مهمة الإمام الصادق (عليه السلام)
كان الأئمة (عليهم السلام) يمارسون جهاداً عصيباً وثرّاً وشاملاً على الصعيد المعنوي والثقافي؛ بغية الحفاظ على أسس العقيدة الإسلامية, والحيلولة دون الانحراف الذي كان يخشى من ظهوره في ظل حكم السلطان الجائر، والذي كان ظاهراً، وعلى الصعيد السياسي أيضاً.
وقد تجلّت قمة هذه الحركة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام), ولا يعني ذلك أنها لم تكن متجلّية في الأزمنة الأخرى، فقد كانت في الذروة أيضاً في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) وفي الأزمنة الأخرى كذلك، سوى أنَّ توفّر الفرصة السانحة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) والذي تمكن من اغتنامها لبناء أسس المعرفة الإسلامية الصحيحة في المجتمع وتعميقها, بحيث لم يعد بإمكان التحريف أن يطالها ويزعزعها، فقام بهذا العمل الجبَّار؛ لكي تبقى أرضية مهيأة يستفيد منها الصالحون في كل مرحلة من مراحل التاريخ، ويقيم النظام الإسلامي والصرح المبني على القيم الإسلامية، ويقيمون هذا البناء الرفيع.
هذه هي مهّمة الإمام الصادق (عليه السلام).
شخصية الزهراء (عليها السلام) في فكر الإمام الصادق (عليه السلام)
روي عن الإمام الصـادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ فاطـمة كـانت مُحـدَّثة» أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها. وهناك روايات عديدة في هذا المجال. وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام ـ أو من الممكن وجودهم ـ كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء (عليها السلام). وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات اللّه . وكما انّ هنـاك تعبير في القرآن حول مريم (عليها السلام) في الآية { إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين } فإن الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتقول: «يا فاطمة إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين». ثمّ يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة (عليها السلام) وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء (عليها السلام) لها: «أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم» فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء (عليها السلام): بأنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كلّ الأزمنة من الأوّلين والآخرين. فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟ إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.
الإمام الصادق (عليه السلام) يصوّر مصير قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)
أمّا المسلمون فأنزل اللّه عليهم نعمته.. إلاّ أنّ النعمة تبدّلت ـ نتيجة لما اقترفوه ـ صوب المغضوب عليهم وصوب الضالين. ولهذا ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه قال: «لما قتل الحسين اشتد غضب اللّه على أهل الأرض» وذلك لأنه إمام معصوم. ويفهم من هذا ان المجتمع الذي ينال النعمة الإلهية قد يسير في اتجاه يجلب عليه غضب اللّه. ولهذا يجب توقّي أقصى درجات الدقّة والحذر في المسير، وهو أمر عسير طبعاً ويستلزم الانتباه واليقظة.
الإمام الصادق (عليه السلام) وشهر رمضان المبارك
اعتبرت رواياتنا شهر رمضان فرصة ثمينة يمرّن فيها الإنسان نفسه على الإقلاع عن الذنوب. وقد دوّنت في هذا الباب بضع روايات؛ جاء في أولاها عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لمحمد بن مسلم: «يا محمد إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرتك». فلا تكذب ولا تضمر لغيرك الشر ولا توقع الناس في المهالك ولا تضلّ القلوب، ولا تتآمر على أخيك المسلم وعلى مجتمعك الإسلامي، ولا تحقد ولا تبخس الناس في البيع، وتمسّك بالأمانة، وما إلى ذلك.
الإنسان الذي يصوم شهر رمضان من خلال كفّ نفسه عن الطعام والشراب والمشتهيات النفسية والجنسية يجب عليه أيضاً أن يصوم بصره وسمعه وكل أعضائه وجوارحه، وان يعتبر نفسه ماثلاً بين يدي ربّه، وهاجراً للذنوب والمعاصي.
وجاء في تتمة الرواية: «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك».
وانطلاقا من ضرورة تربية أنفسنا، يجب علينا اغتنام هذه الفرصة.
ونقل الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام عن أبيه عن جدّه ، قال: خطب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الناس يوم الفطر، فقال: «أيّها الناس أن يومكم هذا يوم يُثاب به المحسنون ويخسر فيه المسيئون...»
وهناك رواية منقولة عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) يعلل فيها الصوم بقوله: “ليستوي به الغني والفقير”؛ على اعتبار أنَّ الفقير لا يستطيع الحصول على كل ما تشتهيه نفسه من الأطعمة والأشربة طوال اليوم، بينما الغني يستطيع الحصول على كل ما لذّ وطاب. ومن الطبيعي أن الغني لا يدرك حالة الفقير وفقره وعدم قدرته على توفير كل ما تشتهيه نفسه. أمّا عند الصوم فيصبح وإيّاه على حد سواء ويُحرم كلاهما من المشتهيات النفسية باختيارهما.
الإمام الصادق (عليه السلام) وفلسفة الدعاء
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه سُئل: (ندعو فلا يستجاب لنا) فقال عليه السلام: (لأنّكم تدعون من لا تعرفونه).
وذكر معنى المعرفة في إحدى الروايات المتعلقة بالدعاء التي جاء فيها: (يعلمون أني أقدر أن أعطيهم ما يسألوني).
واظبوا على الدعاء واطلبوا الحاجات الكبيرة، اطلبوا الدنيا والآخرة، ولا تقولوا أنّ ذلك كبير وكثير؛ كلا، فإنّ ذلك ليس بالشيء الكثير على الله تعالى؛ الشرط الأساسي هو أنكم تدعون مع العمل بشرائط الدعاء.
ولكون الإنسان غافلا تجد أنّه في بعض الأحيان لا يعلم أنّ العمل الذي تحقق له، هو إجابة لدعائه.
تعليقات الزوار