الانتصار الذي تفتح انتفاضات في الزمن العربي الجديد
التاريخ: 26-05-2011
يأتي الاحتفال بذكرى انتصار 25 أيار2000 مختلفا هذا العام، فهو يأتي في مشهد عربي مختلف موسوم بالإرادة في حسم المعركة مع الاستبداد، لم يعد كسب المعركة ضد الدولة البوليسية مستحيلا بل أقرب الممكنات، وكانت البداية مع الإيمان بان هزيمة (إسرائيل) أمرٌ ممكن
يأتي الاحتفال بذكرى انتصار 25 أيار2000 مختلفا هذا العام، فهو يأتي في مشهد عربي مختلف موسوم بالإرادة في حسم المعركة مع الاستبداد، لم يعد كسب المعركة ضد الدولة البوليسية مستحيلا بل أقرب الممكنات، وكانت البداية مع الإيمان بان هزيمة (إسرائيل) أمرٌ ممكن.
في استحضار ذكرى انتصار 25أيارالمجيدة يمكن القول ومن دون مبالغة أننا نستحضر لحظة مفتاحية في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، نقول لحطة مفتاحية لأنها لا تسمح لنا فقط بفهم معادلة النصر في صراعنا مع (إسرائيل)، بل وأيضا في فهم الكثير من الأبعاد السياسية والثقافية والدينية في واقعنا الإسلامي وصولا إلى مجمل هذا الحراك الثوري الذي تعرفه منطقتنا.
لم يكن الانتصار مجرد كسرا لميزان القوى الذي كان لصالح العدو باعتبار (إسرائيل) في الأساس تمثل قاعدة عسكرية متقدمة للغرب في منطقتنا الإسلامية وبحكم الالتزام الأمريكي بضمان تفوقها العسكري على كل دول الشرق الأوسط مجتمعة..ومع ذلك استطاعت المقاومة الإسلامية ومن خلال النفس الطويل أن تبدع وتجدّد في أساليب حرب العصابات وأن تلحق الهزيمة بالعدو عسكريا وأمنيا، ويبقى كمين بلدة "أنصارية" نموذجا للظفر الذي حققته المقاومة الإسلامية عسكريا وأمنيا على قوات النخبة للعدو الصهيوني، وقد كشف السيد حسن نصر الله قبل أشهر في مؤتمر صحافي عن بعض أسرارها الأمنية.
كان الانتصار أيضا كسرا لحالة الهزيمة النفسية وإبطالا مبكرا لمفاعيل الخرافة التي صدّق بها البعض، وأريد لها أن تنتشر كمعتقد في السياسة كما في الحرب بين الناس مثقفين وجمهورا وهي أن (إسرائيل) لا يمكن أن تُهزم.
فمن اللحظة التي كفر فيها الفتية الذين آمنوا بربهم بهذه الأحجية، وازدادوا إيمانا وقد بدا لهم من اليقين عبر فصول معركة "خلدة" البطولية على مشارف بيروت صيف عام 1982، كان سياقا آخر من النضال يُفتتح أمام الأمة..فغزو لبنان وطرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية واحتلال بيروت عاصمة المقاومة بعد صمود أسطوري للفدائيين، لم يزلزل كلّ ذلك من ثقة شباب المقاومة في القدرة على اجتراح النصر، وقد وجدوا في انتصار الثورة الإسلامية في إيران عنوانا لزمن آخر مختلف يعد بانبثاق الأمة المنتصرة..وثقوا بالله ونصره ولم يستوحشوا الدرب قط، بل قرأوا في تجربة الإمام الخميني(رض) - الذي بايعوه- أنّ الدروب الموحشة توصل؛ بشرط أن تكون مع الله، وجدوا الأنس واطمئنوا إلى يقينٍ بالنصر كما انتصر الإمام الخميني من يوم أن سلك مفردا في ذلك الدرب الطويل حتى عودته الظافرة ذات خريف عام 1979م .
لم تنشا المقاومة من فراغ، ولا هي قدمت نفسها كمبتدأ لفعل المقاومة بل هي عدّت نفسها امتدادا للمقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية، لكنها تميزت بهويتها العقائدية وبخصائصها الثقافية وبقدرتها على تفعيل مخزون المقاومة والجهاد والثورة في التراث الشيعي خاصة، فحضر الإمام الحسين كرمز للفداء والتضحية بقوة في أدبياتها، وحضرت زينب في ثقافة الأمهات والأخوات والزوجات كعنوان على الصبر أمام القرابين تأسيا بصبرها أمام المشهد الكربلائي المفجع، وحضر العباس بن علي كرمز للبطولة والنجدة والإيثار، وحضر الإمام المهدي كحتمية لانتصار المستضعفين في الأرض..
وكمقاومة تتعلّم من الدروس وتأخذ بأسباب القوّة فقد هضمت كل دروس التجربة الفلسطينية المقاوِمة وتجاوزتها إلى تجارب أخرى في المقاومة دون أن تسد هامش الإبداع، وهو ما اتسع وتطور وحمل بصمات القائد العسكري الشهيد عماد مغنية، حتى غدت تجربة المقاومة الإسلامية مدرسة قتالية جديدة.. صنعت التحرير وزادته استحكاما في انتصار تموز2006 وتحولت إلى نمط قتالي جديد عكفت على دراستها بعض الكليات الحربية في الغرب.
من ميزات المقاومة الإسلامية أنها متداخلة مع عمقها البشري، وتعيش حالة التحام به بحيث يصعب أن نرصد هذه الدرجة من الالتحام في تجارب مقاومات أخرى، بل العلاقة تجاوزت الاعتبارات الميدانية والأخلاقية إلى انخراط المقاومة في العمل السياسي خدمة للمجتمع المقاوم وتعزيزا لشروط مناعته وقوته ورسوخه في خط المقاومة.
هذه المميزات وغيرها كانت عاملا حاسما في تحقيق التحرير في 25أيار عام 2000، وهيأت الشروط القتالية والنفسية لانتصار تموز عام 2006، فدلالة ما تحقق مع التحرير أنّ العدو القائم على مشاريع الاحتلال والتوسع بدأ يتراجع، بل وينهزم دون أن يحمي نفسه باتفاقية أو شروط..وكان أبلغ في الدلالة قول قائد المقاومة في بنت جبيل في خطاب التحرير" والله إن (إسرائيل) لأوهن من بيت العنكبوت".
منذ التحرير وبعض القوى الإقليمية تتربص شرا بالمقاومة، وهالها أن يرتفع الرصيد السياسي لحزب الله لأنه شيعي، فأوعزت لأشباه المثقفين الذين اشترتهم بالدولار بأن لا يهتموا بهذا الانجاز التاريخي بل ويصوّروه على أنه مجرد امتثال إسرائيلي للقرار الدولي حتى وإن جاء تحت شيء من الضغط؛ لا ضغط المقاومة بل ضغط الداخل الإسرائيلي من خلال حركة الأمهات الأربع (و هي حركة نسائية إسرائيلية مناهضة لحالة الحرب، نشأت في عام 1997، وتهدف إلى انسحاب (إسرائيل) من الأراضي العربية التي احتلتها، وبخاصة من الجنوب اللبناني، وإنهاء حالة الحرب وحل جميع المشاكل بالمفاوضات والطرق السلمية)، وحركت هذه الدول فلول المرتزقة من صناّع الوعي الديني للطعن على الشيعة وتسعير الحرب المذهبية، وازداد ذلك خاصة مع انتصار تموز2006 مرورا بكل ألوان الكيد والتآمر.
وللأسف فقد حققت الأنظمة العربية الرجعية بعض أهدافها، وطيلة سنوات ستّة؛ هي الفاصلة بين الانتصار الأول والثاني؛ ظلّ 25 أيار يوما عاديا من يوميات أمة أريد لها أن تعيش ذكرى نكبتها وذكرى نكستها، ولا تقرأ دلالات انتصار أيار ومعادلة النصر فيه.
لكن ما أضمرته الخيانة لانتصار أيار كان أحقر من أن يمنع مفاعيله في لاوعي القطاع الأوسع من الأمة، فبذلك الانتصار استقرت حقيقة كبرى في الوجدان الشعبي للأمة، هذه الحقيقة هي الممكن في الصراع، وبتوضيح اكبر أنّ الانتصار المجيد حطم المستحيل وأحلّ بدله ثقافة الممكن. انهزمت (إسرائيل) وكان قد صوّر على أنه مستحيل، وبانهزامها انجرفت في اللاوعي باقي المستحيلات، ولأنّ التحول في منظومة القيّم الثقافية يأخذ وقتا أطول، فقد تطلب ذلك حوالي عقد من الزمن لتنضج البنية الثقافية الجديدة، ولما نضجت كان يكفي أن يعلن الشاب التونسي محمد البوعزيزي صرخته بوجه الإذلال والحُكرة على طريقته، لتنبعث ثقافة الممكن من قاع الوجدان، وليترجمها التوانسة الأحرار من خلال شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، كتعبير عن إرادة ممكنة التحقق..وكذلك كان، انهار النظام البوليسي وظل رمزه الأبشع طريدا معلقا في الأجواء حتى تحننت عليه حاضنة جدّة أدامها الله لأمثاله، وكرت بعد ذلك سبحة الاستبداد، ولا زال المخاض متواصلا، وانفتحت النوافذ - أخيرا- على هواء جديد بطعم شيء يقال له الحريـــة.
تحية لقادة المقاومة وشهداءها..
تحية لشهداء التحرير والمقاومة..
تحية للشعب الذي صنع لنا كلّ هذه الأمجاد.
وكل 25 أيار ونحن راسخون في الانتصارات.
احدث الاخبار
السيد الحوثي: الاستقرار لن يبقى في المنطقة ما دام الاحتلال مستمر في فلسطين
ثروة باقية؛ المقاومة في لبنان من نشوء الحالة الإسلاميّة إلى التأسيس حتى «طوفان الأقصى»
قائد الثورة الإسلامية: الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا جوهري، وليس تكتيكيا
التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*
قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام
عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)
الشيخ نعيم قاسم: أمريكا ليست وسيطا نزيها ودعم المقاومة واجب
زوجة القائد"الحاج رمضان" تروي ذكرى من أدب الشهيد قاسم سليماني
العميد نقدي: قدرتنا الصاروخية اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه خلال العدوان الصهيوامريكي
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة جاهزة للدفاع ولديها ردع يمنع تحقيق العدو لأهدافه
الاكثر قراءة
أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي
ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي
أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)
مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
مبادئ الإمام الخميني العرفانية
أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور
شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب
تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية