ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية في علم النفس التربوي د. أميمة عليق تتناول فيه الحديث حول نظرة الإمام الخامنئي لمختلف جوانب المرأة على المستوى الشخصي والاجتماعي والدور المؤثر والممتاز الذي يلحظه سماحته للنساء.
الكاتبة: د. اميمة عليق
هذا ما يؤكد عليه سماحة القائد الخامنئي حين يريد أن يصف ويتحدّث عن دور المرأة ومساهمتها في انتصار الثورة الإسلامية في إيران. فلا يمكن أن نرى المشهد النسائي في الجمهورية الإسلامية كاملاً إلا إذا تابعنا ما يقوله الإمام الخامنئي عن المرأة من جهة أو تابعنا رؤيته فيما يتعلق بالأسرة من جهة ثانية.
فالمتابع قد يتفاجأ بكثرة التواصل بين القائد والنساء من جميع الفئات في الجمهورية الاسلامية. فبالاضافة الى تمييزهن بلقاءات متعددة خاصة بهن كما يحصل في ذكرى ولادة السيدة الزهراء فهو يجعل لهن جزءاً مهماً من أحاديثه في لقاءاته مع طلاب الجامعات أو أساتذة الجامعات أو مع الرياضيين والعمال.
ويعود اهتمامه هذا الى اعتباره أن مسألة المرأة والاسرة من المسائل الأولى في البلاد:
إذ يؤكد: "إن مسألة الأسرة هي مسألة مهمة جدا، القاعدة الأساس للمجتمع، الخلية الأساس في المجتمع، ولا يعني هذا فقط أنه اذا كانت هذه الخلية سليمة، فإن السلامة تسري في بقية الأجزاء أو أنها إذا فسدت فإن باقي الأجزاء ستفسد بتبعيتها، بل انها إذا كانت سليمة فإن الجسم سالم، لأن الجسم ليس شيئا آخر غير الخلايا، كل جهاز هو عبارة عن مجموعة من الخلايا. إذا استطعنا أن نحفظ هذه الخلايا سالمة، فسيكون الجهاز سليماً، المسألة مهمة لهذه الدرجة. في الأساس فانه لا يمكن للمجتمع الاسلامي أن يتقدم أبداً ان لم ينعم البلد بمؤسسة أسريّة سليمة وحيوية ونشيطة، في المجالات الثقافية خاصة وفي غيرها من المجالات لا امكان للتقدم بدون أسر جيدة".
المرأة والأمن الأسري:
يطرح الإمام الخامنئي فكرة أساسية حول نظرة الإسلام للمرأة فيقول: "إن نظرة الإسلام بشكل إجمالي للمرأة هي نظرة مميزة ومتعالية جدا، أعتقد أن الكثير من هذه المشكلات المتعلقة بالنساء ناشئة من مشكلات الحياة الجمعية للأسرة، حيث أن المرأة هي محورها". وبالإضافة إلى الفقه المتجدد للقائد ها هو يدعو إلى سنّ القوانين كي تملأ الفراغات القانونية والعرفية والتقليدية العجيبة والمتعددة فيقول أثناء اللقاء الاستراتيجي للمرأة والأسرة :"أحيانا حين تتصل بنا السيدات – من مجلس الشورى أو من الحوزة أو من المراجعات المتنوعة للناس أو من مراكز أخرى – وتطرحن مشكلاتهن نلاحظ أن هذه المشكلات تتعلق بشكل أساسي بالمشكلات داخل الأسرة، إذا كان للمرأة في داخل الأسرة أمن نفسي وأمن أخلاقي وراحة وسكن ، وكان الزوج لباس لها بشكل حقيقي – كما انها لباس للزوج – وكما أراد القرآن أن يكون بينهما مودة ورحمة وإذا تمّ رعاية " ولهن مثل الذي عليهنّ في الأسرة – هذه الأمور التي هي اصول كلية وأساسية حينها ستكون مشكلات المرأة خارج الأسرة قابلة للتحمل ، وستتمكن المرأة من التغلب على هذه المشكلات. إذا تمكنت المرأة أن تخفف من هذه المشكلات في مركز استراحتها وفي متراسها الاساسي، فستتمكن بلا شك، من أن تفعل ذلك في ساحة المجتمع".
نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسان:
يسعى الإمام الخامنئي دائماً وفي معظم اللقاءات والخطابات الى عرض أفكار الاسلام الجذابة والمهم في قضية المرأة فيقول مثلاً: "ان نظرة الاسلام الى الجنس، هي نظرة من الدرجة الثانية؛ النظرة الأولى وبالدرجة الأولى، هي البعد الانساني، والتي لا دور فيها للجنس. لكن الخطاب للانسان وهناك " يا أيها الذين آمنوا " ولا يوجد " يا أيها الذي آمن" اي أن الصيغة آمنوا هي صيغة ذكورية وليست صيغة أنثوية، ولكن هذا لا يعني أبدا بأن هناك أفضلية للرجل على المرأة في هذا الخطاب، وإنما هذا ناشئ من عوامل أخرى، وتلك العوامل واضحة بالنسبة لنا. إن الجنس هو أمر ثانوي، هو أمر عارض. يتجلّى عملياً في الحياة. في السير الأساسي للبشر ليس له أي تأثير ولا معنى له. حتى أعمالهم تختلف فيما بينها. "جهاد المرأة حسن التبعل"(الكافي، ج5، ص9) أي أن ثواب ذلك الشاب المجاهد الذي وضع دمه على كفه و ذهب الى ميدان الحرب يعطى لهذه المرأة. لأن هذا العمل لا يقل تعبا عن الجهاد. بالتأكيد إن التبعل أمر صعب جداً، مع توقعاتهم، إنتظاراتهم، مع سوء أخلاقهم، وصوتهم المرتفع وطولهم الفارع؛ حسناً، تستطيع امرأة مع هذه الظروف أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً، وحنوناً وفيه سكينة وهدوء؛ هذا فنٌّ كبير. هذا حقاً جهاد. هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلموا عنه. جهاد مع النفس".
أما بالنسبة الى عمل المرأة خارج الأسرة:
فالإمام الخامنئي لا يترك مناسبة إلا ويشير على دعمه لعمل المرأة خارج المنزل إلا أنه يؤكد مباشرة على دورها الأساسي في الأسرة فيقول: "بالنسبة لموضوع العائلة، يوجد كلام كثير، مسألة الزوجية، مسألة الأمومة، كلها مسائل ينبغي التفكيك بينها. لدى المرأة في الأسرة دور الزوجية؛ دور الزوجية هذا هو دور استثنائي؛ حتى لو لم يكن هناك دور أمومة. إفرضوا أن هناك امرأة، إما أنها لم ترغب في الإنجاب أو أنها ولأي سبب آخر لم تنجب؛ ولكنها زوجة. لا ينبغي الإستخفاف بدور الزوجية. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصاً مفيداً في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيدة في المنزل. وإلا فلن يحصل هذا. نحن اختبرنا (هذا الأمر) في زمن المقاومة وما بعدها في زمن انتصار الثورة؛ الرجال الذين كانت ترافقهم زوجاتهم في حركتهم؛ استطاعوا أن يصمدوا في نضالهم وكذلك استطاعوا أن يتابعوا استقامتهم على الطريق الصحيح. وبالطبع كانت هناك حالات معاكسة.أحيانا عندما كنت أقوم بعقد قران لتلك الشابات والشباب الذين كانوا يأتون _ فيما مضى كنت أقوم بهذا ولكن حالياً لا أحظى بهذا التوفيق_ كنت أقول لهم:"إن الكثير من السيدات يجعلن أزواجهن من أهل الجنة؛ والكثير من السيدات أيضاً يجعلن أزواجهن من أهل النار. هذا رهن بهنّ. وبالتأكيد فإن للرجال هذا الدور أيضاً. في مجال الأسرة لا ينبغي تجاهل دور الرجال، كذلك. بناء على هذا، إن دور الزوجية هو دور بالغ الأهمية.
ثم هناك دور الأمومة؛ ومن جملة المسائل التي تطرح، مسألة عمل السيدات. إن عمل السيدات هو من جملة الأشياء التي نوافق عليها. إنني موافق على أنواع المشاركة سواء كان من نوع العمل الإقتصادي أو من نوع العمل السياسي والإجتماعي والأنشطة الخيرية وأمثالها؛ فهي جيدة أيضا. النساء نصف المجتمع وأمر جيّد جداً أن نتمكن من الإستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوعة. ولكن خلاصة القول أن هناك أصلين أو ثلاثة أصول ينبغي رعايتها وعدم تجاهلها. أولها، هو أن لا يلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساسي _ والذي هو عمل الأسرة والزوجية والأمومة والتدبير المنزلي _ وهذا أمر ممكن. أعتقد أن لدينا نماذج عن سيدات كن يقمن بهذا ولا شك بأنهن واجهن بعض الصعوبات؛ درسن وكذلك عملن، أنجزن أعمال البيت، أنجبن أطفالاً، قمن بتربيتهم والإهتمام بهم. فإذن نحن موافقون على العمل والمشاركة، على ألا تؤثر وتضر بهذه المسألة الأساسيّة؛ لأن لا بديل عنهن فيها. إن لم تقمن بتربية أبنائكن في المنزل أو لم تقمن بفك عقد خيوط عواطف الطفل الظريفة جدا_ والتي هي أنعم من خيوط الحرير _ بأنفسكن كي لا يتعقد عاطفيا، لا يمكن لأي أحد آخر أن يقوم بهذا العمل. لا أبوه، ولا غيره بطريق أولى؛ إنه عمل الأم فقط. هذه الأعمال هي بيد الأم. أما ذلك الشغل الذي لديكن في الخارج، فإن لم تقمن به أنتن فإن هناك عشرة أشخاص آخرين سيقومون بهذا العمل. بناء على هذا، فإن الأولوية هي للعمل الذي لا بديل عنكن فيه، هذا هو المطلوب والمتعين."
وكما يثمّن القائد دور المرأة طيلة أيام الثورة فهو لا ينسى دور أمهات وزوجات الشهداء بما لهن من تأثير في المجتمع فيقول:"في زمن الحرب زمن المحنة، زمن الإمتحان الصعب كان دور النساء دوراً إستثنائياً دور أمهات الشهداء دور زوجات الشهداء دور النساء المباشر في ساحة الحرب، في أعمال الحرب وأحياناً وبشكل نادر في الأعمال العسكرية والعمليات ولقد شاهدت عن قرب أعمال الدعم الحربي للنساء في الأهواز؛ لقد كان دوراً منقطع النظير . أن تكون أمّاً، أماً لشهيد، أماً لشهيدين، ثلاثة شهداء، أربعة شهداء، ليس الأمر بالمزحة؛ ذكره على اللسان سهل ويسير. وهذه الأم بكل عواطفها الأمومية المرهفة والملتهبة ، تفي دورها بشكل تتشجع معه مئة أم أخرى لإرسال أولادهن إلى ساحة الحرب. لو أن تلك الامهات حين وصلتهن جثامين أبنائهن أو لم تصل، صدرت منهنّ آهات وأنين، عتاب وشق للجيوب أو إعتراض على الإمام وعلى الحرب، فلا شك أن الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الاولى وهذا هو دور أمهات الشهداء، الزوجات الصابرات للشهداء، نساء شابات يفقدن أزواجهن في بداية الحياة الجميلة التي كن يتمنينها".
كما أنه لا يترك فرصة للتنويه بدور المرأة في النظام إذ يقول: "إن دور وحصة السيدات في النظام دور إستثنائي وممتاز". ويكرر دوماً دور النساء منذ بداية الثورة : "مثلما كان دور السيدات في أصل الثورة ممتازاً . منذ بداية الثورة نعلم بأن النساء كان لهن دور (مميز) سواء في بدايات النهضة أو في زمن الثورة أي في تلك السنة والنصف من التحركات الجماهيرية الثورية كان للنساء دور مؤثر ولا بديل له حتى أنهن لم يشاركن في هذه التحركات والتظاهرات الحاشدة والعظيمة، لما كان لهذا التحركات كل ذلك الأثر، إضافة الى أنه في بعض الاماكن، مثلاً عندنا في مشهد كان إنطلاق التظاهرات بواسطة النساء أي أن أول حركة شعبية كانت حركة نسائية وقد تصدتّ لهن الشرطة وإنطلقت فيما بعد التحركات من الرجال في النهضة هكذا كان الأمر وكذلك بالنسبة الى دورهن في تشكيل النظام".
المرأة في الغرب:
وكما يؤكد القائد الخامنئي على أن تطور المجتمع لا يمكن أن يحصل إلا بوجود أسر سليمة يشير في هذا المجال الى الأسرة والمرأة في الغرب للتأكيد على هذا الأمر: "الاسرة ضرورة، ولا ينقض هذا بأن تقولوا، لا يوجد أسرة في الغرب ولكن يوجد تقدم، إن ما يظهر مؤشراته بشكل أكبر يوماً بعد يوم في خراب مؤسسة الأسرة في الغرب، سوف يلقي بظلاله وآثاره (على الغرب) لا داعي للاستعجال، الأحداث العالمية والتاريخية ليست بالأمر الذي تظهر آثاره فورا وبسرعة، بل بشكل تدريجي، كما أنه لا يزال يؤثر حتى الآن، في الزمن الذي أنتج الغرب هذا التطور، كانت لا تزال الأسرة هناك محافظة على بنيانها، حتى مسألة العلاقة بين الجنسين كانت لا تزال مضبوطة من خلال رعاية الأخلاق الجنسية، بالطبع ليس بشكلها الاسلامي، وإنما بأسلوبها الخاص، من لديه اطّلاع على المعارف الغربية سواء في أوروبا أوفي أميركا يرى ويشاهد هذا الأمر، حيث كان يوجد هناك رعاية للأخلاق بين الجنسين وكان يوجد حياء واجتناب للتهم وما شابه. لقد نشأت هذه الفلتات والاباحية بشكل تدريجي، لقد تم تمهيد الأرضية في ذلك الزمن واليوم وصلوا الى هذا المستوى. لذلك فإن أوضاعهم اليوم ستنتج غداً مرّاً وصعباً جداً عليهم، هذه هي الجهة الثانية لطرح مسـألة المرأة."
"علينا أن نذكر أيضا، إن الغرب يتهرب عامداً من طرح مسألة الأسرة، في جميع الأبحاث التي يجرونها، يوجد بحث للمرأة ولكن لا يوجد أثر لبحث الأسرة، إن الأسرة هي نقطة ضعف الغرب، إنهم يطرحون مسألة المرأة ولكن لا يذكرون حتى اسم الأسرة، مع أن المرأة ليست منفصلة عن الأسرة، بناءاً على هذا فإن التصدي لهذه المسألة أمر ضروري.
ولكنني أعتقد أن الجريمة الأكبر التي اقترفها الغرب في مسألة المرأة والأسرة كانت في نظرته للمرأة، وهذا لا يمكن وصفه بجملة أو اثنين. إن السياسة الغربية توجه أكبر ضربة واهانة لكرامة المرأة، حتى هؤلاء النسويون ( الفيمنيزم) والمتشددون – ولديهم مستويات وطبقات مختلفة – يوجهون ضربة للمرأة من حيث لا يشعرون، هو من باب حسن الظن – أي أن العاملين في هذا المجال حسب الظاهر لا يفهمون ماذا يفعلون – ويحتمل أن يكون صناع السياسات والمخططين للبرامج خلف الكواليس على علم كامل بما يفعلون."
وفي النهاية يعتبر القائد الخامنئي أن قضيّة المرأة في العالم اليوم، هي من القضايا التي لا تزال، ومن جهاتٍ متعدّدة، تستحقّ المتابعة والتأمّل والعمل والفكر. والالتفات الى النقاط الآتية كما أشار في لقائه مع النساء النخبة في العام 2014:
أوّلًا؛ إنّ نصف عدد سكّان البلدان المختلفة هو من النساء؛ كيف يمكن الاستفادة بشكلٍ سليم من هذه الإمكانات والموارد العظيمة لما فيه مصلحة أيّ بلد.
ثانيًا؛ إنّ مسألة الهويّة الجنسيّة هي إحدى أكثر مسائل الخلق حساسيّة ودقّة، فكيف يمكن جعلها في خدمة سموّ الإنسان وتعاليه، بدل أن تصبح في خدمة انحطاط البشر والتسافل الأخلاقيّ؟
ثالثًا؛ بسبب الفروقات الطبيعيّة بين جنس المرأة وجنس الرجل، كيف يمكن- سواء في المحيط الاجتماعي أم في داخل الأسرة- أن يؤسّس لسلوكٍ ويُصبح ملزِمًا بأن لا تتعرّض المرأة لأيّ ظلم؟ هذه مسائل بالغة الأهميّة. إنّنا إن وضعنا هذه المسائل الثلاثة نصب أعيننا وجعلناها محورًا للتفكير والتأمّل والبحث والعمل، فسينتج عن ذلك مجموعة من الجهود والأعمال البحثيّة والمطالعات النظريّة والعمليّة. لا يتخيّلنّ أحد بأنّ ظلم النساء مسألة خاصّة بالمجتمعات المتخلّفة أو المجتمعات المتوحّشة مثلًا؛ كلّا، ففي المجتمعات التي يصطلح على تسميتها بالمتحضّرة، إن لم يكن ظلم النساء فيها أكثر، فإنّه بالتأكيد ليس أقلّ من المجتمعات الأخرى. حسنٌ، إنّها مسائل هامّة؛ ينبغي متابعتها والتصدّي لها وطرحها.
تعليقات الزوار