الدرس السبعون: الاستدلال لإثبات ولاية الفقيه بالروايات
التاريخ: 09-07-2011
فنقول: إنّه قد استدل لإثبات الولاية الكبرى للفقيه الجامع للشرائط بعدّة من الأخبار: (الرواية الأولى) رواية الفقهاء حصون الإسلام: فقد روى ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله، وثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها[1]
فنقول: إنّه قد استدل لإثبات الولاية الكبرى للفقيه الجامع للشرائط بعدّة من الأخبار:
(الرواية الأولى) رواية الفقهاء حصون الإسلام:
فقد روى ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله، وثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها[1].
وقد عنون الباب الّذي روى هذا الحديث فيه بباب فقد العلماء، وهو شاهد على وجود عنوان الفقهاء في هذه الرواية، مضافاً إلى أنّ سائر أخبار الباب المزبورة أيضاً موضوعها موت الفقيه أو العالم، فلا ينبغي الريب في وثاقة النسخة.
وليس في سند الرواية من يتأمل في وثاقته إلاّ علي بن أبي حمزة، فإنه البطائني الّذي أحد عمد الواقفة ـ كما في رجال النجاشي ـ وفي رجال الكشي عن محمّد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن قال: علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم قال: روى أصحابنا أنّ الرضا (عليه السلام) قال ـ بعد موته ـ: أقعد عليّ بن أبي حمزة في قبره فسئل عن الأئمة، فأخبر بأسمائهم حتّى انتهى أليّ، فسئل فوقف، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً[2].
وروى فيه عن يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو الحسن (عليه السلام) وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم (وقوفهم ـ خ ل) وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: فلمّا رأيت ذلك وتبين عليّ الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت تكلّمت ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا إليّ وقالا: ما تدعوا إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك. فضمّنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي: كفّ. قال يونس: فقلت لهما: أما روينا عن الصادقين (عليهم السلام) أنّهم قالوا: «لو ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سُلب نور الإيمان»؟ وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كلّ حال فناصباني وأظهرا لي العداوة[3].
ولقد وردت في ذم الواقفة أخبار كثيرة، وفي بعضها أنهم كذبوا على رسول الله وعلى أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، فراجع رجال الكشي وغيره، وإن كنّا وهذه الأخبار وما نقلناه عن ابن فضال ويونس وما رواه أصحابنا ممّا قد مرّ ذكره آنفاً كان اللازم عدم اعتبار رواياته لاحتمال تعمده في الكذب عند نقلها نعم نحتمل انحصار كذب مثله في مجرّد إنكار موت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) والتزام الصدق في نقل الروايات، إلاّ أنّه لا حجّة فيه لاسيما مع قول ابن فضّال فيه: أنّه كذّاب متهم، أو كذاب ملعون.
لكنه مع ذلك كله فلا يبعد استفادة وثاقته في نقل الروايات من طريقين:
أحدهما: مما قاله الشيخ في العدّة ـ عند البحث عن حجّة أخبار الآحاد ـ قال: وإذا كان الراوي من فِرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية وغيرهم نظر فيه... وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرّجاً في روايته موثوقاً به في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد، ولأجل ما نقلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعليّ بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال وبنو سماعة والطاطريّون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه[4].
فصرّح ـ كما ترى ـ بأنّ علي بن أبي حمزة مع أنّه واقفي فهو متحرج في روايته وموثوق به في أمانته، وبأنّ الطائفة الإمامية عملت بأخباره فهو شهادة بكونه ثقة في الحديث مقبول الرواية عند الأصحاب وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد. نعم اشترط في الاعتماد على خبره بأن لا يعارضه خبر غيره وان لا يعرض الأصحاب عنه، وهو موجود في خبر هذا الباب.
وثاني الطريقين: ما قاله الشيخ أيضاً في العدّة ـ عند البحث عن ترجيح أحد الخبرين المتعارضين عن الآخر ـ فقال: وإذا كان أحد الراويين مسنِداً والآخر مرسِلاً نُظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الّذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن (ممّن ـ خ ل) يوثّق به وبين ما أسنده غيره، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم[5].
فقد نصّ على أن هؤلاء الثلاثة من الرواة قد عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثّق به، وحكايته هذه حجّة معتبرة، ومجرّد احتمال ابتنائها على عبارة الكشّي في أصحاب الإجماع ـ مع عدم دلالتها على أكثر من الاعتماد على نفس أولئك الأصحاب ـ لا يوجب القدح في اعتبارها بعد أنّ المفروض أن لا شاهد على هذا الابتناء، فنصّه هذا حجّة على أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة موثوقاً به، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى قد روى عنه النجاشي في رجاله بواسطة ابن أبي عمير، وعن فهرست الشيخ أنّ عليّ بن أبي حمزة له أصل رواه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى، وفي طريق الصدوق في مشيخة الفقيه إليه أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن علي بن ابن أبي حمزة، وقد رووا هؤلاء الثلاثة عنه في روايات أخر. فبانضمام رواية هؤلاء الثلاثة إلى ما قاله الشيخ من أنّهم لا يروون إلاّ عن ثقة موثوق به تتمّ الحجّة على وثاقة علي بن أبي حمزة، مضافاً إلى أنّ جمعاً آخر من أعاظم الرواة أيضاً قد رووا عنه، فسند الحديث معتبر بلا إشكال.
وأمّا دلالته فقد نصّ على أنّ «المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام» وشبّههم في الأثر بحصن سور المدينة لها، فحصن سور المدينة حائط عظيم ف منتهى الاستقامة يدفع المدينة وأهلها عن كلّ سوء وأي مهاجم، والفقهاء لابدّ وأن يكونوا محافظين عن بلاد الإسلام وأهلها كل هجمة وسوء، فإنهم حصون الإسلام. وثبوت وصف الحصنية لهم أمر واقعي حكى عنه الإمام وجعله علّة لثبوت تلك المزايا المذكورة في الحديث لهم، فثبوت الحصنية لهم أمر متحقق في الشرع بما أنهم فقهاء، فإذا كانوا وصاروا فقهاء صاروا حصوناً للإسلام من دون انتظار انضمام شيءٍ آخر، فلا حاجة بل ولا أثر لانتخاب المسلمين مثلاً في ثبوت وصف الحصنية لهم. فالحديث دليل ثبوت أنهم حصون للإسلام.
ثم إن نفس كون الفقيه حصناً للإسلام ليس معناه ثبوت ولاية الأمر له، بل مقتضاه أن يقوم الفقيه بما يترتب على كونه حصناً، فكما أن حصن سور المدينة يدافع عن المدينة وأهلها كل سوء فهكذا على الفقيه أن يقوم بالدفاع عن الإسلام، فأثر كونه حصناً أن يقوم بالدفاع عن الإسلام، فعليه شرعاً يقوم بهذا الدفاع، والقيام به إذا كان واجباً عليه عبارة أخرى عن ثبوت ولايته على الأمّة.
وقد يتوهم أن الحصن لا أثر له إلاّ دفاع المهاجمين على المدينة وأهلها، فالحصن إنّما يدفع الشر وليس من شأنه المطلوب منه جلب المنافع، فكون الفقيه حصناً للإسلام لا يقتضي أزيد من مشروعية قيامه بدفع الأضرار الواردة على بلاد الإسلام وأهلها، وهو أخص من ولاية أمر الأمّة، فإذا وقعت هجمة من الأعداء أو من بغاة أهل الإسلام على الإسلام والمسلمين أو قام جمع من الناس بالظلم على آخرين في أموالهم أو أنفسهم أو قام جمع بإتيان محارم الإسلام أو ترك الواجبات وكان مضنّة سراية أعماله إلى آخرين. وبالجملة: فإذا كانت هنا مظنّة وقوع ضرر مادي أو معنوي على الإسلام والمسلمين فمقتضى كون أحدٍ حصناً لهم أن يقوم بدفع هذه المضارّ، وأما المنافع الكثيرة الأخر الّتي لابدّ وأن يقوم بجلبها وليّ الأمر للأمة وبلاد الإسلام فليس من لوازم كونه حصناً، فلا يقتضى كونه حصناً أن يقوم بتأسيس الإدارات الكثيرة والتفكر فيما يوجب حسن المعيشة لهم في الأمور الزراعية وأمر الصنعة وإصلاح المدينة وتوسيع الشوارع وطرق السفر وتهيئة الأسباب المؤثرة في حسن المسافرة وجميع ما تصل أو وصلت إليه الأمم بالتقدم العلمي، وهي أمور مهمّة لا معنى لتأخر أمّة عنها، فكون أحدٍ حصناً إنّما يستتبع دفع المضار لا جلب المنافع والتقدّم إلى إيجادها.
إلاّ أنّه توهّم ضعيف، وذلك أنّ الإسلام قد أوجب على المسلمين أن يكونوا في جميع جهات القوة والإمكانات الإنسانية وغير الإنسانية أعلى وأقدم من جميع آحاد الناس، فقد قال الله تبارك وتعالى خطاباً للمسلمين ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾[6] فأمرهم بإعداد ما استطاعوا من قوة بمرتبةٍ يرهبون جميع أعداءهم حتّى من لا يعلمون فعلاً أنّهم أعداء ولكنّ الله يعلم كونهم أعداءً لهم، فالآية تدلّ بوضوح على وجوب أن يكون المسلمون من حيث القوّة والإمكانات بمرتبة يرهبون أعداء الإسلام، وهذه القوة كما أشرنا إليه ليست مجرّد القوى الإنسانية بل كلّ ما له تأثير في إزدياد القدرة وصيرورة المسلمين ووصولهم بمرتبة إرهاب الأعداء ومن الواضح أنّ هذه القدرة الواسعة القوية لا تحصل إذا كان شيء من أمور المسلمين ضعف وتأخر عن سائر الأمم، فلا تحصل إلاّ إذا كان المسلمون أقدم بمراتب عن سائر الناس في جميع الجهات من أمر معايشهم ودينهم، فلا بدّ لحصولها من أن تكون بلادهم أقدم من جميع الجهات من بلاد سائر الأمم، وأن تكون منابعهم المالية الطبيعية والصناعية أقدم من منابع غيرهم، وأن تكون أسلحتهم أقدم وأقوى من جميع الأمم، وأن تكون إدارتهم الخدماتية أكثر وأحسن من غيرهم، وإلاّ فإن كان في بعض هذه الجهات ضعف أو مساواة لغيرهم من الأمم غير المسلمة لما تحقق إرهاب الأعداء، وهو المطلوب الأكيد والغاية الأصلية من هذا الأمر والإيجاب، فإذا وقع ضعف من إحدى هذه الجهات فهو ضرر يجب على من كان حصن الإسلام والمسلمين أن يدفعه ويمنع عن تحقّقه ووروده، فهذا التكليف الأكيد القويّ يقتضي أن يكون الحصن للإسلام مراقباً لأن لا يرد ـ بسبب عدم رعايته ـ ضرر على الإسلام والمسلمين، فكون أحدٍ حصناً إذا قام بمقتضاه يقتضي ثبوت الولاية له شرعاً على جميع ما إلى وليّ الأمر وعليه رعايته والقيام به، وهو المطلوب.
فقد تبين ممّا ذكرنا أيضاً أنّ ثبوت الولاية لمن هو حصن الإسلام إنّما هو إذا قام بالعمل بما يقتضيه كونه حصناً، وأنّ وجوب قيامه به إنّما هو إذا لم يقم به أحد ولم يتكفّل الأمر أحد قبله، فإذا قام به غيره وتولّى إدارة أمر الأمّة وبلاد الإسلام فغيره من الفقهاء ـ مع فرض أنّه حصن ـ لا يجب عليه القيام به لعدم موضوع لقيامه وانتفاء الموضوع بقيام من قام بالأمر قبله، بل حيث إنّ من تولى الأمر فإنّ تولّيه يقتضي إصدار أوامر لازمة الإتباع لكل أحد، فهذا الفقيه الّذي لم يقدم نفسه على إدارة أمر الأمّة لابد له وأن يقع تحت ولاية أمر ذاك المتقدم في ما إذا احتيج إليه أو أمره الوليّ المتقدّم به، وهو واضح.
وحينئذٍ فربما ينقدح في الذهن أنّه إذا أراد فقيهان واجدان للشرائط أو أكثر لتولّي أمر الأمة ولم يضع واحدٌ إدارة أمرهم إلى الآخرين وكان الكلّ متساويين في وجدان الشرائط فأيّهم لابد وأن يتقدّم على آخرين؟
وجواب هذا السؤال أنّه بعد ما لا يستفاد من الحديث أزيد من أنّ كلّ فقيه فهو حصن الإسلام وكونه حصناً يقتضي ثبوت حقّ له بل إنّما يقتضي وجوب وظيفة عليه، فإذا تشاحّ اثنان أو أكثر في تولّي الأمور فلعلّ حلّ المشكلة يكون بالرجوع إلى القرعة، وذلك أنّ عدة من أخبارها تدلّ على أنّها سنّة حتّى في ما إذا لم يكن هنا واقع معين مجهول.
ففي صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلٍ قال: أوّل مملوكٍ أملكه فهو حرّ، فورث ثلاثة؟ قال: يقرع بينهم، فمن أصابه القرعة أعتق. قال: والقرعة سنّة[7].
وفي أخبار القرعة روايات متعدّدة أخر متوافقة المضمون مع الصحيحة[8]. ففي مورد الصحيحة لم يكن لمن نوى أن يعيقه واقعٌ معيّن، وأمر الإمام (عليه السلام) لتعيينه بالرجوع إلى القرعة. وأفاد بعده قوله: «القرعة سنّة» فتدلّ الصحيحة على مشروعية القرعة حتّى في ما لم يكن هنا واقعٌ معيّن. وتمام الكلام يأتي في مبحث القرعة.
ثُمّ إن الكليني في كتاب الجنائز من الكافي قد روى عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب قال: سمعت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء الّتي كان يصعد أعماله فيها، وثلم ثلمة في الإسلام لا يسدّها شيء، لأن المؤمنين حصون الإسلام كحصون سور المدينة لها[9].
وروى مثله الصدوق في باب النوادر من علل الشرائع عن محمّد بن الحسن عن الصفّار عن العباس بن معروف عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب عن أبي الحسن (عليه السلام)[10].
كما روى مثله الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمّد ومحمد بن الحسين جميعاً عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب عن الإمام أبي الحسن موسى (عليه السلام)[11].
فحيث إنّ متن الحديث في كلا النقلين واحد والسند فيهما معتبر ينتهي إلى ابن محبوب وهو نقله عن ابن أبي حمزة تارةً وعن عليّ بن رئاب أخرى فيعلم من جميع ذلك أنّ الحديث رواية واحدة عن معصوم واحد، رواه عليّ بن أبي حمزة في ذيله بقوله: «لأنّ المؤمنين الفقهاء...» ورواه علي بن رئاب بقوله: «لأنّ المؤمنين حصون الإسلام» فقد وقع التعارض بينهما في ذكر قيد «الفقهاء» والاستدلال لإثبات الولاية للفقهاء مبتنٍ على وجود القيد، وبعد التعارض بين النقلين في ذكره لا تقوم حجّة معتبرة عليه، لأنّ التعارض المزبور يوجب التساقط.
أقول: ولا يخفى على المتأمل أن التعارض المذكور ليس تعارضاً بين معنيين متقابلين بل بين الأعم والأخص المطلقين، فنقل ابن أبي حمزة خاصّ بفقهاء المؤمنين، ونقل ابن رئاب عامّ لجميع المؤمنين، ولا محالة تكون نتيجة هذا التعارض أنّ القدر المتيقن ثبوت عنوان حصن الإسلام للفقهاء من المؤمنين ويشكّ في ثبوته لسائر المؤمنين، فدلالة الحديث على أنّ الفقهاء حصون الإسلام ثابتة قد قام عليه الطريق المعتبر بلا إشكال.
مضافاً: إلى دوران الأمر بين زيادة وصف الفقهاء وحذفه وقد قالوا: إن احتمال الزيادة غير معتنى به بل يحكم العقلاء فيه بوقوع الحذف. وعلى أيّ حال فلا إشكال في تمامية الاستدلال بالحديث لثبوت ولاية الفقهاء.
(الرواية الثانية) ذيل الخطبة الشقشقية:
وهذه الخطبة هي الخطبة الثالثة من قسم خطب نهج البلاغة، وقد رواها الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار في كلّ منهما بسندين، ورواها الشيخ أيضاً بسند آخر في المجلس الثالث عشر من أماليه بإسناد إلى زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) عن ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه السلام)[12]. وفي ألفاظ الخطبة بين النسخ اختلاف يسير لا يضرّ بالمطلوب، ونحن نذكر لفظها عن علل الشرائع مشيرين إلى نسخة معاني الأخبار ونهج البلاغة.
قال الصدوق فيهما في أحد سنديه: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال:[13]
(أما ـ النهج) والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة أخو تيم (تقمصها أخو تيم ـ المعاني) (تقمّصها فلان ـ النهج) وأنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي (عنه ـ المعاني) السيل ولا يرقى إليّ (إليه ـ المعاني) الطير، فسدلتُ دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي (ما ـ المعاني) بين أن أصولَ بيدٍ جذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء، يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير (يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ـ النهج)، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى فيها ربّه (الله ـ المعاني).
فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجاً أرى تراثي نهباً. حتّى إذا مضى (الأوّل ـ المعاني والنهج) لسبيله فأدلى بها (عقدها ـ المعاني) لأخي عديّ بعده (إلى فلان بعده، ثُمّ تمثل بقول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر ـ النهج).
فيا عجباًَ! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (لشدّ ما تشطّر ضرعيها ـ النهج) فصيّرها في حوزة خشناء يخشن مسّها ويغلظ كلمها (يغلظ كلمها ويخشن مسّها ـ النهج) ويكثر العثار فيها والاعتذار منها (العثار والاعتذار منها ـ المعاني) فصاحبها كراكب الصعبة، إن عنف بها حرن، وإن أسلس بها غسق (إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم ـ النهج) فمني الناس بتلونٍ واعتراضٍ وبلوى وهو مع هنٍ وهنٍ (مع هنٍ وهنّى ـ المعاني). فمُني الناس لعمر الله بخبطٍ وشماسٍ وتلونٍ واعتراض ـ النهج).
فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني منهم (أحدهم ـ النهج) فيالله (لهم ـ المعاني) وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه (بهذه ـ المعاني) النظائر؟!! (لكنّي أسففت إذا أسفوا وطرت إذا طاروا ـ النهج) فمال رجلّ لضغنه (بضغنه ــ المعاني) وأصغى آخر لصهره (فصغا رجلٌ منه لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هَنٍ وهَنٍ ـ النهج) وقام (إلى أن قام ـ النهج) ثالث القوم نافجاً حضنيه (حضينه ـ المعاني) بين نثيله ومعتلفه, وقام معه بنو أبيه (أمية ـ المعاني) يخضمون (يهضمون ـ المعاني) مال الله خضم الإبل نبت الربيع (خضمة الإبل نبتة الربيع ـ النهج) (هضم الإبل نبتة الربيع ـ المعاني) حتّى أجهز عليه عمله (إلى أن انتكث عليه قتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته ـ النهج) وكبت به مطيته (ليس في المعاني).
فما راعني إلاّ والناس إليّ كعرف الضبع (كعرف الضبع إليّ ـ النهج) قد انثالوا عليّ (ينتالون عليَّ ـ النهج) من كلّ جانب، حتّى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي (عطافي ـ المعاني) (مجتمعين حولي كربيضة الغنم ـ النهج) حتّى إذا نهضت (فلما نهضت ـ النهج) بالأمر نكثت طائفة وفسقت أخرى ومرق آخرون (... ومرقت أخرى وقسط آخرون ـ النهج) كأنّهم لم يسمعوا الله (قول الله ـ المعاني) تبارك وتعالى يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[14] بلى والله لقد سمعوها ووعوها، لكنّهم (... لقد سمعوا ولكن ـ المعاني) احلولت (حليت ـ النهج) الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.
أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقرّوا (لا يقاروا ـ النهج) على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز.
هذا، وقد رواها الشيخ في أماليه باختلافٍ في ألفاظها (بما لا يوجب تغييراً في أصل المراد، وجملاتها الأخيرة هكذا: أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الناصر ولزوم الحجة (حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ـ كما في النهج وبعض نسخ المعاني) وما أخذ الله من أولياء الأمر من أن لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة (حبقة ـ كما في بعض نسخ المعاني) عنـز.
وقريب ما رواه المفيد مرسلاً في الإرشاد قائلاً: «وروى جماعة من أهل النقل بطرق مختلفة»[15].
وهو كما ترى لا يختلف مع النسخ الثلاث في خصوصيات المفاد إلاّ في تغير لفظه «العلماء» بعبارة «أولياء الأمر» وهو مع ضعف سنده هذا لا يضر بالمطلوب، وسيأتي مع ذلك الكلام فيه.
وللصدوق في كتابيه تفسيرٌ لهذا الخبر عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ننقل منه ما يتعلق بالفقرات الأخيرة، قال: وقوله «أن لا يقرّوا على كظّة ظالم» فالكِظة الامتلاء، يعني أنّهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من المال الحرام ولا يقارّوه على ظلمه.
وقوله «ولا سغب مظلوم» فالسغب الجوع، ومعناه منعه من الحق الواجب له.
وقوله: «لألقيت حبلها على غاربها» هذا مثل، تقول العرب: ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء.
ومعنى قوله «ولسقيت آخرها بكأس أولها» أي لتركتهم في ضلالتهم وعماهم.
وقوله «أزهد عندي» فالزهيد القليل.
وقوله «من حبقة عنـز» فالحبقة ما يخرج من دبر العنـز من الريح والعفطة ما تخرج من أنفها[16].
فبعد ملاحظة متن كلامه (عليه السلام) فالبحث تارة عن سنده وأخرى عن مدلوله.
أما سنده فأبو الفتح هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار مجهول إلاّ أن يكتفي في ثبوت وثاقة بمجرّد كونه شيخ حديث الشيخ في عدّة من أخبار الأمالي كثيرة. وأبو القاسم إسماعيل بن علي بن علي بن رزين الخزاعي ابن أبي دعبل الخزاعي (أخي دعبل ـ خ ل) كان بواسط مقامه وليّ الحسبة بها وكان مختلط الأمر في الحديث يعرف وينكر، كما عن النجاشي والفهرست. وعن ابن الغضائري أنّه كان كذّاباً لا يلتفت إلى ما رواه عن أبيه ولا عن غيره. وعليّ بن عليّ بن رزين أبو الحسن أخو دعبل بن عليّ مجهول، ما عرفت حديثه إلاّ من قِبل ابنه إسماعيل كما عن النجاشي وأخوه دعبل بن علي الشاعر المشهور في أصحابنا كما عن النجاشي. وعن العلامة في الخلاصة: حاله مشهور في الإيمان وعلوّ المنـزلة عظيم الشأن. ومحمد ابن سلامة الشامي مجهول جدّاً غير مذكور في كتب الرجال. نعم هو رواه عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) عن ابن عباس[17].
فهؤلاء جميع رواة الشيخ في أماليه في هذه الخطبة، وكما رأيت فبينهم عدّة مجاهيل بل قيل في بعضهم باختلاط أمره في الحديث أو كونه كاذباً فهذا السند ساقط بالنهاية عن الاعتبار.
وأما سند العلل ومعاني الأخبار فما نقلنا رجاله ـ وهو أحد سنديه ـ فجميعهم ثقات إلى عكرمة مولى ابن عباس، وعن العلامة في الخلاصة: عكرمة مولى ابن عباس ليس على طريقتنا ولا من أصحابنا. وفي رجال الكشي: حدّثنا محمّد ابن مسعود قال: حدثني ابن ازداد بن المغيرة قال: حدثني الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته. قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): بما ذا كان ينفعه؟ قال: كان يلقنه ما أنتم عليه، فلم يدركه ولم ينفعه. قال الكشي: وهذا نحو ما يروى «لو اتخذت خليلاً لاتخذت فلانا خليلاً» لم يوجب لعكرمة مدحاً بل أوجب ضدّه[18].
أقول: ولعلّ استفادة إيجاب ضدّ المدح من الشرطية بلحاظ أنّه (عليه السلام) يريد تلقين الولاية له فلم يدركه ولم ينفعه، فمات بغير الاعتقاد بالولاية، وهو ذم له، ولعلّه لذلك قال في الخلاصة: ليس على طريقتنا ولا من أصحابنا.
إلاّ أنّه مع ذلك فلا يبعد استفادة مدح له من هذه الجملة إذا انضمت إليه قرائن أخر، وذلك أنّه قد روى في الكافي في باب تلقين الميت عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنّا عنده وعند حمران إذ دخل عليه مولى له فقال: جعلت فداك هذا عكرمة في الموت ـ وكان يرى رأي الخوارج وكان منقطعاً إلى أبي جعفر (عليه السلام) ـ فقال أبو جعفر (عليه السلام): انظروني حتى أرجع إليكم، فقلنا: نعم. فما لبث أن رجع فقال: أما أني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلّمته كلمات ينتفع بها، ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها، قلت: جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال: هو والله ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا أله إلاّ الله والولاية[19].
وروى أيضاً فيه بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا أدركت الرجل عند النـزع فلقّنه كلمات الفرج «لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، سبحان ربّ السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين» قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته. فقيل لأبي عبد الله (عليه السلام): بماذا كان ينفعه؟ قال: يلقّنه ما أنتم عليه[20].
فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام) بأنّي لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته، وبيّن انتفاعه بأنّه كان يلقّنه ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا لا يكون إلاّ إذا كان تقلين ولايتهم على عكرمة موجباًَ لقبوله لها واعترافه بها، ونفس كون عكرمة بهذه الخصوصية النفسية دليل على سلامة نفسه، ويشهد أيضاً لهذا المعنى ما ذكر فيه أبو بصير من أنّه كان منقطعاً إلى أبي جعفر (عليه السلام)، فانقطاعه عن سائر الناس في الأمور الدينية وحصر توجّهه إلى خصوص الإمام (عليه السلام) لا يكون إلاّ عن اعتقادٍ أصيل معنوي إليه، وهو لا يجتمع مع الكذب عليه أو على جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام).
نعم، ربما يجئ في الذهن أنّ أبا بصير ذكر فيه أيضاً بأنه كان يرى رأي الخوراج، ومن الواضح أنّ الخوارج كانوا من أبغى البغاة على وليّ الله أمير المؤمنين، حتّى أنّه (عليه السلام) قتلهم في حرب النهروان، وكانوا يعادونه أشد العداوة إلاّ أنّ هذه الشبهة مندفعة بأنّها مبتنية على انحصاره الخوارج في خصوص هؤلاء البغاة ومن يرى رأيهم، وإلاّ فإن كان هنا طائفة أخرى يعتقدون عقيدة غير ما يراه المسلمون عامة وعبر عنهم بالخوارج بملاحظة خروجهم عن رأي عامة المسلمين فلا دلالة لهذا الانتساب أيضاً على الخلاف، ومن التتبع في كلمات العلماء يظهر أن الأمر كذلك.
فقد نقل صاحب قاموس الرجال عن معارف ابن قتيبة أن عكرمة كان يرى رأي الخوارج، وأوثقه علي بن عبد الله بن عباس على باب كنيف، فقيل له: أتفعلون هذا بمولاكم؟! فقال: إنّ هذا كان يكذب على أبي.
ونقل أيضاً فيه عن ذيل الطبري أنّ عكرمة كان يرى رأي الصفرية من الخوارج، ونحل ذلك الرأي إلى ابن عباس، وكان ذلك كذبه على ابن عباس، توفّي هو وكُثير عزّة في يوم، فما حمل جنازتهما إلاّ الزنج، وعجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما، عكرمة يظنّ به أنّه يرى رأي الخوارج ويكفر بالنظرة، وكُثير شيعي يؤمن بالرجعة.
قال صاحب قاموس الرجال بعد هذين النقلين: والتحقيق أنّ عكرمة كان يرى رأي الخوارج في تكفير أهل السنة فقط لا تكفيرهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)، والشاهد لذلك ما في ميزان الذهبي عن ابن المديني عن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر. وروى عن خالد ابن أبي عمران قال: كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال: وددت أنّ بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً.
قال: وكيف يصحّ أن يكون من الخوارج في جميع عقائدهم والخوارج يرون الخروج على أهل الجور حتّى بنسائهم وهو يأتيهم ويأخذ جوائزهم؟ قال الذهبي: قال أحمد بن حنبل: كان عكرمة من أعلم الناس ولكنّه كان يرى رأي الصفرية، ولم يدع موضعاً إلاّ خرج إليه، خراسان والشام واليمن ومصر وإفريقية، كان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم. ثُمّ قال: ونسبته إلى ابن عباس كونه مثله في رأي الخوارج صحيحة بهذا المعنى الّذي ذكرناه، وذلك أنّه لا ريب في أنّ ابن عباس كان قائلاً بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وربما كان لازمه تكفير الناس حيث تركوه، وإلاّ فابن عباس حاجّ الخوارج على بطلان مسلكهم حتّى رجع جمع منهم، وحارب الباقين مع أمير المؤمنين (عليه السلام).
ثُمّ قال ما حاصله: إنّ تكذيب العامّة له في ما ينقل عن ابن عباس إنّما هو لنقله عنه بطلان المسح بالخفّين ولنقله عن أنّ الحلف بالطلاق بمثل «إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق» لا أثر له بل هو من خطوات الشيطان، وحيث إنّ مثل هذه الآراء على خلاف مذهب العامّة فلذلك كذّبوه[21].
فمن جميع هذا الّذي ذكرناه ونقلناه تعرف صحة ما استظهرناه من استفادة مدحه من كلام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، وأنه كان معتدلاً صحيح المشي قابلاً للاعتماد في نقله، فيكون ثقة يصح الاستناد إلى روايته، وتكون الخطبة معتبرة السند بهذا الإسناد المذكور لها في العلل والمعاني. نعم في إسنادها الآخر: أبو عبد الله أحمد ابن عمار بن خالد، وعلي بن حذيفة، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، والأوّلان غير مذكورين في كتب الرجال فيكونان مجهولي الحال، والثالث مذكور إلاّ أنّه لم يوثق إلاّ أنّ عدم اعتبار هذا الإسناد غير مضر بعد اعتبار الإسناد الأول. فسند الخطبة معتبر.
وأما دلالتها فقد أنشأها (عليه السلام) بعد ما ذكرت الخلافة عنده، والخلافة هي تولّي أمور الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (عليه السلام) قد نصّ من أوّلها على أنّ ولاية أمر المسلمين كانت حقّاً منحصراً له قد نهبها الآخرون، وأوضح بعض الخلافات الّتي ارتكبوها إلى أن انتهى الأمر إلى انثيال الناس عليه يبايعونه لولاية الأمر، وبعد البيعة أيضاً قد نقضها جمع مريدون للدنيا وزينتها. فمورد الخطبة وموضوعها تولّي أمر الأمّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو موضوع كلامنا أيضا في خصوص زمن الغيبة.
فبعد ذلك كلّه أفاد في آخر الخطبة بكلمات في مقام بيان سرّ قبوله لتولّي أمور المسلمين، تدلّ هذه الكلمات على أن تولّيها وظيفة منجزة إلهية على العلماء إذا تحقّق شرائط تنجّزها.
وبيان ذلك: أنّه (عليه السلام) قد جعل أصل الدليل والمنشأ لنهوضه بقبول هذا المنصب هو العهد الّذي أخذه من العلماء أن لا يقرّوا مقرّهم ولا يسكنوا أصلاً في قبال الظلم الشديد الّذي يأتي به من له قدرة ويأخذ حقوق الناس المظلومين حتّى تمتلئ بطنهم أكثر ما يتصوّر اتّباعاً لأهوائهم الفاسدة غير المحدودة، ولا في قبال محرومية ذوي الحقوق عند الله من الناس بحدٍّ لا يجدون ما يعيش به أوفى العيش فيقعون في حالة انكسار شديد، فحيث إنّ هذه الوظيفة الوجوبية الإسلامية لا تتحقّق ولا تمتثل إلاّ بتولي أمر الأمّة فلا محالة على العلماء أن يقوموا بتولّيه إذا كان شرط القيام به موجوداً وصار الواجب بوجود الشرط تنجّزه منجزاً. وقد صرّح بذاك الشرط اللازم وبتحقّقه بقوله (عليه السلام): «لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر» فتدلّ هذه الفقرات على كلا الأمرين على أنّ تنجّز هذا التكليف متوقّف على كون الأمّة حاضراً وناصراً لمن عليه هذه الوظيفة الدينية، بداهة أنّه إذا لم يحضر الناس ولم ينصروا من عليه تولّي أمورهم لما أمكن له تولّيها، فالناس وإن وجب عليهم الحضور ونصرته إلاّ أنهم إذا عصوا الله ولم يمتثلوا أمرهم بالحضور والنصرة لما أمكن تحقق تلك الوظيفة ولم تبلغ مرحلة التنجّز وقيام الحجّة ودلّت أيضاً على أنّ هذا الشرط أيضاً قد حصل فإنه مفاد لفظه «لولا».
فحاصل المفاد: أن القيام بتولي أمر الأمة وظيفة على العلماء إذا تحقق شرط تنجزه ـ أعني وجود الناصر وحضور الناس ـ وبما أنّ العلماء مفاده العالمون بأحكام الدين في جميع ما جعله الله تكليفاً على ولي أمر الناس ولا قرينة أصلاً على اختصاص المراد منه بجمع خاص منهم مثل المعصومين (عليهم السَّلام) فتدلّ هذه الفقرات من كلامه على ثبوت هذه الوظيفة على جميع علماء المسلمين بشرط أن تجتمع فيهم سائر الصفات التي أوجبها الله وجودها في وليّ الأمر، كما قد مضت.
فإن قلت: إن ظهور العام في ما ذكر وإن كان ثابتاً إلاّ أنّ الأخذ به غير صحيح ولا ممكن، وذلك أن مقتضى الأخذ به أن يكون جميع العلماء غير المعصومين في عرض الأئمة الهداة المعصومين (عليهم السَّلام)، وأن لا تختص ولاية أمر الأمة بهم، وهو خلاف مقتضى المذهب، وخلاف الأدلة الكثيرة المتواترة الدالّة على أن ولاية أمر الأمة مختصّة بهم كلٌّ في زمنهم.
قلت: إن نفس هذه الكلمات وإن اقتضت التساوي المذكور إلاّ أنّ تلك الأدلة المشار إليها لدلالتها القطعية على أنّ هذه الوظيفة متعيّنة في المعصومين إذا أمكن لهم القيام بها توجب التصرف في ظهور هذه الفقرات، وأنّ هذا الاستواء، لا يراد إذا أمكن قيام المعصومين بتولّي أمر الأمة. وأمّا مع عدم إمكان قيامه به كما في زمن الغيبة فلا دليل على رفع اليد عن مقتضى العموم، بل من التأمل في مفاد هذه الفقرات المباركات يستفاد أنه إذا كان الإمام المعصوم حاضراً ومنعه الظلمة عن القيام بهذه الوظيفة وكان في بعض أقطار الأرض عالم واجد للشرائط اللازمة أمكن له القيام بالوظيفة في ذلك القطر فليس له السكون في سكنه وعدم القيام بتولي أمر من بذلك القطر جائزاً، فالملاك لجواز قيام العالم غير المعصوم بل وجوب قيامه هو عدم إمكان قيام المعصوم به، سواء في ذلك زمان الغيبة والحضور.
ثم إنه يستفاد من هذه الفقرات بوضوح أن سر وجوب القيام بتولّي أمر الأمة إنّما هو ذاك العهد الإلهي والوظيفة الدينية، وأن حضور الناس لا قيمة له إلاّ تنجز هذا التكليف على من هو مكلف به، فالعلماء مكلّفون بهذه الوظيفة، والناس مكلفون بنصرته، لا أن الناس يعطون ولاية الأمر للعلماء بل الله تعالى آتاهم الولاية، والعلماء والناس مكلفون كلٌٌّ بحسبه بأن يحقّقوا هذا المطلوب الإلهي، فلا دلالة للحديث على ثبوت قيمة لانتخاب الناس، بل يدلّ بوضوح على خلافه.
إلاّ أنه مع ذلك فلا ريب في عظم وأهمّية الناس في تحقق هذا المطلوب الأساسي الإلهي، فالله تبارك وتعالى قد جعل منصب أمر الأمة لولي الأمر، وهذا المنصب في الوقت الذي يوجب اختيارات وحقوقاً مهمّة لوليّ الأمر يوجب عليه تكليفاً شرعياً عظيماً في القيام بموجبه وإعمال الوظائف الكثيرة العظيمة المتعلقة به. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أوجب الله على الأمة الإسلامية أن يبايعوا وليّ الأمر وينصروه ويكونوا حاضرين للائتمار بأمره ليتحقّق ذلك الهدف الإلهي العظيم من توليه أمر المسلمين، ولعظم أمر ولاية أمر الأمة والإمامية عليهم اقتضى نـزول قوله تعالى عقيب نصب أمير المؤمنين يوم الغدير بولاية أمر الأمة بعد الرسول (صلّى اللهُ علَيهِ وآلهِ وَسلّم)، حيث نـزل ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[22] فانتخاب الأمة وإن لم يكن له دخل في ثبوت ولاية أمر أولياء الأمر بل يجب عليهم التبعية لهم إلاّ أنه لا ريب في أن حضورهم وإعلام أنهم تابعون لولي الأمر له دخل مهم وأساسي. ومن الواضح أن الأمة الإسلامية إذا كانوا مؤمنين معتقدين قلباً فهم بمنتهى رضاهم يقومون مقام امتثال هذه الوظيفة الأصلية، ولذلك كانت الولاية والحكومة الإسلامية حكومة دينية إنسانية جداً، والحمد لله رب العالمين.
ثم إنه لا بأس بالتذكر لنكتة هي أن استدلاله (عَليهِ السَّلام) بوجوب قيامه بتولي أمر الأمة إذا أخذ بمفاد العبارات التي ذكرها في الاستدلال يرجع إلى أنّ رفع ظلم الظالمين وإحقاق حقّ المظلومين يوجبان القيام بتولي الأمر، وهذه الجهة هي المأخوذة في بياننا الماضي لهذا الاستدلال, لكنّها كما ترى غير خالية عن إعمال تعبّد، وذلك أن لقائل أن يقول: إن الهدف المزبور لا يتوقف على تولّي أمر الأمة وإنما يتوقف على القيام مقام دفع الظلم وردّ حق المظلوم إليه وإن لم يلاحظ الأمور والوظائف الوسيعة الأخر التي تثبت لوليّ الأمر. إلاّ أن هذه الشبهة مندفعة بأنّ الإمام (عَليهِ السَّلام) نصّ ـ وإن كان بتعبد ـ على أن هذا الهدف يوجب شرعاً على العلماء أن يقوموا بتأسيس ولاية إلهية ويتولّوا إدارة أمر الأمة، وبعد تنصيصه عليه فلا ينبغي الريب في لزوم الأخذ به وكونه حجّة معتبرة له.
لكنّه يمكن أن يقال: إنه لا يريد خصوص مفاد الكلمات المذكورة بل المراد الأصيل من كِظّة الظالم وسغب المظلوم هو تعدي الناس من الحدود الشرعية التي جعل الله على الناس رعايتها، فيتعدى أحد بقدر هواه الذي لا نهاية له، والكظّ كناية عنه، ويصير من لا يتعدّى الحدود ولا قدرة له في أدنى مراتب المظلومية، والسغب إشارة إليه، فالمتعدي يأخذ حقوق الآخرين في أموالهم وأعراضهم ويجعل الوظائف الواجبة كالحضور للجهاد الابتدائي والدفاعي متوجّهة في مقام العمل إلى هؤلاء ويمنعهم عن الوصول إلى ما أباحه الله لهم، وربما ظلموهم بالتجاوزات المحرّمة على نواميسهم وظلموا الفقراء وسائر الأصناف بعدم أداء حق الزكاة والخمس لكي تتحقق الأهداف المطلوبة من إيجابها، وهي كما تعرف كثيرة بأخذها وصرفها بيد وليّ الأمر في مصارفها الشرعية حياة الدين الحنيف وإحياء ذوي الحاجات وإيجاد كلّ إدارة تحتاج إليه الأمة الإسلامية.
وبالجملة: فالظلم والمظلومية وبلوغ كل منهما بمرتبة الشدة أريد منهما هذا المعنى العام، ومن المعلوم بالبداهة أن دفع الظلم ورفعه والمنع عن وقوع المظلومية بهذا المعنى الوسيع لا يمكن أن يتحقق إلاّ بتأسيس دولة إلهية وهو وظيفة العلماء الذين أخذ الله عليهم أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم.
وهذا البيان الأخير هو الأظهر، بل الظاهر من كلامه المبارك وإن كان البيان الأول أيضاً تام الدلالة على ما عرفت.
ثم إنّ هذا كلّه بناءً على نسخة نهج البلاغة التي قد مرّ قيام دليل معتبر من رواية الصدوق في العلل ومعاني الأخبار على اعتبارها. وأما بناءً على نسخة أمالي الشيخ وإرشاد المفيد التي نقلا عبارة الإمام (عَليهِ السَّلام) وهكذا: «وما أخذ الله من أولياء الأمر من أن لا يقاروّا على كظة ظالم وسغب مظلوم» فقد جعل مكان «على العلماء» عبارة «من أولياء الأمر» والظاهر أن المراد به أن الله تعالى أخذ على أولياء الأمر أن لا يقاروا قبال تلك الخلافات الكثيرة، فمن اخذ الله منهم العهد وأوجب عليهم عدم القرار هم أولياء أمر الأمة، فإذا صار أحدٌ ولي الأمر وجب عليه القيام بهذه الوظائف وأما أن ولاية الأمر بم تتحقّق ولمن تتحقّق فليس في الكلام أيه إشارة إليه ولا دلالة فيه، وعلى أن هذه الوظيفة واجبة على العلماء كي يجب عليهم القيام بأدائها بتأسيس دولة إلهية إسلامية.
لكنكّ عرفت ضعف سند الأمالي بجهالة جمع ممّن وقع في سنده، كما عرفت إرسال سند الإرشاد، ومجرد قوله برواية أهل النقل لهذه الخطبة بطرق مختلفة لا يدل على اعتبار هذه الطرق ولا على ثبوت هذه الكلمة في جميعها، فمقتضى القواعد أنّ ما نقله الصدوق ونهج البلاغة معتبر وحجّة شرعاًَ ويصح الاعتماد عليه.
ــــــــــــــــــــــ
[1] الكافي: ج1 ص 38 الحديث 3.
[2] رجال الكشي: ص 445 الحديث 834.
[3] رجال الكشي: ص 493 الحديث 946.
[4] العدّة: ج1 ص 150.
[5] العدّة: ج1 ص 154.
[6] الأنفال: 60.
[7] الوسائل: الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ج 18 ص 187 الحديث 2، عن التهذيب.
[8] راجع الوسائل: الباب 13 و14 من أبواب كيفية الحكم ج 18 ص 187 ـ 197.
[9] الكافي: ج3 ص 254 الحديث 13.
[10] علل الشرائع: الباب 222 ص 462 الحديث2.
[11] قرب الإسناد: ص 303 الحديث 1190 طبعة آل البيت (عليهم السلام).
[12] نهج البلاغة (صبحي صالح): ص 48، علل الشرائع: الباب 122 ص 150 الحديث 12، أمالي الطوسي: المجلس 13 ص 372 الحديث54، وراجع معاني الأخبار: ص 360.
[13] هذه الجملة غير مذكورة في نهج البلاغة بل فيها ما لفظه: «ومن خطبة له (عليه السلام) وهي المعروفة بالشقشقية، وتشمل على الشكوى من أمر الخلافة، ثُمّ ترجيح صبره عنها، ثُمّ مبايعة الناس له».
[14] القصص: 83.
[15] الإرشاد: ج1 ص 287.
[16] علل الشرائع: ص 153، معاني الأخبار: ص 361.
[17] أمالي الطوسي: المجلس 13 ص 372 الحديث 54.
[18] رجال الكشي: ص 216 الحديث 387.
[19] الكافي: ج 3 ص 123 الحديث 5، وص 122 الحديث 3.
[20] نفس المصدر.
[21] قاموس الرجال: ج 7 ص 237.
[22] المائدة: 3.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية