البحرين والقمع الذي لن يصادر الحقوق
التاريخ: 20-04-2011
في درس التاريخ فإنّ القمع لا يصادر الحقوق، وأن القوّة في مواجهة شعب أعزل تتبدى جبانة وسرعان ما تفقد عناصر الدفع، وفي درس التاريخ أن للشعوب غدها أما الطغاة فلا غد لهم
في درس التاريخ فإنّ القمع لا يصادر الحقوق، وأن القوّة في مواجهة شعب أعزل تتبدى جبانة وسرعان ما تفقد عناصر الدفع، وفي درس التاريخ أن للشعوب غدها أما الطغاة فلا غد لهم.. وفي مأثورنا الديني أنّ الدم ينتصر على السيف.
«البحرين شهدت محاولة انقلاب ولن يفلت المخالفون من العقاب وتنبغي إحالة جميع المتسببين والمتآمرين على العدالة» هكذا صرّح رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة.
هذا التصريح وإن أريد منه إعطاء الانطباع بالحسم والسيطرة على الموقف كشكل من أشكال الحرب النفسية التي تخوضها حكومة آل خليفة، فهو من ناحية أخرى كاف لوحده لإعطائنا فكرة عن المنطق الذي تدار به الأمور في البحرين، منطق لا يخرج عن الانتقام وتجريم العمل السياسي وتزييف الحقائق واستعمال متخلّف للغة دعائية طافحة بحقد مذهبي أسود.
فالرجل الذي يعد أقدم رئيس حكومة في العالم؛ حيث شغل منصبه الحالي عقب استقلال البحرين عن بريطانيا عام 1971، بل ويتولى إلى جانب رئاسة الحكومة رئاسة عدد من المجالس العليا في الدولة، من بينها المجلس الأعلى للدفاع والمجلس الأعلى للنفط والمجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية وديوان الخدمة المدنية؛ قد حصل له تماه تام ومطبق بين شخصه وبين السلطة والنظام الذي يمثله، فمن طالب بتنحيته؛ وقد طالبت المعارضة بتنحيه؛ فهو متورط في انقلاب ومطلوب للعدالة!
هي - إذا- دولة آل خليفة وملكهم الذي يأبى على الانتقاص، فأن يطالب الناس بدولة الحق والقانون والتداول على السلطة عبر الاحتكام إلى إرادة الشعب فذلك يعدّ تآمرا وانقلابا ولا بد من العقاب قبل الإحالة على العدالة بحسب منطوق كلام رئيس الوزراء المخلّد؛ العدالة التي تكيّفها الأهواء والأحقاد وغرائز الانتقام.
هذا الكلام الذي يوظّف مفردة العدالة بما يهتك حرمة دلالاتها الرمزية الجميلة يأتي في سياق تنفذ فيه السلطة؛ مؤازرة بقوات الغدر الخليجية؛ خطة أمنية ممنهجة تستهدف الانتقام والتنكيل بمكوّن رئيسي من مكونات الشعب البحريني، عبر التقتيل ودهم البيوت وترويع الأهالي، واختطاف الشباب والقيادات السياسية واعتقال النساء واحتجازهن في أماكن مجهولة، وإخضاع المعتقلين لكل ممارسات التعذيب الوحشي حتى استشهد منهم لحد الآن أربعة شهداء، والفصل من العمل وقطع المنح الدراسية عن الطلبة في الخارج.. وجاوز الظالمون المدى بهدمهم للمساجد وانتهاكهم حرمة الحسينيات ونيلهم من كلّ الرموز الدينية للطائفة الشيعية.
وهم إذ يفعلون ذلك فهم يقوّضون أساس الاجتماع السياسي في البحرين، ويجعلون من كل تعاقد سياسي أمرا مستحيلا، خاصة وهم يقحمون العامل الطائفي على وضع سياسي لم تحضر فيه الحسابات المذهبية في أصل التحرك ومبتدأ الانتفاضة.
فالسلطة وقد أسعفها التدخل السعودي في التحلل من استحقاقات الإصلاح التي اضطرت للتجاوب جزئيا معها اضطرارا في ذروة الحراك الشعبي، ارتكست إلى الخيار الأمني الذي ألفته لتسحق من خلاله كل إمكانية في الحل. وهي اليوم وإذ تزهو ببعض نتائجه المؤقتة تبدو غافلة عن عدة أمور.
- إن القمع كخيار لا يحقق استقرارا ولا تنتصر حكومة بقمع، بل القمع يسلبها الشرعية؛ هذا إن كانت لها شرعية بالأصل؛ فما بالك وهي مفتقرة لها.
وكل احتلال وعبر التاريخ لم يدم ولم ينسلك في أطر المشروعية مع ما كان يتحوّزه من فائض القوة الذي واجه بها شعوبا لا تكاد تملك من مقدرات القوة إلاّ أسلحة بسيطة، فاندحر. وكل استبداد ومهما بدا أنّه قدرٌ محتّم فمآله الهزيمة أمام إرادة التغيير؛ وما النموذج المصري منّا ببعيد.
- إنّ القمع قد يعطي بعض النتائج الظرفية وهي نتائج موهمة، لأن حالة التربص عند الشعوب المقموعة تظل يقظة، وهذا ما يُبقي التوترات الاجتماعية فاعلة تبحث لنفسها عن أشكال من التعبير والتمظهر فضلا على قدرة هذه التوترات في تعويق أي جهد إنمائي.
- والقمع إذ يستنفد نفسه ويصل بأهداف الإخضاع والمصادرة والترهيب والإذلال إلى منتهاها، فإنه إلى ذلك ينتج وضعية الإنسداد التام، بحيث لا يترك لسنّة التكوين بديلا، فيحصل الانفجار الحتمي، وهذا بالذات ما حصل في تونس، فالدولة البوليسية انهارت لأن درجة الانسداد السياسي كانت عالية الإحكام، وهنا نكون أمام حتمية اجتماعية وسياسية يؤول فيها الحراك الشعبي إلى مجرد تجلٍّ وليس كمحرك أساسي ومفجّر.
- القمع يعرّي السلطة ويفضح ضعفها واهتزازها، ويستنزفها أخلاقيا، ومن ثم تصبح – أي السلطة- عبئا أخلاقيا يؤرق الضمير الإنساني ويُحرج الدول التي لها روابط اقتصادية أو ثقافية مع هذه الدولة القامعة لشعبها. فينتهي بها المآل إلى عزلة داخلية ونبذ على مستوى العلاقات الدولية.
لقد كان مطلب الحرية إزاء الاستبداد هدف كل ثورة، وكما تقول الفيلسوفة الألمانية "حنة أرندت": «إن هدف الثورة كان ولم يزل هو الحرية»، والثورة التي يصفها رئيس الوزراء المخلّد؛ بالانقلاب والتآمر ويهدد الشعب البحريني بأنه لن يفلت من العقاب؛ عدّت دوما فعلاً ممجَّدا، بوركت في موازين الأرض وتقدست في كتاب الله الذي جرت إرادته في خط المستضعفين - كلما نهضوا- نصرةً وتمكينا.
وعلى هذا الدرب الطويل مشى شعب البحرين طيلة عقود، طارقا أبواب الممكن السياسي لاجتراح صيغة حكم تفي ببعض الحقوق وتمهد الباب أمام أخرى، لكن في كلّ كدحه السياسي هذا؛ لم يُتح له الاستبداد المتشبّع بروح القبيلة إلاّ هامشا بسيطا لا يسع شيئا من طموحات العيش الكريم وتطلعات الشراكة في السلطة.
وجاء خبر الثورة يسعى عبر بيان ملتهب صاغه من إحدى مدن الهامش المفقر في تونس شابٌ يرمز اسمه إلى شيء عزيز وهو الكرامة. فعلها البوعزيزي رحمه الله، فصارت الأرض غير الأرض والشعوب غير الشعوب، ولم يكن شعب البحرين الأبيّ ليخلف العهد مع قاطرة الثورة التي اندفع إليها شبابها بحزم الثوّار، وحطّوا بها في ميدان اللؤلؤة؛ أيقونة ثورتهم التي جمّلوها بكل مظاهر التحضر والتمدن، وأعلنوا منها حقهم في وطنهم مواطنيةً كاملة، وفي صيغة حكم تسمح بالتداول على السلطة، على وفق إرادتهم باعتبارهم مصدر السلطات.
ولما اقتربوا من لحظة القطاف المنتظرة جيلا بعد جيل، وأومضت منهم الجراح بشارة..وكاد الميزان أن يعتدل والطغيان أن يسلّم لإرادة الشعب..فإذا بالأفق يتلفح بغمام أسود، وإذا بجحافل العار تقتفي في غزوها اثر المغول، تعبر إليهم.. فتنشر القتل والخراب، وتسوم الأحرار كل ألوان البطش والتنكيل.
لكن وبرغم القمع؛ وأشدّه بطشا المتلبس بنزعة في الدين؛ فإنّ للشعوب غدها..أما الطغاة فلا غد لهم.
" فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا ". صدق الله العلي العظيم.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية