Skip to main content

كلمة في ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر

التاريخ: 12-04-2011

كلمة في ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر

يصعب على المرء أن تمرّ عليه ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر من دون أن تختلج في صدره مشاعر الحزن والشوق

يصعب على المرء أن تمرّ عليه ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر من دون أن تختلج في صدره مشاعر الحزن والشوق..الحزن يجدّده الفقد، والشوق يغذيه الحنين لعصر أنوار إسلامي..بدأه الصدر، لكن قلّ في زماننا حاملو مشاعله.

 

في مثل هذه الأيام وقبل واحد وثلاثين سنة كان السيد محمد باقر الصدر (قدّس سره)؛ وأخته العلوية بنت الهدى؛ على موعد مع الشهادة، جاء ذلك بعد عمر حافل بالعطاء والكدح العلمي، وزاخر بالإسهامات الفكرية العظمى.. و بعد مسيرة كلّها جهاد من أجل بناء أمة في مستوى الرسالة وفي الموقع الحضاري الذي يليق بها ويخوّلها دور الشهادة على الناس.

 

التعاطي المنهجي مع مسيرة وتراث الشهيد الصدر ينبغي ألا ينحصر في الأطر المذهبية، نقول هذا لأننا نريد بل وندعو إلى القطع مع هذه الذهنية لما فيها من اختزال وابتسار مشوّه للحقائق والمعطيات، نعم لم يكن الرجل بعيدا عن انتماءه لمدرسة في الإسلام؛ وهي مدرسة التشيع؛ ولا يضيره ذلك كيف وهو من كتب "فدك في التاريخ" معالجا لأحد العناوين الكبرى في الخلاف السني - الشيعي، وألف كتاب "نشأة التشيّع والشيعة"، و" بحث حول المهدي"، فضلا على إسهاماته الفقهية والأصولية امتدادا وتطويرا للمدرسة الإمامية التي ينتسب إليها.

 

لكن مع ذلك يبقى الإطار الذي يتنزل فيه مشروع الشهيد الصدر هو الإطار الإسلامي الأرحب سعة بأفق إنساني لا يغيب تلمّسه في معظم الإسهام النقدي الذي قدمه الصدر في الفلسفة (فلسفتنا) والاقتصاد (اقتصادنا) ومرتكزات المعرفة الإنسانية كما في (الأسس المنطقية للاستقراء).

 

فقيمة الصدر ليست في نبوغه وتميزه العلمي فقط، بل في تاريخيته؛ فقد عاش الشهيد زمانه بوعي ومسؤولية، عرف كيف ينصت برهافة حسّ إلى لحظته التاريخية، استكنه قلقها وعرف مفاصل توترها فتداخل معها في جدل فكري وسياسي على قاعدة وضوح في الرؤية والأفق؛ الأفق الذي لم يكن سوى اجتراح لممكن تاريخي وهو نهضة أمة ارتكست بفعل تركمات فكرية وتاريخية إلى الهامش، وتوزعت شبابها الأفكار والإيديولوجيات الوافدة والدخيلة، أمة كان يرى فيها الشهيد أنها تختزن فائض طاقة على استئناف المسير.

 

فكتاب "فلسفتنا" كما "اقتصادنا" ليسا مجرد تنظير بارد وصياغة هادئة لرؤية فلسفية إسلامية، وبلورة لمذهب اقتصادي إسلامي، تأكيدا لممكنات "الأنا" الإسلامية في مقابل التوجهات الماركسية والرأسمالية الليبرالية، بل هما نتاج لتوترات فكرية وإيديولوجية وصلت حد اعتبار الدين غير مهيأ لمعركة الحياة وفاقد لقدرة تأطير الاجتماع الإنساني، بل وعاجز أمام حركة التاريخ الذي ينتج من خلال تناقضات بنياته الداخلية مجمل البناءات الفوقية سياسية وثقافية ودينية..

 

وفي هذا المفصل بالذات تبرز قيمة الشهيد الصدر، الذي لم يتعامل مع التحدي الإيديولوجي بأطروحات متجزئة وعناوين مشتتة، بل واجه النظرية بالنظرية والمذهب الاقتصادي بالمذهب الاقتصادي عبر منهج نقدي وتفكيكي إلى درجة اعتبر الصدر معها احد المتخصصين في نقد الماركسية.

 

وقيمة باقر الصدر(رض) المُضافة أنه لم يقف عند نتائج الجدل الفكري في تأكيد صلاحية الإسلام على قيادة الحياة وامتلاك النظرية، بل أراد أن يبني على الشرط الإيجابي الذي توفره النظرية -عادة- مشروع نهضة في الأمة يخترق موروثات التخلف والطائفية، فتصدى للمرجعية ليسد بعض القصور في أداءها، وليحوّلها - أي المرجعية- إلى قيادة في الأمة تعبر بها نحو عصر أنوار إسلامي.

 

هذا الدور المرجعي المتسلح بصلابة النظرية لم يغفل أنّ "السياسي" يعد أحد مداخل الإصلاح في الأمة، لأن تحرّر الأمة لا يتحصّل إلا بهزيمة الاستبداد، وهذا ما تطلب من الشهيد الاحتكاك بالواقع السياسي، فكان لابد من بناء الأداة السياسية، وفي هذا السياق تم تأسيس "حزب الدعوة".

 

ولم يكن لتمر هذه الخطوة بالذات من دون ردود فعل قوية من حوزة النجف التي صدمت بحجم حركة الشهيد ومداياتها الواسعة كما اصطدم هو بجمودها ونزعتها التقليدية المفرطة، وهذه كانت واحدة من فرادة اللحظة الصدرية التي تجشمت العناء وانفتحت عليها أكثر من واجهة تحدٍّ، كان الصدر فيها شامخا وصابرا وكأنه يخط لنا مدرسة في الأخلاق.

 

في القراءة التاريخية وبمعزل عن التفاصيل لا تعني محطة "حزب الدعوة" في مشروع الشهيد الصدر إلاّ عنوانَ الجمع بين النظرية والممارسة، وبتعبير آخر نموذج في المرجعية التي تصوغ المشروع وتتحمل مسؤولية قيادته حتى النصر أو الشهادة.

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة