أجرى مراسل وكالة أنباء فارس مقابلة مع أحد رفاق الشهيد الفريق الحاج قاسم سليماني وهو "السيد إبراهيم يزدي نجاد" والذي كان من المنتسبين لحرس الثورة الإسلامية منذ عام 1980 في "اللواء 41 ثار الله" الذي قاده الشهيد سليماني منذ بداية تشكيله، تحدث خلالها يزدي نجاد عن بعض مناقب الشهيد سليماني.
وتحدث يزدي نجاد في هذه المقابلة عن كيفية معرفته بالحاج قاسم سليماني قائلا انه انتمى في بدايات عام 1980 بقسم العلاقات العامة للحرس الثوري وفي عام 1982 أصبح من كوادر اللواء 41 ثار الله ومنذ عام 1990 إلى عام 1997 كان المفتش الخاص للحاج قاسم سليماني في اللواء 41 ثار الله، كما اصدر يزدي نجاد الذي نشط في المجال الثقافي أيضا مجلة أسبوعية تحت عنوان "ثار الله" وكان هو رئيس التحرير فيها فيما كان الشهيد الحاج قاسم سليماني المدير المسؤول.
يقول يزدي نجاد إن في عام 1980 كان الحاج قاسم سليماني مسؤول التدريب في معسكر القدس التابع للحرس الثوري في كرمان وقد تعرف عليه هناك في عام 1981 ، ويضيف يزدي نجاد ان ابناء محافظة كرمان عندما كانوا يتلاقون ويجتمعون في جبهات الحرب ضد النظام العراقي السابق وكانوا يتبادلون الحديث ويناقشون القضايا العسكرية والتكتيكات الحربية والقضايا الثقافية والسياسية وغيرها لكنهم لاحظوا شيئا فشيئا أن أفكار ورؤى الحاج قاسم تختلف عنهم فهي أعمق وأكثر تكاملا منهم ولذلك فان الشباب الكرمانيين في الجبهات باتوا يلزمون الصمت حينما يتكلم الحاج قاسم وينصتون إليه وفيما بعد لم يسمح احد من الشباب لنفسه أن يخالف كلام الحاج قاسم.
وينصح يزدي نجاد كل من يريدون التكلم عن نهج الحاج قاسم أن يبدؤوا بتداول هذا النهج وهذا السلوك منذ عام 1981 ومن خلف المتاريس في جبهة سوسنكرد وكرخة قرب الحدود العراقية وصولا إلى تحرير منطقة بوكمال في سوريا، فهذا النهج متكامل ومترابط.
ويقول يزدي نجاد إن الشهيد قاسم سليماني كان ناجحا في كل المجالات وخاصة في تزكية النفس وان أثمن ما كان في وجوده هو خوفه من الله تعالى فهو قد خاض الجهادين الأكبر (مجاهدة النفس) والأصغر (الحرب العسكرية) بهذه الروحية والنفسية وكان طاهرا من رؤية الذات وإظهار النفس وهذا ما جرى طوال حياته.
ويشرح يزدي نجاد انه في عام 1981 لم يكن لواء 41 ثار الله قد تأسس بعد، وقد اتفق الشباب المنحدرون من محافظة كرمان على أن يكونوا مجتمعين في الجبهات وعندما ازداد عددهم في منطقة سوسنكرد أسس الشهيد سليماني هناك كتيبتين منهم على وجه السرعة وأصبح هو المسؤول عنهما وكان هو الاشد ذكاء والادق سيطرة على الأوضاع من الآخرين، وقد شنت القوات الإيرانية في تلك المنطقة عمليات "طريق القدس" في عام 1981 وكانت منطقة سوسنكرد هي مسرح العمليات التي توسعت نحو منطقة بستان وحررت القوات الإيرانية مناطق شاسعة في تلك العمليات من سيطرة العدو البعثي المجرم، وقد أصيب الشهيد سليماني هناك بجروح بالغة في الجانب الأيمن من الجسم وفي كتفه ويده والقفص الصدري وكان المجاهدون قلقون عليه وتم نقله إلى مدينة أهواز لتلقي العلاج ومن ثم نقل إلى مستشفى في مدينة مشهد المقدسة.
ولم يمكث الشهيد سليماني طويلا في المستشفى وعاد إلى كرمان والضمادات على جسمه وباشر بجذب القوات والمتطوعين للحرب وازداد عديد الشباب الكرمانيين المنخرطين ضمن قوات المتطوعين وفي نهاية عام 1981 اتخذ القرار بتأسيس لواء ثار الله بقيادة الحاج قاسم سليماني في منطقة شوش قرب الحدود العراقية، وهذه كانت بدايات انطلاقة هذا الشاب المجاهد المنحدر من منطقة العشائر والذي عاش الصعوبات في منطقة جنوب شرق إيران المحرومة وتحمل الصعاب بصلابة ورجولة ملأت وجوده.
واكتسب الحاج قاسم خبرات ثمينة وبقي في لواء 41 ثار الله حتى نهاية الحرب العراقية المفروضة على إيران ثم أصبح قائد الفيلق السابع وقائد منطقة جنوب شرق إيران في الحرس الثوري وأدى مهامه على أكمل وجه وقام بأعمال مؤثرة وترك أثرا خالدا في تلك المنطقة ونجح في إرساء الأمن هناك وفي عام 1997 عينه سماحة قائد الثورة الإسلامية قائدا لفيلق القدس في الحرس الثوري.
عندما سماه الصداميون "سارق الجرافات"
يقول يزدي نجاد إن القوات الإيرانية دخلت أثناء عمليات رمضان إلى داخل الأراضي العراقية لكنها لم تملك معلومات كافية عن هيكلية قوات العدو في مناطق القتال ورغم ذلك نجحت كتائب من القوات الإيرانية ومنها لواء ثار الله ووصلت إلى المناطق القريبة من مدينة البصرة العراقية وكانت تفصلها عن هذه المدينة 5 كيلومترات فقط لكن التقدم لم يحصل بشكل متناسق وهناك قوات لم تنجح في التقدم في بعض المحاور وهذا جعل القوات الإيرانية ومنها لواء ثار الله عرضة لالتفاف العدو عليهم من الخلف وكانت النيران المعادية شديدة وفي وسط هذه الاوضاع انقطعت أخبار الحاج قاسم سليماني وتحدث البعض عن استشهاده كما ترددت أنباء عن وقوعه في الأسر، وتراجعت الكتائب المتقدمة واستقرت في خط واحد مع باقي القوات، واستفاد الشهيد سليماني من هذه الفرصة وأنقذ القوات الإيرانية وتسلل لوحده إلى داخل مناطق القوات العراقية واستولى على جرافة لهم وعاد بها نحونا (لإيجاد المتاريس) وكان وقع ذلك صعبا على القوات العراقية ولفترة طويلة ظلت الإذاعة العراقية تنعته "بسارق الجرافات" (الإذاعة العراقية كانت تبث أيضا باللغة الفارسية لشن حرب نفسية على الإيرانيين) وربما هذا المصطلح ليس لائقا لأذكره لكنني أردت أن أتكلم عن شجاعة الشهيد سليماني الذي كان قائد لواء والجميع كانوا ينتظرون قراراته وقد أنقذهم وعاد بغنيمة حربية.
وفيما يتعلق بعمليات "والفجر 8" التي استولت فيها القوات الإيرانية على مدينة الفاو العراقية شرح يزدي نجاد تفاصيل قيادة الشهيد سليماني لطليعة القوات التي عبرت نهر كارون سباحة في ظلام الليل حينما كان الطقس عاصفا والأمواج عاتية، ونصيحته وإرشاداته للغواصين الذين عبروا النهر المتلاطم وتوصيته لهم بالتوسل الى الله تعالى لنجاح عملية عبور المياه والوصول إلى خلف القوات العراقية ومباغتتهم من هناك، وأضاف يزدي نجاد أن عملية اجتياز الغواصين للنهر استمرت ساعتين ونصف من دون وقوع أية خسائر في صفوف الغواصين لان تلك العاصفة طمأنت القوات العراقية بأن الإيرانيين لا يمكنهم تنفيذ عملية في هذا الطقس العاصف والأمواج الهائلة.
وأضاف يزدي نجاد أن قيادة الحاج قاسم سليماني وتدريباته للقوات جعلت من اللواء 41 ثار الله لواءا قويا وذائع الصيت وكوادره هم من أبناء منطقة جنوب شرق إيران، كما كان الحاج قاسم يهتم بالشؤون الثقافية للأفراد وعناصر اللواء وكان يعظم علماء الدين ويجلس أمام منابرهم ويستمع لمواعظهم.
وينقل يزدي نجاد أن الحاج قاسم سعى لتربية نفسه ليكون مؤهلا لنيل وسام الشهادة وكان يقول انه يكره أن يستشهد على يد شخص يحمل عنوانا أو اسما إسلاميا وكان يكره أن يستشهد على يد داعش وجبهة النصرة مثلا وفي الأخير رأينا كيف استشهد على يد أناس يعتبرون أشقى الأشقياء.
وشرح يزدي نجاد أن الحاج قاسم كان دائما ضمن القوات المتواجدة على خطوط التماس الأمامية مع العدو ويحفر الخنادق بيده ويقود القوات في آن معا، وكان لا يقبل بان يتعامل أي قائد عسكري بأسلوب حاد مع العناصر التي تحت أمرته وكان يقول دائما أن أبناء الناس وأبناء المواطنين هؤلاء هم أمانة في أعناقنا وإذا كان هناك قائد عسكري لا يقوم بواجب إسناد القوات كما يجب كان يؤاخذه وكان هو بنفسه يقاتل إلى جانب المقاتلين في الصفوف الأمامية.
خدماته التنموية
عندما كان الحاج قاسم سليماني مسؤولا للمنطقة الجنوب شرقية لإيران كان يهتم بتنمية تلك المنطقة وخاصة المناطق المحرومة التي يدفع الفقر أبنائها لارتكاب الجرائم وكان يقول بان هؤلاء لا مياه في مناطقهم ولا آبار ويجب خلق فرص عمل لهم فأمر بحفر الآبار واستحصال المياه ومهد بذلك لإرساء الأمن ووفر فرص العمل لهؤلاء لكنه في نفس الوقت كان حازما ضد الأشرار والطغاة، انه وفر فرص العمل للكثير من العاطلين عن العمل والمغرر بهم وبذل كل ما بوسعه لتنمية مناطق جنوب شرق إيران.
ومن الأعمال التي قام بها الحاج قاسم سليماني ابان فترة الحرب كان جلب الأساتذة إلى الجبهات ليكمل الشباب تعليمهم حتى في الجبهات لان الحرب منعتهم من فرصة مواصلة الدراسة وهو أيضا واصل دراسته الجامعية بعد انتهاء الحرب ودرس مادة الإدارة الحكومية في جامعة باهنر وعمل لبعض الوقت استاذا جامعيا.
المحلل الحذق
ويتابع يزدي نجاد انه عندما كان يحضر الحاج قاسم اجتماعا لإلقاء الخطاب فكان الجميع ينصتون إليه بانتباه ليروا ماذا يقول، وكان يتمع بقدرة عالية على التكلم والإفهام وكان محللا حذقا واينما كان يحل كان الصمت يسود وكان الجميع بانتظار كلامه وأفكاره.
وقد بذل الشهيد سليماني جهودا ثقافية عظيمة لنشر ثقافة الجهاد والثبات والمثابرة بين صفوف المتعلمين والشباب وفي الجامعات في محافظة كرمان وأشاد سماحة قائد الثورة الإسلامية بانجازات وأعمال الشهيد سليماني على الصعيد الثقافي والإسلامي أيضا ووصفه بـ "الشهيد الحي" .
وفي جبهات القتال وفي الصفوف الأمامية حينما كان القتال محتدما لم يكن الكثير من أفراد اللواء يعلمون بان الذي يحضر إلى جانبهم ويقاتل معهم هو قائد اللواء وفقط حينما كان اسمه يتردد خلف جهاز اللاسلكي ويجاوب على الاتصال (وكان معروفا باسم "حبيب") كان الافراد ينتبهون بوجود القائد الى جنبهم.
وأثناء الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة بم الإيرانية في عام 2003 حضر الحاج قاسم سليماني والشهيد احمد كاظمي (قائد القوات البرية للحرس الثوري) في المنطقة بسرعة واستقرا في المطار الصغير في المدينة وقادا عمليات الإنقاذ والإغاثة في طقس بارد تصل درجات الحرارة فيه الى 9 درجات تحت الصفر واصدر تعليمات لقائدي طائرة ايرباص عملاقة بكيفية الهبوط في مدرج هذا المطار الصغير رغم صعوبة هذا الهبوط وحينها تكلمت معظم وكالات الانباء المحلية والأجنبية عن هبوط طائرة عملاقة في هذا المدرج الصغير ، وبعدها توالت الرحلات الجوية التي حملت المعونات للمنكوبين وحملت الجرحى إلى المستشفيات، وبعد 3 ايام هبطت طائرة تقل سماحة قائد الثورة الإسلامية الذي حضر إلى المنطقة لتفقد الاوضاع.
وشرح يزدي نجاد ان الشهيد الحاج قاسم سليماني كان على علاقة وطيدة جدا مع الشهيد "يوسف الهي" (احد شهداء محافظة كرمان) وكان هذا الشهيد عارفا من العرفانيين وشخصا متعلما وكان الشهيد سليماني يبذل كل جهده ليقتدي بهذا الشهيد وكتب في وصيته بان يدفن الى جانب هذا الشهيد العظيم وكان ذكر هذا الشهيد دائما على لسان الشهيد سليماني.
وكان الشهيد الحاج قاسم سليماني يهتم كثيرا بوالدة احد الشهداء وهو الشهيد "علي شفيعي" الذي كان ابنها الوحيد بعد ان فقدت زوجها وابنتها في وقت سابق أيضا وكان يتصل بها باستمرار من الجبهات في العراق وسوريا ويتفقد أحوالها دوما ويطلب منها الدعاء.
كما كان الشهيد سليماني خدوما لوالديه إلى أقصى الحدود وقد بنى "فاطمية" لإقامة مراسم العزاء في كل عام في بيته في كرمان وكان عناصر الحماية الأمنية قلقين لاحتمال وقوع هجوم انتحاري يستهدف مجلس العزاء الذي يحضره الشهيد سليماني وكان يقول "لا تخافوا" وكان يصافح من يأتي لمصافحته.
تعليقات الزوار