الدرس التاسع والستون: في تبيان السبيل إلى تعيين شخصٍ يتولّى إدارة أمر الأمّة زمن الغيبة
التاريخ: 26-06-2011
بعد ما عرفت من الشرائط اللازمة في من يتولّى أمر الأمّة زمن الغيبة لا محالة يقع الكلام في تعيين شخصه، وأنّه إذا كان هناك رجال متعددون كلّ منهم واجد لجميع الشرائط اللازمة فهل الشرع المقدّس جعل لكلّ منهم أن يتولّى إدارة الأمور؟ فمن تبادر إلى تصدي إدارة الأمور تتعيّن فعلية ولاية الأمر فيه، وعلى غيره من الناس حتّى من كان نفسه أيضاً واجداً للشرائط أن يطيعه
بعد ما عرفت من الشرائط اللازمة في من يتولّى أمر الأمّة زمن الغيبة لا محالة يقع الكلام في تعيين شخصه، وأنّه إذا كان هناك رجال متعددون كلّ منهم واجد لجميع الشرائط اللازمة فهل الشرع المقدّس جعل لكلّ منهم أن يتولّى إدارة الأمور؟ فمن تبادر إلى تصدي إدارة الأمور تتعيّن فعلية ولاية الأمر فيه، وعلى غيره من الناس حتّى من كان نفسه أيضاً واجداً للشرائط أن يطيعه. وبعبارة أخرى: أنّ الشرع المقدّس حكم لكلّ من هؤلاء الواجدين للشرائط بأنّ له أن يتولّى إدارة الأمّة، ولذلك يصحّ التعبير عنه بأنّ ولاية الأمر في كلّ منهم بالقوّة فإذا تبادر أحد منهم وتصدّى إدارة أمر الأمة انقلبت هذه القوّة فيه فعليه وصار وليّاً لأمرهم بالفعل، ولا أقلّ من أنّه ما دام هو متصدّياً لإدارة أمرهم ليس لأحدٍ منازعته بل يجب على الجميع إتباعه، لاسيّما بعد ما كان اللازم أن يكون وليّ أمر الأمة واحداً كما مرّ.
وفي قبال هذا الاحتمال أن لا يكون لأحدٍ من هؤلاء الواجدين التبادر إلى تصدّي هذا المقام بنفسه بل يكون أمر تعيينه بيد الأمة أو بعضهم، فمن انتخبوه لهذه المسؤولية تنقلب قوة الولاية فيه فعلية، كما يحتمل أن تكون فعلية الولاية لكل من الواجدين للشرائط منوطة ببيعة الأمّة له، فمن بايعته الأمة بوجهٍ يصير هو وليّ الأمر فالبيعة وإن لم يكن لها دخل في فعلية ولاية المعصومين (عليهم السلام) ولا في وجوب الإطاعة عنهم ـ كما مرّ الكلام عنه في محله مستقصى ـ إلاّ أنّ فعلية ولاية من له أن يتولى إدارة أمر الأمّة زمن الغيبة مشروطة بالبيعة له، ويحتمل هناك احتمال أو احتمالات أخر، والمتّبع رعاية ما تدلّ عليه الأدلّة المعتبرة.
وقبل التعرّض لمقتضى الأدلة لابدّ من التنبيه لنكته هي: أنّه قال العلامة في التذكرة ما حاصله: أنّه لا ريب في انعقاد منصب الولاية لأحد شرعاً بالنصّ، وأهل الخلاف يوافقون عليه إلاّ أنهم ذكروا انعقاده بأحد أمور ثلاثة أيضاً.
أحدها: البيعة، فمن بايعوه على ولاية الأمر انعقدت ولايته، واختلفوا في عدد الّذين تنعقد الولاية ببيعتهم، فقال بعضهم: يعتبر بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الّذين يسهل حضورهم. واكتفى بعضهم ببيعة غيرهم حتّى قيل ببيعة واحد من الناس لأنّ عمر بن الخطاب بايع أبو بكر أوّلاً ثُمّ وافقه الصحابة.
الأمر الثاني: استخلاف وليّ الأمر قبله عليها، كما عهد أبو بكر إلى عمر. وانعقد الإجماع بينهم على جوازه، قالوا: الاستخلاف أن يجعله خليفةً في حياته ثُمّ يخلفه بعد موته.
الأمر الثالث: القهر والاستيلاء، فإذا مات وليّ الأمر فتصدّى لولاية أمر الأمة من يستجمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت الولاية، لانتظام الشمل بما فعل.
قال العلامة بعد ذكرها: فهذا كلّه ساقط عندنا[1].
أقول: لا ريب في أنّ مقتضى الأصل أن لا يجب لأحد إطاعة غيره، وأن لا يكون لأحدٍ منصب الولاية على غيره، ولا يجوز لأحدٍ التصرّف في أموال الناس ولا أنفسهم بدون إذنهم ورضاهم ـ كما يفعله وليّ الأمر ـ. فالحاصل: أنّ ثبوت الولاية العامّة لأحدٍ خلاف الأصول الأوليّة، فلا مجال للقول بثبوته إلاّ فيما قام دليل معتبر واجب الإتباع على ثبوتها لأحد، وحينئذٍ فولاية النبيّ والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين قد ثبتت بالأدلّة القطعية الّتي مضى الكلام عنها، وأمّا انعقادها زمن الغيبة لغيرهم فلا مجال لانعقادها إلاّ بما يقوم به دليلٌ معتبر، ولا ريب في أنّ النصّ المعتبر على ثبوت الولاية وانعقادها لأحدٍ بوجهٍ يذكره ذاك النصّ دليل شرعي على انعقادها له ـ وهو الّذي يقول به أساطين المذهب ـ وأمّا انعقادها بكلٍّ من الوجوه الثلاثة الأخر الّتي قال باعتبارها أهل الخلاف فلا دليل عليه.
فإنه إذا لم يقم دليل خاصّ على أنّ للمسلمين أن يختاروا أحداً لولاية أمرهم فبأي وجهٍ يقال: إنّ انتخابهم ونصبهم أحداً لولاية الأمر يفيد له ولاية الأمر في الشريعة؟! وهكذا إذا لم يقم دليل على أنّ مبايعة الناس لأحدٍ والتعهّد معه في أن يتابعوه على ما يأمرهم به بعنوان وليّ الأمر موجبة لثبوت ولاية هذا الشخص ولوجوب الإطاعة له على المبايعين فبأيّ مستمسك يقال بانعقاد الولاية له وبوجوب التبعية عنه لمن بايعه؟! هذا بالنسبة لتقييم البيعة.
وهكذا الأمر في الاستخلاف، فإنه إذا كان لنا دليل معتبر على أنّ الشرع ـ علاوة على مسألة جواز بل وجوب إدارة الأمة على وليّ الأمر ومسألة وجوب تبعية الرعية عنه فيما يراه مصلحة للأمة ـ جعل من اختيارات وليّ الأمر أن يستخلف أحداً بعد موت نفسه لتولي أمر الأمّة فلا ريب حينئذٍ في ثبوت حقّ الاستخلاف له كما هو ثابت للنبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام). وأمّا إذا لم يكن لنا دليل على أزيد من ثبوت ولاية شخص على الأمّة والرعية فبأي دليل يقال بجواز استخلافه لأحدٍ بعده لتولّي أمور الأمة؟!
وأعجب من هذا كلّه مسألة ثبوت الولاية الشرعية لأحدٍ بمجرّد القهر والاستيلاء، فإنه إذا كان المفروض ثبوت الولاية الشرعية لأحدٍ من الله تعالى وكان متصدياً لإدارة أمر الأمّة وكان على الفرض واجداً لجميع الشرائط وبالنتيجة كانت التبعية عنه واجبة على جميع الناس وكان الخروج عن طاعته والقيام مقابله محاربة لله ورسوله موجباً لثبوت حدّ المحاربة على هذا الخارج الباقي فمع قيام هذه الأدلة فبأيّ وجهِ يقال بثبوت الولاية الشرعية لهذا الباغي إذا قهر بجنوده الإمام العادل الّذي جعله الشرع وليّ أمر الأمّة؟!
والظاهر أنّ قولهم بثبوت الولاية بكلّ من هذه الطرق أمر قد رأوا أنفسهم ملزمين بالمصير إلى مثل هذه الأقوال، بداهة أن أساس مسلكهم في ولاية من قالوا بولايته لا يتأسّس إلاّ بمثل هذه المقالات، وإلاّ فلا ينبغي الريب في عدم أي أساس لصحّتها، وأن الولاية لا تثبت لأحدٍ إلاّ لمن جعله الله وليّ أمر الأمّة، وهذا عبارة أخرى عن قيام النصّ عليه. نعم، إن قام دليل معتبر على أنّ الشارع المقدس يرى لانتخاب الأمّة أو لبيعتهم مه أحدٍ أو لاستخلاف وليّ الأمر قيمة نقول باعتباره نقول به، وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم الاعتبار.
فبعد عدم الريب في انعقاد الولاية زمن الغيبة بالنصّ الشرعي فحيث أنّ الواجد لجميع الشرائط اللازمة لا محالة يكون فقيهاً عادلاً فيه جميع تلك الشرائط فلذلك من طبيعة الأمر البحث عن أنّه هل جعل الشارع الفقيه الجامع للشرائط وليّ أمر للأمة زمن الغيبة بحيث جاز له تصدي إدارة أمر الأمّة زمن الغيبة فتكون ولاية كلّ فقيه بالقوّة وتنقلب إلى الفعلية بالتبادر إلى تصدي إدارة الأمور على ما عرفت؟ ومن الواضح أنّ إثبات هذا المعنى بعهدة الأدلة، فنقول:
قد يقال بقيام الإجماع بين الفقهاء على أنّ الشارع قد جعل للفقيه ذلك، وتنسب دعوى هذا الإجماع إلى المحقق الكركي (قدس سرّه) في رسالة صلاة الجمعة وإلى العلامة النراقي في عوائد الأيام.
أمّا المحقّق الكركي (رحمه الله) فقال في الباب الأول من تلك الرسالة: اتّفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أنّ الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى المعبّر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائبٌ من قبل أئمّة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل، وربما استثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقاً[2].
أقول: فاستظهار ادّعاء الإجماع لما نحن فيه بلحاظ دعواه اتّفاق الأصحاب على أنّ الفقيه نائب عن المعصوم في جميع ما للنيابة فيه مدخل، فيضاف إليه بداهة أنّ ولاية أمر الأمة داخلة في هذا العموم، فلا محالة إجماعهم منعقد على أنّ كلّ فقيه نائب عن الإمام في ولاية الأمر زمن الغيبة. ومن الشواهد على أنّ ولاية أمر الأمّة داخل في هذا العموم وضوح أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعل على البلاد عمّالاً من قبل نفسه وجعل مالك الأشتر وليّاً لإدارة مصر، فولاية أمر الأمّة ممّا للنيابة عنهم (عليهم السلام) فيها مدخل، فيدلّ دعواه على انعقاد الاتّفاق من الأصحاب على ثبوت النيابة للفقيه فيها زمن الغيبة.
لكنك خبير بأنّ تولّي أمور الأمّة بتلك الولاية الكبرى لا تنفكّ عن أنّ إلى وليّ الأمر وعليه إقامة الحدود الّتي فيها حدّ الرجم والقتل وإجراء الجلد وقطع اليد والرجل وقتل مرتكب موجب الحدّ في المرّة الثالثة أو الرابعة، وهكذا لا تنفكّ عن تولّي أمر قتال البغاة والمهاجمين على بلاد الإسلام والمسلمين ـ في الجهاد الدفاعي، بل وعن تولّي أمر قتال الكفار في الجهاد الابتدائي ـ بناءً على ثبوت هذا الحقّ زمن الغيبة لوليّ أمر المسلمين كما هو الأقوى، ومع ذلك كلّه فقد صرّح هذا المحقق بقوله: «وربما استثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقاً» فلا محالة يدلّ هذا الذيل من كلامه على أنّ هذه النيابة المدّعاة ليست نيابة في ولاية أمور المسلمين تلك الولاية الّتي يعبّر عنها بالإمامة. فلا دلالة لكلام المحقق المزبور (قدس سرّه) لدعوى الاتّفاق لثبوت ولاية الأمر للفقيه زمن الغيبة.
وأما الفاضل النراقي (رحمه الله) فقال في عوائده في العائدة 54 الّتي عقدها في بيان ولاية الحاكم وما له فيه الولاية ـ بعد ذكر الأخبار اللائقة بالمقام في المقام الأوّل وهي تسعة عشر رواية ـ: المقام الثاني: في بيان وظيفة العلماء الأبرار والفقهاء الأخبار في أمور الناس وما لهم فيه الولاية على سبيل الكلّية، فنقول وبالله التوفيق: إنّ كلّية ما للفقيه العادل تولّيه وله الولاية فيه أمران:
أحدهما: كلّ ما كان للنبي والإمام ـ الّذين هم سلاطين الأنام وحصون الإسلام ـ فيه الولاية وكان لهم فللفقيه أيضاً ذلك، إلاّ ما أخرجه الدليل من إجماعٍ أو نصّ أو غيرهما.
وثانيهما: أنّ كلّ فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولابدّ من الإتيان به ـ إمّا عقلاً أو عادةً من جهة توقّف أمور المعاد أو المعاش لواحدٍ أو جماعة عليه وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعاً من جهة ورود أمرٍ به، أو إجماعٍ أو نفي ضرر أو إضرار، أو عسرٍ أو حرج، أو فسادٍ على مسلم، أو دليل آخر، أو ورود الإذن من الشارع ـ ولم يجعل وظيفته لمعيّن واحد أو جماعة ولا لغير معيّن (أي واحد لا بعينه) بل علم لابدّية الإتيان به أو الإذن فيه ولم يعلم المأمور به ولا المأذون فيه فهو وظيفة للفقيه وله التصرّف فيه والإتيان به.
أمّا الأوّل فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع ـ حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات ـ ما صرّحت به الأخبار المتقدمة من كونه وارث الأنبياء وأمين الرسل و...(وبعد أن ذكر دلالة هذه الأخبار على ولاية الفقيه قال:) وما أظن أحداً يبقى له ريب في ذلك ولا شك ولا شبهة، ولا يضرّ ضعف تلك الأخبار بعد الانجبار بعمل الأصحاب وانضمام بعضها ببعض وورود أكثرها في الكتب المعتبرة.
وأمّا الثاني فيدلّ عليه أيضاً بعد الإجماع أمران:... (فذكر وجهين لإثبات ولاية الفقيه على تلك الأمور المعبّر عنها بالحسبية)[3].
فالأمر الأوّل من ذينك الأمرين وهو الولاية على إدارة أمور أمّة الإسلام كما كانت ثابتة للنبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام). وقد استظهر أنّ عليه الإجماع مستظهراً له من نصّ كثير من الأصحاب به بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات ثُمّ زاد عليه تصريح الأخبار الّتي رواها في المقدّمة الأولى به قائلاً في آخره: ما أظنّ أحداً يبقى له ريب في ذلك ولا شكّ ولا شبهة وأنّ ضعفها منجبر بعمل الأصحاب.
فالإجماع الّذي يدّعيه إنّما يستنبطه من نصّ كثير من الأصحاب به وظهور كلامهم في أنّ ولاية الفقيه بهذا المعنى عند الأصحاب كالمسلّمات، ونحن نقول: إنّا لم نجد الإفتاء بأنّ للفقيه هذه الولاية في كلام الأصحاب إلاّ في كلمات قليل بل واحدٍ منهم كما سيأتي البحث فيه. اللهم إلاّ أن يكون مقصوده إفتاءهم في موارد عديدة بأنّ الحاكم الشرعي هو المرجع في أمور كثيرة مذكورة في فتاواهم في أبواب مختلفة من الفقه، وانّه لا يكون ذلك إلاّ إذا كان الحاكم وليّ أمر على الأمة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان عدم دلالة هذه الفتاوى على أكثر من أن للفقيه كلّ ما هو ثابت في الشرع للقاضي، وأين هو من ثبوت ولاية أمر الأمّة؟
مع أنّه لو سلم اتفاق الأصحاب عليه فلعلّ مستنده تلك الأخبار الماضية الذكر في كلامه الّتي ادعى عدم ريب ولاشك في دلالتها على ثبوت الولاية للفقيه، فالإجماع محتمل المدرك ولا يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ولا عن دليلٍ آخر غير هذه الأخبار.
وربما يعدّ من المدّعين للإجماع السيد البروجردي (قدس سرّه) استناداً إلى ما حكى عنه في تقرير بحثه في كتاب «البدر الزاهر» حيث قال في الأمر الثاني ممّا يتوقّف عليه إثبات ولاية الفقيه: لا يبقى شكّ لمن تتبّع قوانين الإسلام وضوابطه في أنّه دين سياسي اجتماعي، وليس أحكامه مقصورة على العبادات المحضة المشروعة لتكميل الأفراد وتأمين سعادة الآخرة، بل يكون أكثر أحكامه مربوطة بسياسة المدن وتنظيم الاجتماع وتأمين سعادة هذه النشأة أو جامعةً للحسنيين ومرتبطة بالنشأتين... ولأجل ذلك اتّفق الخاصّة والعامة على انه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبّر أمور المسلمين، بل هو من ضروريات الإسلام وإن اختلفوا في شرائطه وخصوصياته، وأنّ تعيينه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالانتخاب العمومي[4].
وموضع استفادة هذا الادّعاء ما ذكره ذيل هذا الكلام من اتفاق الخاصّة والعامّة بل قيام ضرورة الإسلام على وجود سائس وزعيم يدبّر أمور المسلمين، فإنّ هذا الزعيم المدبّر هو وليّ أمر الأمّة، وضرورة وجوده في تمام الزمن عبارة أخرى عن أنّ التدبير بيد الفقيه العالم بالأحكام والطلبات الإلهية.
لكنك خبير بشدّة ضعف هذه الاستفادة، بداهة أنّه (قدس سرّه) في مقام دعوى قيام الضرورة على أنّه لابد للمسلمين من وليّ أمر، وأمّا أنّ من له الولاية من هو؟ فليس بصدد بيانه، بل إنّ هذا الولي ربما كان منطبقاً على الإمام المعصوم (عليه السلام) وإليه الإشارة بقوله: «وإنّ تعيينه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» وحينئذٍ فعلى المذهب الحقّ يكون هذا الولي في زماننا هذا هو صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وكيف كان، فلا ارتباط لكلامه بمحل الكلام.
فقد تلخّص أنّ دعوى الإجماع على ولاية الفقه زمن الغيبة منحصرة بالفاضل النراقي، وقد عرفت أنّه في هذه الدعوى استند إلى الاستظهار من نصّ كثير من الأصحاب به بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات، وقد استنكرناه إجمالاً ونكرّره الآن بالتفصيل ونقول: إنّ من الواضح أنّ ولاية أمر الأمّة متقوّمة بأن يكون إلى وليّ الأمر إقامة الحدود بأنواعها، بداهة أنّه لولاها لما استقامت أمور المسلمين، بل وهكذا القيام بقتل المهاجمين من الكفّار على المسلمين وبلادهم فإنّه لولاه لما بقي من الإسلام والمسلمين عينٌ ولا أثر. ونحن إذا راجعنا كلمات الأصحاب نراهم ـ إلاّ من شذّ ـ قد أنكروا أن يكون هذان الحقّان ثابتين للفقيه الجامع للشرائط زمن الغيبة، وبعضهم توقّف في ثبوتهما له أو جعل الاحتياط في عدم ثبوته. فهذه الفتاوى قرينة على عدم إفتائهم بولاية الفقيه زمن الغيبة.
1ـ فقد قال الفقيه البارع المتقدّم الشيخ المفيد (قدس سرّه) ـ المتوفّى سنة 413 ـ في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المقنعة ما لفظه: فأمّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى وهم أئمة الهدى من آل محمّد (علهم السلام) ومن نصبوه لذلك من الأمراء والحكّام، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكن من إقامتها على ولده وعبده ولم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها، ومن خاف من الظالمين اعتراضاً عليه في إقامتها أو خاف ضرراً بذلك على نفسه أو على الدين فقد سقط عنه فرضها، وكذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه وأمن بوائق الظالمين في ذلك فقد لزمه إقامة الحدود عليهم، فليقطع سارقهم ويجلد زانيهم ويقتل قاتلهم.
وهذا فرض متعيّن على من نصبه المتغلّب لذلك على ظاهر خلافته له أو الإمارة من قبله على قوم من رعيّته، فيلزمه إقامة الحدود وتنفيد الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفّار ومن يستحق ذلك من الفجار، ويجب على إخوانه من المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حدّاًَ من حدود الإيمان أو يكون مطيعاً في معصية الله تعالى من نصبه من سلطان الضلال فإن كان على وفاق للظالمين في شيء يخالف الله تعالى به لم يجز لأحد من المؤمنين معونته فيه ـ إلى أن قال:ـ
ومن تأمّر على الناس من أهل الحقّ بتمكين ظالم له وكان أميراً من قبله في ظاهر الحال فإنما هو أمير في الحقيقة من قبل صاحب الأمر الّذي سوّغه ذلك وأذن له فيه دون المتغلّب من أهل الضلال.
وإذا تمكّن الناظر من قبل أهل الضلال على ظاهر الحال من إقامة الحدود على الفجّار وإيقاع الضرر المستحقّ على أهل الخلاف فليجتهد (فليجهد ـ خ ل) في إنفاذ ذلك فيهم، فإنّه من أعظم الجهاد.
ومن لم يصلح للولاية على الناس لجهل (لجهله ـ خ ل) بالأحكام أو عجر عن القيام بما يسند إليه من أمور الناس فلا يحلّ له التعرّض لذلك والتكلّف له، فإن تكلّفه فهو عاصٍ غير مأذون له فيه من جهة صاحب الأمر الّذي إليه الولايات، ومهما فعله في تلك الولاية فإنّه مأخوذٌ به محاسب عليه ومطالب فيه بما جناه، إلاّ أن يتّفق له عفوٌ من الله تعالى وصفحٌ عمّا ارتكبه من الخلاف له وغفران لما أتاه[5].
فهو (قدس سرّه) كما يظهر من كلامه أوّلاً وأخيراً يرى أن الفقهاء من الشيعة قد أذن لهم من قبل صاحب الأمر أن يتولوا أمر الناس إذا لم يكن هنا مانع عنه، وأنّهم إذا تأمروا على الناس من قبل سلطان ظالم فإنّما يكون بحسب الواقع مأذوناً فيه من قبل صاحب الأمر، ولا دخل لتمكين الظالم، إلاّ أنّه حينئذٍ لا مانع له عن العمل بما هو وظيفته بملاحظة الإذن الواقعي الّذي قد أذن له صاحب الأمر (عليه السلام) وحينئذٍ عليه أن يجتهد كمال الجهد في إعمال الأحكام الشرعية في إقامة الحدود وغيرها، ولا يجوز له التخطي عنها أصلاً، وسواء في ذلك ما كان حدّاً غير قتل وما كان قتلاً: بل عليه الجهاد مع الكفّار ومن يستحق الجهاد من الفجّار. هذه وظيفة هذا المتأمّر، وعلى غيره من المؤمنين أن يعينوه في قضاء ما عليه إذا كان عاملاً بما هو وظيفته الإلهية.
وقد صرّح أخيراً بأنّ شرط جواز هذه الأعمال وشرط إذن صاحب الأمر (عليه السلام) له أن يكون عالماً بالأحكام، وإلاّ فالجاهل بها ليس مأذوناً أصلاً ويكون تصدّيه حراماً إلهيّاً يعاقب عليه إلاّ أن يعفوه الله تعالى.
فالإنصاف أن كلام هذا الفقيه العظيم واضح الدلالة على أنّ الفقيه العدل الإمامي مأذون في زمن الغيبة من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) في أن يلي أمر الأمّة ويفعل بهم ما يجب أن يفعله وليّ الأمر المعصوم (عليه السلام)، فهو مفتٍٍ بوضوح بأنّ الفقيه المزبور وليّ أمر على الأمّة، عليه أن يتصدى الولاية ويفعل بالناس ما أوجبه الله على وليّ الأمر، وأنّ تحت اختياره ما هو باختيار وليّ الأمر من الأمور الولائية.
2ـ وقال أبو الصلاح الحلبي (المتوفي سنة 447) في باب الأحكام من الكافي في الفقه: والأحكام ضروب ثمانية: منها أحكام العقود المبيحة للوطئ ومنها أحكام الإيقاعات الموجبة لتحريمه، ومنها أحكام الذكاة وما يناسبها، ومنها أحكام العقود والأسباب الموجبة للاستحقاق وإباحة التصرّف في ملك الغير، ومنها إحكام القصاص، ومنها أحكام الديات، ومنها قيم المتلفات وأرش الجنايات، ومنها إحكام الحدود والآداب، ويتبع ذلك تنفيذها والقضاء بها بين الناس[6].
ثُمّ بحث فيه عن الضروب الثمانية من الأحكام في كتابه وبين أحكام الشرع في كلّ ضرب منها: حتّى كان الضرب الثامن منها مبحث الحدود والتعزيرات، ثُمّ قال:
فصل: في تنفيذ الأحكام. المقصود في الأحكام المتعبّد بها تنفيذها، وصحّة التنفيذ يفتقر إلى: معرفة من يصح حكمه ويمضي تنفيذه ممن لا يصح ذلك منه، الثاني بيان ما يصحّ الحكم به وترتّبه، الثالث كيفية أيقاعه:
الفصل الأول من التنفيذ، تنفيذ الأحكام الشرعية والحكم بمقتضى التعبّد فيها من فروض الأئمة (عليهم السلام) المختصّة بهم دون من عداهم ممن لم يؤهلوه لذلك، فإن تعذّر تنفيذها بهم (عليهم السلام) وبالمأهول لها من قبلهم لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم تولّي ذلك ولا التحاكم إليه ولا التوصّل بحكمه إلى الحقّ ولا تقليده الحكم مع الاختيار ولا لمن لم يتكامل له شروط النائب عن الإمام في الحكم من شيعته، وهي: العلم بالحق في الحكم المردود إليه، والتمكن من أمضائه على وجهه، واجتماع العقل والرأي، وسعة الحلم، والبصيرة بالوضع، وظهور العدالة، والورع، والتديّن بالحكم، والقوّة على القيام به ووضعه مواضعه ـ ثُمّ بيّن سرّ اعتبار هذه الشروط ثُمّ قال: ـ فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقلد الحكم وإن كان مقلده ظالماً متغلباً. وعليه متى عرض لذلك أن يتولاه لكون هذه الولاية أمراً بمعروف ونهياً عن منكر تعيّن فرضها بالتعريض للولاية عليه وإن كان في الظاهر من قبل المتغلّب، فهو نائب عن وليّ الأمر (عليه السلام) في الحكم ومأهول له لثبوت الإذن منه وآبائهم (عليهم السلام) لمن كان بصفته في ذلك، ولا يحلّ له القعود عنه. وإن لم يقلّد من هذه حاله النظر بين الناس فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر، وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه، والتمكين من أنفسهم لحدّ أو تأديب تعيّن عليهم، لا يحلّ لهم الرغبة عنه ولا الخروج من حكمه، وأهل الباطل محجوجون بوجود من هذه صفته مكلّفون الرجوع إليه وإن جهلوا حقّه لتمكنهم من العلم، لكون ذلك حكم الله سبحانه وتعالى الّذي تعبّد ( يعتدّ ـ خ ل) بقوله وحظر الخلافة. ولا يحل له مع الاختيار وحصول الأمن من معرّة أهل الباطل الامتناع من ذلك، فمن رغب عنه ولم يقبل حكمه من الفريقين فعن دين الله رغب، ولحكمه سبحانه ردّ، ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالف، ولحكم الجاهلية ابتغى، وإلى الطاغوت تحاكم.
وقد تناصرت الروايات عن الصادقين (عليهم السلام) بمعنى ما ذكرناه، فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)... (وذكر هنا صحيحة حريز عن أبي بصير[7]، ثُمّ بعده صحيحة أبي خديجة عنه (عليه السلام)[8] ثُمّ مقبولة عمر بن حنظلة عنه (عليه السلام) إلى قوله «وهو على حد الشرك بالله»[9])[10].
فضمّ كلامه المتقدّم في باب الأحكام من أنّ الأحكام من أن الأحكام ضروب ثمانية ثُمّ بيان كلّ قسم منها إلى ما أفاده من فصل تنفيذ الأحكام يدلّ دلالة واضحة على أنّ للفقيه العدل الإمامي المتصف بالصفات المذكورة في الفصل الأول من التنفيذ أن يحكم ويقضي بين الناس حتّى في إجراء القصاص وأخذ الديات وإقامة الحدود والتعزيرات، وأنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد أذنوا له في ذلك وعليه أن يتصدّى أمر القضاء، وعلى الناس جميعهم أن يرجعوا إليه، إلاّ أنّ جميع ذلك إنّما هو بملاحظة أنّه مأذون من المعصوم (عليه السلام) في أمر القضاء، وهذا الإذن هو المجوز له في أن يتولاّه. وإذا قلّده الجائر أمر القضاء فهو وإن كان بحسب الظاهر مأذوناً ومتقلّداً لأمر القضاء من قبله إلاّ أنّه في الواقع ونفس الأمر مأذون من قبل وليّ الأمر (عليه السلام)، ويؤكّد ذلك ويجعل دلالة العبارات الأولى صريحة في إرادة ذلك استدلاله بالروايات العديدة الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) في جعل مثله قاضياً حاكماً.
فهو (قدس سرّه) أيضاً قائلٌ بجواز بل وجوب إقامة الحدود والتعزيرات بيد الفقيه الإمامي الجامع للشرائط إلاّ أنّه إنّما هو لمجرّد أنّه مأهول ومأذون في القضاء من قبل ولي ّالأمر (عليه السلام) وليس في كلامه دلالة ولا إشارة إلى ما قدّ نصّ عليه الشيخ المفيد المعظّم في مقنعته من كونه نائباً عن الإمام (عليه السلام) في إدارة أمور الأمّة ووليّاً لهم بالولاية الكبرى. ومسألة حمل حقوق الأموال إليه ـ المذكورة في كلامه ـ لا تدلّ على أزيد ممّا يفوّض إلى القضاء في باب الأموال، لاسيما بعد ما عرفت من التنصيصات العديدة على أنّ هذا كلّه من باب القضاء.
وبالجملة: فلا دلالة لكلامه (قدس سرّه) على أزيد من إذن القضاء للفقيه الجامع للشرائط.
3ـ وقال حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني المعروف بسلار (المتوفى سنة 448) في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود من المراسم: فأمّا القتل والجراح في الإنكار فإلى السلطان أو من يأمره السلطان، فإن تعذّر الأمر لمانع فقد فوّضوا (عليهم السلام) إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدّوا واجباً ولا يتجاوزوا حدّاً، وأمروا عامّة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة ولم يحيدوا[11].
وهذا الكلام أيضاً لا يدلّ على أزيد من تفويض إقامة الحدود والقضاء بين الناس إلى الفقهاء من دون أيّة دلالة له على أنّ للفقيه الولاية الكبرى كما عرفته ذيل كلام أبي الصلاح في كتابه الكافي في الفقه.
4ـ وقال شيخ الطائفة الطوسي (المتوفى سنة 460) في باب الأمر بالمعروف من النهاية: فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلاّ لسطان الزمان المنصوب من قبل الله تعالى أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولا يجوز لأحدٍ سواهما إقامتها على حال، وقد رخص في حال قصور أيدي أئمّة الحق وتغلّب الظالمين أن يقيم الإنسان الحدّ على ولده وأهله ومماليكه إذا لم يخف في ذلك ضرراً من الظالمين وأمن من بوائقهم، فمتى لم يأمن ذلك لم يجر له التعرّض لذلك على حال.
ومن استخلفه سلطان ظالم على قوم وجعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال، ويعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ لا بإذن سلطان الجور، ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك وما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدّى في ذلك ما جعل إليه الحقّ لم يجز له القيام به ولا لأحدٍ معاونته على ذلك، اللهم إلاّ أن يخاف في ذلك على نفسه فإنّه يجوز له حينئذٍ أن يفعل ذلك في حال التقية ما لم يبلغ قتل النفوس، فأمّا قتل النفوس فلا يجوز فيه التقية على حال.
وأمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز أيضاً إلاّ لمن أذن له سلطان الحقّ في ذلك، وقد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم في حالٍ لا يمتلكون فيه من تولّيه بنفوسهم... ومن تولّى ولاية من قبل ظالم في إقامة حدّ أو تنفيذ حكم فليعتقد أنّه متولّ لذلك من جهة سلطان الحق وليقم به على ما تقتضيه شريعة الإيمان... ومن لا يحسن القضايا والأحكام في إقامة الحدود وغيرها لا يجوز له التعرّض لتولّي ذلك على حال، فإنّ تعرّض لذلك كان مأثوماً[12].
وهو (قدس سرّه) قد أفتى بأنّ الأئمة (عليهم السلام) قد فوّضوا إلى فقهاء شيعتهم القضاء بين الناس في حالٍ لا يمتلكون فيه من تولّيه بأنفسهم، وبأنّ إقامة الحدّ على عامّة الناس تجوز لمن يحسنها بتولية الإمام وإذنه ااذ استحقّه سلطان الجور، إلاّ أنّه لا دلالة في كلامه (قدس سرّه) أنّ ذلك لأنّه قد جعله الإمام وليّ أمر على الناس، بل مدلوله ليس إلاّ الإذن له في إقامة الحدّ الشرعي حينئذٍ من جهة سلطان الحقّ، ويحتمل أن يكون منشأ هذا الإذن والدليل عليه هو مجرّد الأدلّة الّتي تدلّ على تفويض القضاء إلى فقهاء الشيعة بعناية أنّ من أحكام القاضي في الشريعة أن يقيم الحدود والتعزيرات، كما عرفته من كلام أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى في كلمات العلامة في تعداد من كتبه.
وبالجملة فلا يدل كلام الشيخ أيضاً على ثبوت الولاية الكبرى للفقيه الجامع للشرائط أصلاً.
5ـ وقال القاضي ابن البراج (المتوفى سنة 481) في كتاب الأمر بالمعروف من المهذّب: ولا يجوز لأحد من الناس إقامة حدّ على من وجب عليه إلاّ الإمام العادل أو من ينصبه لذلك، وقد رخصّ في إقامة حدّ لذلك على ولده وأهله دون غيرهم إذا لم يخف من وصول المضرّة إليه من ظالم، فمتى خاف ذلك وعلمه أو غلب في ظنّه لم يجز له فعله.
إذا استخلف السلطان الجائر إنساناً من المسلمين وجعل إليه إقامة الحدود جاز أن يقيمها بعد أن يعتقد (يعتذر ـ خ ل) أنّه من قبل الإمام العادل في ذلك وأنه يفعل ذلك بإذنه لا بإذن السلطان الجائر، ويجب على المؤمنين مساعدته وتمكينه من ذلك ومعاضدته عليه، هذا إذا لم يتعدّ الواجب... فأمّا تولّي القضاء والأحكام فسنورده في ما يتعلّق بذلك في موضعه ما يكتفى به إن شاء الله[13].
وبعد ما عرفت منّا ذيل كلام الشيخ في النهاية تعلم أيضاً أنّ كلام المهذّب أيضا لا دلالة له على أنّ الفقيه له الولاية الكبرى على أمر الأمّة.
وقال القاضي في كتاب الدعوى والبيّنات من المهذب، والقضاء لا ينعقد للقاضي إلاّ بأن يكون من أهل العلم والعدالة والكمال، وكونه عالماً بأن يكون عارفاً بالكتاب والسنة والإجماع والاختلاف ولسان العرب، وأمّا القياس فلسنا نعتبره لأنّ استعماله في الشريعة عندنا باطل[14].
والظاهر أن هذا الكلام هو ما وعده ذيل كلامه الأوّل، وهو كما ترى لا يدلّ على أزيد من جواز القضاء للفقيه العادل الإمامي، ولا مجال أصلاً لتوهّم دلالته على أنّ للفقيه الجامع للشرائط الولاية الكبرى.
6ـ وأمّا السيد أبو المكارم ابن زهرة الحلبي (المتوفى سنة 585) فلم نجد في كتابه الغنية في إقامة الحد إلاّ ما ذكره في آخر الفصل الأوّل من كتاب الحدود منه الّذي هو في حد الزنا، فإنّه بعد ما ذكر أقسام حدّ الزنا الّتي منها القتل والرجم قال: ويجوز للسيد إقامة الحدّ على من ملكت يمينه بغير إذن الإمام، ولا يجوز لغير السيد ذلك إلاّ بإذنه، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه وفيه الحجّة[15].
وأنت بعد الوقوف بما مرّ تعلم أنّه لا يدلّ على جواز إقامة الحدود للفقهاء فضلاً عن دلالته على أنّ للفقيه الولاية الكبرى. هذا، ولم نقف في كتاب القضاء منه كلاً ما يدل على تفويض القضاء إلى الفقهاء فضلاً عن دلالته على أنّ لهم ولاية الأمر.
7ـ وقال ابن إدريس (المتوفى سنه 595) في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود... من كتاب الجهاد من السرائر ـ بعد ما قال «وقد روى أنّ من استخلفه سلطان ظالم... إلى ما مرّ عن نهاية الشيخ إلى عبارة «معاونته على ذلك» ـ: والأولى في الديانة ترك العمل بهذه الرواية بل الواجب ذلك. قال محمّد ابن إدريس (رحمه الله) مصنّف هذا الكتاب: والرواية أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقد اعتذرنا له في ما يورده في هذا الكتاب ـ أعني النهاية ـ في عدّة مواضع وقلنا: إنّه يورده إيراداً من طريق الخبر لا اعتقاداً من جهة الفتيا والنظر، لأنّ الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا ومن المسلمين جميعاً أنّه لا يجوز إقامة الحدود ولا المخاطب بها إلاّ الأئمة والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك، فأمّا غيرهم فلا يجوز له التعرّض بها على حال، ولا يرجع عن هذا الإجماع بأخبار الآحاد بل بإجماع مثله أو كتاب الله تعالى أو سنّة متواترة مقطوع بها ـ ثُمّ ذكر جواز التصدي لإقامتها تقيّة ـ ثُمّ قال:
وأمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز أيضاً إلاّ لمن أذن له سلطان الحق في ذلك، وقد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين المحصّلين الباحثين عن مآخذ الشريعة الديّانين القيّمين بذلك في حال لا يتمكنون في من توليته بنفوسهم ـ إلى أن قال ـ ومن لا يحسن القضايا والأحكام في إقامة الحدود وغيرها لا يجوز له التعرّض لذلك على حال، فإن تعرّض له كان مأثوماً معاقباً[16].
فهو (قدس سرّه) كما ترى قد عدّ إقامة الحدود لغير الأئمّة والحكّام القائمين بإذنهم في ذلك غير جائزة وخلاف الإجماع المنعقد بين العامة والخاصّة، وتذييل هذا المنع بتجويز قضاء فقهاء الشيعة بين الناس سيما المنع النهائي المذكور في آخر كلامه عن التعرض لإقامة الحد والقضاء لمن لا يحسن الأحكام الشرعية في القضاء أو إقامة الحدود دليل واضح على المنع عن تصدّي إقامة الحدّ حتّى للفقهاء من الشيعة الجامعين لسائر الشرائط. فهو لا يرى جواز إقامة الحدود من آثار جواز القضاء أيضاً وإلاّ كان اللازم عليه تجويزها للفقهاء بعد تجويز القضاء لهم.
ففي كلامه (رحمه الله) دلالة واضحة على أنّه لا يرى للفقيه الجامع للشرائط تلك الولاية الكبرى في زمن الغيبة.
8ـ وقال المحقق الحلّي (المتوفى سنة 676) في كتاب الأمر بالمعروف... من الشرائع: ولا يجوز لأحد إقامة الحدود إلاّ للإمام مع وجوده أو من نصبه لإقامتها، ومع عدمه يجوز للمولى إقامة الحدّ على مملوكه، وهل يقيم الرجل الحد على ولده وزوجته؟ فيه تردد. ولو وليّ والٍ من قبل الجائر وكان قادراً على إقامة الحدود هل له إقامتها؟ قيل: نعم بعد أن يعتقد أنّه يفعل ذلك بإذن الإمام الحقّ، وقيل: لا، وهو أحوط... وقيل: يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال غيبة الإمام، كما لهم الحكم بين الناس مع الأمن من ضرر سلطان الوقت، ويجب على الناس مساعدتهم على ذلك، ولا يجوز أن يتعرّض لإقامة الحدود ولا للحكم بين الناس إلاّ عارف بالأحكام مطّلع على مآخذها عارف بكيفية إيقاعها على الوجوه الشرعية. ومع اتًَصاف المتعرّض للحكم بذلك يجوز الترافع إليه، ويجب على الخصم إجابة خصمه إذا دعاه للتحاكم عنده[17].
وقال أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المختصر النافع: وكذا الحدود لا ينفّذها إلاّ الإمام أو من نصبه، وقيل: يقيم الرجل الحدّ على زوجته وولده ومملوكه. وكذا قيل: يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة إذا أمنوا، ويجب على الناس مساعدتهم[18].
وأنت ترى أنّه (قدس سرّه) قد أفتى في كتابه أوّلاً بعدم جواز إقامة الحدود إلاّ للإمام أو من نصبه لإقامتها، وبعده أسند جواز إقامتها زمن الغيبة للفقهاء إلى القيل من غير إعلام لنظره بالتأييد، فلا أقل من أنّه متوقّف في جوازها لهم، بل صرح في الشرائع قبل هذا الاستثناء بأنّ الأحوط أن ليس للوالي المستخلف من قبل الجائر إقامتها معتقداً أنّه يفعل ذلك بإذن الإمام الحقّ، وإذا لوحظ ما اشترطه في ذيل كلامه من اعتبار العلم الاجتهادي والتشيّع في إقامة الحدود يستنبط من هذا الانضمام أنّ الأحوط للفقيه أيضاً إذا صار والياً من قبل الجائر أن لا يقيم الحدود.
فبالجملة: لم يفت المحقق الأوّل أيضاً بجواز إقامة الحدود للفقهاء زمن الغيبة، فلا محالة لا يفتي بثبوت الولاية الكبرى لهم زمن الغيبة على ما مرّ بيانه.
9ـ وقال تلميذه المحقّق الآبي المعاصر له في كشف الرموز في مقام الشرح للقيل الآخر: فأمّا الفقهاء فقد جزم الشيخان بأنّ في حال الغيبة ذلك مفوّض إليهم (بأنّ ذلك مفوض إليهم في حين الغيبة ـ خ ل) إذا كانوا متمكنين، ولنا فيه نظر[19].
فهو أيضاً موافق لما يقوله أستاذه، فلا يفتي هو أيضاً بثبوت الولاية الكبرى زمن الغيبة للفقيه.
10ـ واقتصر ابن فهد الحلّي (المتوفى سنة 841) في المهذّب البارع عند شرحه للعبارة المذكورة يذكر أنّ المسألة إختلافية، وما نسب إلى القيل مذهب الشيخ وسلاّر والعلامة، واستدل لهم بمقبولة ابن حنظلة، وابن إدريس قائل بالمنع[20].
والاقتصار على مجرّد ذكر قائلي القولين دليل على أنّه أيضاً لا يفتي بالجواز ولا أنّ للفقيه الولاية الكبرى، مضافاً إلى أنّ جعل سند الجواز أدلّة تجويز القضاء أيضاً دليل آخر على إن لم يكن جواز القضاء لهم ما كان إلى إثبات هذا الحكم لهم دليل.
فإن قلت: إنّ ابن فهد استدلّ للجواز هنا بهذه العبارة «لما تقدّم ولرواية عمر بن حنظلة...» فلعلّ المراد بالوصول هو ولاية الفقيه، فيضعف ما عدّ مضافاً.
قلت: إنّ ملاحظة كلامه السابق تعطي أن ما تقدم منه هو «عموم الأمر بإقامة الحدود والحذر من تعطيلها وانتشار المفاسد» فليس الموصول أيضاً إشارة إلى ولاية الفقيه، ويتمّ ما ذكرناه.
11ـ وأمّا العلامة الحلّي (المتوفّى سنة 726) فقد تعرّض لمسألة جواز إقامة الحدود زمن الغيبة للفقهاء، وللاستدلال له في عدّة من كتبه نذكر منها ما يلي:
أـ قال في كتاب الجهاد من التذكرة: لا يجوز لأحدٍ إقامة الحدود إلاّ الإمام (للإمام ـ خ ل) أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولا يجوز لأحدٍ سواهما إقامتها على حال ـ ثُمّ ذكر حكم إقامة الحدّ على المملوك والولد والزوجة، ثُمّ قال: ـ وفي رواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق (عليه السلام): من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم.
وهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة؟ جزم به الشيخان عملاً بهذه الرواية كما يأتي أنّ للفقهاء الحكم بين الناس فكان إليهم إقامة الحدود، ولما في تعطيل الحدود من الفساد.
ثُمّ قال: وقد روى أنّ من استخلفه سلطان ظالم... فذكر عبارة نهاية الشيخ ثُمّ قال: ومنع ابن إدريس ذلك[21].
فظاهر كلامه أنّه (قدس سرّه) لم يفت بشيء في مسألة إقامة الحدّ حال الغيبة للفقهاء وإنما نقل عن الشيخين جزمهما بالجواز استناداً إلى خبر حفص وإلى أنّ تعطيلها يجرّ إلى الفساد. وأنت بالتأمل تعلم أنّ الوجه الثاني إنّما هو ما يستدلّ به لأنّ إقامة وتولّي الأمور الحسبية إلى الفقيه الجامع للشرائط، وأنّ خبر حفص إنّما يدلّ عموم جواب الإمام على جواز إقامة الحدود للفقهاء إذا ثبت أنّ القضاء زمن الغيبة مفوّض إليهم. كما صرّح بالأمرين أيضاً في العبارة المذكورة، فالجواز المستفاد بالنهاية منه إنّما هو بمقتضى اقتضاء جواز القضاء لهم له، فلا شيء من الوجهين دليل على ثبوت الولاية الكبرى للفقيه، بل إنّ انحصار وجه الجواز في هذين الوجهين فيه دلالة على أن ليس للفقهاء ولاية أمر الأمّة، وإلاّ كان المناسب بل اللازم الإشارة إليه. ولمجموع هذه الجهات يدلّ كلامه هنا على أنّ ثبوت الولاية للفقيه ليس مسلماً عنده بل ولا عند من تقدّمه.
ب ـ وقال في البحث الثالث من المقصد التاسع من كتاب الجهاد الّذي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المنتهى: لا يجوز لأحدٍ إقامة الحدود إلاّ الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولا يجوز لأحدٍ سواهما إقامتها... وقد روى الشيخ عن حفص بن غياث (ونقل الرواية المذكورة في التذكرة، ثُمّ قال:) إذا ثبت هذا فهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود حال الغيبة؟ جزم به الشيخان عملاً بهذه الرواية، وعندي في هذه الرواية وعندي في ذلك توقّف.
ثُمّ قال في مسألة أخرى قد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم...(وروى ما مرّ من نهاية الشيخ، ثُمّ قال:)أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته، ومنع ابن إدريس كلّ المنع، وهو أولى لما ثبت أنّه لا يجوز لأحدٍ غير الإمام أو من أذن لهى الإمام إقامة الحدود.
ثُمّ قال في مسألة ثالثة: لا يجوز الحكم بين الناس والقضاء بينهم إلاّ للإمام أو لمن أذن له الإمام، وقد فوّض الأئمّة (عليهم السلام) ذلك إلى فقهاء شيعتهم... وبالجملة: من يستجمع شرائع الحكم الآتية بعد (واستدلّ له بمقبولة ابن حنظلة وخبر أبي خديجة)[22].
ثُمّ قال في مسألة ثامنة: قال الشيخ (رحمه الله): يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود حال غيبة الإمام، كما لهم الحكم بين الناس مع الأمن من ضرر سلطان الوقت، ويجب على الناس مساعدتهم على ذلك، لما رواه الشيخ عن حفص بن غياث (ونقل الرواية المذكورة في التذكرة، ثُمّ قال:) وقد ثبت أنّ للفقهاء الحكم بين الناس فكذا لهم إقامة الحدود، ولأنّ تعطيل الحدود حال غيبة الإمام مع التمكّن من استيفائها يقضي إلى الفساد فكان سائغاً، وهو قويّ عندي[23].
وتقويته في المسألة الأخيرة لفتوى الجواز منافية لتوقّفه فيه في المسألة الأولى، وقد كانت هذه المنافاة موجودة في نسخة المنتهى الّتي بيد المحقق الأردبيلي (قدس سرّه) صاحب مجمع الفائدة والبرهان كما سيأتي.
وبعد الإغماض عن هذه المنافاة ترى أنّ ما ذكره وجهاً لجواز إقامة الحدود حال الغيبة للفقهاء إنّما هو اقتضاء جواز القضاء بين الناس لهم لجوازها وأدلّة إحالة الأمور الحسبية إليهم، وفيه دلالة واضحة على أنّه (قدس سرّه) لا يرى ثبوت الولاية الكبرى للفقهاء، وإلاّ كانت هي دليل المطلب أو من أدلّته كما مرّ.
ج ـ وقال في بحث الأمر بالمعروف من إرشاد الأذهان: ولا تقام الحدود إلاّ بإذنه (أي إذن الإمام)... وللفقيه الجامع لشرائط الإفتاء ـ وهي العدالة والمعرفة بالأحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيلية ـ أقامتها...[24].
فقد أفتى هنا بجواز إقامتها للفقيه من غير بيان وجه له، ولا دلالة فيه على قبوله لولاية الفقيه لاحتمال استناده إلى أنّه لازم جواز القضاء له، كما بينه نفسه في المنتهى على ما عرفت. قال المحقق الأردبيلي في الشرح قبل شرح هذه المسألة بعد ذكر توقف العلامة في جواز إقامة الفقهاء للحدود ذيل المسألة الأولى الّتي نقلناها عن المنتهى في وجه توقّفه: لعلّ وجه التوقف عدم صحتها (يعني عدم صحة الرواية من حيث السند) مع احتمال أرادة الإمام ممن إليه الحكم، أو التقية حيث ما صرّح (عليه السلام) بجواب السؤال صريحاً ثُمّ قال في ذيل شرحه لهذه المسألة: أمّا جواز إقامة الحدود له فقد مرّ توقف المصنف في المنتهى لما مرّ، وإن قال بعد ذلك في مسألة أخرى: «وهو (أي جواز إقامة الحدود للفقيه) قويّ عندي، ودليله رواية حفص المتقدمة والإفضاء إلى الفساد لو لم يجوّز». وقد مر ما في الاستدلال برواية حفص من وجه توقفه في المنتهى، وقد يمنع الإفضاء إلى الفساد، فتأمّل[25].
وكلامه شاهد على اختلاف في نسخة المنتهى الّتي كانت بيده.
5ـ وقال في الفصل الثامن الّذي هو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب الجهاد من المختلف (مسألة) قال الشيخ: من استخلفه سلطان ظالم (ونقل عبارة نهاية الشيخ الماضية، ثُمّ منع ابن إدريس به، ثُمّ فتوى سلاّر بتفويض إقامة الحدود إلى الفقهاء، ثُمّ قال: ـ والأقرب عندي جواز ذلك للفقهاء، لنا أنّ تعطيل الحدود يفضي إلى ارتكاب المحارم وانتشار المفاسد، وذلك أمر مطلوب الترك في نظر الشارع، وما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام)... وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على تسويغ الحكم للفقهاء، وهو عامٌ في إقامة الحدود وغيرها[26].
فهو (قدس سرّه) وإن أفتى هنا بجواز إقامة الحدود للفقهاء إلاّ أن دليله أدلّة إحالة الأمور الحسبية إليهم، وأنّه مقتضى تفويض القضاء إليهم، ومقتضاه كما عرفت أنّه لا يرى للفقهاء تلك الولاية الكبرى.
ﻫ ـ وقال في القواعد عند البحث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمّا إقامة الحدود فأنّها إلى الإمام خاصّة أو من يأذن له، ولفقهاء الشيعة في حال الغيبة ذلك[27].
فقد أفتى بجواز إقامة الحدود للفقهاء زمن الغيبة إلاّ أنّه لا دليل فيه على قوله بثبوت الولاية لهم بعد احتمال استناده إلى ما مرّ.
12ـ وقد قبل فخر المحققين (المتوفى سنة 771) في إيضاح الفوائد فتوى أبيه هنا حيث لم يعلق على كلامه شيئاً،[28] فيدل على ارتضائه لفتواه بجواز إقامة الحدود للفقهاء، زمن الغيبة. إلاّ أنّه كأبيه في أنّ نفس إفتائه بالجواز لا حجة فيه على قوله بثبوت الولاية الكبرى للفقيه.
13ـ وقال الشهيد الأول (المتوفى سنة 786) في كتاب الحسبة من الدروس: والحدود والتعزيرات إلى الإمام ونائبة ولو عموماً، فيجوز حال الغيبة للفقيه الموصوف بما يأتي في القضاء إقامتها مع المكنة، ويجب على العامة تقويته ومنه المتغلّب عليه مع الإمكان... ولو ولي من قبل الجائر كرهاً قيل: جاز له إقامة الحدّ معتقداًَ لنيابته عن الإمام، وهو حسن إن كان مجتهداً، وإلاّ فالمنع أحسن[29].
فهو (قدس سرّه) كما ترى أفتى بجواز إقامة الفقهاء حال الغيبة للحدود. وأوضحه في الفرع الأخير بأنّ المجتهد نائب عن الإمام، فجواز إقامته إنّما هو لمكان نيابته، ولعلّ فيه إشارة إلى أنّ للفقيه ولاية أمر الأمّة بتفويض الإمام، إلاّ أنّ الإنصاف عدم دلالته عليه لاحتمال أن تكون هذه النيابة لمكان تفويض القضاء من الإمام إلى الفقهاء، وأنّ من اختيارات القاضي إقامة الحدود كما مرّ في كلمات العلامة، فلا دليل على قوله (قدس سرّه) بأنّ للفقيه حال الغيبة الولاية الكبرى.
14ـ وقال الشهيد الثاني (المتوفى سنة 965) في المسالك ـ تعليقاً على عبارة الشرائع: «وقيل: يجوز للفقهاء العارفين في حال غيبة الإمام» ـ : هذا القوم مذهب الشيخين رحمهما الله وجماعة من الأصحاب، وبه رواية عن الصادق (عليه السلام) في طريقها ضعف، ولكن رواية عمر بن حنظلة مؤيّدة لذلك، فإنّ إقامة الحدود ضربٌ من الحكم وفيه مصلحة كلّية، ولطفٌ في ترك المحارم، وحسم لانتشار المفاسد، وهو قوي[30].
فقد قوّى ما أفتى به الشيخان من جواز إقامة الفقهاء للحدود في زمن الغيبة، إلاّ أنّه جعل دليل الجواز كونها ضرباً من الحكم وكونها لطفاً في ترك المحارم وحسماً لانتشار المفاسد، وكلّ منها كما تعلم غير ثبوت الولاية الكبرى للفقيه، فلا حجّة فيه أيضاً على قوله بثبوت ولاية الفقيه.
15ـ وعلّق المحقّق الثاني (المتوفى سنة 940) في جامع المقاصد على عبارة القواعد في باب الأمر بالمعروف تعليقه تدلّ على أنّ جواز إقامة الحدود للفقهاء في زمن الغيبة إنّما هو لاقتضاء منصب القضاء ذلك.
وذلك أن العلامة في متن القواعد لمّا أفتى جزماً أوّلاً بقوله: «وأما إقامة الحدود فإنّها إلى الإمام خاصة، أو من يأذن له، ولفقهاء الشيعة في حال الغيبة ذلك» ثُمّ بعده قال في فرعٍ آخر: «ولو ولي من قبل الجائر عالماً بتمكّنه من وضع الأشياء في مظانّها ففي جواز إقامة الحدّ بنية أنّه نائب عن سلطان الحقّ نظر» علّق على هذا الفرع الأخير بقوله: ظاهر عبارة الكتاب أنّ هذا الحكم في من ليس بصفات الحكم، لأنّه قد جزم بأنّ الفقهاء في حال الغيبة إقامة الحدود، فهو اعتبر صفات الحكم هنا لم يكن للنظر وجه... والأصحّ أنّه إنّما يجوز إذا كان بصفات الحكم[31].
ووجه دلالته على أنّ جواز إقامة الحدود إنّما هو لاقتضاء منصب الحكم والقضاء له أنّ إفتاءه أخيراً بأنّ الأصحّ جواز إقامة الحدّ لمن ولي من قبل الجائر إذا كان هذا الوالي بصفات الحكم الّتي هي صفات الفقيه الجامع لشرائط القضاء دليل على أنّ جواز القضاء لأحدٍ مساوق بل مقتضٍ لجواز إقامة الحدّ، فإذا كان المفروض جواز القضاء للفقهاء العارفين بإذن الإمام وتفويضه فلا محالة يجوز لهم إقامة الحدود.
فالمتحصّل من هذا التتبع لكلمات أصحابنا الكرام قدّست أسرارهم من القدماء والمتأخرين مع الالتفات إلى ما قدّمناه يعطي الاعتماد بأنّ ثبوت الولاية الكبرى للفقيه العدل الامامي الواجد لسائر الشرائط ليس أمراً مسلّماً عندهم، بل ظاهر كلماتهم المذكورة عدم ثبوتها له عندهم، فوضوح هذا الأمر عند صاحب الجواهر أو العوائد لا يجوز الطعن على من لا يعرف إفتاء الفقهاء به فضلاً عن دعوى الإجماع عليه، بل حاصل الأمر أنّ لا أقلّ من أنّ المشهور عند الأصحاب عدم ثبوت الولاية الكبرى للفقيه.
هذا تمام الكلام حول الاستدلال لثبوت ولاية الفقيه بالإجماع، وهو الوجه الأوّل كما أشرنا إليه.
هذا كلّه إذا أريد من إجماع الأصحاب إفتاؤهم صريحاً بأنّ للفقيه الجامع للشرائط تولّي أمور الأمّة بتلك الولاية الكبرى زمن الغيبة.
وأمّا إن كان مراد مدّعي الإجماع أنّه يستنبط من إرجاع الأصحاب في موارد عديدة جدّاً أموراً مختلفة مرتبطة بالناس إلى الفقيه ويكون إرجاعهم لهذه الأمور إليه من المسلمات فيستنبط من هذه الإرجاعات الكثيرة أنّ الفقيه هو وليّ أمر الناس، وإلاّ لما كان وجهٌ لهذه الإرجاعات.
أقول: بظني أني قد ذكرت أنّه يحتمل أن تكون هذه الإرجاعات إلى الفقيه بعناية تفويض الأئمّة (عليهم السلام) زمن الغيبة لأمر القضاء بين الناس إلى الفقهاء والتصدي للأمور الكثيرة المزبورة كان من اختيارات بل وظائف القضاة والشاهد لقوّة هذا الاحتمال أنّ المحقق الأول في الشرائع لم يفت بجواز إقامة الحدود للفقيه يل جعل الأحوط عدم إجرائها له في بعض الموارد، وأفتى فيه (في باب الأمر بالمعروف وفي كتاب القضاء) بنفوذ قضاء الفقيه، ومع ذلك فالشرائع مشحون بهذه الإرجاعات بلا أية ريبة وإشكال، وليس وجهه إلاّ أن سرّ هذه الإرجاعات أنها إرجاع إلى القاضي. ولأنّ يتضح الأمر أكثر من ذلك نأتي ببعض هذه الإرجاعات المذكورة في الشرائع:
1ـ قال في عقد البيع عند ذكر شرائط المتعاقدين:... وأن يكون البائع مالكاً أو ممّن له أن يبيع عن المالك كالأب والجدّ للأب والوكيل والوصي والحاكم وأمينه.
فالحاكم هو القاضي، ويعمّ الفقيه زمن الغيبة قطعاً، فجعل له أن يبيع عن المالك في بعض الموارد حيث قال ذيل هذا الكلام: وأما الحاكم وأمينه فلا يليان إلاّ على المحجور عليه لِصغرٍ أو سَفهٍ أو فلَسٍ على غائب[32].
2ـ وقال في الفصل الخامس من كتاب الرهن، وإذا وضعاه ـ يعني الراهن والمرتهن المال المرهون ـ على يد عدل فللعدل ردّه عليهما أو تسليمه إلى من يرتضيانه، ولا يجوز له تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم... واو استترا أقبضه الحاكم... وإن كان هناك عذر سلّمه إلى الحاكم، ولو دفعه إلى غيره من غير إذن الحاكم ضمن... وإذا مات المرتهن كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث، فإن اتّفقا على أمين وإلا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه، ولو خان العدل نقله الحاكم إلى أمين غيره إن اختلف المرتهن والمالك[33]. وراجع كتاب الرهن فإنّ فيه إرجاعات أخرى إلى الحاكم.
3ـ وقال في الفصل الثاني من كتاب الحجر في المسألة الأولى: لا يثبت حجر المفلّس إلاّ بحكم الحاكم، وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردد، والوجه أنّه لا يثبت، وكذا لا يزول إلاّ بحكمه[34].
4ـ وقال في اللواحق من كتاب الوديعة في المسألة الثانية: لا يبرأ المودع إلاّ بردّها إلى المالك أو وكيله، وإن فقدهما فإلى الحاكم مع العذر[35].
5ـ وقال في البحث عن الموكّل في كتاب الوكالة: وينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة عنهم[36].
6ـ وقال في كتاب الوصايا عند البحث عن الأوصياء: أما لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موت الموصي أمكن القول ببطلان وصيته، لأنّ الوثوق ربما كان باعتبار صلاحه فلم يتحقّق عند زواله، فحينئذٍ يعزله الحاكم ويستنيب مكانه... ولو أوصى إلى اثنين فإن أطلق أو شرط اجتماعهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد عن صاحبه بشيء من التصرّف، وإن تشاحا لم يمض ما ينفرد كلّ واحدٍ منهما عن صاحبه إلاّ ما لابدّ منه مثل كسوة اليتيم ومأكوله، وللحاكم جبرهما على الاجتماع، فإن تعاسرا جاز له الاستبدال بهما، ولو أراد قسمة المال بينهما لم يجز، ولو مرض أحدهما أو عجز ضمّ إليه الحاكم من يقوّيه... ولو ظهر من الوصي عجز ضم إليه مساعد وإن ظهر منه خيانة وجب عزله على الحاكم ويقيم مكانه أميناً... وكذا لو مات إنسان ولا وصيّ له كان للحاكم النظر في تركته[37].
7ـ وقال في كتاب النكاح عند البحث عن أولياء العقد في الفصل الأوّل لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجدّ للأب وإن علا والمولى والوصي والحاكم[38].
8ـ وقال في كتاب النكاح أيضاً في مباحث النظر الثالث عند القول في النشوز: وإذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها فلها المطالبة، وللحاكم إلزامه[39].
9ـ وقال فيه أيضاً عند القول في الشقاق: فإن كان النشوز منهما وخشي الشقاق بعث الحاكم حكما من أهل الزوج وآخر من أهل المرأة على الأولى، ولو كانا من غير أهلهما أو كان أحدهما جاز أيضاً[40].
10ـ وقال في أحكام الظهار في المسألة العاشرة إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم خيّره بين التكفير والرجعة والطلاق[41].
11ـ وقال في أحكام اللقيط في كتاب اللقطة في المسألة الرابعة: إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم، لأنه لا ولاية له في ماله[42].
12ـ وقال فيه أيضاً في البحث عن الملتقط من الحيوان: فالبعير لا يؤخذ... فلو أخذه ضمنه، ولا يبرأ لو أرسله، ويبرأ لو سلمه إلى صاحبه، ولو فقده سلّمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح[43].
13ـ وقال فيه هاهنا أيضاً: والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد... والآخذ بالخيار إن شاء ملكها... وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى المالك[44].
14 ـ وقال فيه أيضاً عند البحث عن اللقطة ـ أي كلّ مال ضائع ـ: لو كانت مما لا يبقى كالطعام قوّمه على نفسه وانتفع به، وإن شاء دفعه إلى الحاكم ولا ضمان، ولو كان بقاؤها يفتقر إلى العلاج كالرطب افتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى الحاكم ليبيع بعضها وينفقه في إصلاح الباقي، وإن رأى الحاكم الحظّ في بيعه وتعريف ثمنه جاز[45].
15ـ وقال فيه في أحكام اللقطة في المسألة الثانية: إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها فإن وجد مالكها دفع الثمن إليه وإلاّ ردّها على الملتقط، لأنّ له ولاية الصدقة أو التملك[46].
فهذه الموارد الخمسة عشر نبذة ممّا أرجع الأمر فيها إلى الحاكم بنحو، والحاكم عبارة أخرى عن القاضي، والإرجاع إليه ليس لأنّ له الولاية الكبرى كما عرفت بيانه، بل لأنّ القاضي معدّ لهذه المصالح، كما صرّح به المحقق نفسه في المورد المرقّم 12 فقال: «ولو فقده سلّمه إلى الحاكم لأنّه منصوب للمصالح» وحيث إنّ أمر القضاء زمن الغيبة مفوّض من الأئمّة (عليهم السلام) إلى الفقيه الجامع للشرائط فالأمور المزبورة وأمثالها ترجع إليه لأنه قاضٍ بلا استلزام لثبوت الولاية الكبرى له.
فالحاصل: أنّه لا مجال للاستدلال بالإجماع على أنّ للفقيه الجامع للشرائط الولاية الكبرى على الأمّة بشيء من التقريرين فاللازم أن يلاحظ لإثباتها الأدلّة النقلية الأخر.
ـــــــــــــــــ
[1] التذكرة: ج9 ص 398 ـ 402 المسألة 237 من الجهاد.
[2] رسالة صلاة الجمعة: ص 5، راجع الجزء الرابع من حياة المحقق الكركي (قسم الرسائل) ص 263 المقدمة الثانية.
[3] عوائد الأيام: ص 529 ـ 538.
[4] البدر الزاهر: ص 52.
[5] المقنعة: ص 810.
[6] الكافي في الفقه: ص 287ـ 291.
[7] راجع الوسائل: الباب 1 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 4و3 الحديث2و5.
[8] نفس المصدر.
[9] راجع الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 99 الحديث1.
[10] الكافي في الفقه: ص 421ـ 425.
[11] المراسم: ص 263.
[12] النهاية: ص 300.
[13] المهذّب: ج1 ص 341.
[14] المصدر السابق: ج 2 ص 579.
[15] الغنية: ص 425.
[16] السرائر: ج 2 ص 24.
[17] شرائع الإسلام: ج1 ص344.
[18] المختصر النافع: ص115.
[19] كشف الرموز: ج1 ص 434.
[20] كشف الرموز: ج1 ص 434.
[21] التذكرة: ج9 ص 445 المسألة 265.
[22] منتهى المطلب: ج2 ص 994 و995 الطبعة القديمة الحجرية.
[23] نفس المصدر.
[24] إرشاد الأذهان: ج1 ص 353.
[25] مجمع الفائدة والبرهان: ج 7 ص 546.
[26] مختلف الشيعة: ج 4 ص 463.
[27] قواعد الأحكام: ج1 ص525.
[28] إيضاح الفوائد: ج1 ص 398.
[29] الدروس: ج2 ص47.
[30] مسالك الأفهام: ج3 ص 107.
[31] جامع المقاصد: ج3 ص488.
[32] شرائع الإسلام: ج2 ص 14 و15.
[33] شرائع الإسلام: ج2 ص80 و102 و167 و198.
[34] نفس المصدر.
[35] نفس المصدر.
[36] نفس المصدر.
[37] شرائع الإسلام: ج2 ص 256 و276 و339.
[38] نفس المصدر.
[39] نفس المصدر.
[40] نفس المصدر.
[41] المصدر السابق: ج 3 ص 66و285.
[42] نفس المصدر.
[43] نفس المصدر.
[44] شرائع الإسلام: ج3 ص 289 و 292 و 295.
[45] نفس المصدر.
[46] نفس المصدر.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية