Skip to main content

طريقة انتخاب الرئيس في الحكم الإسلامي

التاريخ: 07-03-2009

طريقة انتخاب الرئيس في الحكم الإسلامي

الحكم الإسلامي قائم على أساس فطرة الإنسان، الفطرة الأصيلة التي جُبل الإنسان عليها، والتي تهدف في قرار ذاتها إلى تأمين مصالح الحياة المشروعة في وئام وسلام

الحكم الإسلامي قائم على أساس فطرة الإنسان، الفطرة الأصيلة التي جُبل الإنسان عليها، والتي تهدف في قرار ذاتها إلى تأمين مصالح الحياة المشروعة في وئام وسلام.

 

الإنسان مفطور على الاستقامة وحب السلام، ومن ثم فإن أصالته الذاتية لتقوده دائماً إلى تحقيق العدل في الجامعة وسيادة الأمن في البلاد.

 

هذا ما يقتضيه العقل الرشيد الذي فطر الإنسان عليه وجاء الأنبياء لدعمه وإثارة ما في طيّه من طاقات:

 

قال أمير المؤمنين (ع): ((فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول)).

 

وقال الإمام موسى بن جعفر (ع) لابن الحكم: ((يا هشام، إن لله حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (ع) وأما الباطنة فالعقول)).

 

وليس العقل سوى تلك الطاقة الكامنة في الإنسان التي تحفز به دوماً إلى سلوك الحق واختيار النهج الأفضل في الحياة، تلك الحفزة التي قامت بها الأنبياء والمصلحون الكبار طول التاريخ.

 

إنّ من أصول عقيدتنا: أن الأحكام الشرعية الإلزامية منها وغير الإلزامية، لتنم جميعاً عن مصالح واقعية تعود بالنفع الكبير ـ إن معنوياً أو مادياً ـ إلى البشرية ذاتها، وقد لاحظها الشارع الحكيم لطفاً بعباده المؤمنين.

 

إنّ هذه العقيدة بمقام حكمة الشارع المقدس وعلمه بالمصالح والمفاسد، إلى جنب رأفته، ورحمته الواسعة، لتقود بنا إلى اليقين بمصالح كامنة وراء التكاليف وأن الأحكام الشرعية إنما هي حدود مضروبة دون سيادة الفوضى وشيوع الفساد في الأرض.

 

وقد قيل قديماً: ((إن الأحكام الشرعية هي ألطاف في الأحكام العقلية)) أي الشريعة هي بعينها منهج العقل الرشيد.

 

وعليه فالقوانين الإلهية هي ذات طابعين: طابع شرعي، لاحظه الشارع المقدس مصلحة للعباد، وطابع عقلي أدركته الفطرة السليمة سعادة للإنسان. الأمر الذي برهنت عليه فلسفة الوجود، وأيده العلم عند كشفه كثيراً من أسرار الحياة ولا يزال.

 

وعلى نفس النمط كان شأن (نظام الحكم) الذي منح به البارئ الحكيم لتنظيم حياة الإنسان المادية والمعنوية، ذلك هو النظام الصالح للإنسانية، والموافق لفطرتها في تسيير الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة، وهو صراط الله المستقيم ﴿وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الأنعام/ 153.

 

وبعد ... فإذا أكن تعيين الحاكم من قبل الله تعريفاً به وإرشاداً إلى ما حكمت به الفطرة، لا تحميلاً على إرادة الإنسان ورغم اختياره الخاص، فهذا التعيين ـ أو بالأحرى هذا التعريف ـ على نوعين:

 

1 ـ تعيين بالتنصيص: كما في شأن الأنبياء والأئمة والأوصياء (ع) حيث مقام العصمة سر لا يطلع عليه سوى علاّم الغيوب.

 

وذلك لأن العقل يشترط في مبلغ الشريعة (النبي) وحافظها (الإمام) أن يكون معصوماً، تلك العصمة التي هي عناية ربانية خاصة تحول دون ارتكاب خطأ أو احتمال سهو أو اشتباه في بيان الشريعة وأدائها وتفسيرها. العقل يشترط ذلك، وحيث لا سبيل له إلى معرفة تحققه في شخص مدعي النبوة أو الإمامة، فاستدعت قاعدة اللطف أن يقوم الباري تعالى بتعريفه والتنصيص عليه تكريماً بمقام العقل ورحمة بالعباد.

 

ومن ثم لابد أن يستصحب النبي معجزة هي دلالة على تبليغه من قبل الله، كما يجب أن ينص النبي على خلفائه المعصومين بالتصريح والبيان الجلي.

 

2 ـ تعيين بالتوصيف، كما في شأن ولاية الفقهاء الأكفاء.

 

والشرط في ولاية الفقيه أن يكون عادلاً في سلوكه عارفاً بمواقع الشريعة. الأمر الذي يمكن الاطلاع عليه بالمعاشرة والمراقبة على تصرفاته في أمور المعاش والمعاد، لأن العدالة عبارة عن الالتزام بآداب الشريعة في الأقوال والأفعال في الخلاء والجلاء، مما يمكن الوقوف عليه في طول المعاشرة.

 

كما أن الشريعة المقدسة جاءت بأوصاف الفقيه الولي إن هي وجدت فيه فهو ولي المؤمنين حقاً: ((فأما مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)).

 

وهي شروط معتبرة لدى العقل وتوافقت عليها الفطرة أيضاً، حيث الإطاعة المطلقة في شؤون الدين والدنيا، تستدعي كفاءة الولي المطاع وعدالته، فلا تغلبه الأهواء ولا تنعطف به النزعات.

 

تلك طريقة وسطى بين الانتصاب والانتخاب، هي طريقة العثور والوجدان. لا نصب من فوق ليكون انتصاباً رغم إرادة الشعب، ولا إيكال مطلق إلى رعاع الناس، ليكون انتداباً مخالفاً لارادة الله. وإنما هي طريقة انتخاب العقل الذي توافقت عليه الفطرة إلى جنب شريعة الله. فالذي من الشارع هو بيان أوصاف ولي الأمر، والذي من الناس هو الفحص عن واجد الأوصاف كملا حقيقة، ثم انتخابه زعيماً وقيماً على أنفسهم.

 

انتخاب أم وجدان؟

 

وهذا النمط من طريقة انتخاب الزعيم في الحكم الإسلامي، هو في الحقيقة طريقة العثور على جامع أوصاف اعتبرها العقل الرشيد والشرع الحكيم في شخصية الزعيم، الأمر الذي انجذب إليه الإنسان الواعي بدافع فطرته وبحافز من هدي السماء جميعاً. فهذه الطريقة في الواقع تعرف عن ضالة منشودة، وطلب حثيث عن مطلوب معروف بحدوده ونعوته من ذي قبل لدى الشريعة والعقل.

 

الزعيم في الحكم الإسلامي شخصية فذة يمتلك صفات ونعوتاً أهلته لزعامة المسلمين، وعلى المسلمين أنفسهم الفحص عنه والتأكد من تحقق تلك الصفات في شخصه.

 

تلك هي الطريقة الوسطى التي لا تحميل فيها رغم الأنوف، ولا إيكال إلى اختيار غوغاء العوام، كي يخبطوا خبط عشواء أو يميلوا مع كل ريح.

 

انظر إلى التعبير الذي جاء في الحديث، حيث أعطى الإمام (ع) أولاً صفات، وشرط توفرها في الفقيه الصالح للمرجعية، ثم قال: ((فللعوام أن يقلدوه)) أي مَن كان مستجمعاً لتلك النعوت كان صالحاً لتحمل مسؤولية ولاية الآمر. لأن التقليد عبارة عن جعل المسؤولية في رقبة الغير والعوام جمع العامة لا العامي أي على كافة الناس بأجمعهم أن يكونوا في طلب فقيه كفوء عادل فيقلدوه مسؤولية أمرهم في الإدارة والسياسة.

 

ولم تزل العادة جارية عند الشيعة الإمامية ينتدبون لمقام الزعامة من يجدونه مستجمعاً للشرائط فيختارونه مرجعاً أعلى في جميع شؤون الطائفة، لا تحميل عليهم في تولي الرئاسة، ولا هم يخبطون خبط عشواء بعد أن كان انتخابهم على ضوء الأوصاف المتلقاة من الشارع المقدس وقد ساعدهم التوفيق طول عهد الغيبة، حيث كان تصدي المرجعية لفقهاء أكفاء دائماً في جميع الأدوار، إذ لا تخلو الأرض من حجة لله ظاهرة على الخلق، وفق قاعدة اللطف.

 

ـــــــــــ

 

* المصدر: ولاية الفقيه (أبعادها وحدودها).

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة