سؤال وجواب
السؤال: ما هو معيار شرعية الحكومة؟
جوابه: ثمة آراء متعددة بشأن المعيار الذي يحدّد شرعية الحكم، وفيما يلي نشير إشارة عابرة إلى عدد من النظريات المعروفة:
1ـ نظرية العقد الاجتماعي: ترى هذه النظرية أن شرعية الحكم تنبثق عن العقد الاجتماعي، أي أن عقداً يُبرم بين المواطنين والحكومة، يُعتبر المواطنون بموجبه ملزمين باتباع قوانين الحكومة، وفي المقابل تتعهد الحكومة بتوفير الأمن والنظام والرفاهية للمواطنين، وقد وردت آراء متباينة فيما يتعلق بطرفي العقد، فمنها ما يقول: بأن المواطنين يمثّلون طرفاً، فيما يمثل الحاكم أو الحكومة الطرف الثاني، وهناك ضمن سياق هذه النظرية رأي يقول: إن هذا العقد إنما يُبرم بين المواطنين أنفسهم.
2ـ نظرية الرضى والقبول: وتذهب إلى أن رضى المواطنين يمثّل معيار الشرعية، فإذا ما ارتضى أبناء المجتمع الحكومة؛ فانه يجب عليهم عندئذ إطاعة قوانينها، ورضاهم هذا يدخلهم في التزام سياسي يوجب للحكومة حق إصدار الأوامر عليهم.
3ـ نظرية الإرادة العامة: ومعناها أن إرادة الأمة بأجمعها أو الأغلبية منها إذا تعلّقت بحكم فئة ما؛ فان تلك الحكومة تكتسب آنذاك صفة شرعية، وتصبح رغبة عموم الأمة معياراً للشرعية.
4ـ نظرية العدالة: إذا ما سعت الحكومة من أجل تطبيق العدالة؛ تصبح مشروعة والعدالة هنا هي التي يتمخض عنها الالتزام السياسي.
5ـ نظرية السعادة أو القيم الأخلاقية: إن شرعية الحكومة تكمن في عملها؛ من أجل توفير السعادة لأبناء المجتمع، وتحكيم القيم الأخلاقية، والسبب الذي يدفع الأمة للانقياد للحكومة هو سعيها لتوفير السعادة لهم.
نظرية الحكم الإلهي: وفيها يكون الحق الإلهي والأمر الذي يمنحه هو المعيار في شرعية الحكومة، وفي الحقيقة فإن الحكومة الدينية تقوم على أساس هذه النظرية.
وقد تمّ شرح كل واحدة من هذه النظريات في كتب الفلسفة السياسية، ونحن نقوم هنا بنقد ودراسة هذه النظريات بصورة مختصرة. وبوسعنا حصر هذه النظريات الست في محاور رئيسية ثلاثة هي: إرادة الأمة، العدالة أو القيم الأخلاقية؛ الحكومة الدينية «الإلهية»، وسنتطرق فيما يلي بالعرض والتقويم إلى هذه المحاور باختصار:
أولا: إرادة الأمة
بموجب النظريات الثلاث الأولى فان ملاك الشرعيّة فيها تمثّله إرادة الأُمة، وفي مثل هذه الحالة تفقد الحكومة شرعيتها إذا ما رفضتها الأمة حتى وان كانت حريصة على تحقيق مصالح الناس، وتكتسب الشرعية إذا ما حظيت بتأييدها؛ حتى وإن سارت خلافاً لمصالح الأمة، ولم تلتزم بالقيم الأخلاقية. وهنا لابد من التنقيب عن أسس ومقومات القيم الأخلاقية. فخلال القرون المتأخرة ظهر إلى الوجود مذهب في فلسفة الأخلاق، يرى أن أساس ومصدر القيم الأخلاقية يكمن في إرادة الأُمة (مذهب الوضعية الأخلاقية)، وفي ضوء هذا المذهب فإن إرادة الأمة والقيم الأخلاقية متلازمتان وتسيران باتجاه واحد على الدوام، ولا يطرأ تضارب بينهما أبداً، فعندما تكون الحكومة موضع قبول لدى الأُمة؛ فهي ستكون ملتزمة بالقيم الأخلاقية بالضرورة.
ولكن علينا أن نعلم أن هنالك مذاهب أخرى على صعيد فلسفة الأخلاق أيضاً، منها فلسفة الأخلاق الإسلامية التي ترى عدم دوام الاتفاق بين إرادة الأمة والقيم الأخلاقية، وفي ضوء هذا المذهب يرد الإشكال السابق الذكر.
والإشكال الآخر هو: إذا ما اختارت الأكثرية الحكومة؛ فما هو مصير الأقلية التي ترفض مثل هذه الحكومة؟ ولماذا تُلزم الأقلية بامتثال أوامر هذه الحكومة؟ وهذا الإشكال غاية في الجدية، ويبرز في غاية المنطقية قبالة الديمقراطية التي تعني حكم الأكثرية، وكذا الحال فيما إذا كان قبول الناس بالحكومة مشروطاً؛ ولكن الحكومة لم تفِ بذلك الشرط، فهل ستحظى تلك الحكومة بالشرعية، ويصبح الناس ملزمين إزاءها؟ وهنالك مؤاخذات خاصة وثانوية بشأن النظريات الثلاث، لكنّا نترك الحديث عنها تلافياً للإطالة.
ثانياً: العدالة أو مطلق القيم الأخلاقية
إذا ما اعتبرنا العدالة أو القيم الأخلاقية معياراً لشرعية الحكم؛ كما نصّت عليه النظريتان الرابعة والخامسة، فقد تم بذلك تبرير شرعية القوانين والأوامر الصادرة عن الحكومة، بيد أن الحديث لم يجرِ بشأن اعتبار الحاكم أو الفئة الحاكمة والدليل عليه، أي لو كان القانون عادلا وضامناً لتحقيق القيم الأخلاقية؛ فإنه والحالة هذه يُحرز اعتباره وشرعيته، كما هو مطروح في النظريتين الرابعة والخامسة، وفي ضوء هذا الكلام جرى تثبيت اعتبار القانون، إلاّ أنه لم يجر التطرق إلى اعتبار الحاكم وشرعيته، بمعنى أن الحديث حول شرعية الحكومة ينصبّ في ما هو المعيار الذي يعطي للحاكم أو الفئة الحاكمة حق إصدار الأوامر والقوانين؛ وبتعبير آخر: إذا كان القانون عادلا؛ فهو إذن واجب التنفيذ، ولكن لماذا يتعين تطبيق هذا القانون على يد الحاكم نفسه؟ إن عدالة القانون لا تبرّر وجوب تمركز الحكم بيد شخص أو فئة حاكمة محددة، وقد جرى السكوت عن هذا الإشكال الوارد على النظريتين الرابعة والخامسة.
ثالثاً: الحكومة الدينية أو الإلهية
إذا ما قبلنا النظرية السادسة؛ فسنلاحظ خلوّها من الإشكالات الواردة على سابقاتها من النظريات، لأن كافة المؤمنين بوجود الخالق يرون أن الله تعالى هو المالك وصاحب السلطان ـ أي ذو سلطة تكوينية على الخلق ـ فإذا كان الباري تعالى هو الخالق؛ فلِمَ لا يكون له الحقّ بإصدار القوانين وممارسة الحكم؟ ومن جهة أخرى فإن المؤمنين بوجود الله سبحانه يعتقدون بأن الأحكام الإلهية لا تصبّ في مصلحته تعالى، بل في صالح خلقه، كما أنها تتميز بالعدالة ومطابقتها للقيم الأخلاقية، فإذا ما أمر الله؛ وجبت طاعته بلا تردد.
وإذا ما نصب الباري تعالى شخصاً لتنفيذ الحكم الإلهي؛ حاز على حقّ الحاكمية، ولن تواجه حكومته أي معضل. وقد تمّت حكومة النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام)بتنصيب إلهي، فيما جاءت حكومة الولي الفقيه في عصر غيبة الإمام المعصوم(عليه السلام)بتنصيب عام من قبل الإمام المعصوم، المنصوب من قبل الله سبحانه.
تعليقات الزوار