Skip to main content

الشهيد حسين عبدالله العشيري

التاريخ: 31-07-2007

الشهيد حسين عبدالله العشيري

عندما يتبارى الشباب لنيل الشهادة فإن على التاريخ أن ينحني إجلالاً لتلك الأمة، وحين يصبح التهديد بالموت أو القتل من قبل نظام القمع والاستبداد دافعاً للمزيد من الحضور الشعبي في الساحة فإن على ذلك النظام أن يرحل إلى غير رجعة، وحين يتسابق الأحرار إلى الموت على اعتاب الحرية فلابد أن تتكسر الأغلال وينتهي الاستعباد

عندما يتبارى الشباب لنيل الشهادة فإن على التاريخ أن ينحني إجلالاً لتلك الأمة، وحين يصبح التهديد بالموت أو القتل من قبل نظام القمع والاستبداد دافعاً للمزيد من الحضور الشعبي في الساحة فإن على ذلك النظام أن يرحل إلى غير رجعة، وحين يتسابق الأحرار إلى الموت على اعتاب الحرية فلابد أن تتكسر الأغلال وينتهي الاستعباد.. فماذا يستطيع الطاغية عمله حين يتسابق الأبطال إلى الشهادة وثغورهم باسمة، وهممهم تفوق الجبال صلابة وثباتاً؟! وإذا كان النظام الخليفي يعترف بأنه لا يتعلم من اخطائه وتجاربه، فإن شعب البحرين قد تعلم الكثير من انتفاضته، وأدرك انه يمتلك من كوامن القوة والصمود والتصدي ما يكفي لكسر شوكة الظالمين.

 

لقد تكسرت نفوس المرتزقة أمام صمود أبناء البحرين، وطارت قلوبهم هلعاً وهم يواجهون شاباً لم يتجاوز العشرين من العمر يواجه فلولهم وحده، بدون سلاح. فها هو حسين العشيري المثخن بالجراح يناوشهم ويتحدى بنادقهم ويستهزئ بقوّتهم، وكأنه بركان متفجر لا يهدأ، أو صاعقة هابطة من السماء على رؤوس المرتزقة! صمد العملاق أمام هؤلاء الاقزام حتى اشتاقت الملائكة إلى لقائه فصعدت روحه إلى ربها صابرة محتسبة تشكو إليه ظلم الجلادين.

 

طبع الوالد المفجوع قبلة الوداع الأخيرة على جبهة ابنه الشهيد قائلاً له: "أنت مبرأ الذمة، فأبرئ ذمتي". كان جسد الشهيد حسين عبدالله العشيري ممزق الأشلاء، وقد حاول الأطباء عبثاً انقاذ حياته على مدى أسبوع كامل قبل وفاته في 18 ابريل 1995 حيث اصيب قبل ذلك بأسبوع على أيدي قوات الشغب. لقد مضى الشهيد حسين العشيري وهو يحمل سره معه حول الاصابات التي أودت بحياته كان من الناشطين في قريته على مستويات متعددة، حيث كان يقاوم الفساد والانحراف بصلابة متناهية، الأمر الذي خلق له مشاكل عديدة. وقد اتسم بروحه المقاومة وتمرده على أساليب الإدارة المتخلفة في الدوائر الحكومية. وفي أحد الأيام ذهب الشهيد مع صديق له إلى وزارة العمل بحثاً عن وظيفة. وبعد جدل طويل مع المسؤولين حدثت مشادة شديدة استدعي على أثرها رجال الأمن لفض النزاع.

 

وقبل استشهاده بأسبوع واحد قام الشهيد بعمليات بطولية عديدة حيث كان يقاوم قوات الشغب التي كانت تعتدي على القرية بشكل مستمر. ودخل في مواجهات كثيرة معهم رجع بعدها سالماً إلى منزله. وكان له دور مباشر في احدى العمليات البطولية التي حدثت في منطقته تلك الليلة، حيث رجع بعدها إلى منزله ونزع الغترة ولبس "العراقية"، ثم خرج من منزله للمرة الثانية في تلك الليلة مستعداً لمواجهة قوات الشغب. وعندما أمسكه بعض عناصرها كان هناك شهود عيان قالوا انه قاوم ثمانية منهم ببسالة وتمكن من الافلات منهم.. بعد أن أصابوه ببنادقهم وهراواتهم اصابات بليغة. وعندما عاد إلى المنزل وهو ينزف بغزارة، ولم يتمكن جلاوزة الأمن معرفته.. جاؤوا بكلابهم المدربة لتشم الدم وتتعرف المكان الذي قصده؛ في هذه الأثناء كان اخوه قد رآه على حالته المؤلمة من النزيف والجروح تملأ جسمه. فسأله: ما هذا الدم الذي على يديك؟ فأجابه: لا شيء. وبعدها اخذه إلى المستشفى الدولي في حوالي الساعة الحادية عشرة، بعد نصف ساعة من رجوعه إلى المنزل. وعندما وصل جلاوزة الأمن إلى منزل الشهيد لم يجدوه، واستطاعوا من خلال أحد عملائهم أن يعرفوا انه ذهب إلى المستشفى. فذهبوا إلى المستشفى الدولي وهددوا اخوته وشتموهم لأنهم أخذوه إلى هناك. وقد رأى الأطباء أن الضربة التي أصيب بها في رأسه خطيرة وأنها تحتاج إلى عملية عاجلة. ورفض الشهيد ذلك، إلاّ أنها أجريت له. ومنذ تلك اللحظة دخل في غيبوبة بقي فيها حتى استشهاده في الساعة الحادية عشرة من مساء 18 ابريل 1995. ذهب الشهيد ودفن سر بطولته معه دون أن يعلم أحد كيف قاوم وكيف وصل إلى المنزل في المرة الأولى ولماذا خرج في المرة الثانية، وكيف استطاع العودة إلى المنزل بعد اصابته بتلك الجروح البليغة.

 

كان يتمنى الشهادة قبل أن يفوز بها؛ فقبل أسبوعين من استشهاده قالت له ابنة اخته: ما الذي تستفيده من خروجك هذا؟ فقال: سوف أسمّى الشهيد حسين.. ويقول أصدقاؤه انه كان يتمنى الشهادة منذ زمن، وان تتشرف منطقته باستشهاد أحد أفرادها في الانتفاضة التي عمت البحرين، وقد تحقق ذلك. وكان دائم القول انه لو كانت قريته على شارع البديع (حيث المقاومة اليومية لقوات الشغب) لاختلف الأمر.. إلا أن التاريخ سوف يسجل أن قرية (الدير) أصبحت بعد استشهاده واحدة من أكثر المناطق مقاومة للقمع والارهاب الخليفي.

 

وقد قال الأطباء إن جراحات الشهيد إما أن تكون من ضربة عنيفة أو دهس بالسيارة؛ فقد كان هناك جروح في يده وفي انحاء جسمه، وكان الجرح الذي في رأسه بليغاً وقد نزف كثيراً.. وبالرغم من اعطائه ثمانية اكياس من الدم إلا أنه لم يمكن علاجه، وقد بقي أسبوعاً كاملاً في غيبوبته قبل أن تعرج روحه وهو باسم الثغر.

 

شيع الشهيد في موكب مهيب ولكن بدون حضور أحد من اخوته أو أصدقائه لأنهم اعتقلوا بسبب أخذهم الشهيد إلى المستشفى! وقد فجعت أمه بخبر استشهاده، وكان والده يردد: حسين مات شهيداً. وعندما أتوا به إلى المغتسل طلب الوالد المفجوع أن يلقي نظرة أخيرة على ابنه، وقبل جبهته وقال: "أنت مبرأ الذمة، فأبرئ ذمتي". دفن الشهيد مبتسماً حيث صعد إلى الجنان ورفرفت الملائكة ابتهاجاً بقدومه.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة