Skip to main content

ثورة البحرين بين افتراءات القرضاوي وموازين عيسى قاسم

التاريخ: 27-03-2011

ثورة البحرين بين افتراءات القرضاوي وموازين عيسى قاسم

لم يكن الدافع في هذا المقال أن نتجاسر على أحد، ولا أن نسعرّ خطابا طائفيا، فنحن دعاة وحدة وتقريب، لكن حين يتم العدوان على ثورة شعب والنيل من شهداءه والتشكيك في وطنيته وتبرير قمعه

لم يكن الدافع في هذا المقال أن نتجاسر على أحد، ولا أن نسعرّ خطابا طائفيا، فنحن دعاة وحدة وتقريب، لكن حين يتم العدوان على ثورة شعب والنيل من شهداءه والتشكيك في وطنيته وتبرير قمعه.. وأن يتم ذلك من على منبر خطبة الجمعة، فإن السكوت على ذلك فعل من عمل الشيطان.

 

أكد الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تصريح لقناة الجزيرة "أن حكم الفرد المطلق انتهى وأن الشعوب تغيرت، غير أنّ الحكام المستبدين لا يفهمون التاريخ". لكنّه نسي أن يستثني بعض الممالك الخليجية، حيث الشعوب محظور عليها أن تثور، وإن فعلت ذلك فما هي إلا هبّات طائفية كما في حالة البحرين، كما فاته أن يشفع لبعض المستبدين من الحكام الذين لم يفهموا التاريخ لأنهم على الأقل فهموا الجغرافيا؛ والجغرافيا السياسية بالتحديد حيث يربض عنوان بارز اسمه إيران.

 

وحول المستجدات في مصر، هنأ الشيخ الشعب المصري على خوضه انتخابات حرة لأول مرة (استفتاء السبت على التعديلات الدستورية) بعد نجاح ثورته، وتمنى أن يهنئ عمّا قريب الشعب الليبي والشعب التونسي والشعب اليمني وكل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية.. وليس في حسابات الشيخ -طبعا- الشعب البحريني الذي يُقتل شبابه ويُنّكـل بأحراره ويصادر حقّه في الحرية!

 

فشعب البحرين حسب الأب الروحي للثورات العربية يمثل حالة شاذة لأنّ المحتجين في البحرين يعمدون إلى "الاستقواء بالخارج ويعبرون عن آراء فئة مذهبية وليس عن الشعب بكامله" صدر هذا القول في خطبة الجمعة بتاريخ18/3، وزاده توضيحا من على منبره: "سؤال سُئلت عنه من أكثر من شخص ومن أكثر من جهة ومن أكثر من فرد، يقولون لي تحدثتَ عن الثورة التونسية، وتحدثتَ عن الثورة المصرية، وتحدثتَ عن الثورة الليبية، وتحدثتَ عن الثورة اليمنية، ولكنك لم تتحدث عن ثورة واحدة؟! قلت: ما هي؟ (لاحظوا درجة التجاهل والاستخفاف بنضال شعب وتضحياته وقد رأى الأجساد التي غربلها رصاص الشونز) قالوا: ثورة البحرين، لماذا لم تتحدث عن ثورة البحرين؟! قلت لهم: دعوني أجبكم بصراحة: إن ثورة البحرين ثورة غير هذه الثورات"!، وتابع: "ما يحدث في البحرين ثورة طائفية، أما باقي الثورات الأربع فكلها ثورة شعب ضد حاكمه الظالم" واستدل القرضاوي على ذلك بمغالطة مفضوحة، لأنّ في كل شعب عملاء وطابور خامس وطبقة مرتبطة بالنظام، وشرائح لها مصلحة في الوضع القائم:"الشعب المصري خرج بكل فئاته وطوائفه، مسلمين ومسيحيين، شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، تقدميين ورجعيين، أهل الدين وأهل الدنيا، يعني الشعب المصري كله، وكذلك الشعب التونسي، كذلك الشعب الليبي، وكذلك الشعب اليمني(وماذا عن تظاهرة "التسامح" التي حشدها نظام علي عبد الله صالح يوم الجمعة الأخير في مقابل تظاهرة "الرحيل" لقوى التغيير) ولكن الثورة البحرينية ثورة طائفية"!

 

وأضاف القرضاوي: "مشكلة ما حدث في البحرين أنه ثورة شيعة ضد السنة، وماذا أقول وأنا متهم بطبيعتي بأني ضد الشيعة، وأنا لست ضد الشيعة، أنا ضد التعصب وضد الطائفية وضد التفريق بين الناس بعضهم وبعض على أساس المذهب أو الفرقة"!!

 

ولفت القرضاوي في نفس الخطبة إلى أن:" السنّة في البحرين تحركوا لما تأكدوا من أن الأحداث في البحرين تحمل طابعاً مذهبياً، وخرجوا بمئات الآلاف في التجمع الذي جرى في جامع الفاتح في المنامة". وماذا كان يتوقع من آلاف المجنّسين، ومن الطابور الخامس ومن الفئات المنتفعة من نظام التمييز الطائفي السائد في البحرين منذ استقلالها؟

 

ولم يقف تجني القرضاوي على الحقائق عند هذا الحد فتجنى على المعتصمين الذين كانوا في دوار اللؤلؤة وجسدوا أرقى مظاهر التحضر، يقول: "لم يكونوا سلميين..(لعلّه يستحضر صور السكاكين والقضبان الحديدية التي زعمت الداخلية انها ضبطتها في الخيّم بعد فضّ الاعتصام الأول وسقوط شهداء) بل اعتدوا على كثير من أهل السنة واستولوا على مساجد ليست لهم، واستعملوا الأسلحة كما يفعل البلطجيون في اليمن وفي مصر وغيرها ضد كثير من المستضعفين من أهل السنة"! لاحظوا النفس الوهّابي الحاقد في كلامه.

 

بل إنّه طعن في أصالة الغالبية من شعب البحرين وعرّض بوطنيته اعتمادا على مشاهد مصورة تبثها قناة "صفا" المتصهينة؛ وهي المشاهد التي تعود إلى أيام انتصار المقاومة في حرب تموز2006 حيث خرجت المسيرات في البحرين ترفع صور قائد المقاومة السيد حسن نصر الله وصور حامي المقاومة وداعمها آية الله السيد علي الخامنئي، فقال:"الخطر أن ينسب الشيعة أنفسهم إلى بلاد أخرى ويحملوا صورة (المرشد الإيراني علي خامنئي) وصورة (الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله) وصورة كذا.. وكأنهم ينتسبون إلى إيران ولا ينتسبون إلى البحرين، هم من أهل الخليج، فلماذا يخرجون عن الخليج؟! نحن نريد أن تكون المواطنة حقيقية"!. وأين ذهب مشهد الأعلام البحرينية التي غطت كل الساحات، علم البحرين الذي تخضب بدماء الشهداء؟..فلم ترفع راية غير راية الوطن وكل الكاميرات وثقت ذلك.

 

هكذا انتصر القرضاوي للطغيان والاستبداد الذي لا يخفى عنه في البحرين، متجاهلا نضال الشعب البحريبي منذ عقود، نضال خاضته قوى شيعية وسنية وتوزعتها الحساسيات الإيديولوجية من قومية ويسارية إلى إسلامية ووطنية، شخصيات على اختلاف مذهبها انتظمت في جمعيات وأطر تنظيمية لإحداث التغيير في بنية النظام القائم على الحكم المطلق، ولا يستطيع القرضاوي أن يدعي جهله بقوى المعارضة وهي مختلطة مذهبيا، ولا بتوحد أهم جمعياتها في إطار جبهة عريضة وموسّعة، ويكفينا هنا لإبطال فرية الطائفية أن نذكر القارئ الكريم بواحد من البيانات قبيل دخول القوات السعودية تحت غطاء ما يسمى بقوات درع الجزيرة، فقد أرسلت الجمعيات السياسية السبع (جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، جمعية العمل الوطني الديمقراطي، جمعية التجمع القومي الديمقراطي، جمعية العمل الإسلامي،جمعية الإخاء الوطني، جمعية التجمع الوطني الديمقراطي الائتلاف الوطني) نداء استغاثة عاجل إلى "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة وقالت في النداء الموجه: إننا شعب البحرين وحينما خرجنا للمطالبة بحقوقنا التي تكفلها لنا المواثيق الدولية وبصورة سلمية وحضارية تمت مواجهة مطالبنا بحملات عنف ممنهج من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية والمحسوبين عليها.

 

وأردفت: إن التطور الأكثر خطورة -وقت كتابة النداء العاجل- هو التهديد الجاد من دخول قوات سعودية وخليجية أخرى لمواجهة شعب البحرين الأعزل، الأمر الذي يعني أن شعب البحرين في خطر حقيقي يتهدده بشن حرب من قبل جيش مسلح ضد المواطنين البحرينيين دون إعلان حالة الحرب، وإننا نعتبر دخول أي مجند أو آلية عسكرية إلى إقليم البحرين البري والجوي والبحري احتلالاً سافراً لمملكة البحرين...".

 

في الجمعة التالية التي أعقبت خطبة الشيخ القرضاوي؛ وقف رجل عالم على منبر مسجد الإمام الصادق(ع) بمنطقة الدراز بالعاصمة البحرينية المنامة، رجل حياته كلها جهاد متصل، رجل يعد مدرسة في الوطنية، وقف ليخطب وليقول قولا معروفا، لنسمع إليه وهو يقول: علينا أن نجاهد أنفسنا، لنكون المسلمين الواعين المخلصين لدين الأمة وأبنائها ووحدتها وعزتها وكرامتها، لا ندعو لفرقة ولا نستجيب لها، ولا تغيّرنا الخطوات المستفزة على طريقها.

 

كيف يكون الرجل طائفيا وهو يصدع بمثل هذا القول: وإذا قلنا هيهات منا الذلة، علينا أن نقولها نفياً لها عن كل مسلم، وطلباً للعزة والكرامة له. فنحن لا نقول هيهات منا الذلة لنثبت الذلة لمسلمٍ آخر.. علينا أن نكون طلاباً للعزة والكرامة والخير لأنفسنا ولكل مسلمٍ ولكل إنسان.

 

ما انزلق إليه الشيخ القرضاوي عند تشويهه لثورة شعب حر وتغطيته للاستبداد من خلال الفرية الطائفية، يقابله الصدق والمسؤولية ووضوح الرؤية عند الشيخ عيسى قاسم حيث يقول: رؤيتنا أن أي إرادةٍ بشريةٍ لا يصح أن تتحكم في إرادةٍ بشريةٍ أخرى، وأنّ حكم الحاكم لا يكون حكمه في الناس إلا برضى وتوافقٍ وتعاقد. ولا يصح حكم الغاب وأن تُمضي الإرادة البشرية ـ بما هي إرادةٌ بشرية ـ رأي متسلطٌ بما هو رأي متسلط على الآخرين.. لو كانت إرادة الرسول (صل الله عليه وآله) إرادةً بشرية، ما كان له الحق أن يفرضها على إرادةٍ بشريةٍ أخرى، وإنما لأن إرادته من إرادة الله ولأن رأيه من حكم الله كان على الناس أن يستجيبوا لطاعته. وليخلص الشيخ قاسم بأن هذا هو فكر الدنيا كلها اليوم، والآخذُ في الانتشار والتمكن في جميع الأقطار وبقاع المعمورة، لا يستوحشه من شعوب العالم شعبٌ من الشعوب، ولا يعاديه منصف في الناس.

 

وفي رد غير مباشر على المصابين بالعُصاب الطائفي، يكشف الشيخ قاسم عن معدن شعب البحرين الأصيل: كم فرح هذا الشعب لفرح الشعوب المسلمة الأخرى، وكم تألم لألمها، لا يفرق بين شعبٍ وشعب، وبلدٍ وبلد، وأهل مذهبٍ وآخر. وبعد سرده للعديد من الأمثلة يقول: وتطلعنا لا ينقطع لفرج كل شعب مسلمٍ يعاني من ظلم ظالم وطغيان طاغية.

 

وأضاف: ضمير هذا الشعب يقف مع كل مظلومٍ في الأرض، مسلماً كان أو غير مسلم، ويحب السلم والسلام، والعدل والخير، والإستقامة والسعادة لكل شعوب العالم.

 

ويخلص الشيخ قاسم -ومعه كلّ منصف- إلى أن: شعبٌ هذا شأنه، حقّ له أن تفرح الشعوب لفرحه، وتحزن لحزنه، وتتألم لألمه، وأن تكون له في الحق لا عليه، وأن تضم صوتها إلى صوته المطالب بحقوقه.

 

وعلى خلاف إدعاءات القرضاوي التي أراد منها دغدغة وجدان المتعصبين عند حديثه عن التعرض لمساجد سنّة البحرين، أكد الشيخ قاسم على ما شهد به العالم (ومنه بيان الاتحاد الأوروبي حيث دعت كاترين اشتون السلطات البحرينية إلى الاحترام الكامل وحماية الحقوق الأساسية لمواطنيها بما في ذلك الحق في التجمع السلمي ومواجهة التعبير السلمي لاهتمامات الشعب بالحوار): التحرك في البحرين وبرغم كل الآلام والضحايا والانتهاكات لم يغادر خط السلم، وهو مصرٌ على التزامه، ولا يصح له غير ذلك. وهذا يزيد في وجوب تأييد هذا الشعب، ودعم هذا الشعب، وتأييده والوقوف معه، لا أن يكون الآخرون عليه أو يقفوا موقفاً غير مبالٍ من محنته.

 

وكم كان قول آية الله قاسم بليغا حين وضع الوجوه المسودة أمام مرآة الدين والتاريخ وهو يقول: ولا يحمل روح الدين من وقف مع الظالم ضد المظلوم لأنّ الأوّل نصراني والثاني مسلم، أو لأنّ الأوّل مسلم والثاني نصراني، أو لأنّ الظالم شيعي والمظلوم سنّي.. أو العكس. وليكن هذا المجافي في موقفه للحق من أشد الناس إحاطةً بفهم الدين واستيعاباً لفقهه، فما دام مناصراً للظّالم على المظلوم فهو مع دين الله في تعارضٍ واصطدام.

 

لقد سئمنا من هذا العبث الطائفي، وللأسف لم يفوّت القرضاوي خطبة الجمعة(بالأمس) الأخيرة دون أن يعرّض بالنظام السوري ويتهمه بالطائفية ويقدم رواية مهزوزة عمّا حدث في المسجد العمري بمدينة درعا السورية تأجيجا للمشاعر الطائفية.

 

فمنذ الانتصار العظيم الذي حققته المقاومة في لبنان في حرب تموز2006 والقرضاوي يعيش عقدة التشيع، سلخ عنه لباس الوسطية والاعتدال وركب قطار التعصب المذهبي إلى أن وصل به إلى هذا العمى وإلى هذه المواقف المخزية.

 

لقد اخترت -أيها القرضاوي- ومن موقعك كرئيس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الوقوف إلى صف الاستبداد ونلت من ثورة شعب حر أبيّ ومسالم، وافتريت ودلست على الناس، وقلبت الحقائق خدمة للطغيان وتزلفّا للسلفيين المتعصبين، استعملت لغتهم ونفثت من مزمارهم، فهل بعد هذا يحق لك أن تظل في موقعك..؟

 

لن يسكت عنك أولياء شهداء المذابح في البحرين، ولن يسامحك الجرحى والمعاقون، ففي بعض المحاكم الدولية سعة عدل، ولن تجد لك مجالس الثورة في تونس ومصر واليمن وليبيا وفي كلّ ثورة في الأفق من عذر.

 

والأهم من ذلك نقول لك: كيد كيدك واسعى سعيك وناصب جهدك وتجاهلنا ما بدا لك فو الله لن تمحونا من سياق الثورة الهادر، ولن تميت أشواق شعب البحرين للعدل والحرية والكرامة.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة