تعطيل إجرائها حتّى يؤدب من يعصيها وبأن يعطي حقّ كل ذي حقّ إليه وبأن يمنع كلّ من صار بصدد الهجوم عليها وبأمثال ذلك ممّا ترتبط بنفس الأحكام الإلهية. فبالدّقة في حقيقة هذه الأسرار يعلم أنّه لا مجال لاحتمال أنّ هذه العلل لا تقضي أكثر من جعل إمام معصوم وقد جعله الله تعالى إلاّ أن الناس أنفسهم وإن كان خصوص الظالمين منهم منعوا عن تصدي ذلك الإمام لإدارة أمر الملّة، وبعده فلا دليل على إيجاب وليّ أمرٍ آخر غير الإمام المعصوم، وذلك لأنّ هذا الاحتمال مندفع بـ:

 

أنّ الأسرار المذكورة ترجع إلى لزوم التحفّظ على الأحكام بقاءً وإجراءً، فإذا منع جمع من العاصين الظالمين عن تحققّ ولاية أحدٍ ولاّه الله تعالى حتّى أدى إلى غَيبة الكبرى فلا وجه لأن لا يجعل ولاية أحدٍ آخر، والمفروض أنّ علل جعل وليّ الأمر باقية ومقتضية  لجعله في شخصٍٍ آخر جامع للصفات اللازمة إلاّ أنّه غير معصوم نعم لو فرض عدم إمكان تصدّي أحد من المسلمين لأمر الإدارة فلا محالة يسقط الوجوب لعدم إمكان تحقّقه أصلاً، لكنّه فرضٌ غير مفروض.

 

وقد يتوهم أنّ الحديث لا إطلاق فيه من حيث الحالات العارضة على الناس، فإنه إذا فرض أنّ الناس أنفسهم كانوا عاملين بالوظائف الإسلامية حافظين لها عن الزيادة والنقص وكانت قدرتهم بحيث لا يجيء في ذهن عدوّهم أن يهاجم عليهم فليس حينئذ شيء من الجهات المذكورة في الحديث حتّى يجب جعل وليّ أمرٍ عليهم، فلا إطلاق في الحديث بالنسبة لهذه الحالة.

 

إلاّ أنه توهّمٌ في كمال الضعف، فإن ما ذكره الإمام (عليه السلام) في الحديث بيان واقعي لما عليه الناس عادةً وخارجاً. ومن الواضح أنهم في العادة يكونون كما ذكره الحديث، وأما الفرض المذكور في كلام المتوهّم فهو فرض خيالي غير واقع، فالناس بحسب ما هم عليه محتاجون إلى قيّم أمين. ودلالة الحديث عليه تامّة بلا ريب.

 

ــــــــــــــــــــــ

 

[1] نعم قد تعرّض لأصل وجود الإمام ووجوب الإمامة في كلّ عصر وزمان بمعنى يشمل الإمام المعصوم (عليه السلام)، فقد تعرّض له من فقهائنا السيّد البروجردي قدّس سرّه الشريف فإنّه ـ تفريعاً على أن أكثر أحكام الإسلام مربوطة بسياسة المدن وتنظيم المجتمع وتأمين سعادة النشأة الدنيوية أو جامعة لحسنى النشأتين ـ قال: ولأجل ذلك اتّفق الخاصّة والعامّة على أنه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبّر أمور المسلمين، بل هو من ضروريات الإسلام وإن اختلفوا في شرائطه وخصوصياته وأنّ تعيينه من قِبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالانتخاب العمومي (البدر الزاهر: تقرير بحثه ص52) إلا أنه ناظر إلى أصل وجوب الإمام المنطبق عندنا على الإمام المعصوم (عليه السلام) كما يشير إليه قوله في الذيل: «أنّ تعيينه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالانتخاب» فإنّ المختلف فيه هذا المعنى هو إمام الأصل، فليس ناظراً إلى إمامة غيره من الفقهاء أو غيرهم زمن عدم تصدّي الإمام الأصل أصلاً.

 

ومثله الكلام المنقول عن الماوردي في «الأحكام السلطانية» حيث قال: الإمامة موضوعة لخلافة النبّوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذّ عنهم الأصمّ (الأحكام السلطانية: ص5).

 

ومثلهما ما عن مقدّمة ابن خلدون، قال: ثمّ إنّ نصيب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع وإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر وتسليم النظر إليه، وكذا في كلّ عصر من بعد ذلك ولم يترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعاً دالاًّ على وجوب نصب الإمام (مقدّمة ابن خلدون: الفصل 26 من الفصل 3 من الكتاب الأول ص134، وفي طبعة أخرى ص 191).

 

وقريب منها كلمات أخرى عن آخرين.

 

 [2] الكافي: ج1، ص59، الحديث1. المحاسن: ج1، الباب 36 من مصابيح الظلم، ص416، الحديث 358.

 

 [3] الكافي: ج7، ص175، الحديث11.

 

 [4] التهذيب: ج6، ص319، الحديث86، عنه وعن الفقيه الوسائل: الباب33 من أبواب كيفية الحكم، ج18، ص222، الحديث1.

 

 [5] بصائر الدرجات: الباب 12 من ج3، ص143 الحديث 6.

 

 [6] المصدر السابق، الباب13من ج3، ص147 و150، الحديث 5 و18.

 

 [7] المصدر السابق، الباب13من ج3، ص147 و150، الحديث 5 و18.

 

 [8] أي: مشافهة.

 

 [9] الكافي: ج1، ص239، الحديث1. البصائر: الباب 14 من ج3، ص171، الحديث3.

 

 [10] الكافي: ج1، ص241، الحديث5. البصائر: الباب 14 من ج3، ص153، الحديث6.

 

 [11] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص418، الحديث152.

 

 [12] الكافي: ج1، ص57، الحديث13.

 

 [13] المحاسن: ج1 الباب 7 من مصابيح الظلم، ص323 الحديث79.

 

 [14] الكافي: ج3، ص69، الحديث3.

 

 [15] المحاسن: ج1، الباب 34 من مصابيح الظلم ص 344 الحديث 406.

 

 [16] الكافي: ج1 ص303 الحديث1.

 

 [17] البصائر: الباب13من ج3. ص148 الحديث9.

 

 [18] الكافي: ج1 ص304 الحديث2.

 

 [19] بصائر الدرجات: الباب13 من ج3 ص149 الحديث12.

 

 [20] المائدة: 3.

 

 [21] مختصر البصائر: ص208 الحديث 38.

 

 [22] البصائر: الباب17 من ج10 ص17 الحديث 50.

 

 [23] علل الشرائع، باب علل الشرائع ص251 الحديث9.

 

 [24] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص99.

 

 [25] العلل: ص274، العيون: ج2 ص121.

 

 [26] العيون: ج2 ص121.

 

 [27] لفظة «الأول» ليست في العيون».

 

 [28] علل الشرائع: ص 255. العيون: ج2 ص100.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة