نسرين إدريس قازان
الشهيد المجاهد: حسين محمد شلهوب (أسامة)
اسم الأم: وصال حرب
محل وتاريخ الولادة:
طير فلسيه 1/11/1979
الوضع العائلي: متأهل وله ابنة
رقم السجل: 64
محل وتاريخ الاستشهاد: الشويفات 11/5/2008
قبل أن ينطلق الاستشهادي عمار حسين حمود لتنفيذ عمليته الاستشهادية، سأله الأمين العام لحزب الله (حفظه الله) عما يحب أن يوصي، فأجابه: «أوصي أن يكون أسامة هو الاستشهادي من بعدي». كانت تلك الوصية مترافقة أيضاً مع رسالة وداع خطّها لأسامة وكانت داءً ودواءً في الآن ذاته، فالكلّ يعلم أنّ «أسامة» الذي انضم فتىً إلى سرايا الاستشهاديين، قد تعب من الانتظار، وهو الذي بدأ انتظار الرحيل منذ بلوغه الثانية عشرة من عمره.
* مشاهد في القلب
في منطقة الغبيري، ولد وترعرع حسين شلهوب ابن العائلة المتواضعة والملتزمة. وكان أبوه يصحبه منذ صغره إلى المسجد للصلاة. وقد ظلّتْ تلك المشاهد محفورة في قلب حسين حتى شبَّ.. ومع رفاق له، صار أغلبهم شهداء، انتسب إلى صفوف الكشافة، ليكون ذلك ممهداً له للالتحاق بصفوف المقاومة.
عندما قرّر أسامة ترك المدرسة، لم يكن ذلك زهداً في الدراسة، وهو الذكي الذي صار في يوم من الأيام «مدلّل القيادة العسكرية في المقاومة الإسلامية» لذكائه المتوقّد. إنّما قراره هذا كان سببه، وببساطة، رغبته في الالتحاق بدورة عسكرية تخوّله البدء بمقاومة العدو الإسرائيلي، مع أنّ ذلك كان مستحيلاً نظراً لصغر سنّه، إلّا أنه لم يترك حيلة أو وسيلة يُقنع بها المجاهدين بانتسابه، ووعدوه خيراً.
ولم يترك حسين في أيامه مكاناً للحياة الخاصة، بل اختزلها في طريق الجهاد، إذ كان في السادسة عشرة من عمره حينما بدأ بالعمل الجهادي رسمياً، بعد أن شارك في الكثير من المرابطات وهو فتى.
* «أجمل ما في الدنيا»
كان حسين رقيقاً وحساساً جداً تجاه الآخرين؛ لذا كان يتعامل معهم بحساسية بالغة. واستطاع بهدوئه الغريب أن يستوعب الكثير من الأمور، وأن يتجاوز عن الكثير من الأذى بصمتٍ وصبرٍ واحتساب. فالصفحُ كان سِمةً بارزةً عندهُ، لأنه كان متناغماً مع قراره بأنه لم ولن يكون من أهل الدنيا. ولأنّ الدنيا ليست مقرّه، فقد تركها لأهلها العابثين بتفاصيلها التي لم تزدهم عن الله إلا بعداً، وقد قال يوماً لبعض أقاربه، وهو في السادسة عشرة من عمره، فيما كانوا يتحدّثون عن الدنيا: «إنّ أجمل ما في الدنيا هو الزهد فيها»، فسأله أحدهم: «كيف؟»، فرد عليه: « بترك ما فيها»..
تعفّف وقناعة
كان حسين ينأى عن جوّ الاختلاط، حتى أنه في بعض الأحيان كان يحبسُ نفسه في الغرفة إذا لزم الأمر. وكثيراً ما كان يؤكد على والدته بعدم الحرج لقطع حديثٍ فيه غيبة أو بهتان، موصياً إيّاها دوماً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أمّا عندما كان يحين وقت الصلاة والدعاء فإنه كان يقفل الباب ويطلب من أمه أن تعتبره غير موجود وأن تعتذر لمن يسأل عنه.
تميّز حسين بقناعته وتعففه عن طلب أي شيء من أحد حتى ولو شربة ماء، وكان يصوم في بعض الأحيان، فلا يخبر والدته كي لا تهيئ له طعاماً خاصاً، وعندما تدعوه للغداء يجيبها بأنه غير جائع، لتفاجأ بعد صلاة المغرب أنه يحضر إفطاره بنفسه. وقد لاحظت أنها إذا حضّرت طعاماً لا يحبه أخبرها أنه ليس جائعاً، حتى لا يربكها بتحضير وجبة خاصة له.
* أمهر المستطلعين
بعد أن التحق حسين بصفوف المقاومة، صار يقضي معظم أوقاته في المحاور المتقدمة. وكان من أمهرِ المستطلعين، وإذا ما كانت العملية دقيقة جداً وحساسة، فلا بدّ من أن يستطلع مكانها «أسامة»، فهو كان يحفظُ تضاريس الأمكنة، ويمشيها ولو معصوب العينين.
وقد عاش كل يوم من أيامه وكأنه الأخير له، لشدة شوقه إلى الشهادة، فإذا ما بدأ رفاق الدرب يرحلون واحداً تلو الآخر، عاش غربةً لم يعرف أحد مرارتها إلا من عايشهُ عن قرب، وهو الذي حمل في معصمه ساعة توارثها رفاقه الشهداء، فالشهيد نعمة حسيكي أوصى بها للشهيد محمود حمود، الذي بدوره أوصى بها لأخيه عمار، وما كان من عمار إلا أن خلعها وتركها لحسين، إرثاً يحمل الكثير من المضامين الروحية والجهادية العالية.
* أجمل لحظات حياته
خلال فترة زمنية قصيرة، شارك في عشرات العمليات العسكريّة العاديّة منها والنوعيّة تخطيطاً وتنفيذاً، وساهم ذلك في تعرّفه إلى العديد من المجاهدين الذين استشهد بعضهم، فمن مواقع: بلاط وسجد وبئر كلاب الريحان ومحوري جبل صافي وجبل الرفيع، كان يتنقلُ حسين بغصّةِ الفاقد والمشتاق. وبعد استشهاده تفاجأ الناسُ بأنه هو من كان يظهر في كثير من العمليات العسكرية المصوّرة مموّه الوجه. ولطالما عبّر حسين عن أجمل لحظة في حياته، أنّها تلك اللحظة التي يقتل فيها جندياً إسرائيلياً، وقد منّ الله عزّ وجلّ عليه بالكثير من تلك اللحظات التي أردى فيها جنوداً إسرائيليين.
وغالباً ما تواجد حسين أثناء قيامه بعمليات الاستطلاع، قريباً جداً من الحرس أو من الآليات التي تحرس الموقع، فقبل تحرير أيار 2000، وأثناء استطلاعه لموقع «عرمتى»، في سياق التحضير لتنفيذ العملية، التقى ورفاقه المجاهدين بالقائد الكبير الشهيد «الحاج رضوان» الذي ودّعه ورفاقه. وبعد تنفيذ العملية تمّ عرضها على الشاشة، حيث يظهر حسين وقد فجر الموقع بعد انسحاب المجاهدين منه، وفيها تعرضت قدمه لرضوض قوية منعته من السير بشكلٍ طبيعي، فلم يعد إلى المنزل حتى صار باستطاعته السير جيداً، وذلك حتى لا يعرف أحد من أهله أو رفاقه أنه شارك بالعملية العسكرية.
* ستتربى يتيمة
كثيراً ما حاول والداه إقناعه بالزواج، فلم يقبل مردداً أن هدفه الشهادة لا غير، ولكنه عندما غيّر رأيه بحث عن زوجة شهيد لديها طفل صغير كي يربيه معها، فكان أن تزوّج من زوجة الشهيد باسم قشاقش، وطلب من طفلها «حسين» أن يناديه «بابا»، وصار الجميع يعرفه بـ «أبي حسين». وعندما رزقه الله طفلة أسماها «زينب»، وقال: «لو رزقني الله مئة صبي أسميتهم حسين، ومئة فتاة أسمتيهن زينب»..
«زينب» تلك الطفلة التي اتصل أسامة ليطمئن إليها قبيل استشهاده بلحظات، قائلاً لزوجته: «انتبهي إليها، فهذه الفتاة ستتربى يتيمة»، وبالفعل، ما هي إلا لحظات، ووفى حسين بما وعد به، حينما كان يقوم بواجبه الجهادي مع ثلة من رفاقه، ليختم بتلك القطرات الحمراء، سطوراً كثيرة مُلئت بالتضحية والتفاني في ساحة الجهاد، والتحق بأحبائه الشهداء، لتنتهي غربته في هذه الدنيا، وكيف لا يكون غريباً و«فقد الأحبة غربة»؟
تعليقات الزوار