ما يجري في البحرين.. مخالف لقوانين الأرض والسماء
التاريخ: 14-05-2011
عندما انطلقت الثورة التونسية في مطلع العام الحالي لم يتوقع أحسن المتفائلين بالربيع العربي أن تنتشر الثورة كانتشار النار في الهشيم لتزلزل بنيان العديد من الأنظمة العربية البالية من المحيط إلى الخليج، والتي مرَّ عليها الزمن بالخضوع إلى إرادة أعداء الأمة من واشنطن إلى تل أبيب
عندما انطلقت الثورة التونسية في مطلع العام الحالي لم يتوقع أحسن المتفائلين بالربيع العربي أن تنتشر الثورة كانتشار النار في الهشيم لتزلزل بنيان العديد من الأنظمة العربية البالية من المحيط إلى الخليج، والتي مرَّ عليها الزمن بالخضوع إلى إرادة أعداء الأمة من واشنطن إلى تل أبيب.
وسرعان ما وصلت حرارة الثورة إلى مملكة البحرين خلال شهر شباط- فبراير الماضي، حيث الشعب هناك يغرّد بعيدا جدا عن ترف العائلة الحاكمة وجلاوزتها فعانى كثيرون من الإفقار وسلب حقوقهم الطبيعية والإتيان بأجانب لإحلالهم محل أبناء البلد في الأعمال حتى بات البحريني غريبا في داره والمجنّسون أصحاب حقوق.
صمت سافر مريب
والمتتبع لأحوال البلاد العربية قبل زمن الثورة يعلم أن حال شعب البحرين لا يختلف أبدا عن أحوال الشعوب العربية التي ثارت وتلك التي تنتظر عطر الثورة لتتنشقه وتغير حالها بعبق الحرية.
فهذه الشعوب كلها دون استثناء عاشت سنين طويلة من الظلم والقهر والجبروت، حقوقها مسلوبة وحرياتها مصادرة ولا صوت يعلو فيها فوق صوت الجلاد. وليس من الصعب على المتتبع لأحوال الثورات العربية أن يلاحظ أوجه الشبه بين كل هذه الثورات العربية، سواء في القمع والقسوة التي مورست ضد الثوار وكيفية تعسف الأنظمة وقمعها لحريات الناس ومنعهم من التعبير عن رأيهم بالإضافة إلى إعلان التأييد الدولي والغربي للثوار والانتقاد الموجه للأنظمة المستبدة.
كما أنه ليس عسيرا على من يريد أن يلاحظ أوجه الاختلاف في التعاطي مع الثورة في البحرين عن غيرها من الثورات العربية، فهذه الثورة رغم أنها كغيرها من الثورات العربية تَعَرَّضَ فيها الثوار للقتل والقمع والتنكيل، لم تلق التأييد المناسب أو بالأقل التأييد والدعم الدولي والعربي والإسلامي الذي لقيته ـ ولو بالتصريحات ـ باقي الثورات العربية، فكثير من المنابر الدولية والعربية الرسمية منها وغير الرسمية والمنابر الإعلامية العربية والإسلامية تعلن أنها تؤيد الثوار العرب في أكثر من بلد عربي حتى تصل إلى البحرين فيسود صمت سافر مريب، وأكثر من ذلك فإن بعض الأنظمة ووسائل الإعلام ورجال الدين هاجموا الثورة البحرينية وثوارها واعتبروها ثورة طائفية، ولكن لماذا كل ذلك؟
فهل ثوار البحرين يعتدون على النظام "المسالم" هناك؟ هل ثوار البحرين يخرّبون الاستقرار والأمن الذي جَهِدَ النظام "السلمي" بتأمينه؟ هل ثوار البحرين يضيّعون فرص العمل التي وفّرها لهم النظام المجتهد هناك؟ هل ثوار البحرين يخرّبون التطور الذي حققه النظام العلمي هناك؟
لماذا التعاطي المختلف مع ثورة البحرين؟
والسؤال المطروح لماذا هذا التعاطي المختلف مع ثورة شعب البحرين؟ مع العلم أن النظام الحاكم هناك لا يختلف أبدا عن الأنظمة في أكثر من قطر من أقطار الوطن العربي.
وبكل الأحوال يمكننا أن ننظر بعين مجردة وبصورة موضوعية إلى ما يجري على أرض الواقع في البحرين، لتحديد حقيقة كيف يجب الحكم على ثورة الشعب البحريني وعلى تصرفات الحكام والنظام هناك؟
ففي المعلومات الواردة من البحرين والصور والمشاهد التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة فإن أعمال القتل والقمع والاعتقال لم تتوقف منذ انطلاق الثورة السلمية المطالبة بحقوق مشروعة وبسيطة لأي إنسان، وقد اشتدت هذه الأعمال الإجرامية التي تقوم بها أجهزة الأمن البحرينية مع تدخل القوات العسكرية السعودية المتمثلة بـ"درع الجزيرة" ومن ثم تدخل القوات الخليجية بقرار من "مجلس التعاون الخليجي".
ولم تتوقف الجرائم بحق الشعب البحريني فمن إطلاق الرصاص الحي على التظاهرات السلمية إلى اقتحام الأحياء والمنازل الآمنة في انتهاك واضح لخصوصية الناس في بيوتهم، بالإضافة إلى اقتحام المدارس واعتقال المعلمات والأساتذة وترويع الطلاب في مدارسهم، ناهيك عن اقتحام المستشفيات لملاحقة جرحى التظاهرات ومعاقبة الأطباء والممرضين الذين يشاركون في إسعاف الجرحى، حتى وصل الإجرام بالقوات المحلية والخليجية إلى انتهاك حرمة المساجد والحسينيات وهدمها والاعتداء على قداسة القرآن الكريم بإحراقه وتمزيقه وصولا إلى الاعتداء على حرمة وكرامة القبور ونبشها والتمثيل بالجثث والرفاة الموجودة فيها.
فهل كل ما سبق ذكره هو أعمال مباحة ويجوز القيام بها من قبل أجهزة الأمن المرابطة في البحرين وما الوصف القانوني لهذه الأعمال؟ وما الوصف القانوني الدولي لتحركات الشعب البحريني؟ وما هو موقف القانون الدولي من كل ذلك؟
للإجابة على هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال إلى الخبير في القانون الدولي الدكتور محمود رمضان الذي أكد في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني أن "ثورة الشعب البحريني السلمية تؤيدها جميع إعلانات حقوق الإنسان في العالم والمبادئ القانونية التي قامت عليها والتي أقرّتها كل الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية إبّان الاستقلال الأميركي وفرنسا أيام الثورة الفرنسية"، ولفت إلى أن "الثورة البحرينية السلمية تندرج ضمن الحق بالتعبير والحق بالتجمع اللذان يعتبران من الحقوق الطبيعية لكل إنسان والتي لا يمكن سلبها لأحد لأي سبب من الأسباب وتحت أي مسمى من المسميات"، وأضاف أن "شعب البحرين عبّر عن رأيه بدون أي استخدام للعنف بوجه الحاكم والنظام الذي يمارس الظلم ضد شعبه"، مشيرا إلى أن "هذا الحاكم بدل أن يستمع إلى مطالب شعبه ويعمل على تنفيذها أو بالأقل التحاور الايجابي مع المواطنين من دون مناورة لجأ إلى استخدام العنف والقوة سبيلا لإنهاء الاحتجاجات ضده في مخالفة واضحة للقانون الدولي".
وحول التدخل العسكري السعودي ومن ثم الخليجي في البحرين ومدى قانونية هذا الأمر بحسب رأي القانون الدولي وما إذا كان أمرا جائزا أو مخالفا للقانون أشار الدكتور رمضان إلى أن "التدخل العسكري السعودي في البحرين لقمع الشعب هناك جاء سابقا لقرار مجلس التعاون الخليجي بإرسال قوات خليجية إلى البحرين"، وأضاف أن "قرار مجلس التعاون لإرسال قوات خليجية جاء للتغطية على القرار السعودي معللا ذلك القرار أنه مستند إلى النظام الأساسي ولاتفاقية الدفاع بين دول المجلس"، وأكد أن "هذا التدخل مخالف لميثاق الأمم المتحدة حيث أن الفقرة السابعة من المادة الثانية من هذا الميثاق لا يجيز لغير الأمم المتحدة بالتدخل في شؤون دولة أخرى".
التدخل الخليجي بالمفهوم القانوني الدولي هو إعلان حرب على الشعب البحريني
وأوضح رمضان أن "الحماية المقررة في نظام مجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس تقر الحماية لدولة من دول المجلس من قبل باقي الدول فيما لو تعرضت هذه الدولة لخطر أجنبي خارجي أو اعتداء عليها وليس للتدخل بقصد قمع شعب من شعوب هذه الدول الأعضاء كما حصل في البحرين".
وأكد الخبير القانوني أن "هذا التدخل بالمفهوم القانوني الدولي هو إعلان حرب على الشعب البحريني لأنه غير مبرر حيث أن لا خطر خارجي على البحرين كما أنه تمَّ استخدام العنف المفرط ضد الشعب البحريني"، مشددا على أن "هذا التدخل يعتبر جريمة دولية تسمى بحسب الفقه الدولي جريمة عدوان يعاقب بناء عليها المسؤولون السعوديون لمسؤوليتهم عن عدوان مبرمج لقتل الشعب البحريني استنادا للقانون الجنائي الدولي".
انتهاك حرمة المساجد وحرق القرآن الكريم تشكل "جريمة حرب"
وحول انتهاك حرمة المساجد والحسينيات والقبور وإحراق القرآن الكريم وهل أن ذلك يشكل جريمة حرب بحسب رأي القانون الدولي وما التوصيف القانوني الدقيق لهذه الأفعال، قال رمضان إن "سحق الشعب البحريني وقتله والاعتداء على مقدساته من مساجد وحسينيات وحرق للقرآن الكريم وتمزيقه وانتهاك حرمة القبور والقيم التي يعتقد ويؤمن بها الشعب البحريني كل ذلك يشكل جرائم حرب استنادا لاتفاقيات جنيف الصادرة في العام 1949 وبروتوكوليها في العام 1977"، ولفت إلى أن "هذه الاتفاقيات تحظّر القيام بما يسيء إلى معتقدات الإنسان وأفكاره وكرامته وقناعاته والاعتداء عليه بناء على لونه أو دينه أو انتمائه لمذهب معين يشكل بناء للمادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة".
واستنادا إلى ذلك يكون ما جرى ويجري في البحرين ينطبق عليه الجرائم الثلاثة التالية: جرائم ضد الإنسانية وحرب وإبادة.
جريمة حرب: هي الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لـ"قوانين الحرب"، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي.
جريمة الإبادة: هي الخروقات والانتهاكات التي تستهدف القتل الجماعي المنظم ضد جماعات على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي.
الجريمة ضد الإنسانية: تعني أي فعل من الأفعال الجريمة التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين كالقتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد أو النقل القسرى للسكان وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها.
سبل حماية الشعب البحريني وملاحقة المسؤولين
وحول سبل حماية الشعب البحريني انطلاقا من القانون الدولي من الجرائم التي ترتكب ضده ذكر رمضان أنه "لمواجهة هذه الجرائم ووقفها من المفترض أن يتحرك مجلس الأمن الدولي إلا أن هناك قصور جدي في هذا المجال خصوصا أن مجلس الأمن يخضع للهيمنة الأميركية التي تمنع تحركه"، مشيرا إلى أنه "كان يفترض على مجلس الأمن التحرك بناء على المادة 13 من نظام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة الحكام في البحرين والمسؤولين السعوديين"، وتابع أن "المطالبات الأميركية التي جاءت متأخرة جدا لإجراء تحقيقات حول ما جرى في البحرين هي محاولات لذر الرماد في العيون والقول أن أميركا والغرب يؤيدون حقوق الإنسان".
ولكن بما أن كل هذه الجرائم قد ارتكبت ولا تزال ضد شعب أعزل مسالم في البحرين من قبل قوات أمنية وجيوش مدججة بأحدث الأعتدة والأسلحة كيف يمكن ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم في البحرين؟ وما السبيل لملاحقة من يثبت تورطه في هذه الجرائم بحسب القانون الدولي؟ وكيف يمكن تحريك دعوى الحق العام على الصعيد الدولي على المتورطين بهذه الجرائم؟ يلفت الخبير القانوني إلى أنه يوجد على الصعيد الدولي ثلاثة طرق لملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم وهذه الطرق هي:
أولا: أن تقدّم إحدى الدول(الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية) شكوى أو إخبار موثق بالصور والأدلة (وهي منتشرة في وسائل الإعلام والانترنت) إلى المدعي العام الدولي في المحكمة الجنائية الدولية الذي يدقق بالأدلة وإذا ما اعتبر أن هناك جرائم من الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة (ضد الإنسانية وحرب وإبادة) يبدأ بالتحقيق لتحريك الدعوى العامة على من يثبت تورطه بعد مراجعة قسم الإجراءات التمهيدية في المحكمة.
ثانيا: مجلس الأمن بحد ذاته له أن يضع يده على أي جرم يرتكب كالجرائم التي وقعت في البحرين وأن يتحرك تلقائيا لإحالة الموضوع على المحكمة الجنائية الدولية وهنا يتوجب على المدعي العام المباشرة بالتحقيقات اللازمة لملاحقة المتورطين.
ثالثا: أن يقوم المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية مباشرة ومن تلقاء نفسه بوضع يده على القضية ومباشرة التحقيقات اللازمة وملاحقة المسؤولين سواء قدّمَ إليه إخبار أو شكوى أم لا لأن الصور والمشاهد والمعلومات تعتبر كافية وتتيح له وضع يده على القضية.
وختم رمضان أن "الوضع الذي يتحكم بالبحرين والجرائم التي ترتكب هناك هو وضع سياسي بامتياز وذلك يعود لهيمنة الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية الداعمة للنظام الحاكم في البحرين على القرار السياسي والقضائي الدولي"، وهذا بالطبع ما يغطي شكلا لا مضمونا كل الجرائم التي ترتكب ضد الشعب البحريني.
من كل ذلك يمكننا تصّور الحياة الدموية والبوليسية التي يعيشها الشعب البحريني الذي يقتل بدم بارد من دون أن نسمع أي كلمة لمساندته أو لاستنكار جرائم ذلك النظام رغم أن الحق بيّن وواضح وكذلك الظلم والجبروت، وكل ذلك لأن لغة القوة وشريعة الغاب هي التي تتحكم في العالم مع نسيان شعارات حقوق الإنسان التي يتغنى بها البعض بحسب مصالحه وتحالفاته فيتضح التعاطي المزدوج المعايير الذي يقلب الحق باطل والباطل حق، لكن لا بدَّ أن يأتي يوم ولعله قريب جدا يحمل معه الفرج وتنتصر فيه راية الحق وصرخة المظلومين بوجه كل السلاطين الفاجرة.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية