تمر هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد مراسل وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء أرنا الزميل محمود صارمي في أفغانستان على يد جماعة طالبان وذلك في 8 اغسطس آب عام 1998.
الشهيد صارمي كان قد انتقل قبل هذا التاريخ من العاصمة الأفغانية كابول بعد سيطرة طالبان عليها إلى مدينة مزار شريف، وواصل عمله هناك من داخل القنصلية الإيرانية ظنا منه أنه سيكون في مكان آمن.
قبل شهادته بدقيقتين فقط كان صارمي يرسل آخر الأخبار حول سقوط مزار شريف بيد طالبان، وآخر خبر بث له على الخدمة الإخبارية لارنا في طهران كان ما يلي:
" اليوم هو 8 آب اغسطس عام 1998 هنا مبنى القنصلية الإيرانية في مزار شريف أنا محمود صارمي مراسل وكاله الجمهورية الإسلامية للأنباء، قبل لحظات دخلت جماعة طالبان إلى مدينه مزار شريف " خبر عاجل : مزار شريف سقطت بيد طالبان ". أرى مجموعة من عناصر طالبان في باحة القنصلية اخبروني ما الذي يجب فجأة انقطع الاتصال وسكت صارمي إلى الأبد أما سبب سكوته لم يكن خوفا بل وابل من الرصاص أطلقته عليه عناصر من طالبان فاخترقت قلبه ورأسه فسقط مضرجا بدمه شاهدا على الظلم الذي استوطن أفغانستان والجهل الذي عسكر بساحتها.
(لا يخفى على القارئ أن جماعة طالبان وتنظيم القاعدة هما صنيعة أمريكا، لكن هذا الوليد المشؤوم تمادى في غيه لينقلب السحر على السحر ).
سقط الشهيد صارمي ولسان حاله يقول لا عذر للصحفي إذا ما جف قلمه فلبيان الحقيقة هناك ما هو أكثر وقعا ووضوحا من المداد، هو الدم، فإذا ما كتب شيئا سيبقي نبراسا يفيء طريق السالكين، كما رسم لنا زميلنا صارمي يومنا هذا.
إن جريرة صارمي هي أنه كان شاهدا على ظلم وجرائم طالبان يحق الشعب الأفغاني المنكوب بهم، فكان لابد من إخفاء هذا الشاهد الذي دفع ثمن الحقيقة التي نقل جانبا كبيرا منها للعالم اجمع.
إن شهادة صارمي جاءت تأكيدا لحقيقة أن للكلمة الحرة أعداء بالفطرة وفي مقدمة هؤلاء الأعداء يأتي المستعمرون والظلاميون والإرهابيون، فأخوف ما يخافونه هؤلاء هي الحقيقة والكلمة الصادقة التي تعريهم على حقيقتهم، وهو ما لا يطيقهم هؤلاء، الذين يسعون إلى إبقاء عباد الله أسرى الجهل المطبق لتمرير بضاعتهم الكاسدة الفاسدة. لذا ليس من باب الصدفة أن يقصف المستعمرون المؤسسات الإعلامية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان ويرتكبون أبشع الفظائع بحق الصحفيين تحت ذرائع شتى، كما تستهدفهم القوى الظلامية والجماعات الإرهابية بذات الذرائع.
ليس من باب الصدفة أيضا أن يكون الزميل محمود صارمي هدفا لجماعة متعصبة متخلفة مثل طالبان كما كان زميلنا كاظم إخوان الذي اختطف في بيروت عام 1982 هدفا لمجموعة إرهابية متعصبة، فالمجموعتان تشتركان في خدمة المستعمر والقوى الاستكبارية عن قصد أم غير قصد.
أخيرا يبقى يوم الصحفي، يوما للحقيقة وللكلمة الحرة وعبرة ودرسا للجميع، للصحفيين، ليعرفوا دورهم وكيفية تعاملهم مع ما يدور من حولهم وللمسؤولين في أي بلد كان، ليتعاملوا مع الصحفيين كعنصر ايجابي يكشف لهم عن نقاط قوة وضعف ما يدور من حولهم ويساعد على إصلاح المجتمع وحل مشاكله، وللمستعمرين والقوى الظلامية والإرهابيين، إن من الغباء الاعتقاد أن بالإمكان قتل الحقيقة إذا ما قتل الصحفي، فالحقيقة تتكشف أكثر بمقتله وأن فضيحة قاتله ستكون مدوية أكثر مما هي مدوية. فدماء الصحفيين والإعلاميين أكبر وقعا من مدادهم، فسلام على شهيدنا صارمي في اليوم الذي صنعه لنا، وسلام على من كتب بدمه.
تعليقات الزوار