الشيخ سامر توفيق عجمي
يترَعْرع أطفالنا -منذ عقود- في بيئة مضطربة أمنيّاً وعسكريّاً، فينامون وفي أحداقهم وميض المدافع، ويستيقظون على أصوات أزيز الرصاص وهدير الطائرات الحربيّة. يفتحون عيونهم على مشاهد القتل والخراب والدمار. يسمعون الأخبار من أجدادهم وآبائهم عن قصّة شهيد أو جريح أو أسير، بل يستقبلون بأنفسهم أجساد آبائهم وأعمامهم وأخوالهم وجيرانهم. وينظرون إلى أمّهاتهم وأخواتهم وقريباتهم متّشحات بالسواد، ويسمعون بكاء الأهل والأحبة وزفرات الأنين. بل يتصدّرون لائحة المستهدَفين في الحروب والصراعات.
* البيئة تفرض نمط التربية
في ظلّ هذا الواقع، وأمام مشاهد الاحتلال والإرهاب، لا يُعقَل تربية الطفل بنحو منفصل عن ظروف بيئته ومجتمعه، ولا يُمكِن أن نلقّن ذهنه مجموعة من المفاهيم أو نغرس في روحه رُزمة من القيم أو نُثير في وجدانه أمواجاً من المشاعر التي تتلاءم مع طبيعة الحياة، في الدول الإسكندنافيّة مثلاً، بل على المربّين أن يَشتغلوا بجدّ لإعداد الطفل لمواجهة هذا النمط من الحياة الذي نعيشه في بلداننا، في ضوء رؤية تربويّة تهدف إلى:
1- تنمية الإحساس بحبّ الوطن في وجدان الطفل.
2- تفعيل الشعور بكراهة العدو والنفور منه.
3- تعزيز ثقافة المقاومة في شخصيّة الطفل بنحو يؤهّله ليكون عنصراً مساهماً في حَركة الجهاد بما يتوافق مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، ويتلاءم مع استعداداته.
4- مساعدة الطفل على التكيّف مع ظروف المحيط العام، والتأقلم مع الاضطرابات التي تعصف بأوطاننا.
5- الحفاظ على الصحّة النفسيّة للطفل وأَمنه العاطفيّ.
* تقديم الجهاد والمقاومة من خلال أمثلة
يميل الطفل بفطرته إلى قضاء وقته في مناخ من اللّهو واللّعب، ويسخّر كلّ إمكاناته في البحث عمّا يمنحه المُتعة في الحياة، ولكن كُتب على أطفالنا بين حين وآخر أن تُسلَب البسمة من شفاههم لتُرسم مكانها دمعة الحزن في عيونهم.
لذلك علينا أن نقدّم فكرة الجهاد والمقاومة بصورة تتوافق مع الجهاز الخياليّ للطفل حرصاً على سلامته الوجدانيّة، وبنحو لا تزيد من شعوره بالخوف والرعب، أو تغذّي نزعة العنف والعدوانيّة السلبيّة في داخله. فمن النماذج التي يمكن أن نقدّمها له، تشبيه المقاومة بحالتَي الصحّة والمرض اللتين يعيشهما بَدَن الطفل، بأن نثير في ذهنه بعض التساؤلات، فيقال له مثلاً:
- بماذا تشعر حال الصِّحة؟ هل تشعر أنّ جسمك يعيش النشاط والحيويّة أم الكسل والخمول والتعب؟
لكنك أحياناً تُصاب بمرض معيّن كالزكام أو الإسهال أو ضربَة الحرّ، كيف تحسّ حينها؟
ما هو الطريق الأفضل للحفاظ على صحّة بدنك وسلامَة جسمك؟
أليسَت الوقاية خيراً من العلاج من المرض؟ فإذا ارتديت الثياب التي تُشعرك بالدفء في فصل الشتاء، ولم تشرب الماء المثلج هل ستصاب بالزكام؟
أليس عليك أنْ تذهب إلى الطبيب ليعطيك اللقاحات بطعم الفواكه اللذيذة؛ لينمو جسمك وتصبح بطلاً قوياً؟!
كذلك أليس عليك أنْ تتناول الدواء وتتحمّل مرارته وتصبر عليها؛ كي يزول المرض ويعودَ جسمك قوياً نشيطاً فتلعب وتذهب إلى البحر وتزور أصدقاءك؟
* الأعضاء للجسد كالأبناء للوطن
وهكذا نقدّم له صورة الوطن أو المجتمع بتشبيهه بجسم الإنسان؛ فالوطن مثلاً يتعرّض للهجوم من جراثيم الصهاينة أو التكفيريين. وهذا الوطن يحتاج إلى والدنا وعمّنا وأخوتنا وأقاربنا كي يَحموه ويُحصّنوه، كما أيضاً يحتاج إليكَ يا بطلي الصغير كي تحميه وتدافع عنه كي يستعيد الوطن نشاطه وقوّته، وتلعب فيه براحتك وتكون سعيداً.
فهذا التشبيه للمجتمع والوطن بالجسد الواحد وتداعي الجميع للدفاع عنه، مستفاد ممّا روي عن رسول الله وحفيده الإمام الصادق عليهما السلام: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائره بالسهر والحمى"(1).
وعلينا أن نجعل الطفل يشعر أنّ هذا الدفاع والجهاد من قبل آبائه وأقاربه وأحبّائه هو من أجل أن نعيش مجْد الحياة وعزّتها.
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اغزوا، تورِّثوا أبناءكم مجداً"(2).
* استعمال أسلوب اللعب والأنشطة الترفيهيّة في التربية الجهاديّة
ويمكن توظيف طبيعة الطفل التي تميل إلى اللعب واللهو في التربية الجهادية، باعتماد الأساليب التالية:
أ- الحياة الكشفيّة: تشجيع الطفل على الانتماء إلى الجمعيّـــات الكشفيّـــة -كجمعيّة كشافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف-، كون الحياة الكشفيّة هي الأقرب إلى الطابع الجهاديّ، حيث تغرس في شخصيّته مجموعة من القيم الجهاديّة: كالانضباط، والشجاعة، والقدرة على تحمّل المشقّات والصعوبات، والاعتماد على النفس، وحسّ المسؤولية.
ب- الأنديّة الرياضيّة: تشجيع الطفل على الانتساب إلى الأندية الرياضية التي تدرّبه على الفنون القتاليّة والدفاع عن النفس.
ج- رحلات سياحيّة: تنظيم رحلات سياحيّة للطفل إلى المعالم الجهادية وتعريفه بها، كمَعلم "مليتا" السياحيّ مثلاً.
د- برامج تلفزيونيّة: تحفيز الطفل على مشاهدة البرامج التلفزيونيّة ذات الطابع الجهاديّ.
ه- احتفالات: اصطحاب الطفل إلى المهرجانات والاحتفالات المرتبطة بالمقاومة والنصر والتحرير.
و- رحلات الصيد: اصطحاب الطفل في مرحلة متأخّرة من عمره إلى رحلات الصيد، حيث يتعوّد على المشي والتسلّق والاستتار والتمويه والتخفّي والكمائن والرماية.
ز- أنشطة مسرحيّة فنيّة: تشجيع الطفل على الحضور أو المشاركة في الأعمال المسرحيّة والفنيّة ذات الطابع الجهاديّ والمقاوِم.
وفي هذا السياق، نتذكّر تعليق الناطق باسم حكومة العدوّ الإسرائيلي "أوفير جندلمان" على فيديو مسرحيّة لأطفال فلسطينييّن تحاكي عمليّة اقتحام موقع عسكريّ إسرائيليّ، حيث اعتبره عملاً محرِّضاً على الإرهاب والعنف، وهذا دليل على مدى فعّالية هذه الأنشطة في زرع القلق في نفوس العدوّ من جيل المستقبل.
وهناك أساليب أخرى، نعرضها في العدد القادم إنْ شاء الله.
1.المؤمن، حسين الكوفي، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ص40.
2.الكافي، الكليني، ج5، ص8.
تعليقات الزوار