أتصور أن القائلين بأن الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة، فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين (ع) هدف آخر، والوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي إلى إحدى نتيجتين: إما الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعداً لكلتا النتيجتين.
يقال إن التأريخ أكبر معلّمٍ للبشر، والماضي مصباح الطريق للمستقبل. فلو كان التأريخ بمنزلة "المعلم" و"مصباح الطريق"، إذن لابد وأن يتسنى استقاء الدروس منه وإنارة المسير به، لتتوافر إمكانية المضيّ قُدماً بصورة أمثل وأكثر صوابية. ومن هذا المنطلق، فإن واقعة عاشوراء لعام 61 للهجرة، وإن مضى عليها أكثر من 14 قرناً، ولكنها تنطوي على جملة من الدروس والعِبَر لحاضرنا. «لو نظرنا إلى هذه الواقعة منذ أن خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة وتوجّه نحو مكة إلى أن نال وسام الشهادة في كربلاء، لأمكننا القول بإن الإنسان يستطيع عدّ أكثر من مئة درس مهم في هذه الحركة.» (9/6/1995)
الدرس الأساسي الذي يجعل ما سواه هامشياً
«إلى جانب تلك الدروس المائة، هنالك درس أساسي في نهضة الحسين وثورته، يجعل ما سواه هامشياً» (9/6/1995) ومن سمات هذا الدرس أنه يمتد عبر التأريخ إلى ما بعد كربلاء وعاشوراء وإلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة. والدرس هو: «لماذا ثار الحسين (عليه السلام)؟» (9/6/1995) وهو درس مهم لربما غفلت عنه أجيال متعاقبة لانشغالها بالجانب العاطفي في واقعة الطف وحسب.
هل كان الهدف من ثورة الحسين إقامة حكومة إسلامية؟
«يقول البعض: الهدف الذي توخّاه أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) من ثورته هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بدلها.» (9/6/1995) ثم يردّ سماحة الإمام القائد على هذا الرأي بقوله: «إن من يثور لأجل إقامة حكومة، سيواصل طريقه ما دام يرى إمكانية ذلك، ولكنه إذا احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي، فوظيفته الرجوع. إذ لو كان الهدف إقامة الحكومة، فإنه يجوز للإنسان أن يمضي قدماً ما دام هناك إمكانية لإقامتها، وإذا رأى عدم إمكانية ذلك عليه الرجوع. فإن كان مراد القائل: "إنّ هدف الإمام (عليه السلام) من هذه الثورة إقامة الحكومة العلوية الحقة" هذا المعنى فهو غير صحيح، لأن مجموع هذه الحركة لا تدلّ على ذلك.» (9/6/1995) فإنّ قلة الناصر وخذلان الأمة وكثرة العدوّ كلها مؤشرات على أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن تتسنى له إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة إسلامية.
هل كان الهدف هو نيل الشهادة
«والبعض على العكس من ذلك، قالوا: كان يعلم الحسين (عليه السلام) بعدم تمكّنه من إقامة الحكومة، ولذا قام من أجل أن ينال الشهادة.» (9/6/1995) وهنا أيضاً يبادر الإمام الخامنئي إلى ردّ هذا القول بالاستناد إلى الشريعة الإسلامية قائلاً: «لا يوجد في المصادر الإسلامية ما يحثّ المرء على إلقاء نفسه في التهلكة. فإنّ الشهادة التي نعرفها في الشرع المقدّس وفي الآيات والروايات تعني أن يتحرك الإنسان ويستقبل الموت في سبيل هدف مقدّس واجب أو راجح.. هذه هي الشهادة الإسلامية الصحيحة.» (9/6/1995)
الفرق بين الهدف والنتيجة
«أتصور أن القائلين بأن الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة، فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين (ع) هدف آخر، والوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي إلى إحدى نتيجتين: إما الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعداً لكلتا النتيجتين.» (9/6/1995) فالإمام (عليه السلام) قد أعدّ مقدمات الحكم ومقدمات الشهادة أيضاً، ووطّن نفسه على كلا الأمرين، فإن تحقق أيّ منها كان صحيحاً ونتيجةً للهدف الذي نهض من أجله.
للنهضة الحسينية بعدان
«إن لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بعدان يمكن أن يسفر كل منهما عن نتيجة طيبة:
الأول: أن يستطيع الإمام (عليه السلام) التغلب على حكومة يزيد واسترداد السلطة من يد أولئك الذين يقمعون الناس ويتلاعبون بمصيرهم، ووضع الأمور في نصابها الصحيح. فلو كان قد حدث ذلك لتغيّرت مسيرة التاريخ.
وأما الثاني: فكان عدم تمكّن الإمام من إحراز هذا النصر السياسي والعسكري لأي سبب من الأسباب، وعندئذ لم يكن أمامه سوى استبدال القول بالدم والمظلومية، وتحمّل الخسارة التي لن ينساها التاريخ على مدى الزمان، لتبقى كلمته تياراً جارفاً لا ينقطع إلى أبد الدهر. وهذا هو ما فعله الإمام الحسين.» (14/4/2000)
ولكن ما هو الهدف؟
«لقد كان هدف الإمام عبارة عن أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤده أحد من قبله.» (9/6/1995) مشيراً سماحته إلى أنّ الظروف والمقتضيات والمعطيات كانت قد توافرت في زمن الإمام الحسين دون أن تتوافر في زمن غيره من الأئمة (عليهم السلام). والواجب هذا يعرّفه الإمام القائد بأنه يحتلّ مكانة هامة في البناء العام للنظام الفكري والقيمي والعملي الإسلامي.
وما هو هذا الواجب؟
هذا الواجب هو إنقاذ الإسلام من الانحراف الشديد الذي عبّر الإمام الحسين (عليه السلام) عنه في قوله: «وعلى الإسلام السلام إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد».
ويلخّص الإمام الخامنئي هذا الواجب في قوله: «يمكننا أن نلخّص القضية بهذه الصورة وهي: أن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) جاءت لتأدية واجب عظيم وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الخطّ الصحيح أو القيام ضدّ الانحرافات الخطيرة التي استشرت في المجتمع الإسلامي. وهذا ما يتم بالثورة وعن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكما ذكرتُ بالطبع فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة، وقد تكون الشهادة، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) مستعدّاً لكلتا النتيجتين.» 9/6/1995
*ملاحظة: كل ما جاء بين علامة «» فهو من كلام سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله)
تعليقات الزوار