حوار أجرته مجلة المعارف الشهرية مع مؤرخ الثورة الإسلامية حجة الإسلام الدكتور السيد حميد الروحاني
ـ سماحة الدكتور الروحاني, بعد الثورة وخاصة في السنوات الأخيرة، ظهرت مؤلفات كثيرة تتحدث عن دور الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة في قيام الثورة الإسلامية وانتصارها؛ لذا نود أن تبينوا لنا ما هو حجم الدور الذي لعبته التيارات والمجموعات المختلفة في انتصار هذه النهضة، سواء كانت تيارات سياسية أو مسلحة أو فكرية، أو يسارية أو ليبرالية؟ وهل يمكن اعتبارها عاملاً مؤثراً وأساسياً في انتصار النهضة الإسلامية؟
* إذا ما حاولتم دراسة الأوضاع السياسية التي كانت سائدة في البلاد، وقمتم بتحليل دور المجموعات المسلحة ونشاطها آنذاك، لوجدتم أن دورها جميعاً قد انتهى تقريباً منذ العام (1355هـ.ش)، فهي إما تعرضت للهزيمة بشكل كامل وتلاشى دورها أو تعرضت لانشقاقات متعددة، لأن بعضها أدرك عدم فائدة الكفاح المسلح في هذه الفترة، مما جعلها توقف نشاطها المسلح، وبعضها الآخر بقي على تشدده وإصراره على العمل المسلح، مما أفرز صراعاً بين مجموعاتها وتياراتها، إذن، دور هذه الأحزاب والمجموعات السياسية؛ قد تلاشى منذ عام (1355)، بعد أن تعرض بعض أفرادها للسجن، وتوقف البعض الآخر عن نشاطه المسلح، وبالتالي لا يمكن التحدث عن دورهم في انتصار الثورة الإسلامية.
بالطبع، لو شاركت هذه الأحزاب والمجموعات المسلحة مع الإمام والشعب في النهضة الإسلامية، لحصلت على دورها ومكانتها في هذه النهضة العظيمة؛ لكنهم فشلوا في الحصول على مثل هذا الدور بسبب سعيهم المحموم لتحقيق أهدافهم ومصالحهم السياسية.
ولعلكم تتذكرون تلك الأيام الأولى من عمر الثورة الإسلامية، حيث أن التظاهرات الحاشدة التي كانت تملأ الشوارع بأمواج متلاطمة من المتظاهرين، لكن ما أن يرفع أحد صور قادة الحركات السياسية آنذاك، فوراً تشاهدون رد فعل الناس الغاضبة فيعمدوا إلى إنزالها وتمزيقها؛ أو اعتراضهم الشديد عندما يرون لافتة كتب عليها مثلاً شعارات تعود لمنظمة (مجاهدي خلق).
فالحقيقة أن هذه التنظيمات لا فقط لم تمتلك قاعدة شعبية قوية؛ بل كانت مرفوضة من قبل الناس، خاصة بعد التغيير الأيدلوجي الذي حدث في (منظمة منافقي خلق) عام(1354م)، حيث أدى إلى القضاء عليها تماماً.
إضافة إلى ذلك، كانت هذه التنظيمات والأحزاب السياسية، تتميز بعدة صفات:
1ـ كانت تعتقد أن أمريكا قوة عظمى، لا يمكن معارضتها أو مواجهتها، وبالتالي ينبغي التحرك بما يتلائم مع سياستها، ولم يكن هذا الموقف يرتبط فقط بفترة تصاعد أحداث الثورة وشدتها، وإنما كان يعود إلى بداية نهضة الإمام سنة (1341)، فكان ذلك الاختلاف الأول بين هذه التنظيمات السياسية وحركة الثورة الأصيلة. وهذا يعني أن هذه التنظيمات لم تكن تعتقد بمواجهة أمريكا.
2ـ كانت تعتقد أن الشاه يمثل رمزاً لوحدة البلاد، فكانوا يحذرون من المساس به، أو التقليل من مكانته لأن ذلك سيؤدي إلى تجزئة إيران.
3ـ كانت ترفض دور الدين في التحولات السياسية، وبالتالي كان نضالها وصراعها يقتصر على المطالب الجزئية التي تطرحها ضمن إطار البرلمان كحرية التعبير وحرية القلم وحرية الانتخابات بينما كان الإمام (رحمه الله) يطرح مسألة إسقاط النظام الديكتاتوري والمواجهة مع أمريكا.
وبعد أن اشتدت النهضة وبلغت ذروتها في عام (1356هـ.ش)، وتحولت إلى ثورة عظيمة، ظهرت هذه التنظيمات فجأة ونزلت إلى ساحة المواجهة، بعد أن التزمت الصمت في الفترة الماضية! فأنتم إذا ما تراجعون الوثائق والبيانات الصادرة عن (نهضة آزادي)[1] تجدون أن آخر بيان صدر عن هذه المنظمة في فترة الأربعينات والخمسينات، كان يعود إلى سنة (1343)، أما الفترة التي أعقبتها حتى سنة (1356) فلم تشهد صدور أي بيان أو رد فعل عن هذه المنظمة، رغم أن هذه الفترة كانت قد شهدت الكثير من الأحداث المؤلمة وبروز المشاكل المعقدة في البلاد. وعندما أصدر النظام البهلوي قانون (كابيتولاسيون)[2]، لم يتصدى له سوى الإمام (رحمه الله) حيث أصدر بيانه التاريخي، وخطب خطبته الشهيرة آنذاك، في حين التزمت جميع التنظيمات الأخرى الصمت ولم يصدر منها أي رد فعل على هذا القانون، سواء حركة (نهضة آزادي) أو (جبهة ملي)[3]، أو أولئك الذين كانوا يرفعون شعارات المشاركة الشعبية والتأكيد على القومية، ويرددون: (لا حياة بدون إيران)! لأن هذه التنظيمات كانت ترى في رفض هذا القانون مواجهة مع أمريكا، وهم يصرحون: (نحن لا نمتلك القدرة الكافية على مثل هذه المواجهة).
أما في سنة (1356هـ.ش) عندما اشتدت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الراحل (رحمه الله) وبلغت ذروتها، ظهرت هذه التنظيمات مرة أخرى ونزلت إلى ساحة المواجهة، لكن بنفس شعاراتها السابقة، أي حرية الانتخابات، وحرية الصحافة، وحرية التعبير، وحرية القلم! بل رفعوا شعار (الملك للشاه وليس الحكومة)، وهنا تصدى الإمام (رحمه الله) لهم وصرح: إن أولئك الذين التزموا الصمت طيلة الفترة الماضية، وكانوا يساندون فيها الشاه، يسعون اليوم إلى تبرئة هذا النظام من خلال استغلال شعارات حرية التعبير وحرية القلم وتطبيق الدستور!
وإني أحذرهم إذا لم يعودوا إلى صف الشعب واستمروا على نهجهم السابق، سأكشفهم للشعب!
عندها اضطرت هذه التنظيمات والحركات إلى الوقوف في صف الشعب، حتى لا يسقطوا تماماً من احترام الشعب وتأييده.
وهؤلاء أيضاً حتى اللحظات الأخيرة من سقوط النظام وقرب هروب الشاه من إيران عام (1357هـ.ش)، سعوا إلى إرسال المهندس بازرگان ممثلاً عنهم للقاء الإمام (رحمه الله) في نوفل لوشاتو لإقناع الإمام بضرورة اتباع سياسة التغيير التدريجي وخطوة بخطوة! لكن عندما رفض الإمام هذا الأمر، وعاد بازرگان خائباً إلى إيران! أدرك جناح (نهضة آزادي) في الخارج برئاسة الدكتور إبراهيم يزدي وصادق قطب زادة، خطورة موقفهم واحتمال سقوطهم من اعتبار الشعب واحترامه، فاضطروا إلى إصدار بيان ينتقدون فيه موقف المهندس بازرگان من سياسة التغيير التدريجي للنظام، وأعلنوا وفاءهم وتأييدهم للإمام (رحمه الله) والثورة.
فهؤلاء لم يقبلوا من الأساس بالإمام وبما يعتقده من إسلامية الثورة، بل لم يكونوا يعتقدوا حتى بمواجهة الإمام للشاه وأمريكا! إلا أن الجو العام الذي كان سائداً في البلاد آنذاك، لم يترك لهم سوى مجاراة الشعب والتظاهر بتأييد النهضة، لكنهم في النهاية اضطروا في فترة معينة إلى إعلان مواقفهم الصريحة مما أبعدهم عن ساحة المواجهة والحكومة.
وأرى من المناسب هنا أن أنقل لكم قسماً من البيان الذي أصدره جناح (نهضة آزادي) خارج البلاد بتاريخ (9/4/1357هـ.ش) ينتقد فيه موقف المهندس بازرگان، جاء فيه: (... نحن نرفض ونعارض بشدة، أي نوع من المواجهة التي تدعو إلى التغيير التدريجي أو التغيير خطوة خطوة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تقوية النظام الشاهنشاهي وتثبيته، أو إلى انحراف النهضة عن مسيرها الأصلي، وعليه فنحن نعتقد أن رفع شعارات نظير استقرار الحكومة الوطنية، أو (الملك للشاه وليس الحكومة) في مقابل شعار تشكيل الجمهورية الإسلامية، هي شعارات خاطئة بل منحرفة..). وهذا يعني أن (نهضة آزادي) اضطرت إلى إصدار هذا البيان، حتى تحافظ على كرامتها ولا يسقط اعتبارها تماماً عند الشعب.
ـ ما هو موقف الإمام بالنسبة لهذه التيارات والتنظيمات؟ فمن جهة ينقل تاريخ الثورة أن الإمام تصدى بِحِكمة للبعض ممن حاولوا أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم باسم الثورة وشخص الإمام (رحمه الله)، وصرح بعدم وجود ناطق رسمي باسمه، مما منعهم من مصادرة اسم الإمام والثورة لتحقيق مصالحهم السياسية؛ ومن جهة أخرى لاحظنا أن الإمام (رحمه الله)، ورغم معرفته التامة بالتيارات الليبرالية، قد سمح لهم بعد انتصار الثورة بتبؤ مكانة مهمة في النظام السياسي الجديد وشغلهم مناصب مهمة في الحكومة، واستمر ذلك حتى مرحلة السيطرة على وكر التجسس الأمريكي[4] في طهران، ورئاسة بني صدر للجمهورية! وبالتالي أصبحنا نواجه مشكلة في فهم وتحليل موقف الإمام (رحمه الله) في السماح لليبراليين، بشغل مناصب حساسة في النظام الجديد؟
* للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أن استعرض لكم مسألتين؛ أحدهما أنقل لكم فيها حكاية من ذكرياتي لهذه الأحداث، والثانية أتحدث فيها عن حقيقة توصلت إليها بنفسي.
أما الحكاية فهي: في الفترة التي كنت أتشرف فيها بخدمة الإمام (رحمه الله) في نوفل لوشاتو، مرت علينا ظروف عصيبة جداً، إذ رغم معرفتنا الكاملة بالإمام واعتقادنا الراسخ به، لكن الأوضاع لم تكن تجري بالشكل الذي عبر عنه نبي الله إبراهيم (عليه السلام) ﴿ليطمئن قلبي﴾، فقد كنت قلقاً جداً على مصير الثورة لئلا تتعرض لنفس مصير الحركة الدستورية (المشروطة) ؛ لأني كنت أرى بني صدر، وقطب زادة، وإبراهيم يزدي وحاشيتهم هم من يتصدرون الأحداث.
فرغم أن الإمام صرح بعدم وجود ناطق رسمي باسمه؛ إلاّ أن هؤلاء الأفراد ظهروا في واجهة الأحداث في نوفل لوشاتو، وكانوا يجلبون أشخاصاً للقاء الإمام (رحمه الله) لم نكن نعرفهم من قبل! حتى أنهم كانوا يسمحون للشخصيات الأجنبية؛ ممن يرفعون شعارات التيارات اليمنية التي تتلائم مع أفكارهم ومصالحهم السياسية، بلقاء الإمام، في حين كانوا يرفضون لقاءه بالشخصيات والتيارات الأخرى، كما حدث مع الحزب الشيوعي الفرنسي!
فقد كان هؤلاء الأفراد يهتمون جداً بمثل هذه المسائل ويتحركون على ضوئها. فعندما كنا نرى هذه المسائل والأحداث، كنا نستشعر الخطر على مصير الثورة الإسلامية لئلا يؤول إلى ما آل إليه مصير الحركة الدستورية.
وأخيراً قررت أن أطلع الإمام على ما يدور في ذهني من قلق، فقلت له: إني أشعر أن الثورة تسير إلى مصير يشبه مصير الحركة الدستورية! فرد الإمام: لماذا؟ فنقلت له عدداً من المعلومات المهمة التي وضحتها في مقدمة كتاب (شريعتمداري في محكمة التاريخ)، فأجاب الإمام: أولاً أن هؤلاء الأفراد لا يفكرون الآن بهذا الشكل، إذ أنهم لم يكونوا في السابق معتقدين بقدرة الإسلام على تحريك الشعب بهذا الشكل؛ فاضطروا للاتجاه نحو النظريات الغربية لتحقيق مصالحهم وأهدافهم، والآن لما رأوا قدرة الإسلام على إحداث مثل هذا التأثير بالشعب، غيروا مواقفهم السابقة.
ثانياً: إذا ما أراد هؤلاء الأفراد الاستمرار بمواقفهم المنحرفة السابقة، فإن الشعب سيتصدى لهم ولن يسمح لهم بذلك أبداً؛ لأن الشعب الإيراني في هذه الفترة غير الشعب في فترة الحركة الدستورية!
أما السبب الأساسي الذي جعل الإمام يفسح المجال أمامهم لتشكيل الحكومة المؤقتة، هو أنه لم يكن يرغب أبداً في فرض رأيه الشخصي على الجميع، وكانت هذه إحدى خصال الإمام المتميزة. ويظهر ذلك جلياً في كلامه الذي جاء في رسالته إلى الشيخ المنتظري، عندما قال: والله لم أكن موافقاً على تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة المهندس بازرگان، لكني قبلت برأي أعضاء شورى الثورة.
وكذلك الحال عندما أوصى الإمام مجلس الخبراء بأنه لا يرى مصلحة في تعيين الشيخ المنتظري كخليفة لقائد الثورة؛ لكنه قبل ذلك عندما رأى إصرارهم على هذا الأمر. فالإمام كان يسعى دائماً لمنع عودة الحكومة الفردية في إيران؛ ويترك للمسؤولين وممثلي الشعب إبداء أرائهم في أمور البلاد.
كما أن الإمام (رحمه الله) ورغم ملاحظاته السلبية على شخصية الدكتور مصدق، لكنه لم يعترض على إطلاق اسمه على بعض الشوارع في إيران. وعندما عرضت عليه النسخة الأولى من كتاب (نهضة الإمام الخميني) الذي كتبته في النجف الأشرف، لم يعترض على ما جاء فيه، رغم أني في مقدمة الكتاب كنت قد وصفت الدكتور مصدق بلقب (مصدق البطل)، لأن أسلوبه (رحمه الله) في التعامل كان يسمح للأفراد أن يتوصلوا بأنفسهم إلى النتيجة الحقيقية. وبعد تحرير مدينة (خرمشهر) أوصى الإمام القادة العسكريين بعدم الدخول إلى الأراضي العراقية، إذا ما خرج صدام من الأراضي الإيرانية، وقال لهم أن الجنود العراقيين لا يمتلكون اليوم حافزاً حقيقياً للقتال، لكن عندما تدخلون الأراضي العراقية سيجدون حافزاً مضاعفاً للدفاع عن أراضيهم! لكن الإمام تراجع عن رأيه عندما رأى أن القادة العسكريين آنذاك قرروا القضاء على صدام وملاحقة جنوده داخل الأراضي العراقية.
أو عندما دخلت أول فرقاطة أمريكية المياه الإقليمية الإيرانية، أصدر الإمام أمراً بضربها، لكنه لم يفرض هذا الأمر عندما رأى أن رأي القادة العسكريين غير ذلك.
فكانت هذه نقطة مهمة سعى الإمام (رحمه الله) دائماً لتثبيتها في تعامله، وهي عدم استغلاله القدرة والسلطة لفرض رأيه على المسؤولين، لكنه بالطبع كان يتعامل بأسلوب آخر عندما كان يستشعر الخطر من عمل أو تصرف معين.
فالإمام لم يكن كالساسة العاديين الذين عادة ما يطلقون شعارات الدفاع عن الشعب وخدمتهم قبل وصولهم لمسند السلطة، لكن ما أن يتربعون عليه حتى ينسوا هذا الشعب. والإمام لم يكن موافقاً على بني صدر ولم ينتخبه، لكنه قبل به رئيساً للجمهورية احتراماً لرأي الشعب وإرادته، رغم أنه (رحمه الله) كان بإمكانه أن يؤثر على رأي الناس من خلال المقربين إليه إفهام الناس بأنه لا يؤيد بني صدر، ولا يراه أهلاً لهذا المنصب، إذ لو علم الناس أن رأي الإمام (رحمه الله) كان سلبياً تجاه بني صدر، لما انتخبوه ولما فاز في الانتخابات؛ لأن الإمام (رحمه الله) كان يحكم قلوبهم، لكنه أراد فسح المجال للناس لينتخبوا بإرادتهم.
وأثناء مراسم تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية لبني صدر، صرح الإمام بجملة فهم منها أصحاب الفكر أن الإمام يحمل نظرة سلبية نحو بني صدر، إذ قال (رحمه الله): (ليعلم السيد بني صدر أن حبّ الدنيا رأس كل خطيئة).
وبعد انتصار الثورة الإسلامية أشار الإمام في إحدى خطبه إلى الحركات الوطنية ـ الدينية، فعمد قطب زادة وكان مديراً للإذاعة والتلفزيون آنذاك، إلى حذف هذه الجملة من خطاب الإمام! ورغم أن الإمام كان بإمكانه ببساطة توبيخه أو عزله عن منصبه، لكنه اكتفى فقط بالقول اخبروا السيد قطب زادة إما أن لا يعرض خطابي أو إذا عرضه، عليه أن يعرضه كاملاً دون أن يحذف منه شيئاً! فكان هذا الأسلوب هو الأسلوب الذي اتبعه مؤسس نظام الجمهورية الإسلاميته، فكان بعيداً تماماً عن أسلوب الحكومات الديكتاتورية؛ لذا عندما أعلن أغلب أعضاء شورى الثورة تأييدهم للمهندس بازرگان، احترم الإمام (رحمه الله) رأيهم وقبل به رئيساً للحكومة المؤقتة.
ويجب أن نذعن اليوم، أن الإمام (رحمه الله) لو لم يسمح في تلك الفترة لمثل بازرگان وبني صدر بالوصول إلى السلطة، لأصبحوا اليوم أبطالاً وشخصيات وطنية بنظر الناس، ولتصوروا أنهم لو كانوا في السلطة آنذاك لتمكنوا من تحسين أوضاع إيران نحو الأفضل!
فبلا شك لو لم تحدث هذه الأمور آنذاك ولم يصل أمثال بازرگان وبني صدر للسلطة، ولم تنكشف أمام الشعب شخصياتهم وأهدافهم، لتمكنوا اليوم من الوصول إلى السلطة وعرضوا نظام الجمهورية الإسلامية للخطر والتشويه.
ـ نتطرق الآن إلى بحث المكاسب التي حققتها الثورة الإسلامية والإخفاقات التي تعرضت لها، والتي أكد عليها قائد الثورة الإسلامية كثيراً في كلامه ووصاياه. وبالطبع، هي مسألة طبيعية تحدث في جميع الثورات، إذ يمكن ملاحظة مثل هذه المكاسب والإخفاقات في الثورات الأخرى التي حدثت في مختلف دول العالم التي لا تختلف عنا في الجغرافية فحسب؛ بل تختلف عن ثورتنا في جميع المعايير والخصائص.
والسؤال هو هل أن الإخفاقات التي تعرضت لها ثورتنا الإسلامية، قد حدثت بشكل طبيعي؟ وهل أن المكاسب التي حققتها ثورتنا المباركة طيلة العقود الثلاثة من عمرها، تليق بشأن النظام، وتتلائم مع توقعات إمامنا الراحل مؤسس ثورتنا الإسلامية، ويمكن الاعتماد عليها كأساس يبعث فينا الأمل لاستمرار الثورة وتكاملها؟
* عند البحث عن الأسباب الموجبة لبعض الإخفاقات في مسيرة الثورة، ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار، أن العديد من الأفراد الذين ساندوا الثورة في البداية واتبعوا خط الإمام الراحل (رحمه الله)، لم يكن لديهم الاعتقاد الكافي والمعرفة الصحيحة بالثورة وأهدافها؛ بل اتخذوا هذا الموقف تحت تأثير الجو العام الذي كان سائداً آنذاك؛ وبالتالي فإن مثل هؤلاء الأفراد ضعيفي النفوس سيغيرون مواقفهم بسرعة عندما يتعرضون لظروف وأجواء أخرى؛ فمثلاً عندما كان الجو العام ثورياً يناهض بشدة المواقف الأمريكية، تحرك أحد الأفراد بسرعة واشترك في عملية السيطرة على وكر التجسس الأمريكي؛ لكنه عاد بعد فترة وصرح بأن هذه العملية كانت خاطئة، لأنه رأى أن الأوضاع والظروف قد تغيرت، وظن أن الوقت قد حان لإعطاء الضوء الأخضر لأمريكا كي تستعد للهجوم على إيران واحتلالها، فتضعه على رأس السلطة فيها! وهذا الموقف يدل على أن مثل هؤلاء الأفراد هم ضعفاء النفوس لم يؤمنوا بخط الإمام (رحمه الله) ولم يفهموا لغة الناس ومطالبهم، ولم يفهم الناس لغتهم ومواقفهم، وبالتالي هم مصداق بارز لمن وصفهم الإمام علي (عليه السلام) (يميلون مع كل ريح)[5].
فحال البعض في مواقفهم بالنسبة لثورتنا الإسلامية، كحال (القشة) في مهب الريح؛ فهم يتكلمون باسم الثورة ويؤيدونها متى ما شعروا أن مصالحهم تقتضي مثل هذا الموقف؛ لكنهم سريعاً ما يغيرون مواقفهم ويعودون إلى وضعهم الأول عندما يشعرون بعدم الفائدة من ذلك.
كان الإمام(رحمه الله) كثيراً ما يذيل رسائله بعبارة (أرجو من سماحتكم أن تدعوا لي بحسن العاقبة)، وفي تلك الأيام لم أكن أدرك كثيراً معنى هذه العبارة، لكني بعدها أدركت أن حسن العاقبة مسألة مهمة وصعبة جداً، إذ من الصعب جداً على الإنسان أن يحافظ على نفسه ومواقفه في كل الظروف والأوضاع دون أن يتعرض للزلل والخطأ.
فمثل طلحة والزبير وقفوا مع الإمام علي (عليه السلام) في عهد الخلفاء الثلاثة، ورفضا كل الإغراءات التي قدمت لهما من الأموال والسلطة والمناصب، واختارا البقاء مع علي (عليه السلام)؛ لكنهما في النهاية لم يتحملا هذا الموقف الصعب واهتزا من الداخل، ولم يتمكنا من الاستمرار على موقف الوفاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)؛ وهذا الأمر ينطبق على ثورتنا الإسلامية أيضاً؛ إذ أن الكثير من المعارضين للثورة، إما كانوا معارضين للثورة منذ البداية، أو عارضوا الثورة تحت تأثير بعض الأجواء والظروف، أو كانوا من البسطاء الذين يسهل خداعهم والتأثير عليهم، فالشيخ المنتظري كان من صنف الأفراد الذين تم خداعهم بسهولة فضلوا الطريق. وهكذا إذا ما أردنا أن نتحدث عن الأفراد الذين غيروا عقيدتهم ومواقفهم من الثورة، لاحتجنا إلى وقت طويل لا يسعه هذا المجال.
أما بالنسبة للمكاسب التي حققتها الثورة، فينبغي علينا أن ندرك جيداً أن هذا الموضوع يرتبط بمدى قدرتنا على إفهام الجيل الجديد بالإمام وخط الإمام، ونهج الإمام وثورة الإمام، وإذا ما تمكنا من توضيح هذه المفاهيم المرتبطة بالإمام (رحمه الله) لهذا الجيل، فحتماً سنتمكن من تطوير هذه المكاسب لخدمة المسيرة التكاملية للثورة، أما إذا اتخذنا من هذه المسألة كشعار مقطعي وظرفي فقط، فسنتعرض بلا شك لمشاكل كثيرة.
إن التجارب التي نحصل عليها من مطالعتنا لتاريخ الإسلام، تبين لنا أن منهج الإمام (رحمه الله) لا ينفصل أبداً عن منهج الإسلام؛ فرغم أن الإسلام تعرض في الجزيرة العربية للضعف والانحراف، لكننا مع ذلك ما زلنا نشاهد ثمرات هذا الدين المبين تظهر في أقصى بقاع العالم، فيدخل في الإسلام أفراد آمنوا بالإسلام ومبادئه، أكثر من بعض الأفراد الذين دافعوا عن الإسلام في صف رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهكذا الحال بالنسبة لثورتنا الإسلامية، إذ يمكن أن تتعرض في مرحلة معينة للضعف والإخفاق، لكنها سرعان ما تستعيد عافيتها وقوتها تدريجياً؛ لأنها ثورة ارتبطت بشدة بالإسلام ومبادئه، وبالتالي ستواصل نشر مبادئها ببركة الإمام (رحمه الله) في مختلف بلاد العالم، وتحافظ على مكانتها القوية في نفوس المستضعفين أينما كانوا.
ـ سماحتكم نشرتم مؤلفات كثيرة اختصت ببحث تحولات الثورة ونهضة الإمام الخميني (رحمه الله)، وكان الإمام قد أرسل لكم رسالة يطلب منكم التصدي لمثل هذه المهمة. فمن البديهي أن يحتاج إلى تربية أفراد آخرين، قادرين على النهوض بهذا العمل وتطويره؛ فهل قمتم بتربية أفراد يسيرون على نهجكم في البحث في موضوع الثورة وتحولاتها؟ وهل تشعرون بوجود قصور في هذا المجال أم لا؟ الأمر الآخر، وكما تعلمون أن درس الثورة الإسلامية والبحث في عللها وأسبابها، يعتبر من المواضيع المهمة التي ينبغي على أساتذة المعارف الإسلامية في الجامعات تدريسها وتوضيحها للطلاب؛ ونظراً لكون هؤلاء الأساتذة هم المخاطبون الأصليون من هذا الحوار، ما هي الوصايا التي ترغبون بإيصالها لهم؟
* فيما يتعلق بتعليم وتربية المحققين لتدوين وتسجيل وتحليل تاريخ الثورة، لابد أن أبين لكم أني أتحمل الآن مسؤوليتين متضادتين؛ فمن جهة أن مهمة التحقيق وتدوين التاريخ تتطلب مني الابتعاد عن المسؤوليات الأخرى والتفرغ للكتابة والتحقيق بهدوء؛ ومن جهة أخرى اضطلاعي ببعض المسؤوليات التنفيذية كجمع الأسناد والوثائق والمصادر، واستدعاء الكفاءات وتأسيس كلية التاريخ، إضافة إلى مسؤوليتي في مؤسسة التحقيقات حول تاريخ إيران المعاصر... وغيرها من المسؤوليات التنفيذية الأخرى، وبالطبع فإن هاتين المسؤولين المتضادتين لا تتلاءمان مع بعضهما البعض؛ وبالتالي فإني أحتاج حتماً إلى مساعدة الآخرين واستدعاء بعض الأفراد القادرين على مساعدتنا في هذه المهام.
لكن لما كانت مصالح البعض تقتضي أن يتولى مهمة تدوين التاريخ بعض الأفراد ممن يعجزون عن كتابة وتسجيل بعض الحقائق المهمة، أو لا يريدون الحديث عن بعض الوقائع، بل يراعون سوابقهم وتاريخهم؛ ولأنهم شعروا أننا لن نحقق لهم مطالبهم ومصالحهم، سعوا إلى وضع العراقيل أمامنا حتى نعجز عن تحقيق الرسالة التي وضعها الإمام الراحل في أعناقنا!
والواقع أننا تضررنا كثيراً من هذه المسألة؛ أي أننا لم نتمكن من تلبية طموحنا في تربية عدد من المؤرخين القادرين على تدوين تاريخ نهضة الإمام بما يتلائم مع مبادئ الإسلام، وليس بما يتلائم مع نظريات المدارس الليبرالية والماركسية أو المناهج الماسونية، لكن مع ذلك أنا سعيد وراض عن طبيعة العمل الذي تقوم به مؤسسة التحقيقات حول تاريخ إيران المعاصر، ومؤسسة تنظيم ونشر مؤلفات الإمام الخميني (رحمه الله)، واهتمامها بتحقيق هذه الرسالة بشكل يبعث الأمل والاطمئنان على الاستمرار بهذه المهمة على أكمل وجه.
أما وصيتي لأساتذة المعارف الإسلامية في الجامعات، أن يسعوا هم أولاً إلى معرفة شخصية الإمام (رحمه الله) بشكل صحيح؛ قبل أن يحاولوا تعريفها وشرحها لطلابهم؛ ويسعوا إلى معرفة صفات الإمام ونظرياته وأفكاره ومناهجه وأخلاقه التي جعلته يحمل هذه الشخصية العظيمة. فنحن نجد في تاريخنا الإسلامي الكثير من مراجع التقليد قد حملوا خصائص متميزة، إضافة إلى الفقاهة، كالفلسفة والكلام والسياسة، لكن لم يكن لأي منهم ذلك التحول والتغيير الاستثنائي الذي تركه الإمام الخميني (رحمه الله).
إنّ بحث هذه المسألة وتحليلها وتوضيحها، يحتاج إلى مطالعة دقيقة وإقامة المؤتمرات وعقد الجلسات وتبادل الآراء بشكل مستمر، لكننا للأسف لا نهتم بها كثير.
الوصية الثانية، تعريف الطلاب الجامعيين بشخصية الإمام (رحمه الله)، فنحن يجب أن لا نتوقع من الطالب أن يحب الإمام ويلتزم بنهجه بنفس المقدار الذي نحبه نحن؛ لأنه لم ير الإمام ولم يطلع على أفكاره ونظرياته العظيمة.
إذن، ينبغي أن نتأمل كثيراً في هذه المسألة، أننا إذا اكتفينا فقط بتدريس موضوع (الثورة الإسلامية وعللها) والتي تركز أكثرها على المباحث المتعلقة بالمرحلة المعاصرة من نهضة التنباك إلى ما قبل الثورة الإسلامية، فإن عملنا هذا لن يكون سوى رفعاً للتكليف أو نوعاً من التسلية واللهو!
لذا إذا ما أردنا فعلاً أن نعرّف الإمام والثورة بشكل صحيح إلى الجيل الجديد حتى نحافظ على وفائهم للثورة والإمام، علينا أن نسعى لإصلاح المناهج المتبعة في تأليف الكتب والتدريس.
الرسالة الأخرى التي ينبغي أن يتحملها المفكرون والأساتذة الملتزمون، هي تشخيص عوامل الثورة وعللها وتحليلها بدقة، وحقاً ما هي العوامل والعلل الأساسية لقيام الثورة الإسلامية؟ البعض يقول بخبث: إن التيارات الوطنية والتيارات الوطنية ـ الدينية، وغيرها من المنظمات والتنظيمات السياسية الأخرى، هي التي قادت حركة النهضة من الجامعات أولاً ثم أخذت تنتشر تدريجياً في كافة مدن البلاد، لكن هذه التيارات لم تكن تمتلك الشخص القادر على التعامل مع الشعب، مما فسح المجال لرجال الدين في مصادرة الثورة!
البعض الآخر يقول: إن الثورة تستمد جذورها من النهضة الوطنية لتأميم النفط! وآخرون يقولون أيضاً: الثورة تستمد جذورها من الحركة الدستورية! فلا ينبغي لأي شخص أن يسمح لنفسه بطرح تحليل متناقض عن الثورة الإسلامية، وهذا أيضاً يحتاج إلى مؤتمر وبحث ومناقشات علمية تخصصية، وإلاّ بدون ذلك سيتمكن العدو بلا شك من استغلال هذا الفراغ. إذن، ينبغي العمل بشكل أساسي وجدي لتشخيص العوامل الأساسية لقيام الثورة الإسلامية.
النقطة الأخرى فيما يتعلق بموضوع (عوامل) انتصار الثورة الإسلامية هي، لا ينبغي لأي شخص أن يطرح رأياً أو تحليلاً عن الثورة دون أن يمتلك الأهلية العلمية والدينية لذلك.
والأهم من جميع هذه المسائل تأتي مسألة (المنهج المتبع في تدوين التاريخ)، إذ ينبغي أولاً الإجابة على هذا السؤال: هل نمتلك منهجاً معيناً لتدوين التاريخ الإسلامي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو، وكيف يتم؟ ولماذا يتبع المحقق الإسلامي المناهج القديمة لتدوين التاريخ المتبعة في المدارس الشيوعية والليبرالية، عندما يريد مثلاً كتابة مقالة تبحث في موضوع الثورة الإسلامية ونهضة الإمام الخميني (رحمه الله) فيبدأ أولاً ببحث الأوضاع الاقتصادية في إيران؟
وهذا يعني أننا نحتاج إلى عمل جدي لتدوين تاريخ الثورة وفقاً للمنهج الإسلامي؛ وبالتالي تقع على الأساتذة والعلماء والمحققين في الجامعة والحوزة مسؤولية تغيير المنهج المتبع في تدوين تاريخ البلاد، والسعي بخطى ثابتة في هذا المجال للمحافظة على الثورة والإسلام وإيران.
ـ سماحة السيد روحاني, نظراً للفترة الطويلة التي قضيتموها قريباً من الإمام الخميني(رحمه الله)، ورعايته الخاصة لكم في هذه السنوات، نطلب منكم كحسن ختام لهذا اللقاء أن تذكروا لنا إحدى ذكرياتكم الجميلة عن الإمام (رحمه الله)، وتقدموها هدية لقرائنا الكرام.
* بالطبع ذكرياتي عن الإمام (رحمه الله) كثيرة جداً، سأذكر لكم بعضاً منها: عندما كنت مشغولاً بتأليف كتاب نهضة الإمام في جزءه الأول، ذكرت في ترجمته الشخصية العبارة التالية: (... والدة الإمام الخميني (السيدة هاجر) كانت امرأة عالمة حيّة الضمير) فعندما قرأ الإمام بعضاً من الكتاب قبل طباعته وضع خطاً على عبارة (عالمة حية الضمير)، وامتعض من هذا الأسلوب، قائلاً كيف عرفت أن هذه المرأة التي عاشت قبل قرن من الزمان كانت (عالمة حية الضمير)؟! كما كنت قد كتبت أن (الإمام الخميني في مرحلة طفولته كان مولعاً جداً بالدراسة..) فوضع الإمام خطاً أيضاً على كلمة (جداً)، وهكذا كان الإمام يوصيني دائماً بالابتعاد عن المبالغة وتجنب الجمل المجانبة للحقيقة، وسأقدم لكم نموذجين من خطه الشريف للبركة، يمكنكم نشرها في مجلتكم إذا ما رأيتم ذلك مناسباً.
ومن الذكريات الأخرى، أتذكر في الأيام التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، أنني في أحد أيام شهر (بهمن) عام (1357)، كنت حاضراً مع السيد الإمام(رحمه الله) في مدرسة علوي، وكان برنامج لقاءاته يقتضي أن تقتصر الفترة الصباحية للقاء النساء، بينما اختصت فترة ما بعد الظهر للقاء الرجال.
وفي هذه الأثناء كان الإمام(رحمه الله) يلتقي بعدد من العلماء حوالي (10 ـ 12) عالماً، إذ دخل الشيخ المنتظري وتوجه نحو الإمام (رحمه الله) قائلاً: أرى أن توقفوا لقاءات النساء! لأن الازدحام أصبح شديداً، وأخشى أن تتعرض للنساء في ظل هذا الازدحام للأذى أو يسقط حجابهن من على رؤوسهن فتنكشف بذلك رقابهن! فنظر الإمام (رحمه الله) إليه، وقال: (هل تظن أن البيانات التي كنا نصدرها هي التي أخرجت الشاه؟ كلا بل هن الواتي أخرجن الشاه)؛ ولعل البعض يتصور أن جواب الإمام لم يكن مناسباً جداً لاقتراح الشيخ المنتظري، لكن ينبغي القول أن الإمام (رحمه الله) من الشخصيات التي كانت تفكر في الأمور لما بعد خمسين سنة!
فالإمام كان يشعر أن هذا الاقتراح سيمثل بداية للسياسة التدريجية لعزل النساء وإبعادهن عن الحياة الاجتماعية، إذ كان الإمام يعتقد بشكل كبير بضرورة مشاركة النساء في جميع ميادين الثورة الإسلامية، لأنه كان يعتقد بحقهن ودورهن المتميز في هذه الميادين.
فعندما كان الإمام يقول أن النساء هي التي كانت تقود الرجال في الثورة، لم يكن قوله لمجرد الشعار أو المبالغة والعياذ بالله؛ بل كان يعتقد أن النساء بمواقفهن المتميزة هي التي حفزت الرجال على المشاركة في الثورة.
فموقف الإمام ورده على اقتراح الشيخ المنتظري، كان استقراءاً لما يمكن أن يحدث في المستقبل، إذ كان يرى أن هذا الاقتراح إذا كان سيخرج النساء اليوم بهذه الحجة، فسيكون مقدمة لإبعادهن في المستقبل عن ميادين الثورة الأخرى.
وقد رأينا سابقاً ما حدث في مجلس الشورى الإسلامي في دورته الثانية، إذ بحجة الفوضى التي حدثت في الدورة الأولى من مجلس الشورى الإسلامي، اقترح البعض على الإمام أن يأمر بمنع مشاركة النساء في المجلس، أي يكون لهن حق التصويت فقط وليس حق التشريح! لكن اعترض على ذلك بشدة ولم يسمح بطرحه أيضاً.
ـ نشكر سماحتكم لاهتمامكم وحسن متابعتكم لهذه المجلة.
* أنا أيضاً أشكر جهودكم وجهود العاملين والمفكرين المسؤولين عن هذه المجلة الموقرة، وأسأل الله تعالى أن يوفقكم باستمرار لأداء هذه الرسالة الثقافية المقدسة وتحقيق الأهداف المقدسة للإمام والثورة الإسلامية.
ــــــــــــــــــــ
[1] نهضة الحرية.
[2] قانون يمنح الحصانة القانونية للرعاية الأمريكيين في إيران.
[3] الجبهة الوطنية.
[4] السفارة الأمريكية.
[5] نهج البلاغة، (الكتاب: 79).
تعليقات الزوار