Skip to main content

ـ25ـ آيار.. التاريخ، وبداية الجغرافيا السياسية الجديدة في المنطقة

التاريخ: 27-05-2010

ـ25ـ آيار.. التاريخ، وبداية الجغرافيا السياسية الجديدة في المنطقة

تحل علينا اليوم الذكرى العاشرة لتحرير جنوب لبنان، وهي المناسبة التي يجدر بنا أن نخلّدها احتفالا من باب التمكين لثقافة المقاومة في نسيجنا الثقافي، وأن نعيد في ضوء حقائقها ومعطياتها قراءة أوضاعنا السياسية واتجاهات الصراع في أفق التحرير الشامل والكامل لفلسطين ولكل أرض عربية محتلة

تحل علينا اليوم الذكرى العاشرة لتحرير جنوب لبنان، وهي المناسبة التي يجدر بنا أن نخلّدها احتفالا من باب التمكين لثقافة المقاومة في نسيجنا الثقافي، وأن نعيد في ضوء حقائقها ومعطياتها قراءة أوضاعنا السياسية واتجاهات الصراع في أفق التحرير الشامل والكامل لفلسطين ولكل أرض عربية محتلة.

 

لم يكن تاريخ 25 من أيار عام 2000، يوما مفصولا عن تاريخ طويل من المقاومة والتضحية، بل هو في الواقع لحظة التحول النوعي في صيرورة الفعل المقاوم المتراكم عطاءً وتضحية، وتجربة في العمل المسلح وتطويرا في التكتيك السياسي المتناغم معه.

 

باعتراف قادة المقاومة الإسلامية، شكل (حزب الله) في نشأته التاريخية امتدادا نوعيا لتجارب المقاومة التي عرفها لبنان، فالعديد من كوادره العسكرية مرّوا من مدرسة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، مع الإلفات إلى أنّ معنى الامتداد يستبطن التجاوز ولا يعني بحال تماثلا في المنطلقات والرؤية الإستراتيجية، فالقيمة المضافة للمقاومة الإسلامية إن جاز هذا التعبير؛ تكمن في خصوصية النظرة إلى الصراع، بل إنّ (حزب الله) وتحديدا في سياق نشأته وفي مشروعه الإسلامي والتحرّري شكل مدرسة جديدة في الساحة اللبنانية لا يمثل مبدأ ولاية الفقيه الذي تأسس عليه الحزب؛ إلا أحد مفرداتها المميّزة.

 

انطلق (حزب الله) عمليا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام1982 والذي حقق أهدافه بإجلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت، واحتلال ثاني عاصمة عربية. هذه الانطلاقة لم تكن سهلة، بل يمكن القول أنّها انطلاقة عسيرة وتمت في شروط معاكسة على أكثر من صعيد، حيث تفشّت واستشرت ثقافة الهزيمة، وهي المرحلة التي عرفت تداولا واسع النطاق لمقولة (الزمن العربي الرديء)، وللإشارة فكل قادة (حزب الله) يؤكدون أن مشروعهم المقاوم كان موضع تندّر، وكان يُقال لهم كيف للعين أن تقاوم المخرز؟?

 

حصار بيروت، التواطؤ العربي، ربط مشروع التحرّر الوطني الفلسطيني بالنظام العربي الرسمي، سقوط المراهنة على الحليف الاستراتيجي ممثلا آنذاك في الاتحاد السوفيتي.. كلها عوامل أسهمت في انبثاق ثقافة الواقعية السياسية، وتحجيم الطموحات الثورية والتحررية بما يتناسب وموازين القوى على الأرض.

 

(حزب الله) في المقابل وبإزاء كلّ هذه المعطيات، والتي كان مدركا لها، استمد قوّة الدفع الرئيسية من ارتباطه بالوليّ الفقيه، ومن كون الثورة الإسلامية تمثّل عمقا استراتيجيا لمشروعه السياسي والمقاوم، ومن حيثيّته الشيعيّة التي تمجّد الاستشهاد وتجعل من الإمام الشهيد الحسين بن علي(عليه السلام) نهجا ومشروعا في المواجهة.

 

لا يمكن لكل متابع حصيف لتجربة (حزب الله) أن يفصل بين نموذج القيادة كما تجسدت مع الشهيد عبّاس الموسوي ثمّ مع خليفته في الأمانة العامة السيد حسن نصر الله حفظه الله، والخصوصية التنظيمية للحزب من جهة، وبين الإدارة الخلاّقة للمقاومة وما اقتضته من تفعيل لشرطها السياسي من خلال المشاركة السياسة وتحوّل الحزب إلى فاعل في الحياة السياسية اللبنانية، من جهة ثانية، وتفاعل كل ذلك في تظهير تجربة مقاومة في الأمة صنعت النصر، وهاهي تحشر العدو في مأزق وجودي لن يتجاوزه إلا إلى العدم، اي بتصحيح الجغرافيا والتاريخ.

 

وبتفصيل القول فإنّ المنجز التاريخي الذي حققه (حزب الله) في25 أيار2000 والمتمثل في تحرير الأرض، وفرض الانكفاء على المشروع الصهيوني القائم على التمدد والتوسع والاستيطان وفرض الوقائع على الأرض بمنطق القوة القاهرة وسلطة الردع، لا يمكن فصله عن نموذج القيادة بكل خصائصها الفكرية والثقافية والعقائدية والمسلكية، كما لا يمكن عزله عن الرؤية الإستراتجية للصراع، والقدرة على اجتراح التفصيل التكتيكي العسكري والسياسي، سواء في منعطفات الصراع أو في مسالكه العادية.

 

عندما انطلق (حزب الله) مقاومًا لم يقف عند حدود الاستفادة من التجربة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والتي طوّرها بشكل ملحوظ، بل استفاد من أخطائها ومظاهر قصورها أيضا، فاهتم ببعد آخر في الصراع وهو ما يمكن أن نسمّيه بصراع العقول، وهو صراع شامل للأداء العسكري وتكتيكاته، وللجانب الأمني والاستخباراتي، وللحرب النفسية المستندة على معرفة دقيقة وتراكمية بالعدو، ومستثمرة للتشريح السيكولوجي الذي أورده القرآن عن اليهود.

 

اللافت أنه عند الحديث عن تجربة (حزب الله) في السياق العربي باعتباره تجربة مقاومة نموذجية، أو كمشروع سياسي؛ على قاعدة الملامح التي عكستها وثيقته السياسية الأخيرة؛ فإن المفارقة تبدو محيّرة لأنها تتقوّم بتفاوت مدهش بين الموقف الجماهيري المتفاعل مع الحزب والناظر إليه كطليعة في الأمّة على صعيد قضايا التحرر والمقاومة، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي التي منحت قائده السيد حسن نصر الله مرتبة متقدمة بين الشخصيات الأكثر شعبية في العالم العربي، في مقابل ذلك، وعلى صعيد موقف الأحزاب الوطنية والحركات الإسلامية؛ فإن الخلل يتبدّى عظيما لجهة عدم قدرة هذه الأحزاب والحركات في الارتقاء إلى مستوى المتغيّر السياسي والثقافي الذي فتح عليه الإنجاز المقاوم لـ (حزب الله)، بل لا نبالغ إذا قلنا أن بعض هذه التيارات الوطنية والإسلامية قد استشعرت الحرج ـ أمام قواعدها ـ من نمط ومستوى القيادة التي قدمها (حزب الله) للعالمين العربي والإسلامي، فراحت توظف التمايز المذهبي وتضخّمه وتسوّقه داخليا لتقويض النموذجية، ولتنأى بنفسها عن استحقاقات العلاقة الموضوعية في الصراع بينها وبين الحزب الطليعي، في إطار جبهة مقاومة واسعة وعريضة، مع الاستدراك بأن كلا من (حماس) و(الجهاد) قد شكلتا استثناءا على هذا الصعيد، بل إن الكثير من الأطراف الحزبية في العالم العربي، وخاصة منها تلك التي تؤسس لهويتها القومية والنضالية بموقع متقدم للقضية الفلسطينية في برامجها، لم تمد جسور حوار مع الحزب، ولا هي احتفت أو تحتفي بانتصاراته التي هي في المحصلة النهائية انتصارات للأمة، ولا هي التفتت لوثيقته السياسية المنبثقة عن مؤتمره الأخير، والتي يسمح مضمونها- بحسب تقديرنا المتواضع- ببلورة إطار نضالي مشترك، بل وبقيام خارطة تحالفات تسهم في الحد الأدنى على إشاعة ثقافة المقاومة في الأمة، وقطع الطريق على محاولات تشويه صورة الحزب بتوظيف الترسبات المذهبية في الوعي، وتعزيز مشروع مقاومة التطبيع الذي تدعمه بعض الأنظمة، فضلا على تغطية الحزب ومقاومته سياسيا كرد على الحملة الممنهجة التي تقودها أطرافا إقليمية.

 

نشعر بالأسى ونحن نشهد هذا التبخيس للانجاز المقاوم الذي افتتح عصر الانتصارات ونسخ زمن الهزائم، في حين لازال التفجّع وجلد الذات واستحضار تواريخ الهزيمة ديدن النخب والمثقفين، وكأن 25 أيار الذي سفّه أوهام الواقعية السياسية، وكشف عن زيف وأباطيل خرائط الطريق التسووية، وأسّس لانتصار2006 المجيد، غير كاف ليشكل رافعة لأمّة مقاوِمة تمزج بين مشروعي التحرير والوحدة على سبيل استعادة المكانة الحضارية وفي خط النهوض بالأدوار الرسالية.

 

للذين صنعوا أمجاد25أيار وما بعده وفي مقدمهم سماحة السيد حسن نصر الله، والشهيد عماد مغنية كل التحية والتقدير.

 

كل 25 أيار و(إسرائيل) أوهن من بيت العنكبوت.

 

وكل 25 أيار والمقاومة شامخة في زمنها، وشامخة في الأنفس الأبية.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة