Skip to main content

حارس الثورة الفريق الشهيد الحاج محمد إبراهيم همّت

التاريخ: 02-08-2007

حارس الثورة الفريق الشهيد الحاج محمد إبراهيم همّت

قصة الولادة   حظي الشهيد محمد إبراهيم همّت بعناية خاصة من لدن أهل البيت (ع) مذ كان في بطن أمّه، وراحت يد الغيب الإلهية ترعاه وتسدّده على طول مسيرته الحياتية، حتى وفّق للشهادة وزُفّ إلى جنان الخلد

قصة الولادة

 

حظي الشهيد محمد إبراهيم همّت بعناية خاصة من لدن أهل البيت (ع) مذ كان في بطن أمّه، وراحت يد الغيب الإلهية ترعاه وتسدّده على طول مسيرته الحياتية، حتى وفّق للشهادة وزُفّ إلى جنان الخلد.

 

وقصة ولادة الشهيد كانت مثيرة للإعجاب ننقلها كما روتها والدته:

 

في خريف عام 1333 شددنا الرحال إلى كربلاء أنا وزوجي (علي أكبر) وعدد من زوار الأمام الحسين (ع). حافلتنا القديمة أوصلتنا إلى كرمانشاه، ومن هناك تحركنا إلى الحدود في خسروي حيث استمر بنا المسير ليلة ويوم. كان السفر إلى كربلاء في تلك الأيام صعباً، فالطرق ترابية والسيارات متهرئة.

 

وفي الصباح الباكر بعد أن سمح لنا أفراد الحدود العراقية بالدخول تحركنا إلى خانقين. كانت المنطقة حارة جداً وكنت أنا حامل

 

 في حينها. قبل سفرنا كان أبي يصر على ألاّ نسافر، ولكن توكلنا على الله وتحركنا. سرنا طيلة ذلك اليوم بين أتعاب السفر والحركة من ناحية وبين التراب والغبار الذي يدور داخل السيارة من ناحية أخرى، فاختلت حالتي شيئاً فشيئاً، واضطرب لذلك علي أكبر وبقية الركاب، إلا أنه من يستطيع فعل شيء في ذلك الطريق القاحل.

 

وقبل غروب الشمس وصلنا إلى مشارف كربلاء، كانت عيناي قد غارتا، حتى إذا صحوت وجدت طبيباً عراقياً فوق رأسي، فلما انتهى من الفحص قال: "لقد تلف الجنين الذي في بطنك"! كان خبراً مؤلماً، تفطر قلبي له وأحسست بشيء يقف في حلقومي. كتب الطبيب وصفة الدواء، فأخذناها وخرجنا من المستوصف. استأجرنا داراً بالقرب من المرقد بقيت فيه طريحة الفراش مدة خمسة عشر يوماً أتناول الدواء. ففقدت قواي على أثر الضعف والمرض الذي أصابني، وكان علي أكبر يقوم بتمريضي باستمرار، ويتألم لما يراه من كآبتي واضطرابي. في اليوم الخامس عشر اشتد حزني وكآبتي، فالتفت إلى علي أكبر وعيناي تفيضان بالدموع وقلت: "قطعت آلاف الكيلومترات، تحملت عناء آلاف الكيلومترات حتى وصلت إلى هنا، فإذا كنت سأفقد ولدي، فما الفرق بين حياتي وموتي"؟! فواساني علي أكبر بعض الشيء وبكيت فارتحت قليلاً.

 

وعند غروب ذلك اليوم أحسست بشوق الذهاب إلى حرم الإمام، فنادى علي أكبر سيارة، وأوصلت نفسي إلى حرم أبي عبد الله الحسين (ع) بصعوبة. فزرت مرقد سيد الشهداء (ع)، وتعلقت بالضريح بقلب منكسر، أرقت الدموع وتحدثت إليه (أبي عبد الله). ثم ذهبت إلى رواق إبراهيم، جلست إلى الأرض واتكأت على جدار الرواق ودعوت حتى أخذت عيناي الدامعتان بالانطباق ونمتُ نوماً عميقاً. فرأيت في المنام امرأة طويلة وقورة على رأسها عباءة طويلة أخذت بين يديها طفلاً، تقدمت إليّ فقمت لها باحترام بلا شعور، اقتربت مني، ووقفت وقدمت إليّ الطفل، ففاض وجودي نوراً وبهجة، وعلى تلك الحال استيقظت من النوم فجــأة، كانت يداي خاليتين ولكنني كنت على حال غريب، حدثت زوجي بما رأيت، وبعدها بقليل تحركنا إلى الدار. عدنا إلى الدار سيراً على الأقدام ولم يكن علي أكبر يصدق أني أشعر بتحسن وأستعيد قواي، بالإضافة إلى أن قلبي كان يحدثني أن ابني حي. في اليوم التالي ذهبنا إلى الطبيب فصدقني في القول، وقال لي بعد الفحص: "هذه معجزة"! وبعد مدة من عودتنا إلى "شهرضا" فتح ولدي عينيه على الدنيا. كان ذلك في الثاني عشر من فروردين عام 1334. سميناه "محمد إبراهيم". فكان من يومها نوراً يضيء دارنا.

 

النشأة

 

قضى محمد إبراهيم طفولته بين أحضان أب عطوف وأم عفيفة كريمة حنون ليدخل بعدها المدرسة. فكان في الدراسة ذا ذكاء متميز استطاع به إنهاء الابتدائية والثانوية بنجاح.

 

كان في أيام فراغه، ولاسيما في العطلة الصيفية، يعمل بكل جد لتأمين نفقات دراسته ليعين بذلك أسرته الكادحة في عيشها. كان الشهيد يبعث بفاعليته وحنانه في محيط الأسرة صفاءً وروحاً خاصة.

 

يتحدث والده عن تلك الآونة ويقول: "عندما كنت أعود إلى الدار متعباً من عملي في النهار، كانت تذهب عني كل الأتعاب والآلام برؤية ولدي، وإذا لم أره في ليلة من الليالي كان ذلك شديداً ومراً عليّ جداً".

 

كان حب محمد إبراهيم للقرآن وتعلمه يجعله يصر على والدته أن تعلمه القرآن وتساعده في حفظ السور. وحبه للقرآن هذا كان قد بلغ حداً أنه تعلم تلاوة القرآن وهو في بداية ذهابه إلى المدرسة الابتدائية، كما كان يحفظ بعض السور القصار.

 

الخدمة العسكرية

 

أنهى الشهيد المرحلة الثانوية بتفوق ليواصل دراسته في دار المعلمين في أصفهان، وبعد أن تخرج من الدار ذهب للخدمة في الجيش. يقول الشهيد ان أصعب فترة في حياته كانت خلال هاتين السنتين. كان آنذاك يتعهد بمسؤولية المطبخ في فرقة المدفعية في أصفهان.

 

وعندما حل شهر رمضان المبارك، أبلغ إبراهيم بعض الجنود ممن يشاركه العقيدة بأنهم إذا حاولوا الصيام طيلة شهر رمضان المبارك، فإنهم يستطيعون المجيء إلى المطبخ في وقت السحر لأخذ طعام السحور. ولما علم آمر الفرقة "ناجي" المعدوم بتوصية إبراهيم هذه وصيام مجموعة من الجنود، أمر بتجمع الجنود جميعاً ليتناولوا الماء جميعاً ويبطلوا صومهم. يقول إبراهيم بعد هذه الحادثة: "لو كانوا حطموا رأسي بعدة إطلاقات في ذلك اليوم لكان أحب إليّ من أن أرى بأمّ عيني ما يأمر به هؤلاء الغافلون لنهتك حرمة أقدس فرائض ديننا ونستهين بالتكليف الإلهي"! إلا أن هاتين السنتين لم تخلوا من خير ومصلحة لشخص من أمثال إبراهيم، ذلك أنه استطاع في هذه الفترة التعرف إلى بعض الشباب المثقف الثوري المعارض لنظام الشاه والتوصل إلى بعض الكتب الممنوعة (بنظر الساواك ونظام الطاغوت الغاشم).ٍ كانت قراءة إبراهيم لهذه الكتب ــ والتي جرت بالسر عن طريق بعض الأصدقاء ــ قد تركت أثراً عميقاً في روحه وساعدت على صقل أفكاره واختياره لطريقه بوضوح. كما كانت مطالعته لتلك الكتب واحتكاكه ببعض الأصدقاء حافزاً إلى بداية نشاطه ضد نظام الشاه وعمله على توعية الناس والكشف عن الوجه الحقيقي لنظام الطاغوت.

 

فترة التعليم

 

بعد أن انتهى الشهيد من الخدمة العسكرية وعاد إلى بلدته، أخذ يعمل في سلك التعليم. فأخذ بالتعليم في القرى لتنشئة أبناء هذا البلد؛ وفي هذه الفترة تعرف إبراهيم إلى بعض علماء الدين الملتزمين الثوريين لتتضح له شخصية الإمام الخميني (ره) أكثر من خلال معاشرتهم. على أثر ذلك، أخذ يعمل على تعريف طلاب المدارس ــ وهم بتلك النفوس الطاهرة ــ بمعارف الإسلام والأفكار الثورية للإمام الخميني (ره).

 

كان يسعى كثيراً إلى ترغيب الطلاب في المطالعة والتثقيف الذاتي، ولأجل ذلك جاءته عدة إنذارات من قبل الساواك، إلا أن الروح الكبيرة والشجاعة التي كان يحملها جعلته لا يعبأ بكل تلك الإنذارات ويواصل مسيره وهدفه بكل عزيمة وقوة ولا يتوانى لحظة عن توعية تلامذته وإرشادهم. 

 

وبتصاعد حركة الثورة الإسلامية تدريجاً، حمل إبراهيم لواء الشباب المجاهد في شهرضا. وبعد انتقاله للتدريس في شهرضا، ارتبط بالحوزة العلمية في قم وأخذ يتردد باستمرار على مدينة قم من أجل تلقي التوجيهات ولقاء العلماء واستلام البلاغات.

 

كانت كلماته القوية التي يلقيها ضد نظام الشاه ومن دون اكتراث بعواقبها قد دعت رجال الساواك إلى ملاحقته، بحيث كان يتنقل من مدينة إلى أخرى هرباً من الاعتقال؛ فذهب أولاً إلى فيروزآباد وقام في المدة الوجيزة التي أقامها هناك بدعوة الناس وإرشادهم. بعد ذلك ذهب إلى ياسوج، فلما جاؤوا لاعتقاله هناك توجه إلى دوگنبدان ومنها إلى الأهواز ليسكن فيها. في تلك الفترة كانت مختلف طبقات الشعب تعرب عن اعتراضها على نظام الشاه وأعماله الوحشية، ولذلك أحس إبراهيم أنه لا بد من العودة إلى شهرضا لتنظيم التظاهرات هناك.

 

وبعد أن عاد إلى بلدته أخذ يبذل ما في وسعه لجر الناس إلى الشوارع والتظاهر ضد نظام الشاه، حتى انتهت إحدى تلك التظاهرات الحماسية الجماهيرية بمقررات مهمة كان أحدها حل جهاز الساواك في المدينة، حيث قرأ الشهيد تلك المقررات بنفسه. على أثر ذلك أصدر الحاكم العسكري في أصفهان الفريق المعدوم "ناجي" حكماً بإعدامه.

 

كان رجال النظام يحاولون اغتيال هذا الرجل المؤمن الشجاع بشتى الطرق، ولكنه كان يغير ملابسه وشكله ليواصل تحركه ضد النظام إلى أن انتصرت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (ره). 

 

نشاطه بعد انتصار الثورة الإسلامية

 

كان للشهيد همت دور كبير من بعد انتصار الثورة الإسلامية في إعادة النظام إلى بلدة شهرضا والدفاع عنها وتشكيل لجنة الثورة فيها. وهو ممن اسس حرس الثورة فيها بالتعاون مع اثنين من إخوته وثلاثة من أصدقائه.

 

لقد استطاعوا بحنكتهم وتدبيرهم ونفوذهم في المدينة أن يحصلوا على مكان جعلوا منه مقراً للحرس ليأتوا بكميات من الأسلحة من الشرطة إلى هذا المقر ويستعينوا بالناس في سد ما يحتاجون إليه.

 

وبالتدريج أخذت عناصر حزب الله بالدخول في عضوية الحرس، حتى إذا أخذت تشكيلات الحرس شكلها هناك، تكفل الشهيد بمسؤولية العلاقات العامة فيها.

 

وبهمة هذا الشهيد البطل والعمل الدؤوب لأفراد الحرس، تم في عام 1358 إلقاء القبض على الأشرار في أطراف البلدة ممن كان يشكل مصدر إيذاء للناس وأُحيلوا إلى محكمة الثورة الإسلامية ليتم بذلك تطهير البلدة من لوث هؤلاء الأوغاد والمهربين.

 

ومن أعماله الرئيسة في تلك الفترة هو تنظيمه للنشاطات الثقافية والإعلامية في المنطقة، الأمر الذي كان له دور كبير في توعية الشباب وزرع روح الثورة في نفوسهم.

 

وبمقتضى الضرورة والتجربة التي كانت له في الشؤون الثقافية، توجه الشهيد في أواخر عام 1358 إلى خرمشهر ومن ثم إلى بندر جابهار وكنارك "في محافظة سيستان وبلوجستان" ليمارس نشاطه الثقافي هناك بفاعلية كبيرة.

 

دور الشهيد في كردستان ومواجهة أعداء الثورة

 

في عام 1359 توجه الشهيد همت إلى كردستان التي ابتليت بعض مناطقها بزمر عميلة، فتوكل على الله وأخذ بعزم راسخ بشن حرب لا هوادة فيها ضد عملاء الاستكبار العالمي والزمر المأجورة هناك حتى ضاق عليهم الخناق يوماً بعد يوم؛ فقد كان يحاول قدر وسعه اجتذاب الجماهير الكردية المحرومة وحل مشكلاتها، كما كان يعنى كثيراً بمواجهة الفقر الثقافي في المنطقة. وعندما أراد الرحيل أخذ أهلها بالبكاء، بل وتجمعوا معبّرين عن عدم رضاهم بتبديل هذا الرجل.

 

كانت شجاعته قبال الزمر المناوئة تستحق الثناء والتقدير؛ ففي ضوء الإحصائيات التي جاءت في مذكرات الشهيد، قام حرس الثورة في باوه من مهر عام 1359 إلى دي 1360 (بقيادته الحكيمة) بــ 25 عملية ناجحة في تطهير القرى من لوث الأشرار، وتحرير المرتفعات ومواجهة قوات النظام البعثي.

 

جانب من ذكريات الشهيد في كردستان بقلمه

 

"في السابع عشر من مهر 1360 وبعون الله ومنه والتعاون المتواصل لحرس الثورة الأبطال في مريوان، تم تطهير منطقة (اورامان) مع سبع قرى محرومة تابعة لها، وبإرادة الله وإمداده الغيبي تم القضاء الكامل على (حزب رزگاري)؛ نحو من 300 شخص من القوات التعيسة سلمت لقوات الإسلام، و100 شخص لقوا مصرعهم، وحصل جند الإسلام على أكثر من 600 قطعة سلاح.

 

لقد قام الحراس الأبطال بهمتهم ورجولتهم بكسح القذرين الخبثاء من منطقة نوسود وباوه، وتواصل هذا التطهير والكسح للمجرمين القذرين إلى حدود العراق.

 

هذا الانتصار وتقهقر الأعداء جاء في العمليات الكبرى والعظيمة "محمد رسول الله" (ص) وبرمز "لا إله إلا الله".

 

خلال جهاد لا هوادة فيه على مدى سنة، قام 362 من المضللين (الديمقراطيين، الكومله، الفدائيين، الرزگاري) بتسليم أنفسهم إلى حريم الإسلام في باوه بكل أسلحتهم المخربة الهدامة، وتم تزويدهم بكتب أمان.

 

وتزامناً مع تسليمهم، قام 44 من الجنود والمراتب العراقيين باللجوء إلى أحضان جند الإسلام وتم نقلهم إلى طهران.

 

منطقة باوه ونوسود تحولت إلى جهنم محرقة للأشرار ممن لا يعرفون الله، وأخذت قوة هؤلاء الخبثاء الشياطين بالاضمحلال بحيث لم يجدوا سبيلاً للنجاة سوى التسليم أو الفرار.

 

وفي أمد وجيز تحولت تلك الديار المتشنجة المضطربة، التي غدت ميداناً يجول فيه الأشرار ويصولون، إلى ديار أمن وسلام.

 

الشهيد همت والدفاع المقدس

 

مع بداية الحرب المفروضة من قبل النظام البعثي المتجاوز، دخل الشهيد همت ميدان القتال، فاستطاع خلال فترة حضوره في جبهات القتال تقديم خدمات مشكورة وخلف وراءه المفاخر؛ فقد كُلف هو وحارس الثورة البطل "الحاج أحمد متوسليان" من قبل القائد العام لحرس الثورة، بالتوجه إلى الجبهة الجنوبية وتشكيل لواء محمد رسول الله (ص).

 

وفي عمليات الفتح المبين الشاملة تعهد شهيدنا البطل بجانب من هذه العمليات، فكان النجاح الذي تكللت به عمليات المنطقة الجبلية "شاوريه" رهين التضحية والجهد الذي بذله هذا الشهيد الكبير ورفاقه.

 

كان الشهيد همت في عمليات بيت المقدس المظفرة معاون آمر لواء محمد رسول الله (ص)، وقد بذل جهداً مشكوراً في كسر حصار طريق شلمچه ــ خرمشهر، ويمكن القول بحق انه كان له ولقواته دور كبير في فتح خرمشهر، وعلى الرغم من أن منطقة العمليات كانت سهلية فإن الشهيد الحاج همت استطاع استخدام أفضل الأساليب العسكرية ليمارس قيادته بالشكل المطلوب.

 

في عام 1361 توجه إلى لبنان من بعد اشتعال فتيل الحرب والفتن في جنوبها، وذلك لمساعدة المسلمين المنكوبين من أهلها الذين اجتاحتهم إسرائيل بهجوم غادر، فقضى هناك شهرين، عاد من بعدهما إلى الوطن الإسلامي، وإلى محور الحرب والجهاد.

 

مع بداية عمليات رمضان في تاريخ 23/4/1361 في منطقة " شرق البصرة" أخذ الشهيد على عاتقه قيادة لواء 27 الرسول (ص)؛ من بعد ذلك قاتل العدو الغادر ببسالة في عمليات مسلم بن عقيل ومحرم حيث كان آمر مقر ظفر. في عمليات والفجر التمهيدية كان الشهيد همت مسؤول الفيلق الحادي عشر ــ القدر، والذي كان يشمل الفرقة 27 محمد رسول الله (ص)، والفرقة 31 عاشوراء، والفرقة 5 نصر، واللواء 10 سيد الشهداء (ع).

 

كانت سرعة عمل قوات الفرقة 27 وصلابتها بقيادته في عمليات والفجر 4 وسيطرتها على مرتفعات " كاني مانگا" في تلك المحاور، لا يمكن محوها من الذاكرة.

 

كانت صلابة هذا الشهيد البطل وقوته وعزمه الذي لا ينسى مع قوات فرقة محمد رسول الله (ص) في عمليات خيبر في منطقة الطلائية وسيطرتهم على جزائر مجنون والمحافظة عليها على الرغم من الهجومات المضادة الشديدة للعدو، هي من مفاخر تاريخ الحرب.

 

مقاومة القوات في تلك الجزر تستحق الثناء إلى حد أن آمر الفيلق الثالث في العراق كان قد قال في تصريح له: "... لقد ألقينا من النيران على جزر مجنون وقصفناها بالقنابل بشدة بحيث لم يبق من جزيرة مجنون سوى تل من الرماد".

 

إلا أن الشهيد همت من دون خوف من العدو وعلى الرغم من السهر المتواصل، كان يواصل تفكيره بأداء التكليف وتنفيذ أمر الإمام الخميني في حفظ الجزر مخاطباً قوات التعبئة بقوله:

 

"أيها الإخوة، مسألتنا اليوم مسألة الإسلام وصيانة حريم القرآن. ولا شك في أنه إما يجب أن نرفع إلى أكتافنا راية عاشوراء الحسينية الحمراء (ع) ونحرس قدسية مذهبنا وبلدنا وناموسنا ونجهد في الحفاظ على الجزيرة بدمنا ولحمنا، أو أن نرفع راية الذل والتسليم أمام أعداء الله ونقبل هذا الذل والهوان لعقيدتنا المقدسة؛ اني واثق بأنكم تطلبون الحرية والشرف، لا الذل والهوان".

 

امتيازات الشهيد

 

كان عارفاً مستقيماً، ومضحياً بطلاً، وأسوة للآخرين، حيث لم يكن يفكر بغير الله، ويجهد ليل نهار في سبيل هدفه الكبير ونيل رضا الله تعالى، ويستقبل أصعب المهمات العسكرية برحابة صدر واندفاع وهدوء.

 

يقول نائب القائد العام لحرس الثورة الأخ رحيم صفوي في الشهيد:

 

"كان إنساناً يعمل لله ويمتاز بإخلاصه في العمل، كان أحد أفراد الدرجة الأولى ممن تُعهد إليهم المهمات الصعبة باستمرار".

 

كان الحاج همت كمالك الأشتر، خاضع لله وللإخوة من قوات التعبئة، وكالأسد في مواجهة الأعداء بحيث يصدق عليه قوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}. كان الشهيد همت ممن افتدى كل شيء من أجل الثورة؛ كان يؤمن بالولاية إيماناً كاملاً وعلى استعداد للتضحية بنفسه على هذا الطريق، حيث كانت عاقبته كذلك. كان يوصي دوماً بتطبيق أوامر القادة بكل دقة؛ عندما كان يبلغ بأمر كان يدافع عنه وإن كان على خلاف رأيه.

 

"كان لإبراهيم روح رقيقة عبادية دعائية منذ الطفولة".

 

يقول والد الشهيد:

 

"لم يترك محمد إبراهيم صلاته أبداً من سن العاشرة حتى شهادته في مختلف المنعطفات السياسية والعسكرية. عدنا يوماً إلى الدار من سفر طويل متعب، وبعد استراحة قليلة دخل الليل، فقام إبراهيم تلك الليلة ــ على كل تعبه ــ يصلي ويدعو حتى الصباح. وعندما أوصته أمه أن يستريح قليلاً قال: أماه، كنت على حال عجيبة، ليتك لم تأتِ وتسلبي مني تلك الحالة الروحية الجميلة"!

 

هذا الإنسان الورع لم يترك الدعاء إلى آخر لحظة من حياته؛ كان يقدم الصلاة في أول الوقت على كل شيء، ويشكل القرآن والتوسل دأبه اليومي. لقد افتدى حقاً كل شيء لأجل الثورة. الأمر الذي لم يكن له وجود في حياته هو النوم والطعام والراحة. في الوقت الذي كان يذهب فيه إلى قمشه "شهرضا" للقاء أهله لم يكن يدع لحظة لا يقوم فيها بحل مشكلات الناس، وكان دائماً يفكر بتقديم خدمة لخلق الله.

 

كان يحترق كالشمع ويفيض بالحركة كالنبع ولم يكن ليهدأ عن التحرك قط؛ كانت روح التضحية والاستقامة فيه عجيبة حتى إنه كان يعطي مؤنته وحصته من اللباس إلى غيره ويقنع بالقليل مجيباً من يسأله لماذا يمنح مؤنه وملابسه وهو بحاجة إليها، بقوله: مضت عليّ خمس سنوات وأنا عندي معطف لا زال بالإمكان استخدامه".

 

كان قائداً مدبراً حكيماً؛ كانت له قدرة عجيبة في الإدارة، إدارة سليمة في تنظيم الأعمال والقوات. ومع أنه كان يولي أهمية للقضايا العاطفية والأصول الإدارية ويعمل بهما، إلا أنه كان في الوقت ذاته صارماً في القيادة. كان يقوم بتوجيه القوات التي تحت أمره بشكل جيد، كما كان يتابع ويراقب بشكل جيد أيضاً؛ فمن يقصر في أداء الأوامر يستجوبه، ومن يؤدي مهمته بشكل جيد يشجعه.

 

كانت رؤيته السياسية بعداً آخر من شخصيته الرفيعة؛ كان يفكر بلبنان وفلسطين وكل الدول الإسلامية التي تعاني من تسلط الأعداء، وكان على قدر من الاطلاع على ما يجري فيها كأنه عاش فيها سنوات طوال يقاوم أعداء الله ورسوله! وكان على الرغم من كثرة مشاغله لا يهمل المطالعة، وذا رؤية سياسية واضحة في قضايا السياسة المعاصرة.

 

من المميزات الأخلاقية للشهيد همت هو تعامله الودي مع قوات التعبئة المضحية؛ كان يعشق قوات التعبئة ويجل ويشكر في كلماته هؤلاء المجاهدين المخلصين باستمرار.

 

عندما كانوا يأتون له في خنادق القتال بطعام حار، كان يتساءل هل تأكل قوات الخط المتقدم وغيرهم من المقاتلين في المواضع هذا الطعام نفسه أو لا؟ وقبل أن يطمئن من أن سائر القوات تأكل من هذا الطعام نفسه لا يمد يده إليه!

 

كان الشهيد همت يوصي المسؤولين دوماً برعاية حقوق قوات التعبئة؛ وهو إذ كان يحمل روحاً عالية من التضحية والاستقامة الفريدتين، كان في تعامله وأخلاقه ــ في الحقيقة ــ معلماًً نموذجياً وقدوة صالحة لحراس الثورة وقوات التعبئة، وكان ممن يعمل بما يقول. والسر في حب القوات له ينشأ من هذا السبب. لم يكن الشهيد يتردد عن تقديم أي عمل، قائداً كان أو لا. كان همت مقاتلاً، كان رجل حرب ومعلماً مستقيماً.

 

يقول الشهيد حجة الإسلام والمسلمين محلاتي في وصف الشهيد:

 

"كان إنساناً يعمل لله وذا أعمال فاضلة. كان يتعهد بأصعب الأعمال في الفرقة والجبهة، كان رجلاً مؤمناً ومخلصاً، وسيكون في الآخرة شفيعاً لنا إن شاء الله.

 

كان الشهيد الحاج همت يتعهد بأصعب الأعمال وأعقدها، رحمه الله، كانت أعماله بحساب وتستحق الإجلال والتكريم. لم يكن في هذه الحرب معركة أشد ولا أصعب ولا أكثر استنزافاً للقوى من حرب خيبر في جزر مجنون؛ وفي تلك الظروف العصيبة المخيفة المروعة، كان الشهيد الحاج محمد إبراهيم همت قائد ميدان القتال، وقاد الحرس بأعجوبة وغرابة بالغتين".

 

شهادته

 

قال الشهيد همت في عمليات خيبر لإخوانه:

 

"لا بد من المقاومة ومنع الأعداء من استعادة المناطق التي تمت السيطرة عليها؛ فإما أن نستشهد هنا جميعاً وإما أن نحافظ على جزيرة مجنون".

 

فوقفت قوات الفرقة بكل قواها تقاوم الأعداء برجولة، فتقدم الحاج همت ليتفقّد وضع جبهة التوحيد عن قرب، فسقطت قذيفة مدفعية بالقرب منه ليلبي بذلك هذا البطل ومعاونه ــ الشهيد أكبر زجاجي ــ دعوة الحق تعالى ويلتحق بالرفيق الأعلى في 24/12/1362 في عمليات خيبر.

 

ويجدر هنا أن نختم الحديث عن حياة هذا الشهيد التي كان ملؤها البطولة والتضحية بأمل الشهيد الخالد من لسان زوجته:

 

"قال لي الحاج همت: لقد دعوت الله تعلى في مكة ألاّ أصبح أسيراً ولا معوقاً ولا جريحاً، فقط إذا بلغت لديه من العزة بحيث أكون أحد أوليائه وأحظى بصحبة رسول الله (ص)، عندها استشهد في مكاني بحيث لا يبقى لي وجود بعدها حتى للحظة واحدة".

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة