Skip to main content

الدرس الثامن والخمسون: في إمكانية تشكيل الولاية الإسلامية زمن الغَيبة ـ القسم الثاني

التاريخ: 20-01-2011

الدرس الثامن والخمسون: في إمكانية تشكيل الولاية الإسلامية زمن الغَيبة ـ القسم الثاني

وثالث الوجوه:   ما في خطبة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ـ المروية في من لا يحضره الفقيه وعلل الشرائع ـ رواها عن محمد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد الخزاعي عن محمد بن جابر عن عبّاد العامري (وفي العلل عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد بن جابر) عن زينب بنت علي أمير المؤمنين عليه وعليها السلام قالت: قالت فاطمة (عليها السلام) في خطبتها (في معنى فدك ـ ليست في العلل): لله فيكم عهدٌ قدّمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بيّنة بصائره

وثالث الوجوه:

 

ما في خطبة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ـ المروية في من لا يحضره الفقيه وعلل الشرائع ـ رواها عن محمد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد الخزاعي عن محمد بن جابر عن عبّاد العامري (وفي العلل عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد بن جابر) عن زينب بنت علي أمير المؤمنين عليه وعليها السلام قالت: قالت فاطمة (عليها السلام) في خطبتها (في معنى فدك ـ ليست في العلل): لله فيكم عهدٌ قدّمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بيّنة بصائره.. ففرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك والصلاة تنـزيها عن الكبر، والزكاة زيادةٌ في الرزق، والصيام تبييناً (تثبيتاً ـ العلل) للإخلاص، والحجّ تسنيةً للدين، والعدل تسكيناً للقلوب، والطاعة نظاماً للملّة، والإمامة لمّاً من الفرقة والجهاد عزّاً للإسلام...[1].

 

والكلام تارة في سنده وأخرى في دلالته:

 

أمّا السند فجميع الرجال معتبرون إلى إسماعيل بن مهران، وإسماعيل أيضاً نفسه ثقة عدل، وأمّا أحمد بن محمد الخزاعي ومحمد بن جابر فغير مذكورَين في رجالنا. وقال المجلسي في روضة المتقين ذيل هذه الخطبة: الظاهر أنهما من رجال العامّة، وروى إسماعيل بن مهران هذا الخبر من طرقهم لإثبات اللعن على الشيخين كما تقدم... فالخبر قوي لاحتمال كونهما ثقتين عنده، لكن لا نعرف حالهما[2]. وأنت خبير بأن ما احتمله مجرّد احتمال ولا حجّة فيه، ولأجله يسقط سنده عن الاعتبار، اللهم إلاّ أن يطمأن بصدوره لأجل فصاحتها وبلاغتها واشتمالها على مضامين عالية لا تليق بغير المعصومين (عليهم السلام)، فتأمّل.

 

وأمّا دلالته فبيانها: أنّها سلام الله عليها ذكرت أوّلاً قولها: «فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك» وعطفت عليه واجبات حتّى أفادت قولها: «والإمامة لمّاً من الفرقة» فمفاد هذه العبارة أنّ الله تعالى فرض الإمامة لمّاً من الفرقة، فلفظة «لمّاً» منصوبة على أن تكون مصدراً مفعولاً له لفعل «فرض» فيكون علّة فرض الإمامة والباعث التامّ لفرضها هو لمّ الفرقة، واللمّ ـ بفتح اللام ـ مصدر قولك: لممت الشيء إذا جمعته وأصلحته، فالموجب والعلّة لفرض الإمامة هو أن تجتمع الافتراقات وأن تكون أمّة الإسلام كالواحد، وحيث إنّ لمّ الأمّة علّة لإيجاب الإمامة فلا محالة يكون واجباً أكيداً استلزم واجباً آخر هو الإمامة، ومن المعلوم أنّ المراد بالإمام هنا هو وليّ أمر الأمة، فإنّ الولاية هي الموجبة لجمع الأمّة ومانعة عن الافتراق، وإلاّ فالإمام بمعنى مَن يبين أحكام الإسلام، فهو بنفسه لا يوجب اللمّ من الفرقة، فالأمّة هنا أريد منها الولاية، والإمامة هنا وإن لا يبعد أن يراد بها إمامة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لكنّه لا يمنع الاستدلال به لوجوب الإمامة والولاية زمن الغيبة لغير صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذلك أنّ الواجب الأصيل هو لمّ الفرقة فإذا كان لمّ فرقة الأمّة واجباً علم منه أنّ المطلوب الشارع الأقدس أن لا يحصل أيّ فرقة في الأمّة، وواضح أنّ عدم الوليّ من رأس على الأمّة يوجب لهم الافتراق، فإن أمكن يجب سدّ هذا الافتراق بمن جعله الله تعالى بشخصه وليّاً وإماماً منصوباً، وإن لم يمكن لفرض غَيبته يجب سدّه بوليّ أمرٍ آخر جامع للشرائط اللازمة.

 

وقريب منه ما في نهج البلاغة وتمامه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أنّه (عليه السلام) قال: فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنـزيهاً عن الكبر (الكفر ـ خ ل) والزكاة تسبيباً للرزق ... والإمامة نظاماً للأمة، والطاعة تعظيماً للإمامة[3].

 

وبيان الاستدلال به نظير ما مرّ، إلاّ أنّ المفعول له والعلّة لفرض الإمامة الّتي هنا أيضاً بمعنى الولاية هو نظام الأمّة، ونظام الأمّة هو أن تنتظم الأمّة في سلك واحد ولا يتفرقوا، بل لو أريد من النظام الخيط الّذي ينظم به اللؤلؤ ونحوه حينئذٍ تكون الإمامة تنظم بها الأمّة ولا يحصل لهم تفرّق أصلاً، فيرجع كون الإمامة نظام الأمّة إلى نفس كونها لمّاً من فرقة الأمّة، وتكون كيفية الدلالة فيهما واحداً.

 

إلاّ أنّه هو ما في بعض نسخ نهج البلاغة، وأمّا على ما في بعض آخر من النسخ فالعبارة: «والأمانة نظاماً للأمة» فلا يرتبط ببحث الإمامة أصلاً، وكون اللفظة «الإمامة» وإن كان أنسب مع الجملة التالية «والطاعة تعظيماً للإمامة» إذ يكون حاصل المعنى أنّ الله تعالى فرض الإمامة لأن تنظم ولا تتفرق الأمّة وفرض طاعة الإمام لأن يكون الإمام معظّماً، فالجملة الثانية تكملة للأولى إلاّ أنّ مجرد الأنسبية كما تعلم ليس حجة صدق نسخة «الإمامة» وباختلاف النسخ لا يتمّ الاستدلال.

 

ورابع الوجوه:

 

مركّب من مقدمتين: إحداهما أنّ الأمة مكلّفة بتوسعة دين الإسلام الشريف ولحفظه. وثانيهما أنّ حفظه موقوف انحصاراً بوجود ولي أمر للأمة، وحيث إنّ جعل ولي الأمر متوقّف على جعل الله فلا محالة يجب جعل ولاية إلهية لأحد في زمن الغيبة، ويكون الوليّ غير الإمام المعصوم (عليه السلام).

 

أما المقدمة الأولى، فيمكن الاستدلال لإثباتها بأدلة وجوب الجهاد وببعض الأدلّة الدالّة على وجوب الإطاعة عن الولاة.

 

(أمّا) الأوّل فيمكن الاستدلال له بعدّةٍ من الآيات والروايات:

 

أمّا الآيات فتدل آيات كثيرة جداً على وجوب القتال في سبيل الله، وتدل آيات منها على أنّ الغرض الأصيل من القتال أن يدخلوا الكفّار في دين الله ـ أعني الإسلام ـ.

 

1ـ فقال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[4].

 

2ـ وقال تعالى أيضاً: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[5].

 

فالآيتان الأخيرتان في كلا الموردين بعد ما أمرنا الأمّة الإسلامية بالقتال للكفار الّذين يقاتلونهم قد صرحنا بأن غاية القتال أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين والإطاعة والعبادة كلّها لله تعالى محظاً، فالأمر بقتال الكفّار إنّما هو لأن يدخل الناس جميعهم في طاعة الله تعالى. ومعلوم بمناسبة الحكم والموضوع أن الغاية ليست مجرّد دخولهم ولو حيناً ما ليجتمع مع خروجهم عنه وعدم بقائهم على الدين الإلهي، بل إن الغاية هي أن يدخل الناس كلّهم في الدين ويبقون دائماً عليه.

 

فتوسعة الإسلام العزيز وبقاء الناس دائماً عليه هو الهدف والغاية الأصلية من القتال الواجب ففي الحقيقة المسلمون موظفون بتوسعة الدين الإلهي في جميع الأجيال وحفظه فيهم إلى الأبد. ولازمه أنّ مقاتلي الإسلام إذا جاهدوا وغلبوا الأعداء إلاّ أنّ الأعداء لم يسلم كلّهم فعلى المسلمين أن يقتلوا هؤلاء الّذين لم يسلموا وهو بمعنى قوله تعالى في الطائفة الأولى: «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» بل هو مقتضى إيجاب قتالهم في كلتا الآيتين، فإنّ القتال يلزمه العادة قتل مَن يقاتل، فإذا جعلت غاية أن يكون الدين لله فلا محالة كلّ مَن لم يدخل في دين الله يُقتل.

 

3ـ وإلى هاتين الآيتين يرجع قوله تعالى خطاباً للمسلمين ـ بعد قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُو﴾ ـ : ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[6].

 

بيان الدلالة: الظاهر أنّ الضمير المجرور في قوله تعالى: «لهم» راجع إلى «الّذين كفروا» المذكورة في الآية السابقة فقد أمر الله تعالى المسلمين بأن يعدّ لمقالة الكفّار جميع ما يمكنهم من القوى الإنسانية والأدوات اللازمة الأخر لمقاتلتهم وجعل هذا الإعداد إرهاباً لعدوّ الله وعدوّ المسلمين بقوله تعالى «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» فالتعبير عن الكفار بعدوّ الله إنّما هو لكونهم في مقام المقابلة والقتل لدين الله، بل إن عداوتهم هذه صارت سبباً لأن يكونوا عدوّ المسلمين، فيرجع مفاد هذه الجملة إلى قوله: «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ» فعَدّ إعداد القوى والأدوات في القتال وبها يكون القتال ففي المآل يكون المطلوب هو قتال أعداء الله، أي أعداء دينه الشريف، ولذلك فالقتال إنّما هو لحفظ الدين الشريف وبسطه في كل الأرض وحفظه عن الآفات وهو ما ذكرنا من الناس مكلّفون ببسط دين الله وحفظه.

 

والظاهر أنّ هذه الجهة هي الموجبة لتوصيف القتال في كثيرٍ من الآيات الشريفة بأن يكون في سبيل الله، فإنّه إذا كان لغاية بسط الإسلام وحفظه كان في سبيل الله تعالى، ومن هذا المنطلق أيضاً قال في آخر هذه الآية «وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ».

 

4ـ وبما ذكرنا من البيان تعرف سرّ ما ذكره الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[7] فجاء بصيغة الماضي قوله «اشتَرى» وحكم جزماً بأنّ هذا البيع من ناحية المؤمنين، والاشتراء من ناحية الله تعالى قد وقع، والمبيع هو أنفس المؤمنين وأموالهم، والثمن أنّ لهم الجنّة، وقد أكّد وفاءه بهذا الاشتراء وذاك الثمن بقوله: «وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا» في الكتب السماوية الثلاثة وبقوله «وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ» وأعلن أخيراً بأنّ هذه المبايعة فيها فوزٌ عظيم للمؤمنين المبايعين بل إنّ هذا الثمن والوصول إليه هو الفوز العظيم، وليس الفوز العظيم إلاّ إياه، ولذا أمر المؤمنين بأن يستبشروا بيعهم هذا.

 

والحاصل: أن الله تعالى في الآية الكريمة عدّ نفسه مالكاً لأنفس المؤمنين وأموالهم، وفرّع على هذه الملكية أنّ المؤمنين ينفقونها في القتال للكفّار فيقول الله تعالى: هذه الأنفس والأموال قد اشتراها الله منكم وتنفقون مال الله في القتال في سبيله ومآله أنّكم تنفقون أموال الله قد أشتراها منكم وتنفقون مال الله في القتال في سبيله ومآله أنكم تنفقون أموال الله في ما هو لله تعالى ويكون مفاده النهائي أنّ دين الإسلام حيث كان دين الله تعالى فأنتم أيّها المؤمنون لا تصرفون ولا تنفقون ممّا يتعلّق بكم في بسطه وحفظه بل إنّما تنفقون أموال الله في بسط وحفظ دينه. وهو ما استفدناه من الآيات السابقة.

 

ونكتفي من الآيات المباركة بهذا المقدار.

 

وأمّا الروايات:

 

1ـ ففي الخبر ـ المروي في الكافي بسندٍ صحيح ـ عن الحسن بن محبوب عن بعض أصحابه قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) في رسالته إلى بعض خلفاء بني أمية. ومن ذلك ما شيع الجهاد الّذي فضّله الله عزّ وجلّ على الأعمال وفضّل عامله على العمال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة (والرحمة ـ خ ل) لأنّه ظهر به الدين وبه يدفع عن الدين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بيعاً مفلحاً منجحاً. اشترط عليهم فيه حفظ الحدود، وأوّل ذلك الدعاء إلى طاعة الله من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادة العباد، وإلى ولاية الله من ولاية العباد، فمن دعي إلى الجزية فأبى قُتِل وسبي أهله. وليس الدعاء من طاعة عبدٍ إلى طاعة عبدٍ مثله... الحديث[8].

 

فنرى أنّه (عليه السلام) ذكر سرّ تفضيل عمل الجهاد على سائر الأعمال وتفضيل المجاهد على سائر العمّال أنّ الجهاد الّذي هو عمل المجاهد يظهر الدين ويدفع عن الدين، فالجهاد الواجب على المسلم  حيث أنّه موجب لانبساط الدين وظهوره وللدفاع عن الدين وبقاؤه كان سبباً لأفضلية الجهاد والمجاهد على سائر الأعمال والعمّال، وهو ما ذكرناه من الجهاد والقتال في سبيل بسط وحفظ دين الله وعبادته.

 

وقد أكّد هذا المعنى قوله (عليه السلام) «واشترط عليهم فيه حفظ الحدود» وجعل أوّل هذه الحدود المشترطة على المسلمين «الدعاء إلى طاعة الله من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادة العباد» وهو كما نرى الدعاء إلى أن يدخلوا في الدين الإسلامي الشريف، ففي الحقيقية المسلمون مكلّفون ببسط الإسلام وحفظة، وهو مطلوب الله الأصيل من طلب الجهاد.

 

2ـ وفي خبر أبي حفص الكلبي ـ المنقول أيضاً في الكافي ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الله عَزّ وجَلّ بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتّى أمره بالقتال، فالخير في السيف، وتحت السيف، والأمر يعود كما بدأ»[9].

 

فقد صرّح الإمام (عليه السلام) بأنّ الهدف الأصيل من وجوب الجهاد هو أن يقبل الناس الإسلام ويدخلوا فيه، وهذا الهدف كان هو هدف أمره تعالى للرسول ولمن يجاهد تحت أمره بالقتال، وسيعود الأمر في زمن الدولة الحقّة ـ الّتي تكون دولة القائم (عليه السلام) ـ كما بدأ، يعني وإن كان ربّما خرج أمر القتال في زمن خلفاء الجور عن هدفه الأصيل إلى مثل هدف وصول الجائر إلى السلطنة والخلافة إلاّ أنّه يعود الأمر كما بدأ.

 

وكيف كان، فإذا كان دخول الكفّار في الإسلام مطلوب الله الأصيل من الأمر بالقتال فهو دليل على ما نحن بصدده.

 

3ـ وفي خبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ الوارد في الأسياف الخمسة الّتي بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بها ـ قال: فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب: قال الله عَزّ وجَلّ: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ ـ يعني آمنوا ـ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ... ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام... والسيف الثالث سيف على مشركي العجم، يعني الترك والديلم والخزر، قال الله عَزّ وجَلّ في أوّل السورة الّتي يذكر فيها «الّذين كفروا»[10].

 

فقصّ قصّتهم... فهؤلاء لن يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام... الحديث[11].

 

فالغاية من القتال ـ كما ترى ـ هو الدخول في الإسلام، وإلاّ فيقتل هؤلاء الكفّار المشركون، فالهدف من القتال بسط الإسلام وحفظة وإن لم يقبلوا الإسلام ولم يدخلوا فيه قُتلوا. وهذا هو ما نحن بصدده، من أن المسلمين مكلّفون ببسط الإسلام الّذي هو دين الله تعالى ومطلوبه وحفظه بعد تحقّقه كما مرّ.

 

4ـ وروى الكليني في الكافي والصدوق في علل الشرائع بسندٍ صحيح عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فدالك إنّ رجلاً من مواليك بلغة أنّ رجلاً يعطي السيف والفرس في سبيل الله (في السبيل ـ علل) فأتاه فأخذهما منه (وهو جاهل بوجه السبيل)[12] ثُمّ لقيه (لقاه ـ علل) أصحابه فأخبروه أنّ السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردّهما، فقال: فليفعل، قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له: قد شخص الرجل، قال (عليه السلام): فليرابط ولا يقاتل، قال: ففي مثل قزوين (قال له : ففي قزوين ـ علل) والديلم وعسقلان ما أشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم، فقال له: يجاهد؟ فقال (عليه السلام): لا إلاّ أن يخاف على ذراري المسلمين (فقال: ـ كافي) أرأيتك لو أنّ الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم (يتابعوهم ـ علل)؟ قال (عليه السلام): (قال: قال: ـ علل) يرابط ولا يقاتل وإن (فإن ـ علل) خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس (ليس ـ علل) للسلطان، قال: قلت: فإن جاء العدوّ إلى الموضع الّذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء، لأنّ في دروس الإسلام دروس دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (لأنّ في اندراس الإسلام اندراس ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ علل)[13].

 

ورواه الشيخ في التهذيب أيضاً بسندٍ صحيح عن يونس، قال: سأل أبا الحسن (عليه السلام) رجل وأنا حاضر فقال له: ... فذكر الحديث إلى آخره نحوه وفي آخر: ذكرِ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)[14].

 

وبيان دلالته: أن الإمام (عليه السلام) منعه من القتال لكون قتاله تحت لواء أولئك الجائرين الفسقة، إلاّ أنّه جوّز له القتال بل أمره به «إذا خاف على بيضة الإسلام والمسلمين» وعنونه حينئذٍ بقوله: «يقاتل عن بيضة الإسلام» وعلّله بأنّ اندارس الإسلام مبغوض جدّاً لكونه اندراس دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو اندراس ذِكره، فتجويز القتال إذا خاف على بيضة الإسلام والمسلمين مآله إلى أن القتال لكونه دفاعاً عن الإسلام والمسلمين صار جائزاً بل واجباً. وإليه يؤول أيضاً تعليله بأنّ اندراس الإسلام اندراس دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ذِكره، وهو الّذي نحن بصدده من أن المسلمين مكلّفون بحفظ دين الله. ويؤكد أنّه (عليه السلام) في الفقرة الأولى بعد تجويز القتال إذا خاف على بيضة الإسلام عنون هذا القتال بقوله: «فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان» فإنه يدلّ على أن القتال الّذي هو لنفس المجاهد المقاتل ما كان لحفظ بيضة الإسلام ولأجل الإسلام، وهو ما نحن بصدده.

 

والروايات الدالّة على مدّعانا أكثر ممّا ذكرناه ونكتفي بما مرّ، إلاّ أنّا نقول: إنّ كون الهدف الأصيل من القتال بسط الإسلام بحدّ من الأهمية حتّى أوجبوا دعوة الكفّار إلى الإسلام قبل الشروع في القتال.

 

قال المحقق في الشرائع ذيل البحث عن كيفية قتال أهل الحرب، ولا يبدأون إلاّ بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام. وعطف عليه صاحب الجواهر وقال: وامتناعهم عن ذلك وعن إعطاء الجزية إن كانوا من أهلها. ثُمّ قال: بلا خلاف أجده بل ولا إشكال[15].

 

وممّا يدل على وجوب الدعاء قبله موثّق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال: يا علي لا تقاتلنّ أحداً حتّى تدعوه إلى الإسلام... الحديث[16].

 

ومن الواضح أنّ النهي ظاهر في الحرمة وأنّه لا يجوز القتال إلاّ بعد الدعوة إلى الإسلام.

 

وأيضاً يدلّ على أهمية هذا الهدف أنّ بعض الأخبار المعتبرة يدلّ على أنّ اعتبار الصغار لمن يعطي الجزية من أهل الكتاب إنّما هو لأن يجد ذلاًّ فيسلم. ففي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال (عليه السلام): ذلك إلى الإمام، يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق، إنّما هو قوّم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يُقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا، فإن الله قال: ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[17] وكيف يكون صاغراً وهو لا يكترث ذلاَّ لما يؤخذ منه حتّى لا يجد ذلاًّ (ألماً ـ خ ل) لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم[18]؟! فهدف انبساط الإسلام يحدّ من المطلوبية لا يقتصر على مجرد دعوة الكافر قبل القتال معه بل إذا قوتل وغلب عليه وعوهد على إعطاء الجزية يشترط كونه صاغراً عند الأداء حتّى يألم لذلك فيسلم.

 

هذا تمام كلامنا في إثبات وجوب بسط وحفظ الإسلام على المسلمين من طريق أدلة الجهاد.

 

(وأمّا) إثباتهما من طريق بعض الأدلّة الدالّة على وجوب الإطاعة عن وليّ الأمر على المسلمين فقد روى السيد الرضي في نهج البلاغة والكليني في الروضة من الكافي عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبةً خطبها بصفّين: أمّا بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقّاً بولاية أمركم (ومنـزلتي الّتي أنـزلني الله عزّ ذكره بها منكم ـ كافي) ولكم عليّ حقّ مثل الّذي لي عليكم...ولكنّة سبحانه (لكن ـ كافي) جعل حقّه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب (وجعل كفّارتهم عليه بحسن الثواب ـ كافي) تفضّلاً منه (وتطوّلاً بكرمه ـ كافي) وتوسّعاً بما هو من المزيد (له ـ كافي) أهله، ثُمّ جعل سبحانه كم حقوقه حقوقاً افترضها (فرضها الله ـ كافي) لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلاّ ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه (فأعظم ممّا افترض الله تبارك وتعالى ـ كافي) من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية وحقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه (عزَّ وجلَّ ـ كافي) لكلّ على كلّ، فجعلها نظام أُلفتهم وعزّاً لدينهم (وقواماً لسنن الحقّ فيهم ـ كافي) فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها (إليها كذلك ـ كافي) عزّ الخلق بينهم وقامت (فقامت ـ كافي) مناهج الدين واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان (وطاب به العيش ـ كافي) وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية وإليها (وإليهم ـ كافي) أو أجحف الوالي بالرعية (وعلا الوالي الرعية ـ كافي) اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم (مطامع ـ كافي) الجور وكثر الإدغال في الدين وتركت محاجّ (معالم ـ كافي) السنن، فعمل بالهوى وعطّلت الأحكام (الآثار ـ كافي) وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل (ولا يستوحش لجسيم حدٍّ عُطّل ـ كافي)  ولا لعظيم باطل فُعّل (أُتّل ـ كافي) فهناك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار (وتخرب البلاد ـ كافي) وتعظّم تبعات الله سبحانه (عزَّ وجلَّ ـ كافي) عند العباد[19].

 

 فقد صرّح بأنّ حقّ الوالي على الرعية وحقّ الرعية على الوالي من أعظم ما افترضه الله تعالى، وهما فريضة لكلّ منهما على الآخر، ثُمّ بيّن المآل والهدف من هذه الفريضة بقوله (عليه السلام): «فجعلها نظام ألفتهم وعزاً لدينهم» وكون هذه الفريضة بطرفيها عزّاً للدين إنّما يكون بأنّ العمل بها منهما يوجب بسط الدين بمثل قتال الكفّار وحفظ الدين بإجراء الأحكام والحدود، فيكون الواجب بالحقيقة هو بسط الدين وحفظه، إلاّ أنّه متقوّم بعمل كلّ من الوالي والرعية بما هو وظيفته، وإلاّ فإن لم يعمل كلّ منهما بوظيفته ولم يؤدّ حقّ الآخر كثر الإدغال في الدين[20] وتركت محاجّ السنن معالمها[21] وعطّلت الأحكام والآثار، فلا يستوحش لعظيم حقّ أو حّدٍ عطّل ولا لعظيم باطلٍ فعل، وهناك تذّل الأبرار وتعز الأشرار وينـزل عذاب الله على العباد.

 

فهذه الآثار هي ما ذكره الإمام (عليه السلام) في مقام بيان عدم عمل كلّ من الرعية والوالي بحقّه الّذي عليه، وهو كما ترى عبارة أخرى عن تعطيل الدين وخرابه.

 

فهذه الخطبة المباركة أيضاً تدلّ على أنّ الواجب الأصيل على الناس هو حفظ الدين الإلهي وللوصول إليه فرض الله تعالى للوالي حقاً على الرعية وللرعية حقاً على الوالي. فالخطبة أيضاً تامّة الدلالة على المطلوب، فالمقدمة الأولى تامّة.

 

وأما المقدمة الثانية ـ أعني أنّ حفظ الدين وبقاءه موقوف بوجود الوالي ـ فيمكن الاستلال لإثباتها بوجوه:

 

1ـ ما رواه السيّد الرضي (قدس سرّه) في نهج البلاغة ورواه في تمام نهج البلاغة أيضاً عن مصادر متعدّدة وأنهاه إلى كتاب الفتوح لابن أعثم (ج2 ص294) وهو كلام له (عليه السلام) قاله لعمر بن الخطاب وقد شاوره لقتال الفرس بنفسه، ولهذا الكلام مقدّمة نقلها المجلسي في البحار عن إرشاد الشيخ المفيد لابدّ من ذكره. وحاصلها: أنّه روي عن أبي بكر الهذلي أنّه قال: سمعت رجالاً من علمائنا يقولون: تكاتبت الأعاجم من أهل همدان وأهل الري وإصبهان وقومس[22] ونهاوند أنّ ملك العرب الّذي جاء بدينهم (يعنون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد هلك، وهلك بعد مدّة يسيرة مَن بعده (يعنون أبا بكر) ثُمّ قام بعده آخر (يعنون عمر) قد أغزاكم جنده وأنّه غير منتهٍ عنكم فأخرجوا إليه واغزوه في بلاده. فتعاقدوا عليه وبلغ الخبر عمر بن الخطاب وفزع فزعاً شديداً فجاء مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصعد المنبر وقصّ للناس القصّة واستشارهم، فقام طلحة وأشار بما حاصله: إنّك يا عمر خبير ذو بصيرة فاختر فيه ما تراه، وقام بعده عثمان بن عفّان وقال: إنّي أرى أن تشخص أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة فتلقى جميع المشركين بجميع المؤمنين فأحضره برأيك ولا تغب عنه فقال عمر: تكلّموا فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد التجميد لله والصلاة على رسوله[23]:

 

إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة و (إنّما ـ التمام)  هو دين الله الّذي أظهره وجنده الّذي أعدّه وأمدّه حتّى بلغ ما بلغ وطلع حيث (حيثما ـ التمام) طلع، ونحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإن (فإذا ـ التمام) انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ثُمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك (إن شخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن شخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ديارهم، وإنك ـ التمام) إن شخّصت من هذه الأرض ( مع أهل مكة والمدينة إلى أهل البصرة والكوفة ثُمّ قصدت بهم عدوك ـ التمام) انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتّى تكون ما تدع ورائك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك (من العيالات ـ التمام) (ثُمّ ذكر (عليه السلام) كيفية تجهيز القوى من الأمصار المختلفة الإسلامية ـ التمام) ثُمّ قال: إنّ الأعاجم أن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب فإذا اقتطعتموه استرحتم منهم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك، فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإنّ الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأمّا ما ذكرت من (كثرة ـ التمام) عددهم فإنّا لم نكن نقاتل في ما مضى (على عهد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بعده ـ التمام) بالكثرة وإنّما كنّا نقاتل بالنصر والمعونة. (فأقم بمكانك الّذي أنت فيه وابعث من يكفيك هذا الأمر، والسلام ـ التمام)[24].

 

فالمراد بالأمر المشار إليه في صدر كلامه: «هذا الأمر» هو دين الله ـ اعني الإسلام ـ كما تشهد له الجملة الثانية «وهو دين الله» فيدلّ بوضوح أنّ هدف المسلمين في هذا القتال الّذي يكون أشبه بالدفاع لعزم الأعاجم على الهجوم عليهم، فهدف المسلمين هو الدفاع عن دينهم الّذي هو دين الله، فقال الأمير (عليه السلام): «إنّ هذا الدين أظهره الله وإنّ المسلمين جند الله الّذي أعدّه وأمدّه، ونحن المسلمون على موعودٍ من الله، والله منجز وعده وناصر جنده».

 

فقوله (عليه السلام) بالنسبة للدين إشارة إلى قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ كما في آية[25]، أو: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ كما في آيتين أُخريين[26]. فإنّ الآية المباركة صرّحت بأنّ الله تعالى أرسل رسوله بدين الحقّ، فهو تعالى بأمر لرسوله امتثال الرسول لأمره أظهر الدين. وقوله تعالى: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» متضمن لأمرين: أحدهما بيان أنّ هدفه تعالى من إرسال الرسول بالدين ليس صرف إظهاره، بل إنّ هدفه الأصيل الأوسع هو أن يظهر هذا الدين على جميع الأديان وثانيهما وعد للمسلمين وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه تعالى يظهر هذا الدين على الدين كلّه، ولهذه الجهات قال (عليه السلام): «هو دين الله الّذي أظهره... ونحن على موعود من الله».

 

كما أنّ قوله (عليه السلام) بالنسبة للمسلمين المقاتلين: «وجنده الّذي أعدّه وأمدّه» إرشاد إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾[27] الّذي قد عرفت دلالته أنّ أنفس المؤمنين وأموالهم ملكٌ لله تعالى وفرّع عليه قتالهم في سبيل الله، فلا محالة يكون المسلمون جنده الّذي أعدّه.

 

ثُمّ قد قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾[28] فهذا وعدٌ منه تعالى بنصر جنده المقاتلين.

 

كما قد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[29] وهذا وعد منه بنصر المؤمنين الّذين ينصرونه الّذي يشمل المقاتلين الّذين يجاهدون في بسط دين الله وحفظه في سبيل الله. وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[30].

 

وقد حكى عمله بوعده هذا بالنسبة للمقاتلين بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[31]، وبقوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنـزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنـزلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾[32]. إلى غير ذلك من آيات كثيرة دالة على وعده تعالى بالنصر وعلى نصرته للأنبياء أو المؤمنين.

 

فالحاصل: أنّ دين الله هو الّذي أظهره الله وأراد إظهاره على جميع الأديان، ووعد نصره ونصر جنده الّذين هم المسلمون المقاتلون، فالمسلمون بالنسبة إلى دين الله على موعود من الله، والله ناصر جنده ومنجز وعده، إلاّ أنّه مع ذلك كلّه فانسجام الجند وتحقّق القتال ووقوع هذا الوعد الإلهي موقوف على والٍ وقيّم بأمر المسلمين، وإلى هذه الجهة أشار بقوله (عليه السلام): «ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ثُمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً» فالقيم هو الّذي يجمع ينظم المسلمين المقاتلين ولولاه لم يكن اجتماع أصلاً، ولذلك قال (عليه السلام) تلوه: «والعرب اليوم وإن كانوا  قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع» فحفظ اجتماعهم المؤثر في هدف بسط الدين وحفظه متوقف لا محالة على ولاية القيّم بالأمر والوالي، وعليه قال: «فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب» فكلامه (عليه السلام) إلى هنا تامّ الدلالة على أنّ بسط الإسلام وحفظه موقوف على وجود الوالي والقيّم بالأمر بعد ما كان المسلمون معدّين للقتال. وحيث قد مرّ في المقدمة الأولى أنّ المسلمين مكلفون ببسط الإسلام وحفظه أوجبه الله تعالى عليهم، فبمقتضى كلامه (عليه السلام) أنّ هذا المطلوب بعد فرض تهيؤ المسلمين للعمل بوظيفتهم وامتثال الأمر المتوجّه إليهم لا يتحقق إلاّ بالوالي والقيم وجعل الوالي والقيّم لا يكون إلاّ بجعل الله تعالى، فلا محالة لابدّ وأن يجعله الله حتّى يتحقّق مطلوبه.

 

فبانضمام المقدّمتين يثبت أنّ الله تعالى لم يترك المؤمنين في زمن الغيبة بلا قيّم ووالٍ، إذ المفروض أن أدلّة إيجاب بسط الدين وحفظه تقضي بإطلاقه القطعي أن يجب هذا الواجب على المسلمين زمن الغيبة، وقد أفاد الأمير (عليه السلام) أنّع لا يتحقق إلاّ بقيّم ووالٍ. والمفروض أنّ الوالي الأصيل المعصوم (عليه السلام) قد غاب ولم يتصدّ لأمر الولاية، فمع بقاء ذلك الواجب فلا محيص إلاّ أن يجعل الله على المؤمنين قيّماً ووالياً آخر غير الإمام المعصوم (عليه السلام) وعجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

ثُمّ الإمام (عليه السلام) تعرّض لبيان الواجب من كيفية تجهيز أهل الحرب، وفي كلامه (عليه السلام) إشارة إلى ردّ ما أبداه عثمان بصورة مستدلّة واضحة لا تحتاج إلى البيان.

 

دفع توهم: قد يتوهّم أنّ مورد كلام الإمام (عليه السلام) ومراده بالقيّم هو عمر بن الخطّاب الّذي ليس بحسب الواقع قيّماً في الشريعة لكونه غاصب مقام القيّم الشرعي، فلا يدل على توقّف بسط الدين وحفظه بالقيم الشرعي مع أنّه المطلوب.

 

لكنّه مندفع بأنّ المتوقّف عليه في كلامه (عليه السلام) هو القيّم بالأمر، ومفاده مَن كان بيده ولاية أمر المسلمين خارجاً وبالفعل، وهو عنوان واقعي قد حكم بأنّ حفظ الدين موقوف عليه، ولم يجعل المتوقّف عليه هذا الشخص بما أنّه شخص حتّى يستشكل بأنّ تصدّيه غير مشروع. فهو (عليه السلام) يصدع بأنّ حفظ الدين متوقّف على وليّ الأمر الفعلي، وحيث إنّ حفظه في زمن الغَيبة أيضاً واجب فلا محالة ـ بعد تهيؤ المسلمين ـ لا يتحقّق إلاّ بجعل وليّ أمرٍ من ناحية الشريعة، وهو المطلوب.

 

2ـ ما رواه السيد الرضي (قدس سرّه) في نهج البلاغة ورواه أيضاً تمام نهج البلاغة بزيادةٍ في أوله ننقلها عنه قال: كلام له (عليه السلام) لعمر بن الخطّاب وقد شاور في الخروج إلى غزو الروم بنفسه لمّا خرج قيصر الروم في جماهير أهلها، وذلك بعد انـزواء خالد بن الوليد واستصعاب باقي أمراء سرايا المسلمين، فقال (عليه السلام):

 

إنّك قد علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث نبيّه محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس معه ثانٍ، ولا له في الأرض من ناصر، ولا له من عدوّه مانع، ثمّ لطف تبارك وتعالى بحوله وقوّته وطوله فجعل له أعواناً، أعزّ بهم دينه وشدّ بهم أزره وشيّد بهم أمره وقصم بهم كلّ جبّار عنيد وشيطان مريد، وأرى مؤازريه وناصريه من الفتوح والظهور على الأعداء مادام به سرورهم وقرّت به أعينهم[33].

 

وقد توكّل (تكفّل ـ التمام) الله تعالى لأهل هذا الدين بإعزاز الحوزة وستر العورة، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون، ومنعهم وهم قليلٌ لا يمتنعون، حيٌّ لا يموت، إنك متى تسِر إلى هذا العدو بنفسك فتَلَقَهم (بشخصك ـ التمام) فتُنكب لا تكن للمسلمين كانفة[34] دون أقصى بلادهم (و ـ التمام) ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فـ (أقم بالمدينة ولا تبرحها، فإنه أهيب لك في عدوّك وأرعب لقلوبهم، (و ـ ابعث) إليهم رجلاً مِحرَباً، واحفز[35] معه أهل البلاء[36] والنصيحة، فإن أظهر (ه ـ التمام) الله فذاك ما تُحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً[37] للناس ومثابة للمسلمين[38].

 

فقد ذكر (عليه السلام) أوّلاً أنّ الله تعالى بعد أن بعث رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا ناصر له فقد جعل له أعواناً أعزّ بهم دينه الّذي هو دين الله ونصرهم الله وإيّاه حتّى أراهم من الفتوح ما قرّت به الأعين ودام به السرور، وهو تعالى بعد حيٌّ ولا يموت أبداً، فلا محالة يعزّ حوزة الدين ببسط حوزته وقدرته في ما انبسط فيه، فمفاد هذه الجملات أنّ المقصود الأصيل لله تعالى وللمسلمين ووليّ أمرهم هو حفظ الدين وبسطه، وقد تعهّد الله بهما وهو حيٌّ قادر لم يمت ولا يموت.

 

ثُمّ أفاد بعد هذا المطلب أنّ بقاء المسلمين بحيث يكونون أحياء أقوياء وذوي بأسٍ أشد على الكفّار  المحاربين بوجود وليّ أمرهم وبقاءه على ما كان له من القدرة، وهو لا يكون إلاّ بأن يقوم هو نفسه بالمدينة الّتي هي مركز الخلافة فإنّ إقامته بها أرهب وأرعب لقلوب الأعداء ويكون ذا سلامة وأمنٍ إن حدثت للمسلمين نكبة ومغلوبية، فهو باقٍ ومرجعٌ للمسلمين، وإلاّ فإن سار إلى المعركة فليس لهم بعد المغلوبية مرجعٌ يرجع المسلمون إليه، فاللازم أن يبقى وليّ الأمر بمركز الخلافة والولاية ليكون ردءاً ومثابة أمنٍ للمسلمين.

 

فهذا الكلام يدلّ على أنّ الهدف الأصيل هو بسط الإسلام وحفظه، وهو موقوف على وجود الوليّ وبقائه، ولذلك كان اللازم بقاء الولي في المدينة وعدم خروجه لقتال الأعداء بشخصه،  وحينئذ فلمّا كان بسط الدين وحفظه في زمن الغَيبة أيضاً واجباً فلا محالة يتوقف على تهيؤ المسلمين أنفسهم وعلى وجود مَن يلي أمرهم وأمر الولاية موقوف على جعل الله تعالى لأحدٍ والياً، ولا محالة هو غير الإمام المعصوم (عليه السلام)، فتحقّق أصل الولاية لازمٌ في زمن الغيبة كما عرفت.

 

3ـ ما رواه الكليني في أصول الكافي عن أبي محمد القاسم بن العلاء (رحمه الله) رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرضا (عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقامنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم ثُمّ قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إنّ الله عَزّ وجَلّ لم يقبض نبيه حتّى أكمل له الدين وأنـزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء... وأنـزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[39] وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بين لأمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ، وأقام لهم عليّاً (عليه السلام) عَلماً وإماماً، وما ترك لهم شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به.

 

هل تعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وامنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم، إنّ الإمامة خص الله عَزّ وجَلّ بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوية والخلّة مرتبة ثالثة... حتّى ورّثها الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... فكانت له خاصة، فقلدها علياً (عليه السلام) بأمر الله على رسم ما فرض الله، فصارت في ذرّيته الأصفياء... إنّ الإمامة هي منـزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليه السلام)، إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أسّ الإسلام وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة... الحديث[40].

 

فالقاسم بن العلاء من أجلاء الأصحاب وقد عدّ من وكلاء الناحية، إلاّ أنّ الواسطة بينه وبين عبد العزيز بن مسلم غير معلوم، وعبد العزيز نفسه مجهول، فسند الحديث لا يخلو من نقاش إلاّ أن يطمأن بصدوره لأجل علوّ مضمونه واشتماله على استدلالات قرآنية قوية وذكر مقامات للإمام عالية وبيان شافٍ وافٍ بأنّ الإمام لا مجال للناس اختياره فمثل هذا المضمون القويّ العالي لا يمكن صدوره إلاّ عن الإمام المعصوم (عليه السلام)، هذا من حيث السند.

 

وأما الدلالة فالأئمة المعصومين (عليه السلام) وإن كانوا علماء بأحكام الدين وأولياء على المسلمين إلاّ أن المراد بالإمام والإمامة المذكورين في الحديث هو حيثية ولايتهم، فالإمام هو الولي والإمامة هي الولاية، وذلك أنّ المنشأ لورود الإمام (عليه السلام) في هذا البحث ـ كما يظهر من صدر الحديث وقد أشير إليه في متنه دفعات ـ هو أنّ الناس كانوا يتوهّمون أن تعيين الإمام بمعنى ولي أمر المسلمين يكون تعيينه واختياره بأيدي الناس وإياهم عنى الإمام (عليه السلام) حيث قال: «إنّ الإمامة أجلّ قدراً... من أن يبلغها الناس... أو يقيموا إماماً باختيارهم».

 

هذا مضافاً إلى أنّ الإمام (عليه السلام) في صدر الكلام أفاد أنّ أمر الإمامة من تمام الدين المذكور في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ وأنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام العمل به وإيجاده أقام لأمته عليّاً (عليه السلام) إماماً وهو إشارة إلى ما كان يوم الغدير الّذي بين إمامته للناس في خطبته بعد أن استشهد الناس بقوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم» فإذا شهدوا له به قال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» فلا محالة أنّ هذه الإمامة هي بعينها الأولوية بالناس من أنفسهم وهي الولاية على الأمة، وقد مرّ عند البحث عن دلالة آية الغدير أنّ آية الإكمال قد نـزلت إشارة إلى تلك الآية نصّاً وعلى أن الولاية على المؤمنين هي إكمال الدين فبهاتين القرينتين لا ريب في أنّ المراد بالإمام في هذا الحديث هو وليّ الأمر.

 

وحينئذٍ نقول: إنّه (عليه السلام) أفاد في كلامه «إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعوا إلى سبيل الله ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة». فهذه الأوصاف قد ذكرناها لوليّ الأمر الّذي قد جعله الله تعالى لإدارة أمر الإسلام والمسلمين.

 

فحاصل مفاد العبارات أنّ الولاية الإلهية على أمور المسلمين هي أُس الإسلام الّذي ينمو وبنموه ينمو الإسلام في حين أنّها قد نشأت من الإسلام وفرعٌ سامٍ له، وأنّ وليّ الأمر بمقتضى إدارته لأمر المسلمين يوجب تحقّق الصلاة وسائر الواجبات حتّى الجهاد كما ينبغي أن تتحقّق، وهو يقوم بجعل الخراج والجزية وأخذها فيكون سبباً لتوفير فيء المسلمين، وهكذا به توفير الزكوات المالية، وهو بمقتضى ولايته حيث يكون أمر إجراء الحدود والتعزيرات بيده ومن وظائفه فيقيم حدود الله وتأديباته المقررّة، وهكذا يذبّ عن دين الله فيجاهد ويقاتل مَن يكون بصدد الهجوم على المسلمين ودينهم فيمنع ثغور المسلمين عن الأعداء ويجاهد في دين الله ويبسط الدين، ويدعو الناس إلى الإسلام بالحجة البالغة والبرهان الموجب لليقين وبالموعظة الحسنة.

 

فحاصل هذه الأوصاف أنّ أمر الدين بسطاً وحفظاً وإقامة لأحكامه بيد ولي الأمر، وواضح أنّ المستفاد من الحديث أنّها في الإسلام من خصوصيات وليّ الأمر، وهو الّذي يوجب هذه الأمور الأصيلة الّتي هي عبارة أخرى عن بسط الدين وحفظه والعمل به خارجاً.

 

فالحديث الشريف وإن كان في مقام بيان أنّ الولاية الإلهية قد جعلها الله تعالى للنبي ثُمّ للأئمة المعصومين (عليه السلام) إلاّ أنّه مع ذلك فلا ينبغي الريب أيضاً في أنّه يدلّ بوضوح أنّ هذه المزايا قد جعلها الله تعالى في الإسلام بيد وليّ الأمر معصوماً كما فرضه الله تعالى إلاّ أن هذه المسألة تنحلّ إلى أمرين: توقفّ تحقق هذه المزايا على الولاية ولزوم أن يكون الولي معصوماً. وإذا ألقي الأمران إلى العقلاء فلا ينبغي الريب في أنهم لا يفهمون أنّه إن لم يتحقق ولاية المعصوم خارجاً لبعض الجهات فالله تعالى قد رفع اليد عن تحقق أصل تلك المزايا بل لابدّ وأن تتحقق تلك المزايا كما أنّها موقوفة على ولاية أمر وليّ الأمر.

 

فبعد ذلك نقول: قد عرفت في المقدمة الأولى تكليف الناس بحفظ الدين وبسطه، وهذا الحديث كما قبله من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدّل على أنّ حفظه وبسطه والعمل به موقوفة على ولاية وليّ أمر إلهي، ولمّا كان تكليف الناس المذكور باقياً في زمن الغيبة فلا محالة يجب أن يكون لهم وليّ أمر حتّى يتحقق به ذلك التكليف الأصيل وهو المطلوب.

 

وخامس الوجوه:

 

ما رواه السيد الرضي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من كلام له (عليه السلام) في الخوارج لمّا سمع قولهم: «لا حكم إلاّ لله». قال (عليه السلام): كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنّه لا حكم إلاّ لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّ لله (لا إمرة ـ خ ل) وإنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن فيها ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله في الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به الضعيف من القويّ حتّى يستريح بر ويستراح من فاجر.

 

وفي رواية أخرى أنّه (عليه السلام) لمّا سمع تحكيمهم قال: «حكم الله انتظر فيكم». وقال (عليه السلام): أمّا الإمرة البرّة فيعمل فيها التقي، وأمّا الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته وتدركه منيته[41].

 

فهذه العبارات مذكورة في نسخ أربع من نهج البلاغة وقفت عليها، إلاّ أنه قد رواها في تمام نهج البلاغة بنحوٍ آخر بظهر منه أنّه نسخة نهج البلاغة، وخلاصة التفاوت أنّه بعد قوله (عليه السلام): «وأنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر» عقّبه كذلك: «أمّا الإمرة البرّة فيعمل فيها المؤمن...» فذكره كسائر النسخ إلى قوله (عليه السلام): «... ويستراح من فاجر» ثُمّ عقّبة تلوه هكذا: «أمّا الإمرة الفاجر...» إلى آخر الجملة الأخيرة المجعولة في سائر النسخ من روابة أخرى. ولم يتعرض للرواية الأخرى أصلاً، فراجع[42]. والذي يسهل الخطب أنّ هذا الخلاف لا يضر بموضع الاستدلال كما هو ظاهر.

 

فبيان دلالة كلامه (عليه السلام) على المراد أنّه (عليه السلام) بعد بيان مراد الخوارج من قولهم: «لا حكم إلاّ لله» بأنّهم يريدون معنىً باطلاً هو «أنّه لا إمرة إلاّ لله» أبطل هذا المعنى الباطل بالمرّة بقوله (عليه السلام): «وأنّه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر» فأفاد (عليه السلام) أنّ الناس لابدّ لهم في معيشتهم من أمير برّ أو فاجر لكي يقوم بالوظائف والمصالح المذكورة وغيرها، فهذه اللابدية من الأمير أمرّ قطعي قد حكم الإمام (عليه السلام) به. ومن الواضح أنّه عام لجميع الأزمنة ويشمل زمن الغيبة أيضاً. وواضح أنّ المراد بالأمير المذكور في كلامه الّذي لابدّ منه هو مَن يتصدّى ويقوم خارجاً بإدارة أمر الأمة حتّى تترتّب عليه المصالح المذكورة، وحينئذٍ فإذا غاب وليّ الأمر المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف فلابدّ للناس من أمير غيره يقوم بإرادة أمر الناس الّذين هو المسلمون ليجمع به الفيء وتأمن به السبل ويقاتل به العدوّ، وهو المطلوب.

 

ثُمّ الظاهر دلالة كلامه (عليه السلام) على المطلوب على كلتا الروايتين، وذلك أنّ تكرار السيد الرضي (قدس سرّه) لفظ «قال» عند نقل الرواية الأخرى يوجب ظهور كلامه في أنّ تلك الرواية تفترق عن الرواية الأولى في أوّلها بتصديرها بقوله (عليه السلام): «حكم الله انتظر فيكم» ثُمّ هي موافقة للأولى إلى تقسيم ذكر قسمي الأمير. ففي هذا المقام قد ذكر الأمرة البرّة والفاجرة كما روى، ولازمه أنّ قوله (عليه السلام): «أنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر» الّذي هو محل الاستشهاد موجود في تلك الرواية أيضاً.

 

ويؤيده أن تمام نهج البلاغة قد ذكر قوله (عليه السلام): «حكم الله انتظر فيكم» في صدر (عليه السلام) ثُمّ ذكر كلامه كما مرّ بيانه.

 

ثُمّ إنّه قد يختلج في بعض الأذهان استشكال الاستدلال بهذا الحديث بملاحظة أنّ أساس الاستدلال إنّما هو قوله (عليه السلام): «إنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر» وهو لاشتماله على الأمير الفاجر وجعله عدلاً للأمير البرّ لا يمكن أن يراد من الإمارة المذكورة فيه الإمارة المشروعة، بداهة أنّ إمارة الفاجر لا يمكن أن تكون مشروعة، فهكذا إمارة البرّ الّذي هو عدل له، فلابدّ وأن تكون هذه الكبرى الكلية قاعدة عقلائية وإن لم يكن عليها في الشرع دليل.

 

إلاّ أنّ الإتصاف عدم استقامة هذا الاستشكال، وبيانه: أنّه لا ريب في أنّ هذه الكبرى هي تمام الأصل الّذي اسنده الإمام (عليه السلام) عليه في إبطال ما كان يقوله الخوارج من قولهم: «لا إمرة إلاّ لله» ولا مجال لتوهّم أنّه (عليه السلام) إنّما ذكرها لمجرّد أنّها قاعدة عقلائية وإن كانت لا اعتبار بها في الشرع فإنه (عليه السلام) في مقام الحكم البتّي ببطلان دعواهم، ولا يمكن إبطاله إلاّ بإبراز دليل معتمد عليه.

 

وبعد هذا فيدفع الاختلاج المذكور أوّلاً بأنّ تمام همّ الإمام (عليه السلام) وركن دليله إنّما هو كبرى «إنّه لابّد للناس من أمير» وذلك أنّه بثبوته يبطل ما يقولونه من أنّه «لا إمرة إلاّ لله» فهو (عليه السلام) ينادي بأنّ الناس لابدّ لهم من أمير من نوع الإنسان لكي يقوم بالمصالح الّتي ذكرها (عليه السلام)، ويكون ذكر وصفه بقوله: «برّ أو فاجر» بمعنى أنّه لا ننظر فعلاً إلى اعتبار أحج الوصفين فلابدّ للناس من أمير من بني نوعهم لكي يتعّهد بإدارة أمورهم، ثُمّ بعد أن نرجع إلى سائر الأدلة ينكشف لنا أنّه يشترط في الأمير أن يكون برّاً ولا مجال لإمارة الفاجر من رأس.

 

وثانياً: أنّه لو سلّم دلالة الكبرى المذكورة على مشروعية إمارة الفاجر أيضاً فإنّما استفادة تلك المشروعية إنّما هي مقتضى ظاهر نفس الكبرى، لكنه بعد الرجوع إلى سائر الأدلة المقتضية لاعتبار وصف البر في الأمير وعدم مشروعية أن يتصدى الفاجر للإمارة نرفع اليد عن هذا الظهور ويكون مقتضى الجمع العقلائي أنّ تصدّي أمر الولاية وإن كان غير سائغ للفجّار إلاّ أنّه إذا عصى الله وتصدى عملاً إدارة أمور الناس فيترتب على إمارته أيضاً جميع الآثار المترتبة على إمارة البرّ، فالبرّ والفاجر مستويان في صحّة إمارتهما وترتّب الآثار المطلوبة عليها وإن كان تصدي الفاجر لها حراماً غير مشروع وتصدّي البرّ الجامع لسائر الشرائط سائغاً مشروعاً. فالكبرى المذكورة ناظرة في هذا التعميم إلى استوائهما في ترتيب الآثار لا في جواز التصدّي وعدم جواز. هذا ولكن الأظهر هو ما ذكرناه في الجواب الأول، والله العالم.

 

ثُمّ إنّه قد ورد مضمون الجملة المذكورة بطرق أُخر:

 

منها: ما عن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام) أنه قال: لابدّ من إمارة ورزق للأمير... الحديث[43].

 

ومنها: ما في تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: لا يستغني أهل كلّ بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجاً: فقيهٌ عالمٌ ورع، وأميرٌ خيرٌ مطاع، وطبيب بصيرٌ ثقة[44].

 

ومنها: ما عن كنـز العمال من كتب العامّة عن ابن مسعود: لابدّ للناس من إمارة برّة أو فاجرة، فأمّا البرّة فتعدل في القسم وتقسم بينكم فيئكم بالسوية، وأمّا الفاجرة فيبتلى فيها المؤمن، والإمارة خيرةٌ من الهرج. قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل والكذب[45].

 

وصدره وإن أسند إلى ابن مسعود إلاّ أنّه بقرينة الذيل ربّما يستظهر أنّ جميعهنّ كلام للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

وكيف كان، فبيان دلالة كلّ منها يعلم ممّا مرّ.

 

فهذه وجوه خمسة تدلّ على لزوم تأسيس الولاية شرعاً في زمن غَيبة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف بتصدي غيره من المسلمين، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الشرائط اللازمة التحقّق فيه، وقد عرفت أنّ دلالتها تامّة.

 

ـــــــــــــــــــ

 

[1] من لا يحضره الفقيه، ج3، ص567 الحديث4940، العلل: ص248 الحديث2.

 

ثُمّ إنّ للخطبة في علل الشرائع سندين آخرين أيضاً وما ذكرناه أُولاها وأولاها. كما أنّ الخطبة نقلت بسند آخر غير معتبر في الاحتجاج، ونقل العلامة المجلسي في البحار: ج29 ص104 لها إسناداً من كتب آخر فليراجع.

 

[2] روضة المتقين: ج14 ص60.

 

[3] نهج البلاغة (صبحي صال): الحكمة 252. تمام نهج البلاغة: الخطبة 41 ص410.

 

[4] البقرة: 190ـ 193.

 

[5] الأنفال: 38 و39.

 

[6] الأنفال: 60.

 

[7] التوبة: 111.

 

[8] الكافي: ج5 ص3 الحديث 4. عنه الوسائل: الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص6 الحديث 8.

 

[9] الكافي: ج5 ص7 الحديث7، عنه الوسائل: الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص9 الحديث14.

 

[10] المقصود منها سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

[11] الكافي:ج 5، ص10 الحديث2، عنه وعن غيره الوسائل: الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص16 الحديث2، والآية المذكورة هي 5 من سورة التوبة. وأمّا قوله «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ» فهي من الآية 11 منها.

 

[12] ما بين القوسين ليس في العلل.

 

[13] الكافي: ج5 ص21 الحديث2، العلل: ص603 الحديث 72.

 

[14] التهذيب: ج6 ص 125 الحديث2، عنه الوسائل: الباب 6 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص 19 الحديث 2.

 

[15] جواهر الكلام: ج21 ص52.

 

[16] الوسائل: الباب 10 من جهاد العدو ج11 ص30 الحديث 1، عن الكافي والتهذيب.

 

[17] التوبة: 29.

 

[18] الوسائل: الباب 68 من أبواب جهاد العدو ج11 ص 113 الحديث 1، عن الكافي.

 

[19] نهج البلاغة: الخطبة 216 ص 332، الكافي: ج8 ص 352، تمام نهج البلاغة: الخطبة 61 ص 462.

 

[20] الإدغال في الشيء أن يدخل فيه ما يخالفه فهو بمعنى إحداث البدع فيه.

 

[21] المحجة هي وسط الطريق، والتعلم ما يستدل به على الطريق من الأثر، فترك محاج السنن ومعالمها عبارة أخرى عن عدم الوصول إليها وترك العمل بها.

 

[22] قُومِس: تعريب كومس، وهي كورة كبيرة واسعة تشتمل على مدن وقرى ومزارع، وهي في ذيل جبال طبرستان، وقصبتها المشهورة دامغان وهي بين الري  ونيسابور، ومن مدنها المشهورة بسطام وبيار وبعض يدخل فيها سمنان (معجم البلدان: 4 / 414).

 

[23] إرشاد المفيد: ص99، عنه بحار الأنوار: ج40 ص253 الحديث 28.

 

[24] نهج البلاغة: الخطبة 146 ص203، تمام نهج البلاغة: الكلام 90 ص611.

 

[25] الفتح: 28.

 

[26] التوبة: 33، الصفّ: 9.

 

[27] التوبة: 111.

 

[28] التوبة: 14.

 

[29] محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 7.

 

[30] الرعد: 31.

 

[31] آل عمران: 133.

 

[32] التوبة: 25و26.

 

[33] إلى هنا ما في تمام نهج البلاغة.

 

[34] أي: عاصمة يلجأون إليها، من «كنَفه» إذا صانه وستره.

 

[35] أمر من «الحفز» وهو الدفع والسوق الشديد.

 

[36] أي: أهل المهارة في الحرب، والبلاء: هو الإجادة في العمل.

 

[37] الردء: الملجأ.

 

[38] نهج البلاغة: الخطبة 134 ص192، تمام نهج البلاغة: الكلام 89 ص610، عن الفتوح لابن أعثم: ج2 ص293.

 

[39] المائدة: 3.

 

[40] الكافي: ج1 ص198 الحديث 1.

 

[41] نسخة البحراني: ج2 الخطبة 39 ص 101، نسخة صبحي صالح: الخطبة 40 ص 82، شرح ابن أبي الحديد، ج2 الخطبة 40 ص307، نسخة ابن المؤدب (المخطوطة سنة 499): ص32.

 

[42] تمام نهج البلاغة: الكلام 142 ص668.

 

[43] الدعائم: ج2ص10.

 

[44] تحف العقول: ص321.

 

[45] كنـز العمال: ج6ص39.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة