الشهيد البطل علي عادل الصغير
التاريخ: 18-06-2008
لم أتخيل انه في يوم من الأيام سأرويه حكاية، أو انشده شعرا ونثرا ورثاء، كان حيّا فينا وما زال، حاله حال كل رفاق الدرب الذين استشهدوا ليصدق الوعد
لم أتخيل انه في يوم من الأيام سأرويه حكاية، أو انشده شعرا ونثرا ورثاء، كان حيّا فينا وما زال، حاله حال كل رفاق الدرب الذين استشهدوا ليصدق الوعد...
بنت جبيل. اورغ
انه الشهيد البطل علي عادل الصغير، من مواليد بنت جبيل متزوج وله شبلان (عادل وحسن).
ولد وترعرع في ربوع بلدته بنت جبيل التي دفع دمه ذوداً عنها وبذل روحه في سبيل كرامتها وعزّتها وصمودها.
عرف منذ الصغر بعلي عادل، ذلك الأسد الأسمر الذي كان يلهب الحي بشيطنته ومغامراته الحلوة. إذ كان دائما رئيس العصابة التي يؤلفها أولاد الحي والتي كان هدفها دوما افتعال المقالب بأهل الحي وافتعال المشاكل مع (الشبّيحة) الذي هم من أفراد عصابات أخرى أو أحياء مجاورة.
روى لي مرة إحدى اخطر المقالب التي قام بها مستعينا ببعض رفاقه آنذاك حيث قال :
مرة زهئنا من مقالب التخويف بالليل ورش الماي على بعض وهالمقالب الولادية وقررنا انو نعمل مقلب اخو اختو .
كان منذ بداية الرواية يضحك ويقهقه بأعلى صوته كلما استذكر تلك (النهفة) التي قام بها وهاذ ما أخذ بي إلى الضحك عالريحة كما يقولون .
واسترسل بسرد بقية المقلب .
«رحنا جبنا بريم إزاز سيارة اسود من محل الحداد لي حد بيتنا، ونزلنا عالكوع لي تحت بيت خليل بوصي، ربطنا البريم بخيط طويل وحطيناه بنص الكوع ومدينا الخيط وتخبينا بين الحشيشات بالكرم ونطرنا الرزئة ».
والبريم هو قطعة مطاط سوداء، وكان الهدف من ذلك المقلب انتظار مرور إي سيارة ليسحبو البريم بسرعة من إمامها فيخيل للسائق أنها أفعى مما سيؤدي إلى إرباكه وبالتالي سيضحك عليه علي ورفاقه.
ويكمل علي النهفة : «بلا طول سيري يا بو الحبايب مرئت أول سيارة وسحبنا البريم بسرعة راح الشوفير داعس فريم اخو اختو وصار يرجع ويئرب عالبريم مفكر حالو عم يدعس عالحية المشحر ونحنا نضحك عليه، عملناها بكم واحد لحد ما شفنا فلان طالع بسيارتو وجايي صوبنا، قمنا عملنا نفس الحركة راح الزلمي مصدوم ودعس فريم برمت في السيارة وراح طالع عالكرم لي حدنا»
هنا، أخذت أنفاسنا تتقطع من شدة الضحك عندما أكمل علي بقوله: نزل فلان من السيارة منعوف متل ديك الحبش ووجو اصفر من الخوف، إلا شافنا بنص الكرم قالبين عضهرنا من الضحك، قام حمل العصاية وصار يركض ورآنا بالكروم ونحنا نبكي من كتر الضحك »
هذه رواية من روايات الصغر المتعددة كان يرويها لي كلما ذهبت إليه ليلا لشرب القهوة على المصطبة امام بيته .
كبر علي عادل في ذلك الحي وكان دوما يصطدم ببعض الشباب الذين كانوا من إذناب انطوان لحد في المنطقة مما أدى إلى اتخاذ قرار من قبل المسؤولين الأمنيين أللحديين إلى أخذه بالقوة والحاقة بجيش العميل لحد ظناً منهم أنهم ببعض الإغراءات التي سيقدمونها له سيخضع لهم ويبتعد عن افتعال المشاكل مع إذنابهم الذين كان يسميهم واحداً واحداً لكن شائت الأقدار أن لا تكتب هذه الأسماء في هذه الصفحات ولكنها لن تمحى من الذاكرة أبداً يا أبا عادل ...
اقتيد علي ومعه شاب آخر من البلدة عرف أيضاً بشيطنته إلى معسكر المجيدية حيث كان العملاء يقومون بتدريب الشبان الذين يقتادونهم من البلدات الحدودية وتأهيلهم بالقوة ليصبحوا أكياساً رملية في المواقع الأمامية يحمون بهم الصهاينة.
لكن علي لم يقرّ لهم عينا في المجيدية بل استمر بإفتعال المشاكل وتحقير العملاء حتى قرروا ترحيله إلى الخدمة الإلزامية من دون تلقي التدريبات كلها. ولإختصار الموضوع كان علي من اليوم الأول يفكر كيف سيفلت من هذا المأزق الذي هو فيه حيث كان قادرا على الهرب إلى بيروت عدة مرات ولكن كان تركه لوالده وإخوانه وأخواته هو الهاجس الأكبر الذي يسيطر على تفكيره، إذا انه بمجرد هروبه سيقوم العملاء بالتنكيل بأهله ولكن يد الله فوق أيديهم إذا استطاع بعد فترة قصيرة من الخروج من المنطقة والنزول إلى بيروت والالتحاق بخدمة العلم.
أنهى علي خدمته في الجيش اللبناني، وعاد للسكن و العمل في صناعة الأحذية في منطقة حي ماضي بالضاحية الجنوبية حيث تعرف على بعض أبناء البلدة هناك والذين كانوا منخرطين في العمل المقاوم حيث كانوا له السند والعون على بداية مشواره الجهادي.
بدأ بتأهيل نفسه روحيا ومعنويا لهذا الطريق حيث خضع للعديد من الدورات الثقافية والدينية التي صقل بها تلك الروح الثورية العالية التي كان يمتلكها منذ الصغر وبعدها بدأ جهاده الأصغر حيث تلقى تدريبات ودورات عسكرية أهلته بالإضافة إلى الدروات الثقافية لأن يصبح من جنود التعبئة في حزب الله .
شارك في العديد من المرابطات على تخوم الشريط الحدودي آنذاك وكان يعرف بشراسته في العمل العسكري بالإضافة إلى روح الدعابة التي يملكها والتي كان يتميز بها .
أتى التحرير عام ألفين وحال علي كحال معظم المجاهدين الذين اعتقدوا أنّ فرصة نيلهم للشهادة قد تضائل حجمها ولكنه رغم ذلك بقي مستمراُ في عمله المقاوم في مختلف المجالات ( اجتماعية، ثقافية، دينية، عسكرية....)
كان دائماً يتمنى المواجهة مع العدو، ويتوعد بالاقتصاص من كل العملاء الذين كانوا باعتقاده وبتأكيد من كل عاقل هم السبب الأول والأخير في تمكين الصهاينة من البقاء طول هذه المدة في لبنان.
كان دائماً يقول لي " فرجيني يهودي وما تفرجيني عميل " وتحس من طريقة كلامه وملامح وجهه ساعتها انه يتمنى لو يمزقهم بأسنانه لو امسك بواحد منهم، وطبعاً هنا تجدر الإشارة إلى انه كان يقصد بالعملاء كل من تطوع لخدمة المحتل وليس من اخذ غصباً ليوضع ككيس رمل لحمايته.
عمل سائق حافلة طلاب في مدارس المهدي (ع) في بنت جبيل وتزوج ليصبح علي عادل «أبو عادل» عندما رزق بشبله الأول عادل والذي يبلغ الآن ال... من العمر ثم رزق بولد آخر أسماه حسن والذي يبلغ من العمر حاليا ....
لم ينقطع أبو عادل طيلة هذه الفترة عن عمله المقاوم، إذا استمر بتلقي التدريبات العسكرية والمشاركة بكل الأعمال الجهادية التي يقوم بها وكان معظم الإخوان في البلدة ينتظرون الليلة التي يناوب فيها أبو عادل للحراسة في البلدة أو خارجها ليسهروا معه ويسمعوا آخر أخباره ونهفاته .
وفي تموز 2006 ومنذ اليوم الأول لعملية الوعد الصادق التحق أبو عادل برفاقه المجاهدين في بلدته بنت جبيل حيث تم فرزه للعمل في وحدة الدفاع الجوي التي كان مختصاً بالعمل فيها وكان له إنجازات مشرفة فيها أثناء الحرب حيث شاع بين الإخوان أنّ علي عادل هو من اسقط المروحية فوق مارون الرأس. لكن أبا عادل لم يكتفي بهذا القدر، وكان كله شوق للمواجهة الميدانية مع العدو، فأخذ يتنقل من مكان إلى مكان داخل البلدة حتى وصل إلى صف الهوا حيث التقى هنالك ببعض المجاهدين ومكث معهم بضع ليالٍ منتظرا ومتوعدا بالنصر.
مع تقدم القوات الصهيونية من مارون الرأس بإتجاه مثلث التحرير في بنت جبيل طلبت القيادة من مسؤول النقطة التي كان فيها أبو عادل إرسال اثنين من الإخوان إلى بلدة عيناثا لإرسالهم من هناك إلى منطقة مثلث التحرير لمساندة المجاهدين هناك، فقفز أبو عادل ومعه شاب آخر طالبين من مسؤول النقطة تسليمهم تلك المهمة لمعرفتهم بتفاصيلها الجغرافية من جهة ويقيناً منهم أنّ المواجهة الميدانية مع العدو بانتظارهم.
ودّع أبو عادل الإخوان في النقطة مبتسماً وضاحكاً كما يعهده الجميع دوماً، لكن احد الإخوان من أصدقائه امسك به وعانقه بحرارة باكياً، وعندما سئل بعد ذلك عن سبب بكائه قال لهم «علي مش راجع، الشهادي مبيني على وجو»
وصل أبو عادل إلى منطقة مثلث التحرير، وطلب منه أن يكمن في نقطة محددة هناك بانتظار تقدم القوات الإسرائيلية للاشتباك معها، وهذا ما حصل فعلا في ليلة ...... حيث تقدمت فرقة من المشاة إلى تلك المنطقة مرت على بعد بضع أمتار من المكان الذي يكمن فيه وفي هذه اللحظات انتزع حلقة قنبلته اليدوية ورماها على المجموعة المتقدمة التي قدر عددها بالعشرات والتي كانت متكتلة على بعضها من شدة الخوف والتوتر مما أدى إلى سقوط عدة إصابات بين قتيل وجريح في صفوف الجنود الصهاينة وبعدها بلحظات هبّ ذلك الأسد المقاوم وبمساندة إخوانه المجاهدين راكضاً باتجاه جنود العدو مطلقاً العنان لزغردة رصاص بندقيته التي كانت تفتك بالصهاينة يمنة ويسرة وتلقنهم بعضاً من بأس رجال الله في لبنان.
وما هي إلا دقائق قليلة حتى تمكن المجاهدون ومعهم أبو عادل من الإجهاز تقريبا على من تبقى من القوة المعادية التي فرّ بعضها مولولاً مذعوراً، وأصبحت تلك المنطقة مقبرة للغزاة حالها كحال معظم مناطق المواجهات التي وعد سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أنّها ستشتعل ناراً بالغزاة وتصبح مقبرة لهم.
ولكن عبق الشهادة أبى إلا أن يتنفسه أبا عادل حيث أصيب غدراً برأسه وبصدره إصابات بالغة جداً ما لبث أن استشهد بعدها بلحظات خاتماً السنوات ال ...... من عمره بالشهادة .
وما أجمله من ختام طالماً تمناه .
هنيئاً لك الشهادة يا أبا عادل، هنيئاً لأباك وأمك وإخوانك وأخواتك على هذا البطل، هنيئا لزوجتك وأشبالك على هذا الفخر، هنيئا لنا على هكذا أصدقاء.
هنيئاً لكي يا بنت جبيل، هنيئاً يا لبنان، هنيئاً لكل الشرفاء على وجه الأرض بهكذا أبطال وهكذا نصر لم يكتب إلا بالدماء الطاهرة والسواعد المجاهدة والأناس الصامدة .
كُتبت هذه القصة بتاريخ 11-07-2007 الساعة الثالثة فجراً.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية