Skip to main content

نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام 1430ﻫ.ق

التاريخ: 26-11-2009

نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام 1430ﻫ.ق

بسم الله الرحمن الرحيم   إنَّ موسم الحج ربيع المعنوية وتألق التوحيد في آفاق العالم، ومراسم الحج ينبوع زلال بوسعه تطهير الحاج من أدران المعصية والغفلة، وإعادة أنوار الفطرة الإلهية لروحه وفؤاده

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنَّ موسم الحج ربيع المعنوية وتألق التوحيد في آفاق العالم، ومراسم الحج ينبوع زلال بوسعه تطهير الحاج من أدران المعصية والغفلة، وإعادة أنوار الفطرة الإلهية لروحه وفؤاده.

 

وإنَّ ترك ثياب التفاخر والتمايز في ميقات الحج والدخول في ثوب الإحرام العام ذي اللون الواحد مؤشرٌ ورمز لوحدة لون الأمة الإسلامية وأمرٌ رمزي لاتحاد المسلمين وتعاطفهم أينما كانوا من العالم. شعار الحج هو من جانب:‌ «فإلهكم إله واحد فله اسلموا وبشّر المخبتين»، وهو من جانب آخر: «والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد».. وهكذا فالكعبة فضلاً عن تمثيلها لكلمة التوحيد هي مظهر توحيد الكلمة والأخوة والمساواة الإسلامية.

 

علی المسلمين المتجمّعين هنا من كافة أصقاع العالم شوقاً لطواف الكعبة وزيارة مرقد الرسول الأعظم (صلی الله عليه وآله) عليهم اغتنام هذه الفرصة لتوطيد أواصر الأخوة بينهم، وفي ذلك علاج للكثير من الآلام الكبرى التي تعاني منها الأمة الإسلامية. نلاحظ اليوم بوضوح أن يد المسيئين للعالم الإسلامي تعمل علی التفريق بين المسلمين أكثر من السابق، هذا في حين تحتاج الأمة الإسلامية اليوم إلی الانسجام والتعاطف أكثر من أي وقت مضی.

 

إنَّ القبضة الدامية للأعداء ترتكب اليوم الفجائع علناً في الكثير من المواطن الإسلامية. وفلسطين تعاني الألم والمحن المتفاقمة تحت سيطرة خبث الصهاينة؛ والمسجد الأقصى عرضة لخطر حقيقي, وأهالي غزة المظلومون لا يزالون بعد تلك المذبحة غير المسبوقة يعيشون أسوء الظروف؛ وأفغانستان تعاني كل يوم من مصيبة جديدة تحت أحذية المحتلين.

 

وانعدام الأمن في العراق يسلب الناس استقرارهم وراحتهم. واقتتال الأخوة في اليمن يؤجّج حرقة جديدة في قلب الأمة الإسلامية.

 

ليفكّر المسلمون من شتی أنحاء العالم كيف وأين تمّ التدبير والتخطيط للفتن والحروب والتفجيرات والاغتيالات والمذابح العمياء التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة في العراق وأفغانستان وباكستان؟ لماذا لم تكن الشعوب تشهد كل هذه المصائب والمحن قبل الدخول التعسفي والتملكي للجيوش الغربية بزعامة أمريكا إلی هذه المنطقة؟

 

إنَّ المحتلين ـ من ناحية ـ يسمون حركات المقاومة الشعبية في فلسطين ولبنان والمناطق الأخرى إرهابيين، ومن ناحية أخری ينظمون ويقودون الإرهاب الطائفي والقومي الوحشي بين شعوب هذه المنطقة. لقد عانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال فترة طويلة ولأكثر من قرن من الزمان الاستغلال والاحتلال والإذلال علی يد الدولتين الغربيتين بريطانيا وفرنسا وغيرهما ومن ثم علی يد أمريكا، وجری نهب مصادرها الطبيعية وقمع روح التحرّر فيها، وصارت شعوبها رهينة طمع الأجانب المعتدين، وبعد أن صيّرت الصحوة الإسلامية وحركات المقاومة الشعبية مواصلة ذلك الوضع شيئاً متعذراً علی الجائرين، وحينما عادت روح الشهادة والعروج إلی الله وفي سبيل الله للظهور تارة أخری كعامل فذ في ساحة الجهاد الإسلامي، لجأ المعتدون المنفعلون إلی أساليب التزوير واحلّوا الاستعمار الجديد محل الأسلوب السابق. إلا أن شيطان الاستعمار المتعدّد الوجوه أنزل إلی‌ الساحة اليوم كل قدراته من أجل تركيع الإسلام، من القوات العسكرية والقبضات الحديدية والاحتلال العلني إلی سلاسل الدعاية الشيطانية واستخدام الآلاف من أنظمة بث الأكاذيب والإشاعات، ومن تنظيم مجاميع الإرهاب والقتل الوحشي إلی‌ نشر أدوات الفساد الأخلاقي وإنتاج وتوزيع المخدرات ونسف عزيمة الشباب وروحهم وأخلاقهم، ومن الهجمات السياسية الشاملة علی مراكز المقاومة إلی إثارة النخوات القومية والعصبيات الطائفية وخلق العداء بين الإخوان.

 

إذا حلّت المحبة وحسن الظن والتعاطف بين الشعوب المسلمة وبين الفرق والقوميات الإسلامية محل سوء الظن والنظرة السلبية التي يريدها الأعداء فسوف يُحبطُ ذلك الجانبَ الأكبر من مؤامرات المسيئين وتدابيرهم وسيجهضُ مخططاتهم المشؤومة الرامية إلی مزيد من السيطرة علی الأمة الإسلامية.

 

والحج من أفضل الفرص لتحقيق هذا الهدف السامي.

 

إنَّ المسلمين وبفضل تعاونهم واعتمادهم علی الأسس المشتركة التي ينطق بها القرآن والسنة سيكتسبون القدرة علی الوقوف أمام هذا الشيطان المتعدد الوجوه والانتصار عليه بإرادتهم وإيمانهم؛ وإيران الإسلامية بإتباعها لدروس الإمام الخميني الكبير نموذج بارز لهذه المقاومة الناجحة. لقد هُزموا في إيران الإسلامية. ثلاثون عاماً من الحيل والمؤامرات والعداء ابتداء من تدبير الانقلابات والحرب المفروضة طوال ثمانية أعوام وإلی الحظر الاقتصادي ومصادرة الأموال، ومن الحرب النفسية والدعائية والاصطفافات الإعلامية إلی محاولات الحؤول دون النمو العلمي والتوفر علی العلوم الحديثة ومنها العلوم النووية، بل والتحريض والتدخل السافر في قضية الانتخابات الأخيرة الرائعة والزاخرة بالمعاني، تحولت كلها إلی مشاهد لهزيمة العدو وانفعاله وتيهه وتجسّدت الآية القرآنية «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً» مرة أخری أمام أنظار الإيرانيين. وفي أي موطن آخر أخذت فيه المقاومة النابعة من العزيمة والإيمان بأيدي الشعب إلی مواجهة المستكبرين المتشدّقين كان النصر حليف المؤمنين والهزيمة والفضيحة مصير الظالمين المحتوم.

 

إنَّ الفتح المبين للأيام الثلاثة والثلاثين في لبنان، والجهاد الشامخ المنتصر لغزة في الأعوام الثلاثة الأخيرة شاهدٌ حيّ لهذه الحقيقة.

 

توصيتي الأكيدة لعموم الحجاج السعداء وخصوصاً لعلماء البلدان الإسلامية وخطبائها الحاضرين في هذا الميعاد الإلهي، ولخطباء الجمعة في الحرمين الشريفين هي الفهم الصحيح للمسألة ومعرفة الواجب الفوري اليوم، وأن يعرِّفوا مستمعيهم وبكل قدراتهم مؤامرة أعداء الإسلام، ويدعوا الناس إلی الألفة والاتحاد، ويتجنبوا بجدّ كلَّ ما من شأنه إثارة سوء ظن المسلمين ببعضهم، ويصبّوا كل دوافعهم وهتافاتهم ضد المستكبرين وأعداء الأمة الإسلامية ورأس الفتن أي الصهيونية وأمريكا، وأن يبدوا البراءة من المشركين في أقوالهم وأفعالهم.

 

أسأل الله تعالی بتضرع هدايته وتوفيقه وعونه ورحمته لي ولكم جميعاً.

 

والسلام عليكم

 

السيد علي الحسيني الخامنئي

 

الثالث من ذي الحجة 1430ﻫ.ق

 

26/11/2009  م

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة