Skip to main content

كيمياء الشعوب واقدار الأنظمة

التاريخ: 28-02-2011

كيمياء الشعوب واقدار الأنظمة

رحم الله الشيخ المرحوم عبد الحميد كشك عندما خاطب شاه إيران المخلوع وهو راقد في احدى مستشفيات قاهرة المعز وشاه مصر الذي استقبله يومها رغم إرادة شعب الكنانة ظنا منه انه سيحفظه من مطاردة الثوار وإرادة الشعب, بالقول: "لقد جاء قدرك وحان اجل رحيلك ولن يمنع ذلك كل استخباراتك ولا استخبارات صديقك ولو أضيف إليها كل مخابرات العالم لحمايتك فعزرائيل سيخترق كل الحواجز وينـزع روحك" وقد فعل

رحم الله الشيخ المرحوم عبد الحميد كشك عندما خاطب شاه إيران المخلوع وهو راقد في احدى مستشفيات قاهرة المعز وشاه مصر الذي استقبله يومها رغم إرادة شعب الكنانة ظنا منه انه سيحفظه من مطاردة الثوار وإرادة الشعب, بالقول: "لقد جاء قدرك وحان اجل رحيلك ولن يمنع ذلك كل استخباراتك ولا استخبارات صديقك ولو أضيف إليها كل مخابرات العالم لحمايتك فعزرائيل سيخترق كل الحواجز وينـزع روحك" وقد فعل. هذه هي حال كل حكام الاستبداد والفساد والإفساد والتبعية والخراب في كل بلاد العرب والمسلمين اليوم ولن يحميهم جبروت مخابراتهم ولا قواتهم الأمنية أو العسكرية ولا كل جيوش الأرض لو اجتمعت من اجل حمايتهم من غضب شعبهم, لأن مقتضيات السنن الكونية تقضي بذلك ولا راد لقضاء الله عندما يحين وخلاص.

 

وهذا القضاء والقدر المحتوم لا ولن يستثني أحدا مهما كانت لغته أو خطابه أو عرقه أو شعاراته أو الوعود التي قد يكذب فيها على شعبه لفترة حتى لو كان باسم الدين.

 

أقول هذا لأن ثمة من قد يكون الأمر اختلط عليه في لحظة اضطراب أحوال الأمة في ظل ثورات الغضب المتسعة والمتلاحقة لشعوب المنطقة ضد رموز الاستبداد والفساد والتبعية والخراب في بلادنا, وقد يكون قد أضاع اتجاه البوصلة أو يكاد.

 

إذ كيف يمكن أن تثور شعوب متنوعة في بيئتها وفي نمط حكامها الذي منها ما هو جمهوري ومنها ما هو ملكي ومنها ما هو برجوازي ليبرالي ومنها ما هو اشتراكي من جهة ثم من جهة أخرى كلما تتقدم هذه الشعوب في تحقيق مكاسب على طريق الثورة كلما "تنضم" أصوات استعمارية غربية لهذا الرفض الجماهيري وهي التي قد كانت حتى الأمس القريب الراعية لهذه الأنظمة والصديقة أو الحليفة لها أو حتى هي من نصبها على رؤوس الناس؟

 

من ناحية ثانية ثمة في الكيان الصهيوني من بدأت تراوده الرغبة الجامحة في تعميم ظاهرة الغضب هذه لتشمل الأنظمة الشعبية المقاومة وبالتحديد سوريا وإيران, فهذا أوري شاريت يكتب في صحيفة هارتس معاتبا أمريكا لتعللها في ما سماه: "فتح ثورة الفيس بوك على النظام الإيراني قبل أن تذهب الثورات العربية بعيدا لتجعل من إيران قوة إقليمية عظمى".

 

وهو كلام ليس بعيدا عما يراود البعض من جماعة نظرية "الفوضى الخلاقة" القديمة الجديدة والتي بنظرنا تسعى جاهدة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية منذ انطلاق رياح التغيير الحالية ينبغي تأملها بدقة بالغة:

 

أولا: محاولة ركوب حصان التغيير الجامح في المنطقة للسيطرة على تحولات ومسارات الثورة العربية الشعبية الصميمة ومحاولة حرفها باتجاه غير اتجاهها الأصلي.

 

ثانيا: الإيحاء بأن ما يجري إنما هو صناعة أمريكية بالأساس, وتاليا فإن حسم هذه المعركة النهائية لن يكون إلا على يد "القدر الأمريكي" الذي لا يرد.

 

ثالثا: وحتى يتحقق الهدف الثالث وهو الأساس فإنهم يريدون الانتقام والرد على ما يجري من خلال دفع هذه الظاهرة باتجاه كل من سوريا وإيران بأي ثمن كان , ذلك لان مجمل الحراك الاستعماري الغربي منذ إطلاق تسريبات ويكليكس المشبوهة والملغمة والمفخخة مرورا بالمحاولات الحثيثة للدخول على خط التغيير والغضب الجماهيري العارم وصولا إلى رغبتهم الجامحة لركوب حصان التغيير إنما هو لإبعاد الكيان الصهيوني من الأخطار التي باتت محدقة به من كل جانب و تلاحقه وتدفع به بتسارع ملحوظ نحو وادي السقوط الحتمي كلما تقدم وعي الشعوب العربية وثوراتها.

 

وفي هذا السياق فان ثمة من النخب الإقليمية العربية والإسلامية البائسة واليائسة و التي تثير الشفقة حقا ظنت ولا تزال بان تغيير الأنظمة أو إسقاطها لا يحتاج سوى إلى مجموعات فيس بوك و... وبعض المال الحرام والاستقراء بما يسمونه بالمجتمع الدولي المخطوف إسرائيليا وأمريكيا منذ معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية , وبالتالي فان الشعوب ستتحرك في سوريا وإيران أيضا ... كما تحركت في الأماكن الأخرى..

 

وهنا نعود إلى كلام المرحوم الشيخ كشك لنقول إن قوى الأرض جميعا لو اجتمعت اليوم على زحزحة وليس إسقاط نظام سوريا أو إيران فإنها لن تحرك ساكنا من جموع الشعب الإيراني أو السوري ليقوم بثورة ضد نظاميه ما داما يسيران على السنن الكونية التي تمتلك الأقدار, ولما كان قدر هذين النظامين اليوم هو حماية وإسناد ودعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية المظلومتين والبقاء على أتم الجهوزية للانقضاض على ما تبقى من "عمر" الكيان الغاصب المكتوب في لوح القدر في إطار المنازلة الكبرى المرتقبة والتي ستنزع روح "إسرائيل" كما نزعها عزرائيل من شاه إيران شاء من شاء وأبى من أبى فإنه لا خوف على قدر كل من دمشق وطهران.

 

وهذا ليس شعار خشبي ولا رغبة أيدلوجية ولا دعاية لصالح نظام كما يظن بعض فاقدي الحنكة والبصيرة بقدر ما هو واقع عيني ملموس بدا يتذوق مرارته العدو الصهيوني ويتذوق حلاوته رجال الله الذين يتشوقون ساعة الخلاص النهائية وأيديهم على الزناد!

 

في حالة واحدة فقط يمكن أن يسقط هذا النظامان معا ألا وهي تخلي هذين النظامين عن خيار التحضير للمنازلة الكبرى والقطيعة مع ربهم وشعوبهم والاتجاه بقطارهما عكس اتجاه السنن الكونية وعندها سيحدث الإجماع الشعبي الحتمي ضدهما ما يجعلهما يلحقان بأنظمة الخراب الأخرى ولو ملكا اقوى استخبارات العالم وعندها فليذهبا مع من ذهب غير مأسوف عليهما.

 

غير أن من لديه تقدير سليم للموقف وعنده حساب موازين القوى كما هي ويسير بشعبه بالاتجاه الصحيح للبوصلة فإنه سيصمد أيا كان حجم التحديات وقوة الرغبة في إسقاطه حتى لو اجتمعت جيوش الأرض ضده فإنها لن تزحزحه من مكانه قيد أنملة ذلك أن قضاء الله وقدره لا يرد إلا بقضاء الله وقدره وقضاء الله وقدره هو صمود إيران وسوريا وانتصارهما.

 

وبرهاننا على ذلك هو أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن .... إنما حدث ويحدث لان ثمة إجماع شعبي عارم حصل هناك ما جعل الناس في تضاد وتصادم مع أنظمتها وليست مجرد رغبة من جماعات الفيس بوك أو تسريبات ويكليكس ولا وعود الدعم الغربي أو الاستقواء بها لان هذا الأمر لو كان صحيحا لكان الحدث قد اخذ وجهة أخرى وكان الحصان حصانا آخر وراكبه من غير جنس الناس أيضا.

 

نعم ثمة كيمياء وكهرباء وجدانية هي التي جمعت كل تلك الكتل الجماهيرية الكبرى حول بعضها كانت اقوى وابعد بكثير -على سبيل المثال لا الحصر في مصر- من "كلنا خالد سعيد " أو كفاية أو 6 ابريل أو حتى 25 يناير ... مع احترامنا وتقديرنا لكل أولئك وغيرهم.

 

لقد كانت كرامة مصر وعزة مصر وحرية قرار مصر المخطوفة هي التي ديست ما أثقل كاهل الشعب المصري بأكمله حتى قال فيه شاعرنا الأغر عبد الرحمن القرضاوي يوما وهو يتحدث عن حصار غزة الظالم مشيرا بذلك إلى انحراف اتجاه بوصلة النظام وتعارضها مع اتجاه بوصلة الشعب في قصيدته الشهيرة (كلنا تحت الحصار).

 

تلك هي المسالة إذن والزمن كفيل ليثبت لشاريت وخلاياه التائهة في بعض زوايا لبنان أو سوريا أو إيران بأن سفن قوى المقاومة هي التي ستظل تمخر من الآن فصاعدا في بحار العرب والمسلمين بينما سفن نظامه ونظام أسياده هي الغارقة ولو صرفوا المليارات طلبا للأمن والأمان بحثا عن مركب آخر بات الوصول إليه مستحيلا.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة