حوار خاص مع الحاج أبوعامر حول معرفته بقادة النصر، تشكيل مجموعات المقاومة ضدّ المحتلّ الأمريكي والكفاح ضدّ داعش
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ حواراً خاصّاً مع معاون رئيس الأركان في الحشد الشعبي ياسر حسين العيساوي، الحاج أبوعامر، حيث يجري استعراض تاريخ علاقته بقادة النصر والدور المؤثر الذي لعباه في التصدي للاحتلال الأمريكي ومكافحة الإرهاب التكفيري لداعش، إضافة إلى روايته حول شخصية الشهيد أبومهدي المهندس والساعات الأخيرة من حياة الشّهيد.
كما تعرفون هذه الأيام هي أيام الذكرى الثانية لإستشهاد قادة النصر أي الشهيدان "الحاج قاسم سليماني" و"الحاج أبو مهدي المهندس" ورفاقهم. كسؤالٍ أوّل أريد منك أن تحدثنا عن معرفتك السابقة والقديمة بهذين الشهيدين العظيمين، خاصّةً قائد عراقي كبير وعزيز كالحاج "أبو مهدي المهندس".
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد (ص) وآله الطيبين الطاهرين. في الحقيقة، إن معرفتنا قديمة بالحاج "قاسم سليماني" والحاج "أبو مهدي"، تقريبا ما بعد 2003. كان هنالك اهتمام خاص ورعاية وتواصل كبير مع الحاج "قاسم سليماني" الذي كان داعماً للمقاومة الإسلامية في العراق. هذا الرجل كان له اهتمام كبير بالشعب العراقي ودعم الشعب العراقي. منذ عام 2014، بعد أحداث داعش، كان هناك تواصل مستمر، بشكل يوميّ تقريباً، أي التواصل بين قيادات الحشد الشعبي وجمیع فصائل المقاومة الموجودة، وتوجيهها باتجاه واحد للدفاع عن العراق. كان عندنا هدف أساسي هو حماية بغداد ومنع سقوطها بيد العدو ثم تحرير المدن الأخرى المحاصرة أو المدن التي سقطت بيد داعش، فكان الحاج "قاسم سليماني" رجلاً داعماً للحركة وداعماً للحشد عبر توفير أموال كثيرة وطاقات وأسلحة ومعدات كثيرة أيضاً وتشكيل كوادر فنية وكوادر إدارية لتنظيم التشكيل لأن الحشد الشعبي كان في بدايته عبارة عن مجموعات غير متناسقة، أي متطوعين شعبيين، لم يكن جيشاً نظامياً في ذلك الوقت.
الذي أوجد هذه المؤسسة ونظم وجودها وتنظيمها وجعلها على شكل ألوية وقيادات وعمليات هو "الحاج قاسم" وتم كل ذلك بفضله. كان له الفضل الأول وتقريباً الأكثر في هذا المجال. كذلك الحاج "أبو مهدي المهندس" كان هو الأب الراعي الذي استطاع بسعة صدره وبأخلاقه العالية وبتسامحه، استطاع أن يجمع هذه المجموعات الكبيرة، وينظّمها ويستقطبها بالشكل الصحيح. كان هنالك فصائل مقاومة منظمة تنظيماً عسكرياً دقيقاً، وكانت هنالك حشود شعبية بدائية ليس لها أي تنظيم عسكري ولم يكن لديها تنظيم إداري. من أوجد هذه التنظيمات واستطاع أن يوحّد هؤلاء الناس في مجال واحد وفي مؤسسة واحدة هو الحاج "أبو مهدي المهندس". كانت لديه كاريزما وقيادة قوية أبوية يستطيع أن يُخضع الجميع له من خلال سمة الأخلاق العالية الموجودة لديه. كذلك الحاج "قاسم سليماني" (رحمة الله عليه) كان قائداً فذاً شجاعاً ولديه نظرة ثاقبة، وقد تتلمذنا على يده في كل معارك وتَلمذنا على الأخلاق الإسلامية الحقيقية التي تربّى عليها في الجمهورية الإسلامية. الروح الحقيقية للقتال والدفاع عن المستضعفين والأخلاق العالية التي كان يتعامل مع العراقيين بها ومع المناطق المحررة. أوجد الروح المعنوية الحقيقية للجهاد في سبيل الله وليس للقتال فقط.
متى التقيت آخر مرّة بالحاج "أبو مهدي المهندس"، وما دار بينكما من كلام خلال ذلك اللقاء؟ هل التقيت بهذا القائد الشهيد خلال الليلة التي وقعت فيها الجريمة؟
في الحقيقة، كنت مواكباً للحاج "أبو مهدي المهندس" تقريبا من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الثانية عشر ليلاً خلال اليوم الأخير للشهادة. لم نفترق إلا قبل ساعة أو نصف ساعة من الحادث. في هذا اليوم كان الحاج "أبو مهدي المهندس" متغيّراً بشكل كامل مقارنة بالأيام الأخرى، وطلب مني أن أجمع القيادات العسكرية بالحشد فجمعت القيادات العسكرية، وأبدى [الحاج أبو مهدي] بعض التوصيات والإرشادات والتوجيهات العامة وكأنه مودّع للحياة، لم يكن لدينا إدراك أن "أبو مهدي المهندس" سوف يودع الحياة، ولكن من بعد استشهاده استطعنا ترجمة الكلام الذي قاله في تلك الفترة. في هذه الليلة الأخيرة طلب مني أن أجمع تقريباً 20 من القادة الأمنيين، وتناول العشاء معهم وقدّم لهم توصيات وكأنه سوف يغيب عن الحياة.
أنا في قناعتي أن "أبو مهدي المهندس" كان يعلم باستشهاده في هذه الليلة، وكان متيقّنا أنّه سوف يستشهد، هنالك كثير من الأمور كانت غريبة، على سبيل المثال أنه دعانا للعشاء ولم يتعشى. جلس معنا فقط ولم يمد يديه للطعام، ولما سألناه يا حاج لماذا لا تتعشى؟ فقال: "أنا أكتفي بكأس من الحليب والقليل من العسل" ولما جاء الإخوة في الخدمات بكأس الحليب شرب منه رشفة واحدة فقط واكتفى بذلك، ثم ذهب إلى غرفته الخاصة واستحم ولبس ملابس نظيفة وجديدة حتى قلنا له من باب المزاح: "الحاج أنت الليلة كأنما تذهب إلى العرس وأنت في هذا العمر!". فقال: "نعم أنا الليلة إن شاء الله عريس وسأسافر إلى سفر بعيد إن شاء الله". هذا الكلام هو الذي كان يقوله لنا، ولكننا لم نفهم بأنه سوف يستشهد، يعني لم تخطر هذه الفكرة ببالنا، وكنّا نظن بأنه قد قال مثل هذا الكلام من باب الملاطفة والمزاح. لاحظت أنه يتصرف وكأنه أن يودع الحياة.
هنالك ملف خاص كلّفني به الشهيد قبل 7 أيام أو 10 أيام من استشهاده، وأنا كنت مهيّئاً لهذا الملف. فبعد أن ذهب الإخوان الضيوف، قلت له: حاج، هذا الملف الذي طلبته مني قد أتممته أرجو أن تطلّع عليه.
فقال: لا أبداً، أنا سوف لن أطّلع عليه، أنتم اتخذوا القرار الذي ترونه صحيحاً. قلت له من جديد، وأنت يا حاج؟ ألا تطلّع عليه؟ فأنت قائدنا. أجاب: لا.. أنا مهمتي معكم قد انتهت منذ الليلة، ولم يبق لي شيء معكم.
شعرت بداخلي أن هناك أمراً خطيراً سوف يحدث. رغم أن الحاج الشهيد كان مبتسماً وهادئاً جداً، خصوصاً تلك الليلة، كان أمراً عجيباً. فقلت له: حاج؟ أرجوك، بماذا توصيني بخصوص عمل يوم الغد؟ فأجاب مرّة ثانية: لا.. ليس عندي شيء أوصيكم به. أنتم اليوم رجال وأنتم قادة، عليكم أن تتكفّلوا بالقرارات بأنفسكم، فمهمتي معكم قد انتهت في هذه الليلة.
حقيقة، هذا الكلام، كان كلاماً غريباً، لذلك، تصورت أن الحاج الشهيد، قد يكون متضايقاً نفسياً، أو قد تكون لديه مشكلة ممكن أن تُحل. لكن بقيت معه حتّى الساعة 12 ليلاً، رافقته إلى غرفته وكان راغباً بالنوم، فتركته للنوم وعدت.
بعد حوالي 50 دقيقة تقريباً، حدث الانفجار في المطار، فذهبت للحاج الشهيد لكي أبلغه بالخبر وماذا حدث في مطار بغداد، فدخلت غرفته ولم أجده، ثم سألت الحراس، فقالوا: أن الحاج قد خرج من الباب الخلفي ولا نعرف مع من ذهب، لكنه ممكن أنه قد ذهب مع سائق واحد.
بعد ذلك، بعدما ذهبنا الى موقع الانفجار، لم يكن لدينا علم بأن الحاج قاسم والحاج أبومهدي موجودان، ذهبنا الى موقع الحادث فقط، ثم توجهنا الى مكان متقدم من الحادث، فوجدنا السائق الذي كان قريباً من الحادث، لكنه لم يكن موجوداً في السيارة حين حدوث الانفجار، واتضح أن الحاج أبومهدي قد أنزله من السيارة قبل الحادث بدقائق، حسبما قال السائق: بأن الحاج قد طلب مني النزول من السيارة والانتظار حتى يعود.
وكأن الحاج الشهيد كان يعلم أنه سوف يستشهد ولم يكن يريد أن يستشهد هذا السائق معه، ثم بعد أن تأكدنا من صحة الأخبار، بقيت في حيرة من أمري. لماذا بعدما أوصلته الى غرفته تركها وغادرها متوجهاً إلى مكان الحادث؟ لكننا تأكدنا أنه كان باستقبال أحد الضيوف المهمين. ومن بعد ذلك تتبعنا الأخبار، فعرفنا أن الحاج قاسم هو من استشهد.
ماذا حدث بعد استشهاد الشهيدين الحاج "قاسم سليماني" والحاج "أبو مهدي المهندس" وكيف اطلعتم على هذا الحادث؟ كيف كانت الأوضاع وخاصة الأوضاع الأمنية في العراق في ذلك الحين؟
في نفس الليلة انتشرت أخبار كثيرة عن مقتل الكثير من قيادات الحشد من ضمنهم "الشيخ قيس الخزعلي" ومن ضمنهم الحاج "هادي العامري" ومن ضمنهم شخصيات أخرى مثل الحاج "أبو آلاء الولائي"، انتشرت أخبار كثيرة بأنه تمت تصفيتهم في هذه الليلة. غُلقت هواتف كل الإخوان الذين كنا نتصل بهم. كان هناك دور كبير للحاج "أبو فدك المحمداوي" في تلك الليلة، لجأنا لهيئة الحشد في مكتبه وقال إنه نحن لابد أن نجمع كل الإخوان ونتصل بهم. اتصلنا بكل الإخوان ولكن الهواتف كانت مغلقة فصار نوع من الإرباك في هذه الليلة. كان للحاج "أبو فدك" دور كبير بأنه قال لابد أن نتحرك نحو منازل الإخوة ولما تحركنا نحو هذه المنازل عرفنا أن الوضع طبيعي والإخوة ليس عندهم خبر عن الموضوع أساساً، لم تكن الهواتف مغلقة وإنما هذا كان تكتيكاً من القوات الأمريكية أنه تقوم بإحداث التشويش على الاتصالات في سبيل إرباك الأوضاع.
دعينا لاجتماع طارئ، اجتماع كل الإخوة للقيادات العسكرية منهم المعاونين والوكلاء واتخذنا عدة قرارات، وقلنا إننا يجب علينا الآن أن نقوم بمراسم الدفن والتشييع ومن بعد ذلك نجلس يومياً لنتخذ القرار. بعد انتهاء مراسم التشييع، اجتمعنا مباشرة وقد جَمعتُ الإخوان كلهم باعتباري كنت مكلّفاً من قبل الحاج "أبو مهدي" في المساعدة وطلبت من الإخوان وجميع المعاونين أنه يجب اتخاذ قرار في ترشيح شخص آخر بديلاً للحاج "أبو مهدي" حتى نستطيع اتخاذ القرار بالردّ على الحدث الذي وقع أو نقرّر ما سوف نفعله، فرُشحت 4 شخصيات لتكون بديلة عن الحاج "أبو مهدي المهندس"، وبعد التشاور تم الاتفاق أخيراً على تنصيب الحاج "أبو فدك" ليكون هو رئيس أركان الحشد واجتمعنا اجتماعا آخر مباشرة بعد تعيين "أبو فدك" لنتخذ القرار في صيغة الرد بأخذ الثأر إن شاء الله وطريقتها وتم وضع برنامج جديد استمر إلى يومنا هذا والكثير من البرامج الأخرى.
واقع الحال أن استشهاد الحاج "أبو مهدي المهندس" و"الحاج قاسم" كانت له صدمة كبيرة على الجميع بما فيهم المُتكلم. في هذه الليلة وصلت بنا الحال أن كذبنا الحادث ولم نستطع أن نصدق أن كليهما قد استشهدا، وكنا نتصور أنه إذا أستشهد أحدهما أقل شيء هو أن يكون الآخر سالم، لما تأكدنا من استشهاد "أبو مهدي" (رحمة الله على روحه) كنا نأمل من الله عزوجل أن لا يكون الحاج "قاسم" على متن الطائرة ولم يكن هو الضيف الموجود، لو كان الحاج "قاسم" موجوداً بعد استشهاد "أبو مهدي" كانت تخف عنّا وقعة الحادث وكان من الممكن معالجة الأمور. ولو كان "الحاج قاسم" استشهد مع وجود "أبو مهدي" كان أيضاً الحادث أسهل علينا، لكن بعد استشهادهما معاً في نفس الوقت أصبحت هنالك فجوة كبيرة في القيادات الأمنية وفي الدولة وفي صفوف المقاومين. لم يكن هنالك وجود لبديل واضح في تلك الفترة والآراء كانت متشتتة، كانت ليالي عسيرة جدّاً تقريبا بعد 3 أو 4 ليالي بعد الحادث. كان هنالك ضياع كبير لفقدان أكبر عمودين وركنين نعتمد عليهما، كنا نحاول أن نلملم الجراح ونستيقظ من هذه المصيبة التي وقعت علينا، ونوجد البديل الذي يُمكن أن يتّخذ القرار وسياسة العمل. كان يساورنا الخوف من أن يكون هناك تصرف غير محسوب أو غير مدروس، عملت بجهد كبير صراحةً، فقد أمضيت أكثر من شهر كامل في المكتب، أحاول قدر الإمكان العمل على لملمة الأمور ونطمئن الآخرين بأن الأمور إن شاء الله ستبقى كما هي، لأننا لا زلنا أقوياء ولا زالت لدينا القدرة على السيطرة على الوضع وأنه يجب أن يكون هناك حافز قوي للاندفاع نحو الأخذ بالثأر والسيطرة على عمل هيئة الحشد وعلى جميع الفصائل، وأن نكمل المسيرة. وبفضل الله سبحانه وتعالى استطعنا أن نتجاوز هذه المحنة مع الألم والحزن الكبير لفقدان هذين القائدين العظيمين وإخوتهم.
لقد كان الشهيدان الحاج "قاسم سليماني" والحاج "أبو مهدي المهندس" وخلال العمليات العسكرية التي شاركا فيها إلى جانب بعضهما البعض يهتمان بالبُعد الإنساني بشكل خاص إلى جانب اهتمامها بالبُعد العسكري. هل بإمكانكم الإشارة إلى بعض المصاديق المتعلقة باهتمامها بالبعد الإنساني خلال العمليات العسكرية؟
في أحداث شهر حزيران عام 2014، عندما وقعت مدينة "موصل" بيد داعش اتصل بي الحاج "أبو مهدي" وطرح عليّ فكرة أن نجمع فصائل المقاومة، ونشكّل هيئة الحشد ونجمع الحشود الجماهيرية للعمل بتحرير المدن، لقد كان أوّل قرار يتخده أبو مهدي المهندس هو فتح الطريق المؤدية باتجاه مدينة سامراء للمحافَظةِ على المراقد المقدسة الموجودة في المدينة، وهذه عملية أساسية وأوكل بها إليّ، لتنظيمها والاندفاع نحو المعركة في هذه العملية.
وطلب مني أن أضع خطة عسكرية لذلك، لأنني كنت أمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال خاصة في الخطط العسكرية، فقد كنت مسؤولاً عن أغلب العمليات العسكرية، وفعلاً قد وضعت خطة وعرضتها على الحاج قاسم والحاج أبو مهدي لكي يقوما بإجراء بعض التعديلات عليها.
فطرحت خطة سريعة لإنقاذ مدينة آمرلي. وقد كان بيننا وبين آمرلي حوالي 140 كلم مع وجود قوات العدو، فوضعت خطة لتطهير المدينة وتحريرها وفك الحصار عنها، ثم عرضتها على الحاج قاسم والحاج أبو مهدي ووضحت لهما طريقة العمل لتنفيذها.
"الحاج قاسم" قال: «أبو عامر كم فترة نحتاج حتى نصل إلى آمرلي»، قلت نحن نحتاج من 4 إلى 6 أشهر يعني بالحد الأدنى من 4 إلى 6 أشهر. فقال [الحاج قاسم] هذا تفكير عسكري وليس تفكير جهادي نحن لدينا عوائل محاصرة في آمرلي، ولدينا نساء محاصرات ولدينا أطفال محاصرون وهنالك حوالي 10 آلاف إنسان موجود في آمرلي، فإذا بقينا 4 أشهر أو 6 أشهر ممكن أن يُقتلون ويُذبحون فمن الضروري أن تفكّروا تفكيراً صحيحاً وتغيّروا خطتكم.
قلت له: حاج، هذا نظام العمل الذي لدينا، فلا إمكانية لاجتياز منطقة تبلغ 140 كلم مليئة بالمفخخات والانتحاريين والعبوات مع وجود الالآف من أفراد العدو، خاصة وأن داعش كان في قمة قوته في بداية الأمر. فقال أنّه لابد من وجود طريقة أخرى للاجتياز، فمن غير الممكن أن ننتظر عدة أشهر، بل علينا خلال أيام معدودات أن نفك الحصار عنها، فكان يركز ويؤكد على هذه القضية كثيراً، فقلت له: يجب أن نتخذ طريقاً آخر كطريق كردستان ولكن كردستان ليس لدينا تواصل معها ولا علاقات، فقال: أنا سوف أجد الطريق. وفعلاً قام هو بنفسه بإجراء اتصالات مباشرة مع قيادات أربيل، وحصلت الموافقة على تغيير مسار الأرتال العسكرية التي سنجلبها وندخل بها منطقة كلار في محافظة السليمانية. وأن نأتي من الشمال وليس من الجنوب لفتح طريق آمرلي. وفعلاً تمكنا من تحرير المنطقة في غضون شهر واحد. هذه كانت الاهتمامات الأساسية. وأذكر الآن حادثة أخرى للحاج قاسم، عندما حوصر الأهالي في مناطق الفوعة وكفريا في محافظة إدلب في سوريا، أرسل لي الحاج قاسم بأنه يجب الدخول إلى تحرير الفوعة وكفريا من الإرهابيين. كانت جبهة النصرة موجودة في تلك المناطق، الفوعة وكفريا تقعان على حدود تركيا، وهي مناطق بعيدة جداً وقرى صغيرة جدّاً. فقلت له يا حاج نحن نقدم الكثير من الشهداء والخسائر في سبيل إنقاذ قريتين صغيرتين على الحدود التركية أي هذه ليست بمهمة كبيرة بحيث أنّنا مثلا نحرر دمشق ونحرر مدينة حلب ونحرر منطقة مقدسة، ولكن في هذه المعركة بيننا وبين العدو مئات الكيلومترات ومنطقة وعرة وجبلية فالخوض في هذه المعركة فيها تكلفة كبيرة ونحن نقدم مئات الشهداء فيها. قال أنت مازلت تفكّر تفكيراً عسكرياً عليك أن تفكّر تفكير المجاهدين، نحن شعب ونحن أمة تربينا على أن نكون مجاهدين؛ هناك عوائل محاصرة في الفوعة يجب أن نعمل المستحيل، ونقدم آلاف الشهداء في سبيل حفظ كرامة هؤلاء الناس وحفظ كرامة هذه العوائل لأن هؤلاء الإرهابيون إذا دخلوا هذه القرى سوف يقومون باغتصاب النساء وهتك أعراضهنّ. دماؤنا رخيصة في سبيل حفظ كرامة الناس وحفظ كرامة أعراض المسلمين. هذا الرجل كبير جدّاً وعظيم لأنه يدافع عن مدن ودول وشعوب أخرى.
وقال أيضاً بأن المسلمين خرجوا من مكة ومن المدينة للحفاظ على أعراض الناس في أقصى الأرض، ونحن لسنا نقاتل في سبيل بناء دولة معينة بل نحن مجاهدون لكل المؤمنين ولكل المستضعفين في الأرض. تعلمت درساً كبيراً من "الحاج قاسم" ومن كلامه هذا، وعرفت حقيقةَ الجهاد، مجاهدين في سبيل إنقاذ المظلومين والمستضعفين في كل مكان من دون أن تكون هناك فائدة سياسية أو إعلامية مثل هذه القرى البعيدة والنائية. تربية "الحاج قاسم" هذه رُسّخت في بالنا وأصحبت منهجاً تسير عليه هيئة الحشد الشعبي وإخواني المقاومين. أقول إن هذه الدروس من "الحاج قاسم" تعلّمناها في سبيل المحافظة على الإنسانية والمحافظة على حقوق الناس وكان كذلك الحاج "أبو مهدي المهندس" عندما نعد خطة للعمليات ونعرضها للموافقة يقول هل أعددتم خطة للنازحين؟ هل أعددتم خطة للأطفال والجرحى والنساء الذين هم في خضم المعركة؟ أين سوف تأوونهم؟ هل أحضرتم لهم العلاج والماء والغذاء؟ كان الحاج "أبو مهدي" يؤكد علينا في كل معركة على هذا كلّه في سبيل حماية العوائل والاهتمام بهم بل حتى كان يؤكد على قضية إيجاد المستشفيات الخاصة بالأهالي والخاصة بالمقاتلين. كان هنالك 50 بالمئة من الاهتمام للمعركة ولاحتياجات المقاتلين و50 بالمئة الأخرى لاحتياجات العوائل والمناطق المحررة. هذه التربية هي تربية إسلامية، إضافة للتربية العسكرية، وتربية أخلاقية وسمات عالية جداً بالفضائل وموجودة لدى القائدين في نفس الوقت.
كسؤال الأخير، ما هي الخدمات الكبيرة التي أسداها الحاج "أبو مهدي المهندس" في مجال التغلب على الإرهاب التكفيري والحفاظ على السيادة العراقية وكذلك مواجهة الاحتلال الأمريكي؟
بعد العام 2014 حيث كان هناك انهياراً في الحكومة العراقية وانهيار في القيادات الأمنية وقيادة الجيش العراقي، كان يزور المقرات العسكرية باستمرار ويرفع من معنوياتهم، بأنه يجب عليهم أن يبقوا وأن يقاتلوا وأن يحافظوا على الدولة، وكان يقدم لهم كل التسهيلات.
كنّا نعطي للجيش الكثير من الأسلحة والكثير من الإمكانيات، بل كنا كذلك نقوم بتحرير المدن وتسليم المدن إليهم في سبيل المحافظة على معنوياتهم وبقاء الدولة. "أبو مهدي المهندس" كان يحافظ للعراق بشكل كامل ولم يكن يميّز بين الدولة والحشد ولم تكن له مساعي أخرى. كذلك قام ببناء الكثير من المستشفيات التي تقدم الخدمات للمناطق المحررة والجيش على حد سواء. كذلك حتى في قضايا الدعم اللوجستي كان يوصينا بالاستمرار قائلا: شاركوهم في طعامكم، شاركوهم في أموالكم أعطوهم كل ما يريدون. نقول له يا حاج نحن الذين نقاتل في الحشد ودور الجيش والقوات الأمنية في هذا المجال قليل، یقول: حاولوا قدر الإمكان أن تعطوهم كل شيء وأنتم خذوا الشيء القليل في سبيل المحافظة على معنوياتهم لتُعاد لهم الهيبة للحفاظ على البلد، البلد كبير ويجب أن تشاركوهم في هذا البلد، وإن انهارت القوات الأمنية الأخرى لا يستطيع الحشد أن يدير الدولة بأكملها.
كذلك كانت هنالك القضايا الإنسانية، يعني قام ببناء الكثير من المستشفيات والمؤسسات الخدمية للجرحى وللعوائل المتضررة وأعان الكثير، وأجرى عمليات للقادة والعسكريين بالجيش العراقي أسوة بإخوانهم في الحشد، بينما لم يكن هذا الشيء موجوداً في القوات الأمنية. أي الجريح في الحشد الشعبي يُعالج على هيئة الحشد بينما لا يعالج مثلاً على نفقات الجيش العراقي، بينما نحن في مستشفيات الحشد الشعبي نستقبل المدنيين والمصابين من الجيش ونستقبل جرحى الحشد الشعبي على حد سواء. كانت مواقفه إنسانية بشكل كامل لا ينظر إلى أي تمييز، کذلك بعد انتهاء المعارك كانت هناك الكثير من المشاكل في العراق مثل قضية الفيضانات، وكانت هنالك مشاكل بيئية في العراق، فوجّه [الحاج أبو مهدي] كل جهد الحشد الشعبي للدفاع عن المناطق التي جرت فيها الفيضانات ونزوح العوائل وتوفير الخدمات الطبية والغذائية لهم. هذا عمل إنساني كبير. في سنة 2018 كان هناك فيضان كبير في منطقة العمارة الواقعة في جنوب العراق فوجّه كل قوات الحشد الشعبي وإمكانياته اللوجستية والفنية والطبية في سبيل إنقاذ العوائل في تلك القرى النائية البعيدة التي لم يكن يصل إليها أحد، والمحافظة على بعض الآبار النفطية الموجودة هناك وإيجاد سواتر ترابية واستغرق العمل أكثر من شهرين. كل جهود الحشد الشعبي بُذلت في تلك المناطق التي كانت مناطق واسعة جداً وكبيرة وأنفق تقريبا 5 إلى 6 مليار دينار عراقي من أموال الحشد في سبيل إغاثة العوائل الفقيرة الموجودة في تلك القرى من باب دعم إنساني. لم يكن له أي هدف سياسي و لا هدف إعلامي حتى أن [الشهید أبو مهدي] يرفض أن يسلط الإعلام الضّوء على هذه القضايا ويقول نحن نعمل في سبيل الله وسبيل المستضعفين ليس لدينا أي هدف سياسي أو إعلامي آخر.
تعليقات الزوار