Skip to main content

الجهاد الاستشهادي مقاربة تاريخية فقهية في الإطار الإسلامي

التاريخ: 13-09-2008

الجهاد الاستشهادي مقاربة تاريخية فقهية في الإطار الإسلامي

تناولت في أكثر من بحث أكثر من كلمة عربية اصطبغت حديثاً بالصبغة السياسية، بعد أن لم تكن قديماً تستعمل في المفهوم السياسي الذي استعملت فيه الآن، أمثال: كلمة (استعمار) وكلمة (إرهاب)

تناولت في أكثر من بحث أكثر من كلمة عربية اصطبغت حديثاً بالصبغة السياسية، بعد أن لم تكن قديماً تستعمل في المفهوم السياسي الذي استعملت فيه الآن، أمثال: كلمة (استعمار) وكلمة (إرهاب).

 

ومن هذا النمط من الكلمات كلمتا (فداء) و(تضحية)، فقد أصبحتا في هذا العصر من المفاهيم السياسية، ورحبت بهما بعض المعجمات الحديثة بما تحملان من معنى سياسي حديث أضافتاه لما لهما من معانٍ لغوية معجمية قديمة.

 

وستنصب دراستي اللغوية - هنا - على ما أضيف إلى هاتين الكلمتين من معنى حديث، وهو المعنى السياسي، لأنطلق منه إلى محاولة معرفة ما إذا كان هذا المعنى السياسي قد سبق له وجود في تاريخنا الإسلامي، وهو ذلك المتمثل في بعض ما وقع فيه من حوادث سياسية، ولكن لم يقدر لها أن تعنون بإحدى الكلمتين أو بهما معاً، لأدخل من ذلك إلى عالم الشرعيات في محاولة معرفتهما كموضوع يصدق عليه مفهومهما، ومن ثم الانتقال إلى معرفة الحكم الشرعي لذلكم الموضوع.

 

ويتطلب هذا أن أذكر أولاً ما لهما من معانٍ قديمة ثم أستعرض المعنى الحديث لكل منهما محاولاً معرفة وقت استخدامه ما وجدت لذلك سبيلاً.

 

من القديم يقال: «ضحّى بالشاة ونحوها: ذبحها في الضحى يوم عيد الأضحى، وضحى الحاج: ذبح الأضحية في أي وقت كان من أيام التشريق»([1]).

 

ومن الحديث: يقال: «ضحّى بنفسه أو بعمله أو بماله: تبرع به دون مقابل – محدثة -»([2]).

 

ومن القديم: «الفداء: ما يقدم من مال ونحوه لتخلص المَفْدِي».

 

والفداء: «ما يقدم لله جزاء لتقصير في عبادة ككفارة الصوم، والحلق، ولبس المخيط في الإحرام، والفداء: الأضحية»([3]).

 

ومن الحديث: «الفدائي: المجاهد في سبيل الله أو الوطن مضحياً بنفسه (ج) فدائيون - محدثة -»([4]).

 

وفي موسوعة المورد: «الفدائيون اسم أطلق في الخمسينات من القرن العشرين على رجال المقاومة السرية المصريين الذين قاتلوا القوات البريطانية في منطقة قناة السويس، ثم أطلق بعد ذلك على رجال المقاومة الفلسطينية العاملين داخل فلسطين المحتلة، وخارجها من أجل استعادة الوطن السليب من الصهاينة الغزاة، وذلك في إطار منظمة التحرير الفلسطينية»([5]).

 

وبالمقارنة بين التعريفين الحديثين للتضحية والفداء نخرج بنتيجة، هي: إن الكلمتين تترادفان على معنى واحد هو بذل النفس (وهو معنى التضحية) في سبيل الله، أو الوطن (وهو معنى الفداء).

 

وبإمكاننا أن نختصر، فنقول: التضحية بالنفس فداء للمبدأ أو الوطن.

 

وعليه: تكون التضحية هي الوسيلة للفداء، ويكون الفداء هو الغاية للتضحية.

 

ففي هذا السياق يقال: ضحى بنفسه من أجل مبدئه، وفدى مبدأه بنفسه.

 

وفي التاريخ الإسلامي القديم والحديث شواهد لهذا كثيرة، وسأحاول هنا استعراض شيء منها، ننتهي منه إلى معرفة الموقف الشرعي من هذا اللون من السلوك، والرأي الفقهي بالقيام به.

 

ففي التاريخ الإسلامي القديم نرى هذا ماثلاً - وبوضوح - في مواقف وأعمال المعارضة السياسية للحكم الأموي المتمثلة في أهل البيت(ع) وأتباعهم، وإليك نماذج منها:

 

1- تضحية حجر بن عدي الكندي:

 

ذكر المؤرخون أن حجراً كان يسكن الكوفة، وكان من رؤوس المعارضة الشيعية لحكم معاوية بن أبي سفيان، ومن الناقمين على زياد بن أبيه والي معاوية على الكوفة، وقد ضاق به زياد ذرعاً، فكتب إلى معاوية في حقه هو أصحابه، فرد عليه معاوية بأن يبعثهم إليه. وفي مرج عذراء قريباً من دمشق خيَّرهم ممثلو معاوية بين البراءة من الإمام أمير المؤمنين(ع) أو القتل، فأبى البراءة هو وابنه ونفر دون العشرة من أصحابه، واختاروا القتل مضحين بأنفسهم من أجل العقيدة.

 

فإقدامهم على التضحية كان فداء منهم لعقيدتهم.

 

2- تضحية رُشَيْد الهجري:

 

قال السيد الأمين في ترجمة رشيد الهجري تحت عنوان (ما رواه الكشي في حقه): «رشيد الهجري، حدثني أبو أحمد، ونسخت من خطه، حدثني محمد بن عبد الله، عن وهب بن مهران، حدثني محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد بن عبد الله الحناط، عن وهيب بن حفص الجريري، عن أبي حيان الجبلي، عن قنواء بنت رشيد الهجري: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فقال: يا رشيد، كيف صبرك متى أرسل إليك دعي بني أمية، فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، آخر ذلك الجنة؟، فقال يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.

 

قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين - عليه السلام - فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ قال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه، فلا أبرأ، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني.فقال: والله لأكذّبن قوله، فقدموه فقطعوا يديه ورجليه، وتركوا لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة، فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات في ليلته»([6]).

 

وشأن رشيد الهجري في التضحية والفداء شأن حجر بن عدي الكندي.

 

3- تضحية الإمام الحسين(ع):

 

كانت حركة الإمام الحسين(ع) ثورة على الواقع الاجتماعي للمسلمين آنذاك لما فيه من تخلف ومخالفات لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولما فيه من انحرافات صريحة وواضحة في العقيدة.

 

وقد صرح الإمام(ع) بهذا معلناً، عن أسباب ثورته ضد الحكم الأموي، قال(ع) في كتابه إلى رؤساء الأخماس بالبصرة: «وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإن السنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد»([7]).

 

وقال (ع) في خطبته بكربلاء: «أما بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه»([8]).

 

وفي خطبته بالبيضة: «أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله»([9]).

 

وكانت غايته من ثورته إصلاح هذا الواقع الفاسد أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وقد حدد(ع) هذا بما أعلنه في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية، قال: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية: أن الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.

 

وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رَدَّ علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين»([10]).

 

وأرسل الإمام (ع) ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، ليمهد له الأمر كي يقدم على وضع مستتب، وحال موطأة، غير أن ممثلي الحكم الأموي في الكوفة حالوا دون ذلك، فقتل مسلم وزج في السجون بأبرز الشخصيات من رؤساء الشيعة، وسُدّت المنافذ والطرق أمام الجمهور أن يستقبلوا الإمام الحسين(ع) أو أن يلحقوا به إن أراد القتال.

 

وفي كربلاء كان(ع) بين خيارين: إما التسليم لآل أمية، وإما التضحية فداء للمبدأ، فاختار الخيار الثاني.

 

ففي خطبته الثانية يوم عاشوراء ما يعرب عن هذا، حيث قال(ع): «ألا  وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر».

 

وقد كان(ع) يرى أن الموقف الأصوب هو التضحية في سبيل الله تعالى، لتكون اللغم الضخم الذي ينفجر في وجه حكم آل أمية فيزلزل الأرض من تحت قواعده ثم يطيح به، وقد أعلن هذا في خطبته(ع) بكربلاء لأصحابه، قال(ع): «ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فاني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً»([11]).

 

وفي كتابه الذي كتبه إلى بني هاشم حين توجه إلى العراق: «أما بعد، فإنه من لحق بي فقد استشهد، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح»([12]). وفي هذا النص يعبّر الإمام(ع) عن هذا اللون من التضحية بالاستشهاد أو الشهادة، تلك الشهادة التي توصل إلى الفتح؛ وذلك لأنها قتل في سبيل الله.

 

وقد أكدت النصوص الشرعية المروية عن أهل البيت(ع) أن من يقتل في سبيل الله شهيد، ترتب عليه أحكام الشهيد، من حيث عدم التغسيل والتكفين والتحنيط.

 

ومن هذه النصوص:

 

أ - «محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم عن الحسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن أبان بن تغلب، قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الذي يقتل في سبيل الله، أيغسّل ويكفّن ويحنّط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه، إلاّ أن يكون به رمق ثم مات فانه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه».

 

ب - «عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن سنان - يعني عبد الله ـ، عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل، إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعدُ، فإنه يغسل ويكفن ويحنط»([13]).

 

والروايتان صحيحتان، وممن استدل بهما أستاذنا السيد الخوئي، قال: «يجب على كل مسلم الدفاع عن الدين الإسلامي إذا كان في معرض الخطر، ولا يعتبر فيه إذن الإمام - عليه السلام - بلا إشكال ولا خلاف في المسألة.

 

ولا فرق في ذلك بين أن يكون في زمن الحضور أو الغيبة، وإذا قتل فيه جرى عليه حكم الشهيد في ساحة الجهاد مع الكفار على أساس أنه قتل في سبيل الله الذي قد جعل في صحيحة أبان موضوعاً للحكم المزبور، قال: «سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه، ولا يغسل إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت) - الحديث -، وقريب منها صحيحته الثانية»([14]).

 

وموقف السيدة زينب الكبرى(ع) عندما خرجت إلى موقع مصرع الإمام الحسين(ع) ووضعت يديها تحت الجثمان الطاهر ووجهت وجهها نحو السماء داعية (اللهم تقبل هذا القربان) لدليل قوي على أن الإمام الحسين(ع) وآله وأصحابه كانوا قد قدموا أنفسهم ضحايا وقرابين لله تعالى فداء للإسلام العظيم من أجل أن يبقى ويستمر لتعيش الأجيال المسلمة في ظله الحكمَ العادلَ والحياة السعيدة.

 

ومن جميع ما تقدم ندرك أن التضحية بعنوان الدفاع عن الحق لإسقاط سلطان جائر لم يرتدع عن جوره وظلمه تدخل تحت عنوان «الجهاد الدفاعي» الذي يتحقق بإحدى وسيلتين: تجهيز الجيش، أو التضحية المنفردة.

 

ومن الدفاع: الحركات التحررية لصد الكافر الغازي، أو لإخراجه من بلاد المسلمين.

 

ومن الأمثلة على الوسيلة الأولى (تجهيز الجيش):

 

- ثورة العراق الكبرى بقيادة علماء النجف الأشرف لصد الجيوش البريطانية من الدخول للعراق واحتلاله.

 

- ثورة العشرين في العراق أيضاً لمقاومة الاحتلال البريطاني.

 

ومن الأمثلة على الوسيلة الثانية (التضحيات المنفردة).

 

- الثورة الجزائرية التي«أعلنها الشعب الجزائري على الفرنسيين في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) عام 1954، وانخرط في صفوفها الشيوخ والشبان، والنساء، والفتيات، وسقط في ساحاتها نحو مليون شهيد، وانتهت بإعلان استقلال الجزائر في أول يوليو (تموز) عام 1926 وبقيام الجمهورية الجزائرية بُعيد ذلك»([15]).

 

حزب الله اللبناني:

 

وهو مقاومة مباركة وقيادة باسلة رائدة، نجحت بعد عقدين من الزمن، وحققت هدفها، وهو طرد الصهاينة الغزاة من أرض لبنان.

 

الانتفاضة الفلسطينية:

 

«لم يكن يدور في خلد الكيان الصهيوني أن هبّة شعبية يقوم بها شعب محاصر بالحديد وتحيط به الأسلاك، وتسيِّرُه وتتحكم به قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وتنتظره السجون والمعتقلات فضلاً عن الإحباطات التي حاقت به من القيادات الكثيرة التي عرفتها الساحة، وزادته حوادث الأعوام السابقة إحباطاً فوق إحباط.

 

في هذا الإطار كان التصور الصهيوني عن الانتفاضة أنها لا تعدو في قوامها وصراخها المنبعث من حناجر المتظاهرين واحدة من الصور التي ألفها الصهاينة على مر السنين، إلا أن المفاجأة خيبت الآمال وأحبطت المخططات، فلم تتوقف الانتفاضة بعد أسبوع، وأسابيع، وسنة، وسنوات، وهي في كل صباح تبدو أكثر تصميماً على الاستمرار والتصدي والمواجهة، وتقديم الضحايا من كل الأعمار، ورغم كافة الإجراءات القمعية التي مارستها القوات الصهيونية، فلم تثن أبناء الانتفاضة عما قرروا، وكان الهدف الرئيس من أدوات القمع الصهيوني ليس فقط إيقاع أكبر نسبة ممكنة من الخسائر البشرية الفلسطينية فقط، وإنما تركيزه على تدمير البنى السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية تدميراً كاملاً، ظن مخططو الكيان الصهيوني أن الإرهاب والإجراءات القمعية، ستؤدي حتماً إلى رضوخ الشعب، وبث الخوف، والذعر في صفوف أبنائه. ومن هنا، يتم القضاء على الانتفاضة وتتوقف»([16]).

 

ولكن بصمود أبناء الشعب الفلسطيني وتصميمهم القوي على مواصلة واستمرارية الانتفاضة، وتقديم الضحايا تلو الضحايا حتى النصر بطرد الصهاينة المحتلين من أرض فلسطين أرض العرب والمسلمين لا يستطيع الكيان الصهيوني القضاء على هذه الانتفاضة الشجاعة المباركة «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم».

 

 الاستشهاد والانتحار

 

من الضروري - هنا - أن نشير إلى الفرق بين التضحية والانتحار:

 

يعرّف المعجم العربي الانتحار بأنه قتل الإنسان نفسه بوسيلةٍ ما، يقال: انتحر الرجل، إذا قتل نفسه.

 

وفي (موسوعة المورد: مادة Suicide): «الانتحار: قتل النفس عن عمد. وقد ذهبت شعوب قديمة كثيرة إلى الاعتقاد بأن حياة الإنسان ملك له، فمن حقه أن يبقي عليها إذا شاء، ومن حقه أن يقضي عليها إذا شاء. وبعض اليابانيين يتخذون من الانتحار وسيلة لاجتناب العار والتكفير عن الخطأ. أما الأديان السماوية، فاعتبرت الانتحار إثماً كبيراً، والقوانين الوضعية لا تجيز الانتحار أيضاً».

 

أما التضحية - فكما تقدم - هي بذل النفس في سبيل الله دفاعاً عن الحق. وعلى هذا فالفرق بينهما واضح، وهو أن الانتحار غاية، بينما التضحية وسيلة إلى غاية، وهذا كما لو توقف دفع الكافر الغازي عن احتلال بلاد المسلمين أو طرد الكافر المستعمر من هذه البلاد، على التضحية، تصبح التضحية الوسيلة الوحيدة والقصوى، فتكون مشروعة؛ لأن الغاية التي من أجلها يضحى غاية مشروعة.

 

ونظراً لشيوع كلمتي التضحية والفداء بمعناهما الجديد شاع استعمالهما في مرثيات الإمام الحسين(ع).

 

ومن ذلك قول بعض الشعراء المعاصرين:

 

       خذوا من ضحايا الطف درس تحرر          فتلك الضحايا للتحرر معهدُ

 

وللدكتور مصطفى جمال الدين:

 

       وتركت لـلأجيال حين يلّزهـا           عنتُ السرى ويضيق فيها المهرب

 

       جثث الضحايا من بنيك تريهم              أن الحقوق بمثل ذلك تطلـــبُ

 

وللشيخ عبد المهدي مطر:

 

       شكت الشريعة من حدود بدلـت           فيــها وأحكـام هنـاك تغيّر

 

       سـلبت محاسـنها أمية فاغـتدت           صوراً كما شاء الضـلال تصوّر

 

       عصفـت بها الأهواء  فهي أسـيرة            تشـكو وهل غير الحسين محرّر

 

       وافى بصبيـته الصـباح  فسـاقهم           للـدين قربان الإله فجــزروا

 

وللأستاذ أنور العطار:

 

       أيها الموقف النفوس مـن الظـلم            ومردي جحافل البغضــاء

 

      علم العرب كيف يرتخص الـبذل             ويحلو الفداء إثر الفـــداء

 

وللشاعر حليم دموس:

 

       ذكرى الحسين حفيد أحمد صفحة          زادت بأسـرار السماء يقيني

 

       تلك الضحية فـي المحرم جددت         في كعبة الإسلام صرح الدين

 

وللأستاذ عادل الغضبان:

 

       أقصر فكل ضحية وفـــداء             فلك يبث سنى أبي الشهداء

 

       فلك جلت شمس الحسين بدوره           والبدر يجلوه ضياء ذكـــاء

 

      يعـتز الاستشـهاد أن سـماءه           تذري محاسنها بكل سمــاء

 

      جمعت كـرام النيرات فرضعت             بمنوع  الأنوار والأضــواء

 

       إشـراق إيـمان ونور عقيـدة          وشعاع بذل وائتلاف  فــداء

 

الهوامش:

 

--------------------------------

 

([1]) المعجم الوسيط: مادة ضحي.

 

([2]) المصدر نفسه.

 

([3]) المصدر نفسه، مادة فدى.

 

([4]  ) م.ن.

 

([5]) موسوعة المورد، ج4، ص021، مادة: Fidis.

 

([6]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص6.

 

([7]) ثورة الحسين من خلال نصوصها، ص10.

 

([8]) المصدر نفسه، ص 10.

 

([9]) المصدر نفسه، ص 25.

 

([10]) المصدر نفسه، ص 22.

 

([11]) أعيان الشيعة، ج1، ص 598.

 

([12]) المصدر نفسه، ص 620.

 

([13]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 14 من أبواب غسل الميت، الحديثين 6و9.

 

([14]) السيد أبو القاسم الخوئي، كتاب الجهاد، ص 61.

 

([15]) موسوعة المورد: مادة Algerian Revolution.

 

([16]) موسوعة الثقافة السياسية، الإجتماعية، الاقتصادية، العسكرية: مادة: الانتفاضة.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة