الدرس السابع والستون: ذكر شرائط أخر في وليّ الأمر زمن الغيبة
التاريخ: 23-05-2011
الأوّل: أن لا يكون من أهل البخل والطمع والمصانعة وحبّ الجاه وإن لم يؤدّ ابتلاؤه بأحدها إلى سلب العدالة، واستدلّ لاعتباره: 1ـ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام إعلام عدم أهلية مثل معاوية لولاية أمر الأمّة: وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نَهمَتُه
الأوّل: أن لا يكون من أهل البخل والطمع والمصانعة وحبّ الجاه وإن لم يؤدّ ابتلاؤه بأحدها إلى سلب العدالة، واستدلّ لاعتباره:
1ـ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام إعلام عدم أهلية مثل معاوية لولاية أمر الأمّة: وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نَهمَتُه... ولا الحائف للدوَل فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع[1].
فقد نصّ على عدم صلاحية البخيل لولاية الأمر، وعلّله بما يرجع انجرار البخيل إلى عدم صرف المال في المصارف اللازمة. ونصّ أيضاً على عدم صلاحية الحائف للدول، والحيف هو الظلم، والدول جمع دولة ـ بالضم ـ بمعنى المال، ويرجع تعليله إلى أنّه تقديم قوم على آخرين بلا مجوز مشروع وهو نحو من المصانعة لأهواء نفسانية، ونصّ أيضاً على عدم صلاحية المرتشي في الحكم لها، وعلّله بأنه يوجب ذهاب الحقوق وعدم إجراء الأحكام كما جعلها الله تعالى، والارتشاء عبارة أخرى عن كون المرتشي من أهل الحرص والطمع.
2ـ واستدلّ أيضاً بما في كتابه لمالك الأشتر حين ولاّه مصر: ولا تُدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بلك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشره بالجور، فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله[2].
وبيان الاستدلال به أنّه إذا كان وجود هذه الصفات مانعاً لأن يصير أحد مشاور الأمير الفرعي فمانعيّتها عن صلوح واجدها للولاية الكبرى واضحة جداً.
3ـ ويستدلّ أيضاً بقوله (عليه السلام) في نهج البلاغة: لا يقيم أمر الله سبحانه إلاّ من لا يصانع ولا يضارع ولا يتّبع المطامع[3].
بتقريب أنّ الظاهر من أمر الله هو أمر الولاية، ولو سلّم العموم فلا ريب في شموله للوظائف الّتي أمر الله بها وليّ الأمر، فقد حكم (عليه السلام) بأنّه لا يقيمه ولا يمتثله إلاّ من لا يكون من أهل المصانعة واتّباع المطامع. فالمصانع للناس والمتعقّب لتحصيل مرضاتهم لا يمكنه امتثال أمر الله، وهكذا أهل الطمع والحرص، وهو ما رمناه.
4ـ ويستدلّ أيضاً بما عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاًٍ لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم[4].
بيان أنّه (عليه السلام) اشترط في من يقلّد أن يكون مخالفاً على هواه فلا محالة صاحب الهوى والحرص على الدنيا وشؤونها لا يجوز تقليده في الأحكام الدينية، فإذا كان التقليد عنه غير جائز فعدم جواز تسليطه على نفوس الناس وأموالهم بذلك العرض العريض في أمر الولاية يثبت بالأولوية القطعية.
هذه هي الوجوه الّتي استدلّ بها بعض الأعاظم لإثبات اشتراط تصدّي ولاية أمر الأمّة بأن لا يكون من أهل البخل والطمع والمصانعة[5].
والإنصاف أنّه لا يدلّ شيء منها على اعتبار وصف أزيد من العدالة وذلك:
أما في الكلام الأوّل المنقول عن نهج البلاغة فلأنّه (عليه السلام) ذكر محذور ولاية البخيل أنه «فيكون في أموالهم نَهمَته» كما ذكر محذور كونه مرتشياً الّذي يقرب من وصف الحرص والطمع أنّه «فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع» وكلا المحذورين أمران محرّمان، فإنّ النَهمة في الشيء ـ بلوغ الهمّة فيه ـ كما في المصباح المنير ـ فكون نَهمته في أموالهم أنّه يأخذ من أموال بيت مال المسلمين ما يرغب فيه ويهواه وهو ظلم محرّم يكون مرتكبه فاسقاً. وهكذا أنّ مفسدة الارتشاء الذهاب بحقوق وإيقاف حقوقهم عند مقاطعها والمنع عن أخذ ذويها بها وهو أيضاً ظلم بيّن منافٍ للغرض الأصيل من أمر القضاء على أنّ الارتشاء في باب القضاء من المحرّمات الكبيرة، فلم تدلّ هذه الفقرات على أزيد من اعتبار العدالة.
وأما كلامه الثاني الوارد في كتابه لمالك فلأنّ تزيين الشره والحرص بالجور إيقاع للحريص في الجور على من يؤخذ منه المال أو يدفع عنه الحقّ، والجور حرام بيّن والإضعاف عن الأمور إذا كانت لازمة الإتيان فعود عن امتثال ما أوجبه الله عليه، وقريب منه العدول عن الفضل. وبعبارة أخرى: إذا لم يكن الإتيان بأمر وفضلٍ واجباً فلا ينبغي الريب في عدم وجوب الإتيان به على الوالي، فالمنع عنهما حينئذٍ ليس ممنوعاً، وهذا بخلاف ما إذا كان إثباتها واجباً، فإنّ المنع عنه منع أداء واجب وهو حرام يكون المانع عنه والمرتكب له كلاهما فاسقين، فهذا الكتاب أيضاً لا يدلّ على اشتراط وصف أزيد من العدالة. ويشهد لما ذكرنا الملاك الذي ذكره في آخره: «فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله» فإنه لا ريب في أنّ عمدة النظر الى ما بلغ منهما حدّ الحرمة الذي هو مصداق سوء الظن بالله تعالى.
وأمّا قوله (عليه السلام): «لا يقيم أمر الله سبحانه إلاّ من لا يصانع ولا يضارع ولا يتّبع المطامع» فالتعبير في الصدر بأمر الله دليلٌ على أنّ المراد به ما أمر الله به. ومن الواضح أنّ مادّة الأمر ظاهره الإلزام والوجوب، وإطلاقه على خصوص سعة الولاية أيضاً لكون إقامة ما قام وليّ الأمر به واجب. وبالجملة: فمفاد الحديث أنّ إقامة الواجبات تحتاج إلى عدم المصانعة والبخل، فلا محالة يكون نظره (عليه السلام) إلى مصانعة أو بخل يمنع عن امتثال الوظائف الإلزامية، وهما بهذه المرتبة من المحرّمات، فهذا القول المبارك أيضاً لا يدلّ على شرط أزيد من العدالة".
وأمّا الكلام المنقول عن تفسير الإمام (عليه السلام) فبملاحظة ما سبقه وما لحقه يُعلم بلا ريب أنّ المراد بهذا الهوى هو ما يكون ارتكاباً للفسق فنتّصل السابق واللاحق لتتّضح إرادة ما قلناه. قال (عليه السلام): وكذلك عوامّ أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والمعصية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّاً وبالترفرف بالبرّ والإحسان على من تعصّبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّاً، فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله بالتقليد لفَسقة فقهائهم، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاًٍ لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً ولا كرامة... الحديث[6].
وقرينية هذا الصدر والذيل لما ذكرنا واضحة لا تحتاج إلى زيادة بيان.
فالحاصل: أنّ هذه الوجوه الأربعة لا تدلّ على اشتراط أزيد من وصف العدالة.
وبعد الدقّة في ما قدّمناه يظهر أنّه لا مجال للاستدلال لاعتبار أن لا يكون حريصاً بما عن صحيح مسلم والبخاري عن أبي موسى قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله، أمّرنا على بعض ما ولاّك الله عَزّ وجَلّ، وقال الآخر مثل ذلك فقال: إنّا والله لا نولّي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه.
ببيان أن ذيل كلامه يجعل الحريص على الإمارة الفرعية ممنوعاً عن تولّيها، فالحريص ممنوع عن تولّي الإمارة والولاية الكبرى بطريق أولى قطعاً. وذلك أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد بيّن سرّ عدم صلوح الحريص لتولّي الأمور أنّه يوجب الجور على صاحب الأموال أو الحقوق، وأنه يجد نَهمَته في أموال المسلمين فيأخذ ما أراد منها لنفسه ظلماً. مع أنّ هذه الروايات العامّية غير معتبرة السند وليست بحجّة.
الثاني: أن يكون قرشياً. وقد ذكر هذا الشرط بعض العامّة، قال العلامة في التذكرة عند تعداد شرائط الإمام، أن يكون من قريش، لقوله (عليه السلام): «الأئمة من قريش» وهو أظهر قولي الشافعية وخالف فيه الجويني، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ على الأنصار يوم السقيفة به، وبذلك أخذت الصحابة بعده ـ إلى أن قال ـ إنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشر (عليهم السلام) على ما يأتي[7].
فذيل كلامه دالّ على أنّ الإمامة عند الشيعة لمّا كانت محصورة في الأئمّة الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام) وهم من آل الرسول وأشخاص خاصّ لا تعدو الإمامة غيرهم فلا مجال للبحث عن هذا الشرط عندهم، وفي كلامه هذا إشارة إلى أنّ علماء الإمامية لم يتعرّضوا لأمر الولاية في زمن الغيبة فلم يتعرّضوا لصفات وليّ الأمر فيه، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ هذا هو سرّ عدم ذكر الفقهاء لشرائط وليّ الأمر.
وكيف كان، فما يمكن أن يستدلّ به لاشتراط القرشية هو نفس النبويّ المذكور في التذكرة، ولا بأس بالبحث عن موارد نقله فنقول:
1ـ روى الصدوق في العيون عن محمّد بن عمر بن محمّد بن سلم بن البرّاء الجعابي عن أبي محمّد الحسن بن عبد الله بن محمّد بن العبّاس الرازي التميمي عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الأئمّة من قريش[8]. إلاّ أنّ في سنده كلاماً، وذلك أنّ التميمي لم يوثّق.
2ـ وفي كتاب سُليم بن قيس، قال سُليم: سمعت سلمان الفارسي قال: لمّات أن قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصنع الناس ما صنعوا جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجّة عليّ (عليه السلام)، فقالوا: يا معشر الأنصار، قريش أحقّ بالأمر منكم، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قريش، والمهاجرين خيرٌ منكم لأنّ الله بدأ بهم في كتابه وفضّلهم، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمّة من قريش[9].
وقد عرفت ممّا مضى من كلماتنا أنّ كتاب سُليم معتبر الإسناد فيثبت به إسناد هؤلاء المهاجرين هذا الكلام إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعلّ نقلهم كان مقبولاً لدى الأنصار وعامّة الناس، وبذلك لا يبعد ثبوت اعتباره.
3ـ وقد روى في البحار فقال: وروى أبو هريرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): الأئمة من قريش[10] وسنده واضح الضعف بضعف الراوي والإرسال.
4ـ وفي البحار أيضاً عن كتاب الوصية للمسعودي ـ عند نقل ما وقع يوم السقيفة ـ: فقال قوم من المهاجرين: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «الخلافة في قريش» فسلّمت الأنصار لقريش[11].
ولعلّ ما نقله نقل بالمعنى للعبارة السابقة المنقولة عنه.
5ـ وفي بصائر الدرجات بإسناده عن ربيعة بن ناجد (عن عليّ (عليه السلام) ـ البحار) قال: الأئمّة من قريش، أبرارها أئمة أبرارها، وفجّارها أئمّة فجارها. ثُمّ تلا هذه الآية ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾[12].
وقد رواه عن البصائر في البحار[13].
وغاية الأمر أنّ الحديث مرويّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ أنّ سنده غير نقيّ أوّلاً، فإنّ ربيعة بن ناجد مجهول، بل وهكذا أبو صادق وعمرو بن عثمان الأعمى أو الأعمش المذكوران قبله، على أنّ تذييله بالتقسيم بقسمين وبالاستشهاد بالآية المباركة دليلٌ على عدم إرادة ولاية الأمر من الإمامة، بل المراد أنّ الناس يتّبعون قريش أخيارهم لأخيارهم وفجّارهم لفجّارهم، ولذلك فهم أئمّة الناس، وهذا المعنى ليس من الولاية المقبولة في الشرع أصلاً. نعم النبوي المنقول قبله خالٍ عن هذا الإيراد.
هذا ما وفقّنا للوقوف على نقل هذا النبوي في كلمات علمائنا الأبرار، وأمّا كلمات العامّة فهي أيضاً غير خالية عن روايته:
1ـ ففي مسند أحمد ـ ضمن أخبار مسند أنس بن مالك ـ قال أنس: كنّا في بيت رجلٍ من الأنصار فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى وقف فأخذ بعضادة الباب فقال: الأئمة من قريش ولهم عليكم حقّ ولكم مثل ذلك، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[14].
ورواه عنه أيضاً بسندٍ آخر في موردٍ آخر مثله[15].
2ـ وفيه ـ ضمن أخبار مسند أبي برزة الأسلمي البصري ـ قال أبو برزة: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الأئمّة من قريش، إذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[16].
وروى فيه أيضاً عنه أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الأمراء من قريش، الأمراء من قريش، الأمراء من قريش، لي عليهم حقّ ولهم عليكم حقّ ما فعلوا ـ ثلاثاً ـ ما حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[17].
وروى عنه أيضاً في موردٍ آخر مثله بحذف «لي ولهم عليهم حقّ ولهم عليكم حقّ»[18].
أقول: ولعلّ الأحاديث الثلاثة واحد، والاختلاف إنّما جاء من طريق النقل بالمعنى.
3ـ وفي كتاب السير من سنن الدارمي في باب الإمارة في قريش عن معاوية أنّه قال ـ، وهو عنده في وفدٍ من قريش ـ: أنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين[19].
ورواه البخاري أيضاً في كتاب الأحكام من صحيحه[20].
وقد عددته مثل سابقه بناءً على أنّ ظاهر جملة «إن هذا الأمر في قريش» أنّ الإمامة وولاية الأمر فيهم، فيكون مثله في المعنى. وهذا إنّما يكون مبنيّاً على كون الجملة في مقام الإنشاء وبيان حكم كلّي، وإلاّ فإن كانت في مقام الإخبار عمّا سيحدث وأن قريشاً إذا لم يقيموا الدين تخرج الولاية خارجاً عن أيديهم فلا دلالة له على المطلوب.
4ـ وبمعناه ما رواه أحمد في مسنده ضمن أخبار مسند عبد الله بن عمر أنّه قال: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان[21].
وروى مثله عنه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة والبخاري عنه في الباب 4 من المناقب وفي باب الأمراء من قريش[22].
وهو في وحدة المعنى للنبوي الأوّل أظهر من خبر معاوية، بل لا ينبغي الريب في اتّحادهما في المقصود.
ثُمّ إنّ العلامة المجلسي في أواخر الباب الثالث من كتاب الفتن والمحن من البحار نسب إلى العامّة بل إلى المسلمين اتّفاقهم على أنّ الإمامة لا تكون إلاّ في قريش، قال هناك ما لفظه: وأمّا على زعم المخالفين فلإطلاقهم بل لاتّفاق المسلمين على أنّ الإمامة لا تكون إلاّ في قريش، قال صاحب المغني: قد استدلّ شيوخنا على ذلك بما روى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الأئمّة من قريش[23].
أقول: ولابدّ من إرادته من «اتّفاق المسلمين على أنّ الإمامة لا تكون إلاّ في قريش» بالنسبة إلى الشيعة الإمامية أنّهم يرون انحصار الإمام في الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام) وهم جميعهم من قريش، وإلاّ فلا ريب في أنّ جلّ الأصحاب لم يتعرّضوا لمسألة ولاية الأمر زمن الغيبة. نعم إنّ هذه المسألة مذكور في كلام المخالفين كما مرّت الإشارة إليه غير مرّة.
وكيف كان، فالاستدلال بالنبوي المذكور بعد غضّ النظر عن سنده بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بأنّ الأئمة من قريش والإمام ليس إلاّ مَن يلي أمر الأمّة، وهذا الكلام مطلق شامل لجميع الأزمنة، فيدلّ على أنّ ولاية أمر الأمّة حتّى في زمن الغَيبة لابدّ وأن تكون بيد من كان من قريش، وهو عبارة أخرى عن اشتراط القرشية في وليّ الأمر زمن الغيبة. وهكذا الكلام في الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الخلافة في قريش».
وقريب منه بيان الاستدلال بقوله: الأمراء من قريش وبرواية عبد الله بن عمر ومعاوية.
والحقّ عدم تمامية الاستدلال بهذه الأخبار على اعتبار وصف القرشية في وليّ الأمر زمن الغَيبة، وذلك أنّ هذه الروايات على اختلاف ألفاظها طائفتان: فطائفة منها دالّة على مجرّد أنّ الإمامة أو الخلافة في قريش، وطائفة أخرى تعقّبه بخصوصية أزيد.
(أمّا الطائفة الثانية) فهي إمّا متعقّبة بأنّ المراد بالأئمّة المذكورة فيها مَن يعمّ إمّاماً يزلّ ويدعو إلى النار ـ كما في رواية بصائر الدرجات ـ أو من لا يفعل بالأمور الثلاثة المذكورة في حديث أنس وأبي برزة ويكون عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أو مَن لا يقيم الدين كما في حديث معاوية. فهذه الطائفة لا يتمّ الاستدلال بها بنفسها، فأنّ من المقطوع أنّ من يدعو إلى النار ويكون عليه لعنة الله ليس له ولاية إلهية على الأمّة، فلا محالة لم يرد من الإمامة المذكورة فيها الولاية المقبولة الشرعية، فلا تصلح للاستدلال بها على المطلوب، بل ربما كانت قرينة على أرادة هذا المعنى العامّ أيضاً من الطائفة الأولى الخالية عن هذه الزيادة، وبالنتيجة لا يصلح شيء من هذه الأخبار لأن يدلّ على اعتبار وصف القرشية في ولي الأمر الشرعي زمن الغيبة.
و(أما الطائفة الأولى) فلا يرد على الاستدلال بها بنفسها ذاك النقاش المذكور، وحينئذٍ فبعد الإغماض عمّا قلنا من أنّ الطائفة الثانية قرينة على عدم إرادة الولاية الشرعية من هذه الطائفة أيضاً نقول: إنّا وأن سلّمنا تمامية الاستدلال بهذه الأخبار على اعتبار الوصف المذكور في وليّ أمر الأمّة في زمن الغَيبة إلاّ أنّ هنا روايات كثيرة أخرى تمنع عن صحّة الاستدلال بها لهذا المطلوب .
وذلك أمّا أوّلاً فلأنه قد وردت أخبار كثيرة بأن الأئمّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر: إمّا بلسان أنّهم من قريش، وإمّا بلا زيادة هذا المعنى. فقد روى البخاري في صحيحه[24] ومسلم في صحيحه[25] وأحمد في مسنده بأسناد عديدة ربما زادت على ثلاثين[26] وأبو داود في سننه[27] والترمذي في سننه[28] بإسنادهم عن جابر بن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش. وهذا اللفظ من صحيح مسلم، وقد بدّل الخليفة بالأمير أو الملك في بعض آخر من هذه الإسناد. وقد روى العلامة المجلسي هذا الخبر عنه بأسانيد عديدة أكثر من خمسين طريقاً[29] كما روى البحار هذا المضمون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أنس بن مالك بطرق أربعة[30] وعن ابن مسعود أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسانيد ستّة[31] وعن سلمان ومسروق وعمر بن الخطّاب كلّ منهم مرّة واحدة[32] وعن أبي أمامة بأسانيد ثلاثة[33] وعن أبي جحيفة بسندين[34] كلّهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومفادها أنّ الأئمة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر إماماً كلّهم من قريش.
كما أنّه قد وردت أخبار عديدة بأنّ الأئمة بعده صلى الله عليهم اثنا عشر ـ مع غضّ النظر عن أن التعبير يكون بخصوص الإمام أو الخليفة أو الأمير ـ فقد روى هذه الروايات في البحار عن جمع من أصحاب النبيّ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد رواها عن ابن مسعود بطرق ثمانية [35] وعن أنس بن مالك بطرق ستّة أو أزيد[36] وعن عبد الله ابن عمر بطريقين[37] وعن ابن عبّاس بطريقين [38] وعن سلمان بطريق [39] وعن غيرهم أيضاً بطرق أخرى[40].
فهاتان الطائفتان إذا انضمّتا إلى تلك الأخبار الّتي دلّت على أنّ الأئمّة من قريش تصيران قرينة على أنّ المراد بالأئمّة المذكور فيها خصوص الاثني عشر المذكور فيهما، ومن الواضح أنّ هؤلاء الاثني عشر أشخاص مخصوصون ولا يعمّ كلّ من يلي ولاية أمر الأمة في الأزمنة الطوال، فإنّ وليّ الأمر في تلك الأزمنة الطويلة يزيد عدده على اثني عشر بكثير، فلا محالة لا تدلّ الأخبار المتضمنة لأنّ الأئمة من قريش لمن يلي أمر المسلمين في زمن الغيبة، هذا أوّلاً.
وأمّا ثانياً فلأنّه قد وردت طائفتان من الأخبار، فطائفة منها تدلّ على أنّ الأئمّة منحصرون في الأئمة المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام)، وطائفة أخرى على أنّ الأئمة الاثني عشر الّذين هم خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هم هؤلاء المعصومون (عليهم السلام)، فتكون كلّ من أخبار هاتين الطائفتين قرينة على أنّه ليس مراده (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأئمة المذكورة في مثل قوله: «الأئمّة من قريش» كلّ من يلي أمر الأمّة وإن كان غير هؤلاء المعصومين، بل المراد خصوص هؤلاء المعصومين (عليه السلام)، فليس هنا عموم دالّ على اعتبار وصف القرشية في وليّ الأمر زمن الغيبة.
وهاتان الطائفتان أخبار كثيرة رواها المجلسي في كتاب البحار في الباب 41 من كتاب تاريخ أمير المؤمنين (عليه السلام)[41]، فراجع.
وأخبار الطائفة الأولى في هذا الباب تبلغ ثلاثة وعشرين ويزيد عليها روايات أخر، منها قول علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: «بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم»[42]. ودلالة كلامه (عليه السلام) على انحصار المراد بالأئمّة الّذين من قريش في الاثني عشر المعصومين الّذين من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واضحة ومثلها الأخبار الثلاثة والعشرون الأخر[43] بل وأخبار أخر يظفر بها المتتبع.
كما أنّ عدد الطائفة الثانية من هذه الروايات المروية في الباب المذكور من البحار يبلغ ستّاً وسبعين رواية والمتتبع يظفر بأخبار أخر أيضاً[44].
ومن هذه الأخبار معتبر أبي حمزة الثمالي المروي عن كمال الدين والأمالي وعيون الأخبار عن عليّ ين الحسين عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الأئمة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها[45].
فالحاصل: أنّ مقتضى الدقّة والتأمّل عدم تمامية الاستدلال بالأخبار المذكورة على اعتبار وصف القرشية في وليّ أمر الأمّة زمن الغيبة.
الثالث: العصمة، أعني أن يكون الشخص بحيث لا يرتكب معصية أصلاً لا بترك واجب ولا بفعل حرام. وهذا الشرط لا ريب في اعتباره ولا في اتّصاف النبيّ وأئمّتنا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين به بل هو من أصول المذهب، والأدلّة على اتّصافهم به كثيرة قطعية ولا كلام فيه.
وإنما الكلام في أنّه هل يدلّ الدليل على اشتراط هذا الوصف في وليّ أمر المسلمين حتّى لا يكون مجال لتولّي أمر المسلمين ولاية عامّة إلاّ لمن اتّصف بالعصمة حتّى يؤول الأمر إلى أن جميع الناس غير المعصومين ليس لهم شرعاً أن يكونوا وليّ أمر الأمّة فلا يصلح فقيه واجد لجميع الشرائط الماضية لأن يصير ولي أمرهم فضلاً عن غيره ممّن لا يجد بعض هذه الشرائط بلا فرق في ذلك بين زمان حضور المعصوم وزمان الغيبة؟
فلابدّ لاتّضاح هذه الجهة من الرجوع إلى أدلّة ربما يقال بدلالتها على هذا العموم، فنقول:
قد ذكر العلامة في التذكرة لاعتبار وصف العصمة في الإمام المعصوم الّذي هو وليّ الأمر وجهين: محصل أوّلهما أن الإنسان مدني بالطبع يعيشون في تحصيل حوائجهم مع أبناء نوعهم، وبما أنّ لكل واحدٍ منهم اشتهاء ما يشتهيه والاجتناب عمّا ينافره فالاجتماع المذكور ربما يؤدّي إلى التنازع والتغالب، فلأن لا يكون هنا ظلم لابدّ لهم من رئيس نافذ الأمر، ولابدّ وأن لا يكون هذا الرئيس مثلهم في أخذ ما لا يجوز له أخذه بل يكون تابعاً لجميع ما شرّعه الله تعالى، وهو عبارة أخرى عن المعصوم، واعتباراً بقاعدة اللطف يجب أن يجعل الله عليهم وليّ أمر معصوم، فلابدّ وأن يكون وليّ الأمر معصوماً[46].
وهذا الاستدلال قد استدلّ به قبله السيد المرتضى (قدس سرّه) في الذخيرة، فراجع[47].ولعلّه يوجد في غيرهما لا سيّما الكتب الكلامية.
فبمقتضى هذا الدليل لابدّ من اعتبار شرط العصمة في وليّ الأمر في جميع الأزمنة، ويلزمه عدم صلوح غير المعصوم حتّى الفقيه الواجد لسائر الشرائط لولاية الأمر.
إلاّ أنّ لقائل أن يقول: إن غاية مقتضاه وجوب اعتبار العصمة في وليّ الأمر إذا لم يكن من اعتباره محذورٍ أصلاً، وأمّا إذا لم يمكن الوصول إلى المعصوم (عليه السلام) ولو لأجل عصيان جماعة كثيرة من الناس بحيث أوجب عصيانهم وتمرّدهم غيبة الإمام المعصوم أو رفع يده عن تصدّي هذه الولاية ومع ذلك فأمكن لجمع من شيعته التابعين والمخلصين له إقامة ولاية عادلة في منطقة من الأرض بل في منطقة واسعة جدّاً فهل الدليل المذكور يمنع عن إقامتها أم لابدّ ـ بعد عدم أمكان وصول أيديهم إلى ولاية المعصوم ـ من الاكتفاء بولاية عادل تابع للمعصوم (عليه السلام) بحيث لا غاية له إلاّ إحياء أحكام الله تعالى بالحدّ الميسور؟
فلا أظن تفوّه عاقل متأمل بأنه لابد حينئذٍ من الاكتفاء بها وأنه لا يجوز رفع اليد عن إجراء ما أمكن ـ فعلاً ـ من أحكام الله تعالى، تلك الأحكام الّتي بيّنها المعصومون (عليهم السلام) أنفسهم بعذر عدم إمكان إجراء بعضها أحياناً لمجرّد غفلة أو قصور يعرض على العادل غير المعصوم.
بل إنّ قريباًَ من هذا الوجه قد ذكره بعض العلماء في عدم إمكان اعتبار الظنون، وقد وقع في الأجوبة عنه ما يرجع إلى ما ذكرناه، فراجع وتدبّر.
بل ربما يشهد لما ذكرناه أنّ الإمام المعصوم أيضاً إذا تولّى الولاية الكبرى فليس إعمال ولايته في جميع الموارد بإشراف نفسه بل بتوليه غيره من العدول الصالحين، ولذلك فقد قام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بنصب مالك الأشتر وليّاً على مصر وكتب له لكيفية إعمال ولايته ذاك الكتاب العالي المشهور، وقد نصب قبله على مصر محمّد بن أبي بكر، ونصب لسائر البلاد عمّالاً آخرين. وأنت تعلم أن مقتضى الوجه المذكور ـ إذا سلّم عمومه ـ أن لا يجوز لغير المعصوم تولّي الولاية على بلدٍ ولا قريةٍ صغيرةٍ.
أمّا الوجه الثاني فقال في بيانه: ولأنّه تعالى أوجب علينا طاعته ـ أي طاعة وليّ الأمر ـ وإمتثال أوامره لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾[48] وذلك عامٌ في كلّ شيءٍ، فلو لم يكن معصوماً لجاز أن يأمر بالخطأ، فإن وجب علينا اتّباعه لزم الأمر بالضدّين وهو محال، وإن لم يجب بطل العمل بالنصّ[49].
ويمكن تقرير الوجه الثاني بأنّ قوام ولاية الأمر عند العقل والعقلاء أيضاً بوجوب اتّباع ما يأمر به وليّ الأمر ـ كما مرّ بيانه في كلماتنا السابقة ـ وحينئذٍ فإذا كان وليّ الأمر غير معصوم فربما يأمر بما يكون الإتيان به حراماً شرعياً وربما ينهى عن شيءٍ يكون الإتيان به واجباً شرعاً، فيجتمع حينئذٍ وجوب الإتيان به وحرمته شرعاً، وهو جمع بين حكمين متضادّين، فلا محالة يلزم أن يكون وليّ الأمر معصوماً في جميع الأزمان حتّى زمن الغيبة.
أقول: إنّ المفروض في وليّ الأمر غير المعصوم ـ كما عرفت ـ اتّصافه بالعدالة وأنه يراقب رعاية امتثال الواجبات والمحرّمات الإلهية، وهو لا يعصي الله ولا يصرّ على عصيانه، فإنّه إن ارتكب معصية كبيرة تزول عدالته، وهكذا إن أمر بترك واجب أو فعل حرام، مضافاً إلى أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وحينئذٍ فإن أمر بخلاف ما أنـزل الله كان منشأه الخطأ والجهل، وزعم أنّ ما أمر به جائز الإتيان، وعليه فلا ريب في أنّ الشارع المقدّس قد حكم للعدول الثقات بقبول خبرهم في نقل آثار المعصومين وبقبول شهادتهم في باب القضاء وإثبات الموضوعات وبنفوذ حكمهم إذا صاروا قضاة، واحتمال الخطأ ولزوم المحذور المزبور آتٍ في هذه الموارد أيضاً، إلاّ أنّ علماءنا الأخيار قالوا بأنّ أقوال هؤلاء العدول وحكمهم طرق معتبرة لازم الاتّباع إذا لم يثبت أن حدّها خلاف الشرع، وأنّه إذا ثبت وانكشف الخلاف فلا اعتبار لقولهم.
وإلى هذا المعنى يدلّ موثّق أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ ما أخطأت به القضاة في دمٍ أو قطع فعلى بيت مال المسلمين[50]. ومثله رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)[51].
والروايتان قد أفتى بهما الأصحاب، والمفروض فيهما خطأ القاضي في الحكم بقتل أحدٍ أو قطع عضوه، ولا ريب في حرمة كلّ منهما إذا كان عن علم وإلتفات، إلاّ أنّ القاضي المراعي لآداب القضاء إذا حكم بأحدهما يجري حكمه ويكون عوض ما حكم به خطأ على بيت مال المسلمين.
بل إنّ هذا الخطأ قد فرض في قضاء المعصوم (عليه السلام) أيضاً، فقد ورد في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار[52].
ففرض إمكان أداء حكم المعصوم ـ وهكذا سائر القضاة ـ إلى أن يقطع لأحدٍ من مال أخيه المؤمن الّذي حرمة ماله كحرمة دمه، ومعلوم أنّ هذا القضاء مالم ينكشف خلافه واجب الاتّباع، فهو دليلٌ واضح على جواز أن يأمر الشرع باتّباع قول أو حكم عدل ربما كان خلاف الواقع.
فمجرّد شمول دليل الاعتبار ووجوب الاتّباع لهذه الموارد ـ مع فرض كون المورد عدلاً ذا شرائط لازمة ـ لا بأس به. نعم حينئذٍ يجمع بين هذا الحكم بوجوب الاتّباع وذاك الحكم الإلزامي الواقعي بما هو المذكور في كلمات العلماء في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي.
ومنه تعرف قصور الاستدلال لاعتبار العصمة بإطلاق موارد وجوب اتّباع أوامر وليّ الأمر في الآية المباركة وبعموم الحكم بوجوب إطاعة وليّ الأمر في ذاك الحكم القطعي العقلي العقلائي. مضافاً إلى أنّ الاستدلال بالآية المباركة مبنيّ على إرادة العموم لغير المعصومين أيضاً من قوله تعالى: «وأولي الأمر منكم» مع أنّ فيه احتمال الاختصاص بالمعصومين (عليهم السلام)، فلا عموم إفرادي له جدّاً لكي يجيء احتمال الاستدلال له.
والدليل على اختصاص هذا العموم بالمعصومين (عليهم السلام) ما رواه الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنّما الطاعة لله عَزّ وجَلّ ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما أمر بطاعة أولي الأمر لأنّهم معصومون مطهرون ولا يأمرون بمعصيته[53].
وقد رواه بسندٍ آخر أيضا عنه في الخصال في أبواب الثلاثة قال: سمعت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجلاً... إلى أن قال (عليه السلام): ورجلاً آتاه الله عَزّ وجَلّ سلطاناً فزعم أنّ طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبّه لمعصية الله (ينغي للمخلوق أن يكون جنّة لمعصية الله ـ خ ل) فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله ، إنّما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنمّا أمر الله عَزّ وجَلّ بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنّهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته[54].
ودلالتهما على المطلوب والمدّعى بلحاظ أنّ قوله (عليه السلام) في سرّ أمر الله بطاعة الرسول وأولي الأمر إشارة إلى الأمر الوارد في قوله تعالى: ﴿ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ فيدلّ كلامه المبارك على إرادة خصوص المعصومين من أولى الأمر المذكور في الآية المباركة، فلا عموم فيه لكي يتطرّق احتمال الاستدلال به بما هو مذكور في التذكرة، مع أنّه قد عرفت أنّ إرادة العموم أيضاً تجتمع مع جواز الأمر بوجوب إطاعة غير المعصوم أيضاً إذا كان عادلاً.
وممّا ذكرناه أولاً تبيّن بطلان دعوى دلالة ذيل الحديث المذكور بنقل الخصال على لزوم اعتبار عصمة وليّ الأمر، فتذكر متدبّراً.
وقد يستدل لاعتبار الطهارة من كلّ ذنبٍ في ولي الأمر بما في الخصال في ذيل رواية رواها المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) قال:... وكذلك لا تصلح الإمامة لمن قد ارتكب من المحارم شيئاً صغيراً كان أو كبيراً وإن تاب منه بعد ذلك، وكذلك لا يقيم الحدّ من في جنبه حدّ. فإذاً لا يكون الإمام إلاّ معصوماً, ولا تُعلم عصمته إلاّ بنصّ الله عَزّ وجَلّ عليه عن لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد والبياض وما أشبه ذلك، وهي مغيبة لا تُعرف إلاّ بتعريف علاّم الغيوب عَزّ وجَلّ[55].
والاستدلال إنّما هو بما في صدر هذه الفقرات، حيث نفى الصلوح للإمامة عمّن ارتكب ذنباً وإن كان صغيراً وتاب منه بعد ارتكابه، وفرّع عليه اعتبار العصمة في الإمام، فمن لم يطهر من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ـ وإن فرضت توبته عنها ـ لا يصلح للإمامة والولاية على الأمّة.
أقول: دلالة هذه الفقرات على ذالك المدّعى وإن كانت تامّة إلاّ أنّ المراجع إلى الخصال يعلم بوضوح أنها ليست من كلام الإمام الصادق (عليه السلام)، بل الرواية تنتهي عند قوله (عليه السلام): «لأن الله هو الحكيم في أفعاله، لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون» وما بعده الكلام الطويل هو كلام للصدوق (رحمه الله)، كما نبّه عليه محقّق الكتاب نفسه. ولعل مراده بالإمامة إمامة مَن نصّ الله لهم بالإمامة ـ أعني الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ـ. وكيف كان، فلا حجّة فيه.
قال صاحب الدراسات: يصحّ الاستدلال لهذه المسألة ـ يعني اعتبار الطهارة من جميع الذنوب في وليّ أمر الأمّة ، بالأخبار الّتي يستفاد منها اعتبار العصمة في الإمام بنحو الإطلاق، وأنّ الإمامة مقام شامخ إلهي تثبت بالنصّ لا بالاختبار والانتخاب. ثُمّ قال: فمن هذه الأخبار:
1ـ الخبر الطويل لعبد العزيز بن مسلم، رواه الكليني في أصول الكافي والصدوق في كتبه، وذكر في تحف العقول وغيبة النعماني والاحتجاج أيضاً باختلاف في بعض الألفاظ، وذكره في البحار[56] فذكر متن الحديث بتقطيعات عن أصول الكافي[57].
أقول: لا ريب في أنّ فقرات عديدة من هذه الرواية تدلّ على اعتبار الطهارة من جميع الذنوب في الإمام كقوله (عليه السلام): «الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّأ من العيوب» وقولة (عليه السلام): «فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالمٌ لا يجهل وراعٍ لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة» وقوله (عليه السلام): «وأنّ العبد إذا اختاره الله عَزّ وجَلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه». ودلالتها على أنّ الإمام مطهر بمشيّة الله عن جميع الذنوب واضحة. وقد نصّت الرواية في مواضع متعدّدة بأنّ هذه الإمامة خلافة الله وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين (عليهم السلام)، وأن الإمام «مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسل المطهّرة البتول، لا مغمز فيه في نسب ولا بدانية ذو حسب، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول والرضا من الله عَزّ وجَلّ، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف».
فلا محالة أنّ الإمام قد اختاره الله تعالى في الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ويجب على الناس أن يتبعوا اختيار الله واختيار رسوله، وقد قال الله : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾[58]، فليس للناس أنفسهم اختيار الإمام بل ولا يقدرون على اختياره بعد اعتبار أن يكون صاحب هذه الفضائل العديدة الّتي لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
فهذه المطالب لا ريب في دلالة الرواية إجمالاً عليها، وأصل دلالتها عليها إجمالاً واضحة لمن راجعها وتأمل فيها.
إلاّ أنّ هنا نكتة أصيلة لا يجوز الغفلة عنها وهي: أنّ ملاحظة صدر الحديث ترشدنا بوضوح إلى أنّ مراده (عليه السلام) من الإمامة المذكورة فيه ليس مجرّد ولاية أمر الأمّة الّتي ربما تتحقّق لغير المعصوم (عليه السلام)، بل إنّما مراده ما به إكمال الدين وإتمام النعمة وما هو من أصول المذهب، بل بنظر دقيق هو من أصول الإسلام وأصله، ولا ينبغي الريب في أنّ الإمام ـ بهذا المعنى ذو فضائل عديدة وما ذكره في الحديث إنّما هو شطر منها، ولا ريب في اعتبار العصمة والطهارة من أي الذنوب فيه. وأمّا من يتولّي أمر الأمّة إذا لم يتولاه ذاك الإمام الأصيل لمنع الطغاة أو لغيبته (عليه السلام) عن الناس فليس الحديث بصدد بيانه.
ولابدّ لوضوح هذا الادّعاء أن نرجع إلى متن الحديث، ونحن نذكره بألفاظ الكافي فنقول: ففي أصول الكافي: عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرضا (عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم (عليه السلام) ثُمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إنّ الله عَزّ وجَلّ لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أكمل له الدين وأنـزل عليه القرآن فيه تبيّان كلّ شيء، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عَزّ وجَلّ ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾[59] وأنـزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[60] وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ، وأقام لهم عليّاً (عليه السلام) عَلماً وإماماً، وما ترك (لهم) شيئاً يحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أنّ الله عَزّ وجَلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به... الحديث[61].
فقد صرّح بأنّ أمر الإمامة من إكمال الدين المذكور في الآية المباركة، ومن الواضح أنّ المراد بها ما هو من أصول المذهب، وقد مضى في الأخبار السابقة الّتي استدللنا بها لولايتهم (عليهم السلام) بعض ما نـزلت ذيل الآية المباركة ونصّت بانّ ولاية الأمير التبي بلّغها نبي الإسلام يوم الغدير من أكمال الدين، فلا محالة فرواية ابن مسلم لا إطلاق ولا عموم فيها لتدلّ على اعتبار الطهارة من الذنوب في كلّ من يتولى أمر الأمّة، بل مختصة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام).
2ـ واستدل أيضاً برواية سليمان بن مهران المروية ـ في الخصال في أبواب العشرة ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: عشر خصال من صفات الإمام: العصمة، والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأتقاهم الله، وأعلمهم بكتاب الله، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة، وأن يكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فيء، ويرى من خلقه كما يرى من بين يديه[62].
والاستدلال به باستظهار مطلق وليّ الأمر من لفظ «الإمام» فتضمّنت حينئذٍ اشتراط العصمة وأن يكون أتقى الناس، ومصداق الاتقائية حينئذٍ أن لا يعصي الله أصلا، فيخرج غير المعصوم عن الصلوح لتولّي أمر المسلمين.
لكن فيه أنّ المراد بلفظة خصوص الإمام المعصوم بلا ريبة، وذلك بقرينة أنّ الصفات الخمس الأخيرة لا يتصوّر تحقّقها إلاّ لخصوص هؤلاء العظماء المعصومين المخصوصين بألطاف خاصّة من الله تعالى لهم، منها هذه الأوصاف العشرة، ومنها كمالات أخر لا مجال للاستدلال بها.
هذا، مضافاً إلى ضعف سندها بأحمد بن يحيى القطّان وتميم بن بهلول، فإنّهما غير مذكورين في كتاب الرجال، بل وببكر بن عبد الله.
3ـ واستدلّ أيضاً بما عن تفسير النعماني عن أمير المؤمنين (عليه السلام): الإمام المستحقّ للإمامة له علامات: فمنها أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو، ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا[63].
والاستدلال به أيضاً باستظهار الإطلاق من لفظ «الإمام» وبدعوى أنّ العصّمة من كلّ الذنوب عبارة أخرى عن ترك جميعها، فيشترط في كلّ من يتولى أمور المسلمين الطهارة منها، وهو بمعنى عدم صلوح غير المعصوم له.
أقول: إنّ هذه الفقرات بعض من الرواية الطويلة الّتي رواها البحار في كتاب القرآن بتمامها، وقد بيّن الإمام (عليه السلام) قبل هذه الفقرات ـ بعد تبيين أنّ قوام الأمّة بالأمر والنهي الوارد عن الله عَزّ وجَلّ ـ سر الحاجة إلى الرسول بقوله: ولمّا ثبت لنا أنّ قوام الأمة بالأمر والنهي الوارد عن الله عَزّ وجَلّ صحّ لنا أنّه لابدّ للناس من رسول من عند الله فيه صفات يتميّز لها من جميع الخلق: منها العصمة من سائر الذنوب، وإظهار المعجزات، وبيان الدلالات لنفي الشبهات، طاهر مطهّر، متّصل بملكوت الله سبحانه غير منفصل، لأنّه لا يؤدي عن الله عَزّ وجَلّ إلى خلقه إلاّ من كانت هذه صفته، فصحّ موضع المأمومين الّذين لا عصمة لهم إلى إمام عادل معصوم يقيم حدود الله تعالى وأوامره فيهم ويجاهد بهم ويقسّم غنائمهم... ولو كان الإمام بصفة المأمومين لاحتاج إلى ما احتاجوا إليه فيكون (فلا يكون ـ ظ) حينئذٍ إماماً، وليس في عدل الله وحكمه أن يحتجّ على خلقه بمن هذه صفته، وإنّما إمام الإمام الوحي الآمر له والناهي، فكلّ هذه الصفات المتفرقة في الأنبياء فإنّ الله سبحانه جمعها في نبيّنا، ووجب لذلك بعد مضية (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون في وصيّه، ثُمّ الأوصياء، اللّهم إلاّ أن يدعى مدّعٍ أن الإمامة مستغنية عمّن هذه صفته فيكونون بهذه الدعوى مبطلين بما تقدّم من الأدلّة ... الحديث[64].
وإنّما نقلنا هذه الفقرات بطولها لكي تظهر أنّ المراد بالعصمة هي الصفة الخاصة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وأنّ المراد بالإمام من لا ينطبق إلاّ عليهم.
فالحديث بعد ذكر هذه الفقرات واشتراط العصمة في الإمام ساق الكلام إلى بيان سائر ما يشترط في الإمام في نعت نفسه وفي صفات ذاته[65]. ثُمّ ذكر أموراً أخر إلى أن وصل إلى بيان الدعائم الخمسة للإسلام وأنّها فرائض، ومنها الولاية فذكر حدود كلّ من الفرائض إلى أن قال: «وأمّا حدود الإمام المستحق بالإمامة فمنها أن يعلم الإمام المتولّى عليه أنّه معصوم من الذنوب كلّها[66]... إلى آخر ما مرّ.
فملاحظة ما تقدّم في كلام الأمير (عليه السلام) في صفات الإمام تعطي أنّ هذه الفقرات أيضاً بيان ثانٍ وتأكيد لما تقدم، ويراد بالإمام خصوص المعصوم ولا يراد منه المعنى العامّ لكي يدلّ على اشتراط الطهارة من الذنوب في وليّ الأمر الّذي ليس بمعصوم. هذا، مضافاً إلى أنّه يظهر منه أنّ المراد بالعصمة هي الصفة الخاصّة لا مجرّد الطهارة عن الذنوب.
4ـ واستدلّ أيضاً بما في خبر العيّاشي عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ ممّا استحقّت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة الّتي توجب النار، ثُمّ العلم المنوّر بجميع ما تحتاج إليه الأمّة من حلالها وحرامها، والعلم بكتابها...[67].
والاستدلال به أيضاً باستظهار ولاية الأمر من الولاية وباستظهار ترك الذنوب كلّها من عبارة «التطهير والطهارة من الذنوب» لكي يدلّ على اشتراط ترك كلّ معصية في ولي ّالأمر فلا يصلح غير المعصوم لولاية الأمر.
لكنّه ـ بعد الغضّ عن ضعف سنده بالإرسال وبعدم توثيق أبي عمرو ـ يرد عليه أن الاستدلال به غير تام، وذلك أنّ عبارة «ممّا استحقّت به الإمامة» تدلّ على أنّ المراد بالإمامة منصب يستحقّه من كان طاهراً من جميع الذنوب وواجداًَ لسائر الصفات، والإمامة بهذا المعنى لابدّ وأن يراد بها الإمامة المجعولة لأشخاص معيّنين حتّى يكون الواجد لتلك الصفات مستحقّاً لها، وإلاّ فإن أريد منها مطلق ولاية الأمر على الأمة لكان الواجد للصفات لائقاً لأن يتولى أمر الأمّة لا أنّ التولّي عليهم حقّ له وهو مستحقّ له، فالإمامة المجعولة حقّاً للأشخاص ليست إلاّ من هو من أصول المذهب، والأشخاص المستحقّون لها هم الأئمّة المعصومون (عليه السلام). فلا يصحّ الاستدلال بهذا الخبر أيضاً.
ثُمّ إنّ ما ناقشنا به دلالة هذا الخبر يأتي بعينه في الخبر المتقدّم المنقول عن تفسير النعماني أيضاً، فتذكر.
5ـ واستدل أيضاً بما في خير سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنّما الطاعة لله عَزّ وجَلّ ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته[68].
بيان: دلالته: أنّه (عليه السلام) خصّ بمفهوم «إنّما» أنّ الطاعة مختصّة بالثلاثة الّتي منهم ولاة الأمر، ثُمّ علّل سرّ وجوب طاعتهم بأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصية الله تعالى، فلا محالة يدلّ على أنّه لا مجال إلاّ للأمر بإطاعة من كان مطهراَ من الذنوب كلّها، فلابدّ وأن يكون وليّ الأمر مطهّراً من الذنوب حتّى يجيء مجال تجويز الأمر بوجوب الإطاعة عنه.
أقول: الظاهر أنّ هذه الفقرات بعض من حديث آخر رواه الصدوق في الخصال بسندٍ آخر معتبر عن حمّاد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) بقول: احذروا على دينكم ثلاثاً... ـ فذكر الأول والثاني ثُمّ قال: ـ ورجلاً آتاه الله عَزّ وجَلّ سلطاناً فزعم أنّ طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذِب، لأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبّه لمعصية الله (ينبغي للمخلوق أن يكون جنّة لمعصية الله ـ خ ل) فلا طاعة في معصيته، ولا طاعة لمن عصى الله، إنّما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما أمر الله عَزّ وجَلّ بطاعة الرسول لأنّه معصوم مطهّر لا يأمر بمعصيته، وإنّما أمر بطاعة أولي الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته[69].
والحديث كما تراه عمدة نظره إلى نفي وجوب الإطاعة لأمر من يأمر بمعصيته، ولهذه الجهة كرّر قول «لا يأمر بمعصيته» في كلا تبيين سرّ إطاعة الرسول وأولي الأمر، فالمهمّ عنده (عليه السلام) أنّه لا مجال لوجوب إطاعة المخلوق في ما إذا أمر بمعصية الله تعالى، ولهذه النكتة اعتبرت العصمة في الرسول وأولي الأمر، وحينئذٍ فإذا كان المفروض أن وليّ الأمر ـ إذا كان غير المعصوم ـ قد اعتبر واشترط فيه اتّصافه بالعدالة حتّى يصلح لتصدّي ولاية الأمر وأنه إذا خلى عن العدالة انعزل عن ولاية الأمر فعليه نفس الوجدان هذه المرتبة من العدالة كافية في أن لا يأمر بمعصية الله وأن لا يكون زاعماً بأن طاعته طاعة الله ـ على ما فرضه في الرجل الثالث في الحديث ـ.
وبالجملة: فالحديث ولو بقرينة الفقرات المذكورة إنّما هو في مقام نفي وجوب الإطاعة لمن يأمر بمعصية الله، وبنصّ بأنّ العصمة والطهارة من الذنوب ضامن لعدم أمر ولاة الأمر بمعصية الله، وحينئذٍ ففي غير المعصومين (عليهم السلام) نفس وصفهم العدالة أيضاً ضامن له، وإلاّ فلم يكن مجال لانعقاد ولاية الأمة الإسلامية في زمن الغيبة، وقد قامت أدلّة تامّة الدلالة على انعقادها بل وعلى وجوب انعقادها، فتذكّر.
ثُمّ بعد ذلك كلّه فقد وقع في كلا سندي الحديث أبان بن أبي عيّاش الّذي قد مرّ عدم وثاقته بل ضعفه.
6ـ واستدلّ أيضاً بخبر العيون في ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون: «لا يفرض الله تعالى طاعة من يعلم أنّه يضلهم ويغويهم...»[70]. وبقيّة الخبر على ما في البحار هكذا: «ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنّه يكفر به وبعبادته ويعبد الشيطان دونه[71].
والاستدلال إنّما هو بالفقرة الأولى، ولعلّ توجيهه أنّه كان وليّ الأمر ارتكب ذنباً فالرعية ربما يتبعونه في ارتكاب هذا الذنب، فهذا يصدق على أنّه أضل الرعية وأغواهم، فلذا لا يفرض الله طاعة مثله، إلاّ أنّك خبير بضعفه فإنّ ظاهر الإغواء والإضلال أن يأمر الناس ويدعوهم بما هو غيّ وضلال وينصرف عن مجرّد ارتكاب معصية وذنب، ومن المعلوم أن ولي الأمر العادل ذا الشرائط الأخر اللازمة تمنعه العدالة عن الدعوة إلى الغيّ والضلال، وإن فعله سقطت ولايته كما هو واضح. هذا، مضافاً إلى أنّ هذه الفقرة غير موجودة في ما بأيدينا من نسخة العيون، فراجع[72].
7ـ وقد ذكر في عداد ما استدلّ به للمدعى ما في الخصال ذيل خبر المفضّل ابن عمر عن الصادق (عليه السلام) من قوله: وكذلك لا تصلح الإمامة لمن قد ارتكب من المحارم شيئاً، صغيراً كان أو كبيراً وإن تاب منه بعد ذلك، وكذلك لا يقيم الحدّ من في جنبه حدّ، فإذاً لا يكون الإمام إلاّ معصوماً، ولا تعلم عصمته إلاّ بنص الله عَزّ وجَلّ عليه على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّ العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد والبياض وما أشبه ذلك، وهي مغيبة لا تعرف إلاّ بتعريف علام الغيوب عَزّ وجَلّ[73].
ودلالة هذه الفقرات على اعتبار العصمة من جميع الذنوب في الإمام الّذي هو عبارة أخرى عن ولي أمر الأمة واضحة، إلاّ أنّ هذه الفقرات كلّها مثل كثيرة ممّا سبقتها ليست من الرواية بل هي زيادة زادها الصدوق رحمة الله عليه، وهذه الزيادات تبدأ بقوله بعد ذكر الرواية: «ولقول الله تبارك وتعالى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾[74] وجهٌ آخر، وما ذكرناه أصله»[75].
وقد نبّه على هذا المعنى محقّق الكتاب نفسه، فراجع.
ثُمّ إنّ صاحب الدراسات بعد بيان عدم صحّة الاستدلال للمطلوب بما مرّ من عبارة الخصال أفاد ما حاصله: أنّ الاستدلال بغيره من الأخبار الستّة الماضية تامٌ، وذلك أنّ لفظ «الإمام» الواقع فيها لا معنى له إلاّ من يكون إمام الإنسان حقيقةً أو اعتباراً، فيقضي من تلك الأخبار أن يكون معصوماً منصوباً من الله تعالى.
ثُمّ قال: إن أصول مسؤوليات الإمام الثلاثة: بيان أحكام الله تعالى، وفصل الخصومات بالقضاء وحفظ نظام المسلمين. وقد دلّت الأخبار على تفويض الفتيا وبيان الأحكام، وهكذا أمر القضاء إلى فقهاء الأصحاب، فكذلك لا مانع من تفويض أمر إدارة أمور الناس في عصر الغيبة إلى الفقهاء العدول، فإنه لا يمكن الالتزام بتعطيل ما عدّ من مسؤوليات الإمام المذكورة بنحو تفصيل ما في خبر عبد العزيز بن مسلم في زمن الغيبة لغيبة الإمام المعصوم (عليه السلام)، بل هي مفوضّة قطعاً إلى الفقهاء العدول، فالحقّ أنّه مع وجود الإمام المعصوم (عليه السلام) ليس لأحدٍ سواه تقمّص الولاية، والأخبار المذكورة تحمل على هذه الصورة. وأمّا مع عدم التمكن منه بأي دليل كان كما في عصر الغيبة يجب أن ينوب عنه الفقهاء العدول الأقوياء بقدر الكفاية لعدم رضا الله تعالى بتعطيل شؤون الإمامة[76].
أقول: إنّ ما أفاده أخيراً من أنّه لا مجال لتعطيل شؤون الإمامة في زمن الغيبة حقّ لا مرية فيه. إلاّ أنّ ما أفاد أوّلاً من أنّ مقتضى الأخبار الستّة اعتبار العصمة في ولي الأمر مطلقاً ممنوع، وذلك لما مرّ منّا ذيل كلّ خبر منها ممّا دلّ على عدم تمامية شيء منها على ذاك الإدعاء، فتذكر.
وأما ما أفاده في صدر كلامه هنا وبنى عليه استظهاره من أن لفظ «الإمام» الواقع في تلك الأخبار من يكون إمام الإنسان حقيقةً أو اعتباراً فلا يختصّ مفاده بخصوص المعصوم فهو ممنوع جدّاً، وذلك أنّه قد وقع هذا اللفظ بلا قيد في عدّة من الأخبار وحكم على معناه بحكم يختص بخصوص الإمام المعصوم (عليه السلام)، وهذا يكشف عن ظهوره الإطلاقي في خصوصه وإن كان منشأه انصراف اللفظ المطلق إليه، ومعه فلا مجال لدعوى إرادة الإطلاق من هذا اللفظ في سائر الموارد.
1ـ فمن هذه الأخبار صحيحة هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له: بأي شيء يعرف الإمام؟ قال: بالوصية الظاهرة وبالفضل، إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فمٍ ولا بطنٍ ولا فرجٍ، فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس، وما أشبه هذا[77].
2ـ ومنها صحيحة ابن أبي نصر البزنطي قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إذا مات الإمام بم يعرف الّذي بعده؟ فقال: للإمام علامات: منها أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصية، ويقدم الركب فيقول: إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى فلان، والسلاح فينا بمنـزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان[78].
3ـ ومنها ما رواه الصدوق في الخصال والعيون والمعاني في الموثّق عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع على الأرض من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدّثاً، ويستوي عليه درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يرى له بول ولا غائط لأنّ الله عَزّ وجَلّ قد وكلّ الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمّهاتهم، ويكون أشدّ الناس تواضعاً لله عَزّ وجَلّ، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكف الناس عمّا ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتّى أنّه لو دعا على صخرة لانشقّت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيفه ذوالفقار، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه وُلد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ماعز وإهاب كبش، فيها جميع العلوم حتّى أرش الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة (عليها السلام)[79].
إلى غير ذلك من الأحاديث العديدة.
فقط «الإمام» قد وقع مطلقاً وبلا قيد، إلاّ أنّ الخصوصيات الّتي ذكرت أوصافاً له دليلٌ على أنّه أريد منه خصوص المعصوم (عليه السلام) فذكر، هكذا كثيراً قرينة على ظهور هذا اللفظ عند الأئمة وشيعتهم في خصوص المعصوم (عليه السلام)، ولا مجال لاحتمال إرادة ما يعمّ غيرهم منه أصلاً.
الرابع: النصّ عليه.
قال العلامة في التذكرة في عداد شرائط الإمام: أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى أو من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ منهما، لأنّ العصمة من الأمور الخفية الّتي لا يمكن الإطلاع عليها...[80].
وعن المحقّق الطوسي في التجريد ـ بعد اشتراط العصمة في الإمام ـ قال: والعصمة تقتضي النصّ.
وقد عرفت عن الصدوق في الخصال أنّه قال: فإذا لا يكون الإمام إلاّ معصوماً، ولا تُعلم عصمته إلاّ بنص الله عَزّ وجَلّ عليه على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ العصمة ليست في ظاهر الخلقة فتُرى...[81].
فظاهر كلماتهم وكلمات غيرهم ان الدليل على اعتبار النص عليه إنّما هو أنّه يعتبر في الإمام العصمة، ولا طريق إلى إثباتها إلاّ النصّ، وحيث إنّ العصمة ـ كما عرفت ـ إنّما تعتبر في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فلا محالة لا دليل في هذا الاستدلال على اعتبار النص في غيرهم.
اللهم إلاّ أن تكون دلالة على اعتبار النصّ فلي غيرهم في الأخبار، والإنصاف أن المتتبّع المتأمل في الأخبار أيضاً لا يعثر بخبر يقتضي اعتباره، بل إنّ الوارد فيها أيضاً عمدة اعتبار سبق الوصية إلى الإمام من الإمام السابق وواضح أنّ هذه الوصية أيضاً إنّما هي في الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
1ـ فمن هذه الأخبار صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) الماضية قريباً.
2ـ ومنها صحيحة أحمد بن عمر الحلبي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر فقال: الدلالة عليه الكبر والفضل والوصية، إذا قدم الركب المدينة فقالوا: إلى من أوصى فلان؟ قيل: فلان بن فلان، ودوروا مع السلاح حيثما دار. فأمّا المسائل فليس فيها حجّة[82].
فالصحيحة وإن لم تصرّح بعنوان الإمامة إلاّ أنّه لا ريب في أنّ المراد بالأمر المشار إليه في قول السائل: «صاحب هذا الأمر» هو الإمامة، فقد عدّ الدليل عليه «الوصية» ولا شكّ في أنّ الإمامة المذكورة فيها إمامة المعصوم (عليه السلام)، كما يشهد له ذكر خصوص «المدينة» والتأكيد عليه بالأمر بأن يدوروا مع السلاح حيثما دار، فإنّ السلاح هو سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما صرّح به في أخبار عديدة.
3ـ ومنها خبر أبي بصير عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: دخلت عليه فقلت: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ فقال: بخصال، أما أولاهنّ فشيء تقدّم من أبيه فيه وعرّفه الناس ونصبه لهم علماً حتّى يكون حجّة عليهم، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب علياً علماً وعرّفه الناس، وكذلك الأئمة يعرّفونهم الناس وينصبونهم لهم حتّى يعرفوه... الحديث[83].
وقريب منه خبره المروي في أصول الكافي عنه إلى قوله: «حجّة عليهم»[84].
إلى غير ذلك من الأخبار.
فالحاصل: أنّ اعتبار النصّ أو الوصية مختصّ بالإمام المعصوم (عليه السلام)، ولا شاهد على اعتباره في غيره.
ــــــــــــــــــــ
[1] نهج البلاغة: الخطبة 131 ص 189. وقد تقدم ذكرها في ص 163 و216.
[2] نهج البلاغة: للكتاب 53 ص 430.
[3] المصدر السابق: الحكمة 110 ص 488.
[4] تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ص300، عنه الاحتجاج: ج2 ص457، عنهما البحار: ج2ص88 الحديث12.
[5] الدراسات: ج1 ص329ـ 331.
[6] مرّ استخراجه آنفاً عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) والاحتجاج وعنهما البحار، فراجع.
[7] التذكرة: ج9 ص 394.
[8] عيون أخبار الرضا: ج2 ص63، عنه البحار: ج25 ص 104.
[9] كتاب سُليم: ص79، عنه البحار: ج28 ص 261.
[10] البحار: ج18 ص 133.
[11] البحار: 28 ص308.
[12] بصائر الدرجات: الباب 15 من ج1 ص 33 الحديث5، الآية 41 من سورة القصص.
[13] البحار: ج 24 ص 157.
[14] مسند أحمد: ج3 ص 183 و129.
[15] المصدر السابق: ج4 ص 422و424و421.
[16] نفس المصدر.
[17] نفس المصدر.
[18] نفس المصدر.
[19] سنن الدارمي: ج2 ص242.
[20] صحيح البخاري: ج4 ص700.
[21] مسند أحمد: ج2 ص128.
[22] صحيح مسلم: ج12 ص 201، صحيح البخاري: ج3 ص16، و: ج4 ص700.
[23] البحار: ج28 ص171.
[24] صحيح البخاري: ج4 ص 729.
[25] صحيح مسلم: ج12، ص201.
[26] مسند أحمد: ج5 ص 86و93و96ـ99و101و107و108.
[27] سنن أبي داود: ج4 ص106.
[28] سنن الترمذي: ج4 ص 501، رواه بسندين وعدّه حسناً صحيحاً، وقال: وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو.
[29] البحار: ج36 الباب 41 الحديث11و19 ـ 29 و32ـ 38و45و46و87 (بإسناد ثمانية عن المناقب) و88و89 و91و126ـ 130 و133 و1233 (عن العمدة بإسناده عن كتب أهل الخلاف). وأخرجه من جامع الأصول لأنّ الأثير بأسانيد متعدّدة من كتب أهل الخلاف في ص 364، فراجع.
[30] البحار: ج36 الباب 41 الحديث 91و153 و154 و156.
[31] المصدر السابق: الحديث 87و103 و194 و132 بأسانيد ثلاثة.
[32] المصدر السابق: الحديث 73 و142 و164.
[33] المصدر السابق: الرقم 175 وذيل 234.
[34] المصدر السابق: الرقم 131 و134.
[35] المصدر السابق: الرقم 8ـ10 و16 ـ 18 و90 و132.
[36] المصدر السابق: الرقم 41ـ 42 و48 و87 و155 و...
[37] المصدر السابق: الرقم 30 و135.
[38] المصدر السابق: الرقم 136 و138.
[39] المصدر السابق: الرقم 141.
[40] المصدر السابق: الرقم 39 و187 و192 و193 و198 و203 و205 و223 و...
[41] راجع البحار: ج 36 ص 226 ـ 373.
[42] نهج البلاغة: الخطبة 144 ص201.
[43] راجع البحار: ج 36 الباب 41 الرقم 14 و54 و55 و56 و58 ـ 62 و64 و66 و72 و74و 76 و77و 80 و82 ـ 85 و142 و143 و145 و147 و183 و184 و188 و191.
[44] هذه الأخبار وردت في البحار: ج36 الباب 41 الرقم 1 و13 و15 و49 و51 ـ 53 و57 و75 و78 و79 و81 و86 و136 و144 و149 و150 ـ 152 و157ـ 163 و166 و168 ـ 174 و177 ـ 182 و185 و186 و189 و194 ـ 197 و199 ـ 202 و204 و207ـ 217 و219 و222و 224 ـ 231 و234 وذيله أيضاً.
[45] البحار: ج 36 ص 226.
[46] التذكرة: ج9 ص395.
[47] الذخيرة: ص 410 ـ 414 وص 420 ـ 432.
[48] النساء: 59.
[49] التذكرة: ج9 ص396.
[50] الوسائل: الباب 7 من أبواب دعوى القتل ج 19 ص 111 الحديث1، أخرجه عن الكافي.
[51] المصدر السابق: الباب 10 من أبواب آداب القاضي ج18 ص 165 الحديث 1، أخره عن الفقيه.
[52] الوسائل: الباب 2 من أبواب كيفية الحكم ج18 ص 169 الحديث1، أخرجه عن الكافي.
[53] علل الشرائع: الباب 102 ص 123.
[54] الخصال: ص139 الحديث158.
[55] الخصال: ص 310.
[56] الكافي: ج1 ص 198 ـ 203 الحديث 1. أمالي الصدوق: المجلس 97 ص 399 ـ 402 الحديث1، العيون: ص 216 ـ 222، معاني الأخبار: ص 96 ـ 101 الحديث 2، كمال الدين: ص 675 ـ 681 الحديث 31، تحف العقول: ص 436 ـ 442، الغيبة النعماني: ص 216 ـ 224 الحديث6، الاحتجاج: ج2 ص439ـ 447، البحار: ج25 ص 120 ـ 128 الحديث 4.
[57] الدراسات: ج1 ص 382.
[58] الأحزاب: 36.
[59] الأنعام: 38.
[60] المائدة: 3.
[61] الكافي: ج1 ص198 الحديث1.
[62] الدراسات: ج1 ص383، عن الخصال: ص 428 الحديث5.
[63] الدراسات: ج1 ص 384، عن البحار: ج17 ص 108، و: ج25 ص 164 و 351، و: ج93 ص64.
[64] البحار: ج 93 ص 43 و44.
[65] نفس المصدر.
[66] المصدر السابق: ج 93 ص 62 ـ 64
[67] الدراسات: ج1 ص384، عن تفسير العياشي: ج1 ص322 الحديث 119، عنه البحار: ج25 ص 149 الحديث24.
[68] الدراسات: ج1 ص 384، عن علل الشرائع: الباب102 ص 123.
[69] الخصال: ص 139 الحديث158، وقد تقدم ذكره في ص 303.
[70] الدراسات: ج1 ص384.
[71] البحار: ج 25 ص 199 الحديث 9.
[72] عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 125 الحديث1.
[73] الدراسات: ج1 ص 385، عنه الخصال: ص 310، وقد مرّ ذكره في ص 304.
[74] البقرة: 124.
[75] الخصال: ص305.
[76] الدراسات: ج 1 ص 385 ـ 389.
[77] الكافي: ج1 ص 284 الحديث 3 و1.
[78] نفس المصدر.
[79] الخصال: ص 527 الحديث1، العيون: ص 213، معاني الأخبار: ص 102.
[80] التذكرة: ج9 ص 397.
[81] الخصال: ص 310، وقد مرّ ذكره في ص 304 و312.
[82] الكافي: ج1 ص 285 الحيدث5.
[83] قرب الإسناد: ص 339، عنه البحار: ج 25 ص 133 الحديث 5.
[84] الكافي: ج1 ص 285 الحديث 7.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية